الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمير عبد القادر الجزائري بين العلم والدين .

الطيب آيت حمودة

2009 / 12 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المتصفح لكتاب ذكرى العاقل وتنبيه الغافل للأمير عبد القادر الجزائري يتضح بأن الرجل لم يكن فارسا للحرب والشعرفحسب، بقدر ما كان متبحرا في التصوف والفكر واللغة كذلك ، وقد أبرز في كتابه تنبيه الغافل جملة من الأفكار العقلية سبق بها غيره من عباد اليوم رغم الفوارق الزمنية بين عصره وعصرنا .
**التجربة سبيل لصدق القول، وجودة الفكر، وسداد الأحكام :
المتتبع لحياة الأمير عبد القادر الجزائري واحتكاكه بأمم الشرق والغرب ، ونضاله الطويل ضد الإستعمار وسعيه المركز لتكوين الدولة الجزائرية ، كفيل بوضع فكره موضع اليقين ، لأن التجربة والمعاناة سبيلان لصقل الموهبة وصدور أفكار أكثر قبولا من الغير ، وقراءة متأنية لكتابه تكشف شبها لفكر ابن رشد في محاولة التقريب بين العلوم الدينية والعقلية ، وهي أفكار حداثية استقاها من صراعاته ، وتفاعله كجسر للتقارب الغربي المسيحي مع الشرق الإسلامي ،وهو صاحب حضوة في الباب العالي وعند نابليون الثالث ، والذي ارتفعت شخصيته الإنسانية المعبرة عن التسامح الإسلامي أيام محنة المسيحيين عام 1860 . ولا شك أن هذه المواقف لا تقبل بسهولة من ذوي الفكر النكوصي المستلهم من التراث الذي يجعل الإنسان منفعلا لا فاعلا ، منقادا لا قائدا ، مجبرا لا مختارا ، وكثيرا ما وصفوا مواقف الرجل بالماسونية خاصة عندما أشهر رأيه حولها بقوله (أن كل رجل لا يجاهر بالعقيدة الماسونية يُعَدُّ رجلاً ناقصاً)[*] .
**بين علوم الشرع وعلوم العقل :
وذاك موضوع سبق لابن رشد خوضه ، وكلفه التهجير والتكفير، والحرق لكتبه ، لما لإفكاره من خطورة على المهيمنين على الفكرالديني آنذاك،والذي لا يرى إلا الثبات والإستقرار، ثبات واستقرار الكرة الأرضية في إفتاءات ابن باز ؟ دون الخوض الجدلي في أمور العقيدة ، حتى أن بعضهم كفر الفلاسفة والعلماء، فأصبح البتاني وابن سيناء يلقبان بفراخ الهند واليونان؟ وغدا التفكير في عمل السابقين ووزن مجهودهم شيئا محرما يؤدي إلى التضليل والتكفير .
ومن جملة الأفكار التي طرحها أميرنا الجزائري في كتابه تنبيه الغافل، والتي استوقفتني وهزتني لما لها من وقع على عالم اليوم ، الذي يجرنا البعض وراء لا أماما ، في محاولة لتطبيق ما صُلح به الأولون عن طريق الفتوى والتاريخ المستلهم من القرون الأولى، بوسائل وإمكانات مخالفة أنتجها العلم العلماني التحرري، وهو ما يخالف قول الخليفة الراشدي الرابع القائل ( ربوا أبناءكم على غير تربيتكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم ؟) فالأمير مقتنع بالتكاملية بين العلوم الشرعية والعلوم العقلية، قائلا ( فالذي يدعو الناس إلى التقليد المحض، مع عزل العقل، جاهل. والمكتفي بمجرد العقل عن العلوم الشرعية مغرور. فإياكم أن تكونوا من أحد الفريقين، وكونوا جامعين بينهما) [*]، فهو يرى أن لا تناقض بين العلمين الشرعي والعقلي ، مستندا إلى الدليل الذي ينطلق من النظام إلى المنظم ، إذ لا يعقل أن يجري الكون بهذا النظام العجيب بدون عقل مدبر لها هو الله سبحانه وتعالى ، كما أنه يرى( أن الدين فواحد، باتفاق الأنبياء، وإنما اختلفوا في بعض القوانين الجزئية. فتكذيب جميعهم أو تكذيب البعض وتصديق البعض قصور،)[*]، فهو في هذا الجانب لايرى تباينا بين المسلمين والنصارى ، فلو تم الإصغاء إليه لرفع الخلاف بينهما [*]كما يرى أن لا تناقض في خطابات الأنبياء مع الفلسفة والعلم ، ورسالتهم لم تكن هادفة لمجادلة الفلاسفة ولا لإبطال علوم الطب والنجم ولا علوم الهندسة ، ومن يعتقد أن العلم يناقض الدين فد جني عليه [*] .
وأهم فكرة أبرزها الأمير في تقديري هي فكرة العلاقة بين النقل والعقل ، أي العلاقة بين الحكم الشرعي والتاريخ ، فالحكم يتغير بتغير العصور ، ومن يزدري القائلين بالنسخ جاهل بتدبر الأحوال . ولعل في هذا القول ما يربك القائلين بتقمص حياة الصاحب من الصحابة ، أو استبعاد العلم عن الدين ، وهو أمر يجعل منا نعيش لآخرتنا لا لدنيانا ؟ وبتقدم الزمن يزداد العالم تقدما ، ونزداد نحن معشر المسلمين نكوصية وتخلفا ، وتختفي الآية واعدوا لهم ما استطعتم من الوجدان، ونبقى دائما في انتظار ما يجود به الغرب العلماني علينا ونحن ممدودو الأيادي للسماء وأمريكا .
الخاتمة .
أن ما يستهلكه عالمنا الاسلامي في مختلف المجالات يأتينا من الغرب العلماني ، نستهلكه دون أي تفكير في محاكاته وتقليده ،وفشلنا حيث نجحت المسيحية واليهودية ،الكونفوشية ،والبراهماتية ، والمسلم الحصيف يتساءل بحرقة عن السر الكامن وراء هذه البلادة التي تجعل التلميذ دائم الإخفاق في اللحاق بغيره ، قد يكون السبب في النظام القيمي أو التعليمي أو السياسي أو الفكري ، أو الديني ، أوقد تكون جميعها .
المرجع
[*]عبد القادر الجزائري، ذكرى العاقل وتنبيه الغافل، تحقيق وتقديم د. ممدوح حقي، بيروت 1966.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما جدوى
عبد القادر أنيس ( 2009 / 12 / 13 - 09:00 )
ما جدوى العودة إلى قراءة الأمير عبد القادر وأمثاله يا سيد آيت حمودة؟
هل فكرة التوفيق بين العقل والنقل لها قيمة إيجابية اليوم؟ أنا لا أعتقد .
العلمانية التي ننشدها على عكس ذلك. هي الفصل بين مجال العقل ومجال النقل. أما التوفيق فهو قيد لا بد من كسره. لا يجب أن نواصل الاحتكام في كل مسألة سياسية وعلمية واجتاعية تطرأ علينا لرأي النقل.
لعل هذا من الأسباب الرئيسية لتخلفنا. ولعلني لا أخطئ إذا قلت إن أهم فائدة نرجوها من دراسة تراث الأمير عبد القادر وأمثاله هو الوصول إلى الأسباب التي جعلت هؤلاء الرواد يفشلون في فهم الحداثة الغربية لأنهم لم يتمكنوا من التخلص من أثقال الماضي.
لعلك قرأت كتابه المقراض الحاد ومستواه المعرفي المتخلف. الرجل فشل في إقامة دولة جزائرية لأنه كان يحارب بطريقة قروسطية غازيا حديثا.
تحياتي


2 - بين البتر والجبر .
الطيب آيت حمودة ( 2009 / 12 / 13 - 10:32 )
التوفيق بين العقل والنقل سبيل لاستبعاد البتر ، وتقريب بين فهوم أهل العقل ، وأهل العلم ، المتواجدان على طرفي نقيض ، وهو ما أحدث ارتجاجا بين الخصمين قد يؤدي إلى فشل المشروعين فشل الأمير في ثورته ضد الحداثة الغازية ، وغرس قيم الحداثة والعلمانية وإن كانت حسية قد تتطلب جهدا مضنيا في ترشيد القوم الذين تغلب عليهم قيم النقل وترسخت و تصلبت ويصعب تحريرها من ألأدران العالقة بها ، وأكثر الأساليب في تقديري هي التؤددة والتدرج في رسم معالم التماهي مع العلم بجراعات دوائية متناسبة لطبيعة السقم المدرك ، إنتقال من النقل ،إلى التوفيق بين العقل والنقل ، ثم إلى أخيرا الى العلمية ، حتى لا تحدث شروخات وتمزقات يصعب برؤها ،وذاك لا يتسنى كليا لوجود معيقات إيمانية طافحة ، تجعل أحيانا من الترياق بلا نفع ، لأن الخلق مجبلوا الطبع ، ولا يمكن استقامة ظلهم والعود أعوج .
تحياتي على ملاحظاتك المتميزة يا أخي أنيس

اخر الافلام

.. المناظرة بين بايدن وترامب.. ما أبرز الادعاءات المضللة بعد أد


.. العمال يحسمون الانتخابات قبل أن تبدأ، ونايجل فاراج يعود من ج




.. لماذا صوت الفرنسيون لحزب مارين لوبان -التجمع الوطني-؟


.. ما نسبة المشاركة المتوقعة في عموم أسكتلندا بالانتخابات المبك




.. لجنة أممية تتهم سلطات باكستان باحتجاز عمران خان -تعسفا-