الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيضا منظر الملتحين وأصحاب - الدشاديش- القصيرة يجرح ذوقنا وهويتنا فهل نمنعهم؟

نادية عيلبوني

2009 / 12 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لنحاول ولو لمجرد التمرين على فكرة التعددية والتسامح وقبول الاختلاف وقبول الآخر واحترامه ،أن نتحدث بصراحة ، أو على الأقل أن نحّول ما نهمس به لبعضنا البعض إلى حديث علني ، لعل وعسى أن يقودنا هذا إلى مجتمع صحي ينحى باتجاه التعافي.
لقد قامت الدنيا ولم تقعد عندنا لمجرد الإعلان عن مسابقة لملكة جمال فلسطين. ولقد سمعنا بهذه المناسبة آراء الكثيرين التي جاء أغلبها على صورة وعظ وإرشاد وخطابات وفتاوي ما أنزل بها الله من سلطان. ونستطيع القول أن ما قدم حتى الآن تجاوز الرأي ليصل إلى حاوية الشتائم والتهديدات التي وإن عبرت عن شيء ، فإنها تعبر أصدق تعبير عن هلع الفلسطيني من فكرة الحرية وتجسيداتها الاجتماعية، أو حتى رعبه من قبول أبسط مظاهرها ونتائجها .
ونستطيع القول ونتيجة لكل الجدل والحوارات التي تمنطقت بالشرف والدين ولبست معطف الوطنية المرقع ، أن ما سمعناه حتى الآن هو بمثابة استفتاء غير مباشر عن مدى صدقية الفلسطينيين في تطلعلهم نحو الحرية.
والحرية ، هذه الكلمة السحرية التي نتشدق به على صفحات مواقعنا وجرائدنا ليلا نهارا مطالبين بانتزاعها من المحتل،ومتباكين على ضياعها، لا يمكن أن تقبل التجزئة أو القسمة. إذ لا يمكنني الادعاء بأحقيتي في المطالبة بحرية الوطن ، وأنا اضطهد أهلي وأخوتي .كما لا يمكنني أن أكافح من أجل أن يتوقف المحتل عن جلدي في الوقت الذي أحمل فيه سوطي ليلا ونهارا لأجلد به أبناء شعبي. كما لا يمكننا أن نندد بسياسة مصادرة الأراضي واعتبارها غير شرعية ، في الوقت الذي نقوم فيه بمصادرة والتهام حقوق بعضنا بعضا تحت حجج وذرائع شتى. كما لا يمكننا الادعاء بعدم أحقية إسرائيل في إقامة الجدران والحواجز ، في الوقت الذي نضع فيه ألف حاجز وجدار داخل وأمام عقول بعضنا بعضا ، ونقيم فيه جدرانا حديدية وإسمنتية لمنع المجتمع الفلسطيني من التعبير عن نفسه في مجتمعه بحرية تامة.
وإذا كان من حق أصحاب الرأي المتشدد أن يفرضوا آرائهم إلى حد تحويلها لتصبح قانونا نافذا ، فإن العدل الذي تفترضه الحرية ، سيعطي المخالفين بالرأي الحق ذاته، لا لقول رأيهم فحسب ، بل أيضا لفرضه، وجعله قانونا نافذا.
إلا أن لا هذا ولا ذاك يمكن أن يكون صحيحا، فالإدلاء بالرأي هو حق للجميع في المجتمع دون استثناء. وهذا الحق يأتي وفقا لشرعة حقوق الإنسان، والتي ساهم بعض الحقوقيين العرب في صياغتها،والتي نطالب العالم ليلا نهارا بتطبيقها . ولنا أن نذكر الجميع، أن حقوق الأفراد والجماعات في الشرعة الدولية لها الأولوية على ما عداها ، حتى أنها تتقدم على حقوق وحرية الأوطان.
ولكن إلى أي مدى يمكننا أن نمتحن قدرتنا في تحمل الرأي المختلف في المجتمع الفلسطيني؟
و كيف سيتقبل المتشددون عندنا الرأي القائل أن ظاهرة أصحاب اللحى ، وخصوصا تلك المحناة، إلى جانب ظاهرة "الدشاديش" القصيرة، مضاف إليها ظاهرة النساء اللواتي يضعن البرقع على وجوههن،ولا تظهر منه سوى عيونهن، هي من الظواهر المنفّرة والبشعة والغريبة على المجتمع الفلسطيني وعلى عاداته وتقاليده ،وطالب استنادا إلى رأيه هذا بمنعها لأنها تهين هويتنا الوطنية،ولا تتلائم مع ثقافتنا وفلكلورنا الفلسطيني الذي يعتمد بالأساس على الحطة والعقال بالنسبة للرجل وعلى لبس الثوب الفلسطيني ذو الألوان الزهية، بالنسبة للمرأة. ماذا لو وقف أحدهم مطالبا بمنع هذه الظواهر بقوة القانون، وادعى في مطالبته تلك أن هذا اللباس يهين هويتنا الفلسطينية في الصميم كونه يجعلنا نتشبه بالمجتمعات المتخلفة الخارجة للتو من رحم كهوف وجبال تورا بورا في أفغانستان؟ هل يحق لأحد المطالبة بقانون يمنع هؤلاء من ارتداء تلك الملابس بدعوى انها هجينة على تراثنا ولأنها تجعلنا نبدو كمجتمعات إرهابية ورعوية وهمجية؟
ستقوم ولن تقعد الدنيا عندنا، لو حدث هذا بلا أدنى شك.ومن حق من يعترضون على رأي كهذا أن يدافعوا عن وجهة نظرهم. لا جدل في هذا. وهذا كله يعني أنه ليس من حق أصحاب الرأي أن يجعلوا من أنفسهم قضاة على المجتمع. وليس من حقهم أن يفرضوا آرائهم على الجميع ،ولا يعني التعلل بالوطن والقضية الوطنية ، أو العادات والتقاليد والشرع أن بإمكان كل من هب ودب الاعتداء على الحريات الاجتماعية والشخصية ومصادرتها مهما كانت وجاهة الحجج والمبررات.
لا أحد منا بإمكانه الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة ، الحقيقة المطلقة لا يمكن إدراكها أو الوصول إليها لأنها شأن إلهي ،لا علاقة للبشر به. وبما أنها شأن إلهي ، فإن هذا يعني أن من حق أي أحد أن يفسر المطلق والإلهي بالطريقة التي تعجبه أو تلائمه، شرط أن لا يفرض تفسيراته تلك على الجميع لتتحول إلى قانون ثابت لا يمكن منعه أو معارضته. وبما لسنا آلهة ، وبما أننا بشر قد نصيب وقد نخطأ ، فإن هذا يعني أن نعرف حدودنا ولا نتجاوزها .
فإلى الذين لا يعجبهم وجود مسابقة لملكة جمال فلسطين، نقول ، لا تشتركوا فيها ، وامنعوا نسائكم إذا كن من بين الجميلات من المساهمة فيها ، ولكن بالمقابل عليكم أن تحترموا إرادة من يعجبه هذا ويريده .عليكم احترام آراء وإرادة كل من يجدها ظاهرة صحية وحضارية وإنسانية ويريد المساهمة بها ورؤيتها.وإذا شعرتم بالحرج أو الألم ، أو الخجل من رؤية الجميلات أثناء عرض المسابقة ، فما عليكم إلا أن تستعملوا جهاز التحكم لرؤية قناة المنار أو قنوات حركة حماس ، أو أية فضائية أفغانية وطالبانية أخرى تتوائم مع ما تعتبرونه مناسبا لقناعاتكم الوطنية والدينية والاجتماعية. وبهذا تعفوننا وتعفون المختلفين معكم في الرأي ، من دروسكم "العظيمة" عن الشرف والأخلاق والوطنية وغيرها من دروس مدارس الكتاتيب القديمة التي حفظناها عن ظهر قلب، وبهذا أيضا، تكونون قد مارستم قناعاتكم ومفاهيمكم على أنفسكم بحرية دون ضغط أو إكراه ،ودون أن تعكروا – وهو الأهم- علينا وعلى الآخرين مزاجهم ورغبتهم في رؤية الجمال والجميلات.
صحافية فلسطينية مقيمة في فيينا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخت نادية..
زهير دعيم ( 2009 / 12 / 14 - 12:57 )
انت مُحقّة فيما ذهبت اليه.
متى سنصحو من غفوتنا التي طال امدها؟
طابت ايامك


2 - تحيه
فيصل البيطار ( 2009 / 12 / 14 - 14:16 )
شكرا لك على هذا المقال التنويري الجميل ...إستمري، مع دعمنا وإعجابنا .


3 - مقال فى قمة الروعة ويخاطب العقل
مواطن ( 2009 / 12 / 14 - 15:20 )
الاخت العزيزة نادية
لقد لخصتى اغلب مشاكل الامة الاسلامية بمقال بسيط وسهل الفهم والاستيعاب يدون تكرار واعادة
اشكرك من كل قلبى على هذا الحس المرهف والعقل البناء , والضمير الحى
اوكد على ما قلتى بة بان العبد فى داخلة لا يمكن ان يطالب بالحرية , بل فقط الانسان الحر , الانسان العزيز الكريم والمحترم بمجتمعة هو الوحيد الذى يستطيع محاربة المحتل وتحقيق النصر
شكرا مرة اخرى


4 - لولا هذا التنازل
عبد القادر أنيس ( 2009 / 12 / 14 - 16:41 )
مقالك جميل وذكي لولا أني لمست فيه تنازلا في غير محله.
معذرة فأنا كعلماني ملحد صرت شديد الحساسية لكل ما يمت للدين بصلة كوني أعيش في بلد مسلم سني مالكي ساهم الدين ولا يزال في تبليد عقول الناس وفي تعطيل الإرادات.
قلت: ((الحقيقة المطلقة لا يمكن إدراكها أو الوصول إليها لأنها شأن إلهي، لا علاقة للبشر به)).
تقديري أن هذا تنازل للدين ولرجاله سوف يفرحهم لأنهم حراس هذه الحقيقة التي يزعمون أن الله قد أنزلها ذات يوم على نبيهم وهي مدونة في كتابهم وسنة نبيهم وهي لا تقبل أبدا إقامة حفل لانتخاب ملكة جمال فلسطين مهما حاولنا تمطيط الدين الإسلامي وتأويله.
ليس هناك حقيقة إلهية مطلقة ولا هم يحزنون، هناك حقائق نسبية بشرية لا يتوقف البشر عن إثرائها وتعديلها وتطويرها بل وعن أكتشافات الكثير من حماقاتها.
أرجو ألا تكون ملاحظتي نشازا في أفكار المقال الصائبة في مجموعها.
تحياتي


5 - يغطي رأسه.. لكشف عورته ؟من هو؟
العقل زينة ( 2009 / 12 / 14 - 17:54 )
الإله عرفوه بالعقل.... أما أصحاب الدشداشة واللحية إلههم يلبس جلابية ويأمر بحجاب الحورية وتربية ملائكته اللحية.. و..... عجبي علي اللي عايش هكذا تقية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


6 - ليس المطلوب مسابقة للجمال فقط
صلاح يوسف ( 2009 / 12 / 15 - 04:03 )
المطلوب هو الانتهاء من سيطرة الأصولية على مقاليد الخطاب ومن فرضهم لتسلطهم على الناس باسم الدين وباسم الإسلام. المطلبو علمنة تفكير الأجيال الحالية وإقناعهم بثقافة الحياة من خلال إرساء السلام والمساواة والمشاركة في التقدم الإنساني. لا يجب التنازل لرجال الدين في أي شيء فالإسلام دين عنصري إرهابي يجب حظره وحظر تعليمه في المدارس وبدون ذلك لن تنتهي المشكلة.
تحياتي


7 - تأييد كامل لعبد القادر أنيس وصلاح يوسف
خـالـد صـفـدي ( 2009 / 12 / 15 - 15:03 )
تأييد كامل لهذين المعلقين الرائعين. وتأييد نصفي لكاتبة المقال لأنها لم تجرؤ على كتابة سوىأنصاف الحقيقة, وتركت الباقي لتخيلات القارئ.. وبعض الفتاوي.مزيدا من الجرأة يا سيدتي.


8 - الى الجهنم يا اصحاب يعفور
سركون البابلي ( 2009 / 12 / 15 - 16:39 )
هل سننظف بلادنا من هذا الداء ؟هؤلاء هم من اكثر العابثين بالاخلاق اذا كان لهم ريح من الاخلاق, الى متى تبقى هذه الشعوب متملقة لكل جبان يحمل بندقية ياشعوب الشرق انهظي من الغفوة التي طالت ,ليس هناك نص الهي مقدس ,هناك شئ واحد يجب تقديسه الاوهي الحياة والحرية وكل ماهو غير ذلك فليكنس ويرمى في مزبلة التاريخ ,كتبهم ولحاهم وبرقعهم

اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال