الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما لا يفهمه المسلمون (على هامش النقاش الدائر بسويسرا)

أحمد عصيد

2009 / 12 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أظهر النقاش الذي كانت سويسرا مسرحا له في الأيام الأخيرة، و الذي حسم باستفتاء شعبي صوت فيه الشعب السويسري ضد مطالب المسلمين السويسريين، أظهر حقيقة الأزمة التي يعيشها المسلمون بالبلدان الغربية الديمقراطية، و هي أزمة تتشخص أساسا في أنّ مشكلتهم هي في وقوعهم في شرك الوهابية العالمية المسلحة بالثروة النفطية، و في أحابيل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، اللذين استطاعا أن يعرقلا بنجاح اندماج المسلمين السلمي و الحضاري في البلدان الغربية المتقدمة.
كانت سويسرا و ما تزال بلدا يثير إعجاب كل العالم بنظامه و قوانينه و نظافته و جمال طبيعته و رفاهية أهله و احترامهم للقانون، و كان الجيل الأول من المهاجرين المسلمين يأتي من المهجر خلال أيام العطل ليحكي بانبهار تفاصيل ما ينعم به في ذلك البلد الأوروبي من حقوق و رغيد عيش، كما لم يكن معظمهم يتوانى عن التعبير عن أسفه لما يجده في بلده الأصلي من فوضى و خرق للحقوق و هدر للكرامة و احتقار للإنسان.
و لكن هاهم مسلمو اليوم ـ الذين يختلفون عن مسلمي الأمس بدرجة إصابتهم بطاعون الوهابية و وباء الإخوان المسلمين ـ و الذين يعيشون في بحبوحة الرفاهية الغربية، متمتعين بكل الحقوق التي يتساوون فيها مع غيرهم من المواطنين السويسريين، ها هم يقيمون الدنيا و لا يقعدونها لأنهم "ظلموا"، ليس في حق من الحقوق المتعارف عليها في البلاد الغربية، بل في حق "خصوصي" جدا، هو حقهم في أن تكون لمساجدهم مآذن طويلة و عريضة كما في البلدان الشرقية، و أن تكون لهذه المآذن ـ و لم لا ـ أبواق تشنف أسماع كل السكان الآخرين بالآذان على الطريقة السعودية، و من يدري فلربما تأثر هؤلاء الكفار الغربيون بالترانيم الشجية للمؤذن ـ المنشد فيهديهم الله للإسلام.
لم يجد مسلمو سويسرا من مشكل يطرحونه على دولتهم الديمقراطية الجميلة البهية، فهم ينعمون بكل حقوقهم كغيرهم تماما، و لكن التطرف الديني البدوي، و الذي لا يمكن أن يدع مسلما ينام في طمأنينة و أمان، وسوس لهم بأن مشكلتهم هي في الصوامع و في الآذان، و بأن الديمقراطية الغربية قابلة للإختراق من خلال مبادئها المتسامحة، من أجل إعادة تشكيل الفضاء السويسري بالتدريج وفق مقتضيات البداوة العربية. ففي سويسرا 170 مسجدا لا يتوفر منها على مآذن إلا أربعة فقط، و المطلوب المزيد من المآذن، و المزيد من أسلمة الفضاء العام، تطبيقا للديمقراطية الغربية المتسامحة، هذا هو مطلب المسلمين اليوم في سويسرا.
و السؤال المطروح هو : لماذا صوت الشعب السويسري، المشبع بمبادئ الحرية و المساواة، ضد مساعي المسلمين ؟ هل تنكر الشعب السويسري للمبادئ التي تربى عليها ؟ و من أين جاء هذا الخرف من صوامع المسلمين و مآذنهم ؟ الجواب هو أن الشعب السويسري لم ير في مساعي المسلمين مطلبا ديمقراطيا، بل قرأ فيها أمورا أصابته بالرعب بعد ما لاحظ سلوكهم و ثقافتهم و قيمهم التي يبشرون بها، و التي لا يتوانون عن التأكيد على أنها تجعلهم مختلفين عن غيرهم، و ذوي "خصوصيات" خاصة جدا يعتبرونها "أفضل" مما لدى الناس، إنه خوف مبعثه الشعور بوجود شيء يتم الإعداد له ليس من قيم سويسرا و لا هو من حضارتها، شيء غريب لا يقبل أن ينسجم مع غيره و لا أن يتعايش مع ما يخالفه، شيء هو على طرف النقيض تماما من المبادئ التي قامت عليها دولة سويسرا العصرية، فالإسلام في الغرب ليس مجرد صلاة و إيمان باطني، بل حولته الوهابية إلى إيديولوجيا للحقد على حضارة الغرب و ثقافته، و مساجد المسلمين في الغرب ليست مجرد أماكن للعبادة كالكنائس أو البيع أو المعابد البوذية، بل أصبحت بفضل الدعاة و الأئمة الممولين تمويلا جيدا فضاءات لنشر قيم و أفكار جعلت المسلمين يعيشون في ورطة حقيقية، و في أزمة هوية خانقة و مليئة بالمفارقات:
يريد مسلمو سويسرا و الغرب عموما استعادة الإسلام "الصافي" و "النقي" كما هو في منابعه الأصلية "مكة" و "المدينة المنورة" ، أي بلاد الحجاز، و برواية و تفسير علماء السلف، و لكن دون مغادرة البلاد الغربية أو التفريط في مكاسبهم فيها، و دون التفريط في هياكل و قوانين الدولة الديمقراطية التي ينعمون تحت ظلها بكل الحقوق، يريدون أموال الغرب و حقوقه و مكاسبه المادية، و لا يريدون قيمه و فلسفته التي بفضلها ينعمون بتلك الحقوق، يريدون الإسلام بالطريقة التي تركوها في بلدانهم، و لا يريدون العودة إلى تلك البلدان لـ"ينعموا" فيها بإسلامهم الذي يتوقون إليه.
لم يفهم المسلمون بعد بأن عليهم الإختيار الحاسم بين الإسلام كما تروج له العشائر النفطية، و بين الديمقراطية الغربية التي ينعمون بها، و لا مجال أبدا للتوفيق بينهما لأنهما نقيضان لا يلتقيان. و لا خيار لهم في حالة تشبثهم بالإسلام السلفي البدوي إلا مغادرة البلاد الغربية إلى "دار الإسلام".
ما لم يفهمه المسلمون أيضا هو أنّ الديمقراطية كل لا يتجزأ، و أن الشعوب الديمقراطية قادرة على المضي بعيدا في قبول الإختلاف و التنوع و الخصوصيات، لكنها لن تقبل أبدا بخصوصية تنتهي إلى هدم الديمقراطية أو تقويض أسسها. فالديمقراطية تقبل كل شيء إلا ما يهدمها.
و خلافا لما يدّعيه بعض إسلاميي الغرب كطارق رمضان و غيره، ليس المطلوب هو تركيع الديمقراطيات الغربية لصالح خصوصيات المسلمين، بل لا حلّ لهذه الإشكالية العويصة إلا بإعادة قراءة الدين و فهمه على ضوء مكاسب الحضارة الغربية و ليس بدونها و لا قبلها، أي أن مسلمي الغرب بحاجة إلى إسلام حديث عصري و متنور، و ليس إلى إسلام بدوي عنيف و وحشي. و هو ما يعني تطبيق القاعدة التي أرشد إليها علماء الكلام المعتزلة المسلمين منذ ثلاثة عشر قرنا : إذا تعارض النص و العقل فخذ العقل، و قم بتأويل النص حسب المصالح التي يرشدك إليها عقلك، و هو ما لا تقبله الوهابية الحنبلية المتشددة و اللاعقلانية.
يظهر ما جرى بسويسرا و ما يتهيأ بفرنسا و إيطاليا و هولندا، بأنّ المسلمين بسعيهم إلى فرض قيم سلفية على مجتمعات عصرية و ديمقراطية سيدفعون أغلبية هذه الدول إلى اتخاذ قرارات حاسمة لحماية أنظمتهم الديمقراطية التي بذلوا من أجلها تضحيات جسيمة، و هو ما سيجعل وضعية المسلمين في الغرب تزداد تأزما، و ينذر بدخولهم في صراعات خطيرة تهدد السلم و الإستقرار في تلك الدول، و هو ما سيؤدي إلى مزيد من العداء لهم، و يجعل الدول الغربية تقرر بشكل نهائي لا رجعة فيه تخيير المسلمين بين احترام قيمها بشكل كامل و مبدئي، أو مغادرة بلدانها إلى بلدان المسلمين حيث يمكنهم أن يعيشوا الإسلام "الخام" كما يحلمون به في ظروفه الطبيعية، ظروف القهر و الإستبداد الأسود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يومها لن تبقى سوى الدكرى
اوشهيوض هلشوت ( 2009 / 12 / 15 - 21:51 )
اخيرا بدا الغرب يستفيق من نومه العميق وانسانيته المفرطة بعدما اكتشف خطر هؤلاء ((المسلمين ))الدين جاؤوا اليه طلبا للعمل واصبحوا في تخريبه يراوضهم الأمل
ان ما دشنته سويسرا بشكل ديموقراطي سينهيه اليمين التطرف بشكل دموي يومها سيعود ((المسلمون)) الى دار الاسلام وفي استقبالهم خيمة البطالة الواسعة وبؤس الحياة وقمع الدولة المفرط واكيد ستنفجر القنبلة على صانعيها وتشتت شملهم على شاكلة النمودج الأفغاني او الصومالي

تحياتي اليك استاذ عصيد على جراتك ووضوحك


2 - هل التاريخ يعيد نفسه
م ابراهيم المغرب ( 2009 / 12 / 15 - 23:36 )
وانا اتابع مقال الاستاد عصيد استوقفتنى تلك الكتب الصفراء والتى تتحدت بشكل بكائى عن النكبة الاندلس البوسنة كما استوقفنى موقف الحركات /الجهادية/ والتى تندر ووتتوعد /اسلم تسلم /لمادا يحللون لانفسهم مايحرمونه على الناس هل حرية العقيدة حلال على اوروبا وحرام على الشرق هل للديمقراطية معنى اسلامى ومعنى غربى هل المفاهيم المتعارف عليها عالميا حول حقوق الانسان تلزم هده الدول الاسلامية لمادا نثقل ونكلف اطفالنا بدروس عن التعايش والحرية وحقوق الانسان ان موقف /اسلمة الغرب/ ضعيف / كضعف اهله وادا كان قدرنا فى الشرق ان نحيى فى المهانة فاتركوا لنا هدا الغرب فسحة امل نافدة نستنشق منها رياح الحرية


3 - لك ما تتمنى يا استاذ أحمد عصيد
عبد الله بوفيم ( 2009 / 12 / 16 - 18:10 )
نشكرك بادء الأمر على التنوير الذي نورتنا به, وأزلت بعض الظلمة على أعيننا ,كما تريد أن يقال لك . فهنيئا لك للبلوغ لما تمنيته لدين والديك, وابنائك
يا استاذ أحمد, لقد اسمعتنا نشيدا عن الحقوق والحريات في سويسرا ولسنا منكرين لذلك, لكننا منكرون لسرورك وأمانيك بمستقبل المسلمين, ونقول لك لا تحزن فإن الأمر إن شاء الله رب العالمين, لن يكون كما تتمنى أنت وأشهيوط هلشوت, الذي يبشر بخيمة البطالة في دول الاسلام, وهو الذي يعلم علم اليقين أن المستقبل القريب والبعيد سيكون في بلاد المسلمين, الاقليم الرابع كما سماه, محمد بن عبد الرحمان بن خلدون, جميع الخيرات وجميع المواد الأولية, والمياه في المستقبل ستكون رحمة علينا ووبالا على سادة أشهيوط هلشوت, أزدياد حرارة الأرض سترفع من نسبة التساقطات في بلاد العرب والمسلمين, وستغرق العديد من دول أروبا, وهم يعلمون ذلك,, لذلك يفكرون في غزو بلداننا بشتى السبل
إن نشيدهم عن الحقوق والحريات, اصبح لا يطرب أحدا, ولم يبق لديهم, غير نشيد التهديد والوعيد والقتل والفتك والإبادة بالنووي والكيماوي والسموم, لكن سيرد عليهم نشيدهم وتكون العزة لله وللمؤمنين


4 - وحي معضدي الخرافة و الأساطير
امـــازيغ ( 2009 / 12 / 16 - 18:26 )
اتسوقفني خلال ايام سابقة مقال لأحد رواد ساحة الحوالر المتمدن ينادي بمقتضاه بضرورة مطالبة اسبانيا بالأعتذار للمطرودين من الأندلس و استغربت حقا مما نتهى اليه الكاتب المذكور في مقاله و تسائلت من الواجب مطالبته بالأعتذار ااسبانيا ام الأمازيغ؟ فالأمازيغ ارتكبوا خطا فظيعا في حياتهم و هو غزو الأندلس مشحونين بايديولوجية محمد التي فرضت عليهم بالسيف لذلك يجب علينا كأمازيغ احرار ديموقراطيين ان نتقدم باعتذارلأسبانيا عما ارتكبناه في حقهم من محاولة نشر ايديولوجية دموية في اوساط سكانها دون نسيان تحميل كل المسؤولية للعرب باعتبار كون هذه الأيديولوجية قد خرجت من رحمهم و عضدوها بالسيف و تسببوا بذلك فيما قام به الأمازيغ بشبه الجزيرة الأيبيرية بهذه الطريقة وحدها يمكننا ان نبين لأعداء الأنسانية اننا لسنا منهم ولن نكون كذلك ابدا.بهذه الطريقة و حدها سنيبن لشعوب العالم اننا نستوعب الفكر الأنساني الحديث و ناخذ بايجابياته لاغير كما اننا بهذه الطريقة سوف نحمي مصالح مهجرينا وهم بالطبع معظم الأجانب بالدول الغربية هؤلاء الذين يعمل فقهاء الخرافة والأساطير على التسبب في طردهم.
شكــرا جزيلا ياعصيد يا فارس السجال .


5 - بعد الطفرة النفطية ..........
اوشهيوض هلشوت ( 2009 / 12 / 16 - 20:03 )
سيد بوفيم عبد الله:
اشكرك جزيل الشكر على تنبيهك لي على غفلتي من الثروة الهائلة التي تحيط بي وانا لااعلم !!!!!!!!؟؟؟؟
ربما -بكل تواضع- بسبب انعدام التوابل الخرافية في تفكيري(هدا مرض مزمن نجاك الله منه)
على اي ما دمت تحيلنا على المستقبل القريب سننتظر الى ان ينتهي النفط - وقد بدا-(بعد حوالي 30-40سنة) بعدها نحمل حقائبنا هده المرة شرقا في اتجاه الهند نعم الهند بحثا عن العمل والباقي سيعود الى اصله تائها(( طاو عاصب البطن مرمل ببيداء لم يعرف لها ساكن رسما ))
فقط والى دلك الحين اطلب منك ان تقرا عن مشكل الماء والغداء في((العالمين العربي والاسلامي))
تحياتي الى السيد احمد عصيد وعذرا عن ((اختراق المجال))مرغما


6 - الخصوصية
مخلوفى المغرب ( 2009 / 12 / 16 - 23:11 )
لقد حاولت ان استجمع كل المواقف الاسلامية من يمينها الى متشدديها مقارنة مع الموقف الاوروبى من المساجد والاسلام بشكل عام وجدت ان الموقف الاسلامى العروبى بالخصوص ضعيف جدا لانه ينطلق من مرجعية لايؤمن بها الا هو ودلائل ايمانية واعتقادية نريد من الاخر الايمان بها قسرا فالشرق شرق والغرب غرب فرقنا التاريخ والسياسة حتى اصبح الفارق حضاريا فبنية العقل العربى غير بنية العقل الغربى حتى ان الانسان الاوروبى يستهجن بعض دفوعاتنا ومعتقداتنا لمادا نحاكم العلمانية فى الوطن العربىالاسلامى ونحارب الكنائس فى الوقت الدى يمارس المسلمون فى اوروبا الاسلام دون مشاكل على الاقل من طرف الانظمة اما الشارع الغربى فالجميع يقر الان بانه بدا فى مضايقة الاسلام والمسلمين وهو رد فعل طبيعى تجاه التكفيريين والاسلام السياسى بشكل عام

اخر الافلام

.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت


.. 143-An-Nisa




.. المئات من اليهود المتشددين يغلقون طريقا سريعا في وسط إسرائيل