الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة لتحليل بنية النظام السياسي العربي‏‎* ‎

صاحب الربيعي

2009 / 12 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعد السياسية المعتمدة في الوطن العربي، سياسة شعبوية يخوضها كافة الناس ( من المثقف إلى الجاهل ) ‏بوصفها فن الكذب والخداع. وبالتالي فإنها ليست السياسة الحقة المعتمدة في الغرب كونها علم قائم بذاته، ‏تحتاج إلى الدراسة والتحصيل الاكاديمي ولا يحترفها إلا أصحاب الاختصاص في الشؤون ذات العلاقة في ‏تسيير شؤون الدولة ويمارسها عدد محدود من الجمهور الراغب في العمل الحزبي أو الطامع لدور معين في ‏المجتمع. لذلك لا يحتاج المرء في الغرب عند الحوار مع السياسي المحترف إلى اتفاق مسبق حول المفاهيم ‏والمصطلحات السياسية، لأنها من أولويات العمل السياسي.‏
‏ وعلى خلافه عند خوض النقاش مع السياسي في الوطن العربي يحتاج المرء إلى سبر ثقافته السياسية، لجهل ‏معظم السياسيين بالمفاهيم والمصطلحات وأولويات العمل السياسي نتيجة تعاطيهم السياسة الشعبوية دون ‏الدراسة والتحصيل الاكاديمي أو حتى بذل الجهد في الارتقاء بثقافتهم السياسية. يضاف إلى ذلك ما تم البناء ‏عليه من رؤى خاطئة بسبب ترجمة العديد من المفاهيم والمصطلحات السياسية بصورة غير دقيقة وراج ‏استخدامها في الساحة السياسية دون تدقيق لتصحيح المسار السياسي. ولفهم بنية النظام السياسي العربي ‏بصورة أقرب للواقع، نبحث في المحاور أدنا. ‏
أولاً – ضبابية مفهوم النظام الملكي والجمهوري :‏
يولد اختلال المفهوم السياسي خللاً في التحليل السياسي خاصة لغير المطلعين عن كثب لوجه الاختلال في ‏المفاهيم السياسية على مستوى المنطقة قياساً بمناطق أخرى من العالم. إن المفهوم المبسط والمتعارف عليه ‏عالمياً عن النظام الملكي، يقوده ملكاً ( منزوع الصلاحيات كما هو الحال في مملكة السويد أو مطلق ‏الصلاحيات كما هو في مملكات دول الخليج العربي ). لكن الأمر الذي تختص به الأنظمة الملكية في الدول ‏العربية مختلف كلياً عما هو متعارف عليه عالمياً، ففي الأنظمة الملكية الشائعة أن دستور المملكة يحدد ‏صلاحية الملك ( ولربما لبعض أفراد أسرته يخصهم بشؤون التشريفات والمراسيم الملكية.. ) لكن عند غياب ‏الدستور تصبح الصلاحيات مطلقة للملك، والشيء المحير والمقلق في الدول العربية الملكية أن أسرة الملك ‏وعشيرته تتمتع بنفس صلاحيات الملك حيث تواجدوا على أرض المملكة، فهم يحتكرون التجارة والصناعة ‏والموارد الطبيعية والبنوك.... ويستأثرون بمقدرات البلد دون أي رادع قانوني أو أخلاقي مقابل معاناة ‏المجتمع من الجوع والفقر والذل والمهانة والجهل.‏
هل تتوافق هذه الممارسات مع ماهية النظام الملكي المتعارف عليه عالمياً ؟. لا يمكن إقناع أي شخص غير ‏مطلع عن كثب في العالم الآخر على شؤون المنطقة بهذه الممارسات اللا شرعية، على أنها من سمات النظام ‏الملكي. مفهوم النظام الملكي ذاته أصابه الاختلال جراء ذلك، كيف يمكننا التواصل سياسياً مع الآخرين في ‏العالم دون إعادة صياغة مفهوم الأنظمة الملكية عربياً ليعي العالم ما يجري في المنطقة على وجه الخصوص ؟.‏
‏ منذ سنوات قليلة زار ملك السويد، المملكة العربية السعودية بإعتباره رئيساً فخرياً للمنظمة العالمية للتسامح ‏والحوار مع الأديان. وأحيطت علماً السلطات السعودية بموعد وصوله واتخذ ما يلزم من مراسيم ملكية لذلك، ‏وبذات الموعد وصلت طائرة ركاب إلى مطار الرياض ونزل منها ملك السويد مع مرافق مدني شأنه، شأن ‏أي مسافر وعرف بنفسه عند ضابط الجوازات. أصاب الجميع الذهول وضاعت كل جهود الاستعراض الملكي ‏لاستقبال ملك السويد، لم يجدو تفسيراً لهذا التصرف من ملك السويد. فقطع عليهم دهشتهم وقال لهم : أن ‏مهمته ليست رسمية بإعتباره ملكاً للسويد وإنما رئيسياً لمنظمة خيرية إنسانية لا علاقة لها بالمهام الوظيفية ‏لملك السويد. ‏
هناك تداخل بين هيمنة ( عائلة، عشيرة.. ) الملك ومفهوم النظام الملكي ( المؤطر بالتشريعات الدستورية ) ‏وفهم خاطئ لمهام الملك في الإشراف على أداء مؤسسات الدولة ومفهوم هيمنة أسرته وعشيرته عليها. وهنا ‏يبرز السؤال الأهم : هل أن المجتمع في خدمة الملك وأسرته وعشيرته أم أن الملك في خدمة المجتمع ؟.‏
الأختلال الآخر بمفهوم النظام الجمهوري المتعارف عليه عالمياً، رئيس الجمهورية منتخب من الشعب مباشرة ‏أو معين من مجلس الشعب، تنتهي مهامه بإنتهاء فترة تسنمه لمهامه الوظيفية كرئيس للجمهورية كما حددها ‏الدستور، ويختلف عن النظام الملكي بإعتباره نظاماً وراثياً ولا يقر النظام الجمهوري بمبدأ التوريث. كيف ‏يمكن إقناع محاوراً في الطرف الآخر من العالم، أن التوريث جزءً من النظام الجمهوري ؟. لزماً علينا أبناء ‏المنطقة عند خوض الحوار السياسي مع الطرف الآخر الذي يعي المفاهيم والمصطلحات السياسية المتداولة ‏عالمياً، أن نعرفه بمبدأ اختلال المفهوم السياسي عندنا في المنطقة.‏
‏ عليه أن يقتنع مرغماً أنه لا يوجد فصل كامل بين النظامين الملكي والجمهوري كما يروج له عالمياً !. ‏فتفسيرنا وتصنيفنا المناطقي لكل المفاهيم والمصطلحات السياسية يجب أن يسري على الجميع لأنه يخدم ‏مصالح حكامنا العرب !. ولسنا مجبرين على إتباع نهج الآخرين، ولا يجوز أن نستورد أفكاراً جاهزة دون أن ‏نضع بصمات حكامنا العرب عليها لتصبح سلعة عربية بإمتياز يمكن ترويجها في سوق السياسة العربية !.‏
يقول (( كونفوشيوس )) " إن الحكومة تكون صالحة إذا كان الخاضعون لسطانها سعداء، والبعيدون عنها ‏تواقين للإنضواء تحت لوائها ".‏
ثانياً – المؤسسة السياسية ( الحزب والتحزب ) :‏
يجب الإقرار أولاً أنه لا يوجد في الوطن العربي مؤسسات سياسية ( أحزاباً مؤسسية ) وإنما تشكيلات حزبية ‏‏( عصابات، مافيات... ) لا تمتلك أي مرشحات للكسب الحزبي، تقبل في صفوفها كافة فئات المجتمع من ‏المتعلمين إلى الجهلة، ومن الشرفاء إلى عديمي الشرف، ومن النخب إلى الحثالات.... وطبعاً الغلبة للحثالات ‏لأن ( العصابة، المافيا ) بحاجة ماسة إلى البلطجية وأصحاب العضلات المفتولة وأشقياء يهابهم الأعداء أكثر ‏من حاجتها إلى نخب علمية متخصصة، فالإستيلاء على السلطة ( بالمفهوم القبلي ) بحاجة إلى رجال أشداء، ‏قساة، قتلة، ومستعدين للموت للإستيلاء على السلطة !. ‏
التجربة العراقية ماثلة أمامنا، حزب ( عصابة ) سياسي يستولي على السلطة لمدة 35 عاماً، وتتقلص قيادة ‏التشكيل الحزبي لتصبح مناطقية ومن ثم عائلية لينتهي بها الأمر إلى شخص ( طاغية ) لا يستولي على ‏الحزب وحسب، بل على البلد بأسره ويقوده من حرب خاسرة إلى أخرى مدمرة وبالنتيجة يقع البلد تحت ‏الاحتلال بعد 80 عاماً من الاستقلال الناجز !. هل كانت مرشحات الكسب الحزبي معطلة ؟. حين تكون ‏الأبواب الحزبية مشرعة لكل من هب ودب، يتحول الكيان الحزبي إلى مافيا ومرتعاً للجهلة والأميين والقتلة ‏والمجرمين وذوي العاهات النفسية المستدامة ليدفع المجتمع الثمن الباهض !.‏
هذا الأمر لا يقتصر على العراق لوحده، فمعظم الأحزاب ( سلطة ومعارضة ) في الوطن العربي، تشتغل ‏بذات الآليات وتتبنى نفس المفاهيم لدور الحزب في المجتمع والسلطة، فالشعارات البراقة لا تصمد أمام ‏الممارسات على صعيد الواقع !. وماذا عن الانتخابات الصورية داخل الحزب لإحتلال المراكز القيادية ؟. ‏انتخابات مزورة تمنح ( شرعية مزيفة ) لعصابة تستولي على مقدرات الحزب إلى ما شاء الله، وتدعي بكل ‏وقاحة أنها شرعية ولن ترحل حتى يطالها الموت أو فضيحة أختلاس مالي أو أخلاقي.‏
أن المسيرة السياسية الناجحة لأي بلد في العالم وليدة تراكم لخبرات سياسية توظف لصالح المجتمع لينتقل من ‏مرحلة سياسية بدائية إلى مرحلة سياسية متطورة لتصبح الدولة، دولة مؤسسات قادرة على تلبية مستلزمات ‏الديمقراطية قبل الشروع بتبني النظام الديمقراطي. تعد الأحزاب السياسية العربية تشكيلات حزبية وليست ‏مؤسسات سياسية، فلا يمكن أن ينعكس أدؤها إيجاباً على تطور البنى المؤسسية للدولة الحديثة وبالتالي على ‏كافة المؤسسات الاجتماعية.‏
الخلل السياسي في المنطقة العربية مُشخص منذ عقود، لكن لا توجد إرادة سياسية للتغيير، الآليات التقليدية ‏المستجدية من الحكومات الشروع بالتغيير لا تجدي نفعاً. لا أدعو للعنف لأجل التغيير لكني أرفض الآليات ‏التقليدية وأتطلع للتغيير الشامل، ولتكن البداية إنشاء أحزاباً مؤسسية قادرة على توعية المجتمع وخلق قاعدة ‏مؤسسية يمكن الارتكاز عليها لمطالبات أكثر شمولية في بناء دولة المؤسسات الحقة. العمل المؤسسي الناجح ‏يرتكز على قاعدة صلبة، من الأدنى إلى الأعلى وليس العكس، كما أنه ليس من المجدي بناء مؤسسات حديثة ‏يقودها كادر متخلف، يجب إعداد الكادر لأنه الحجر الأساس في نجاح المؤسسات الحديثة، ولا يمكن التعويل ‏على ذات الأشخاص والكيانات الحزبية ومناهجها البالية في إجراء عملية التغيير الشامل.‏
يعتقد (( كامبانيلا )) " أننا متأكدون أكثر منكم من أن المتعلم مؤهل لإدارة السلطة، لأنه مطلع على قدر واسع ‏من العلوم التي تردعه من أن يكون قاسياً أو شريراً أو طاغية، لا تفرضوا علينا الجهلة فقط لأنهم ولدوا نبلاء ‏أو تساندهم جهات متنفذة ".‏
ثالثاً – المجتمعات العربية ( التنشئة والتأهيل ) :‏
كثيراً ما يتردد في الأوساط السياسية العربية أن المجتمعات العربية غير مؤهلة للنظام الديمقراطي، لذلك يجب ‏زرقها بجرعات ( ديمقراطية ) على مدى عقود من الزمن لتصبح جاهزة !. وهذا الكلام حق يراد به باطل، ‏يقع على عاتق الدولة المسؤولية الكاملة لتنشئة المجتمع وإنقاذه من براثن الأمية والجهل عبر مكافحة الأمية ‏وتبني نظام التعليم المجاني وإعداد برامج تربوية ونفسية بعيدة المدى ونشر مبادئ الحب والسلام ونبذ العنف ‏والعادات السيئة وغرز روح التعاون بين أفراده. فالمجتمعات الأوربية كان الجهل والفقر يفتك بها لقرون ‏عديدة وكانت النعرات العرقية والأثنية تمزق أوصالها.. لكن حين قرر ساستها ( بعد الحرب العالمية الثانية ) ‏تبني النهج السلمي وإنقاذ مجتمعاتها من براثن الماضي احتاجت فقط إلى نصف قرن من الزمن لتنشئة أجيال ‏جديدة تنشد السلام والتطور لذلك أصبحت أنظمتها الديمقراطية مناراً لكافة دول العالم. ‏
على الضد من ذلك فإن الأنظمة العربية، ساهمت بوعي كامل في تجهيل وإفقار مجتمعاتها، وزادت نسب ‏الأمية وتراجعت المكتسبات الاجتماعية بالتدريج وزادت وتيرة الصراعات العرقية والأثنية مما أدى لتنامي ‏الهجرات الجماعية إلى بقاع أخرى من العالم. وأصبحت أغلب الدول العربية منبعاً لتصدير الإرهاب ‏والارهابين لدول العالم الأخرى، بسبب تنامي التوجهات الدينية الضالة والترويج للتوجهات الغيبية لإصطياد ‏المُغفلين من أفراد المجتمع. وبسبب غياب ( أو تغيب ) البرامج التربوية الصائبة للدولة لحساب التوجهات ‏الدينية الضالة أصبحت المنطقة بؤرة إرهاب دولي.‏
إن الأنظمة المستبدة، مسؤولة لوحدها عما آلت إليه المجتمعات العربية من إنحدار قيمي وثقافي وأخلاقي، ‏فالإدعاء بعدم أهلية المجتمعات العربية للنظام الديمقراطي مرده ليس عرقياً وإنما نهجاً تجهيلياً مارسته ‏الأنظمة العربية ضد شعوبها للتملص من استحقاقات المطالبة بالإصلاح والتحديث الشامل ونبذ الاستبداد ‏والهيمنة. إن المواطن العربي لم يفقد الثقة بالأنظمة المستبدة القائمة وحسب، بل تراجع شعوره بالإنتماء ‏للوطن نتيجة السياسات القمعية والظالمة التي مورست ضده على مدى عقود من الزمن، بدليل أن الشعب ‏العراقي وقف متفرجاً على احتلال القوات الأجنبية لبلده، وسقطت العاصمة بغداد بدبابتين ليس جبناً ولا حباً ‏بقوات الاحتلال وإنما بغضاً للنظام المستبد الذي أذاق الشعب مرارة الحياة وفاقة العيش !.‏
يقول (( علي الوردي )) " إن الشعب الذي لا يعرف نقائصه، ولا يدرك مكامن الضعف في نفسه لا يسهل ‏عليه أن يكون قوياً إزاء أعدائه، والعدو الكامن في داخل النفس ربما كان أشد خطراً من العدو المتربص له ‏من الخارج ".‏
رابعاً – ثقافة الهيمنة والتسلط :‏
الثقافة السائدة في الوطن العربي، ثقافة تمجد الفردية والأنوية، ثقافة تمجد العنف والهيمنة، ثقافة إضطهاد ‏منقطع النظير ( القوي يضطهد الضعيف، الغني يضطهد الفقير، السلطة تضطهد المجتمع، الأب يضطهد ‏الأبناء، الموظف الأعلى يضطهد الموظف الأدنى، المعلم يضطهد الطلاب... ) وهكذا الإضطهاد يتناسل في ‏المجتمع لتسود مفاهيم الهيمنة والتسلط !. ‏
اخترقت هذه الثقافة اللاوعي الاجتماعي وأصبحت الجمل والكلمات المتداولة ( كلمات المهانة والذل ) لا ‏تخدش السمع، ولا تستفز المشاعر، وتطرق سمعك يومياً ولعشرات المرات في وسائل الاعلام ( القائد الفذ، ‏القائد العظيم، جلالة الملك ( مرادفها جلالة الله )، شيخ الإسلام والمسلمين، آية الله، قداسة البابا... ) وهكذا ‏تتناسل كلمات الهيمنة والمبالغة السمجة في الحياة العامة وحتى اسماء المحلات التجارية أصبحت تثير التندر ‏والاستهزاء ( البرج العظيم، فندق الشرق الكبير، مطعم الأمراء، قندق السعادة.. ) وكلها اسماء على غير ‏مسمياتها، لم تأتِ هذه المبالغات اللفظية من فراغ، إنها انعكاس لحالة اللاوعي لفرض الهيمنة والادعاء ‏بالأفضل والتفوق على الآخرين، حالة لإجبار الآخر على الانصياع والقبول بالواقع وإلا فإنه معادياً.‏
يوصي وزير الخارجية الأمريكية الأسبق (( كيسنجر )) موفديه للدول العربية قائلاً : " يجب أن ينصب ‏اهتمامكم على اقناع الرئيس، ولا تقيموا وزناً لأراء الوزراء والمستشارين، أنهم أتباع الرئيس ".‏
تشذبت ثقافة الشعوب الاوروبية بالمنهاج التربوية الطويلة الأمد من المبالغات اللفظية والادعاءات الفارغة، ‏لذلك ليس من السهولة خداعها وفرض حالة المذلة والمهانة عليها. وعلى الضد من ذلك في المنطقة العربية ‏فمازال ( الملك، الرئيس، المسؤول، الحزب... ) يفرض نفسه قسراً على المجتمع، ويستأصل أي فرد ينال من ‏الأقونات والأصنام السياسية. إن ثقافة الحزب الواحد أصبحت بضاعة رائجة في سوق السياسة العربية، فهل ‏يعقل أن حزباً واحداً يحكم لمدة خمسة عقود من الزمن بنفس الآليات والمنهاج والشخوص الديناصورية ؟. ‏وحتى لو تنازل الحزب الأوحد وسمح لبقية الأحزاب بممارسة نشاطها السياسي فإنه يطلق على نفسه ( ‏الحزب القائد ) ولا يسمح لهم مشاركته السلطة، يريدهم أتباع، مطبلين لسياساته ومنجزاته الوهمية ومع الزمن ‏تتحول الأحزاب الموالية للحزب القائد إلى منظمات تابعة. ‏
تأشير أخر غاية في الأهمية على سلوكيات وممارسات منتسبي هذه الأحزاب الكارتونية، والذين يعدون بمثابة ‏كائنات حزبية، مُغيبة، مُعطلة التفكير، تُؤتمر من قياداتها، تسير دون وعي لتنفيذ توجيهات قادتها. ويمكن بكل ‏بساطة تأشير تبعية المنتسب لهذه الكيانات الحزبية ( يساري، يميني، متطرف ديني، سلطوي .. ) من خلال ‏مناقشته لمدة خمسة دقائق فقط، لأنهم يرددون ويحفظون عن ظهر الخاطر بيانات وكلمات قياداتهم الحزبية ‏ويدافعون عنها بنفس الحجج والوسائل التقليدية، وحالما تتداعى وسائل دفاعهم يلجأون لإفتعال المشاجرة ‏والعراك واستخدم لغة الشتيمة والسباب والإهانة لإخضاع الآخر. إنهم محقونون بجرعات مخدرة من الآراء ‏والأفكار الزائفة التي لا تصمد على صعيد الواقع، وحالما يتنهي مفعولها يصابون بالهيجان والذعر. إنها ثقافة ‏التبعية والإرتهان والبحث عن مظلة الحماية من الحزب، وصهر الذات في مرجل الجماعة.‏
ثقافة الهيمنة والتسلط لا يمكنها بناء إنسان سوي، يحترم ذاته، يتحمل المسؤولية، يرفض الإهانة والتبعية ‏ويجاهر برأيه... فالإنسان أبن بيئته ينهل منها قيمه وعاداته وتقاليده وسلوكه، ولا يمكن إخراجه من البراثن ‏السيئة لهذا الموروث وغرز مفاهيم وقيم جديدة في لاوعيه دون اعتماد برامج تربوية طويلة الآجل.‏
يعتقد (( روسو )) " أن الإنسان يولد حراً، لكننا نجده مكبلاً بالأغلال في كل مكان ".‏
خامساً - النظام الديمقراطي ( الإعاقة والتزيف ) :‏
إن النظام الديمقراطي نتاجاً غربياً أدخلت عليه تحسينات متتالية خلال عقود من الزمن حتى نال من تطبيقاته ‏الناجحة الإعجاب والرضى من بقية دول العالم لما يمتلكه من وصفات مجربة قادرة على معالجة الأمراض ‏المستعصية للأنظمة التقليدية، وبالرغم من بروز نتاجات فكرية منافسة ( الليبرالية، العلمانية .. ) في الغرب ‏تدعو للتحرر من ضوابط النظام الديمقراطي وكشف عيوبه الذي أختص بمعالجة المشاكل القطرية وعلى حساب ‏المشاكل الأممية والتغافل عن إعتبار العالم وحدة متكاملة لا تفي المعالجات القطرية لوحدها بالغرض المطلوب ‏خاصة بشأن : المشاكل البيئية وحقوق الإنسان ومكافحة المخدرات والجفاف والفقر والأمية والأمراض ‏الوبائية... وغيرها فمازال النظام الديمقراطي يسود أغلب دول العالم وتنشده معظم شعوب الدول النامية.‏
إن الوطن العربي مازال بعيداً عن الإرهاصات الفكرية الجارية في العالم الغربي، ويسعى ( على إستحياء ) ‏لتبني النظام الديمقراطي ليس لإيمانه الحقيقي بنجاعته وإنما لتخفيف الضغوط التي يمارسها العالم الغربي على ‏الأنظمة العربية. إن إدعاء بعض الأنظمة العربية زوراً بتبني النظام الديمقراطي من خلال الشروع بإجراء ‏انتخابات صورية، إدعاء باطل. ويجب الإقرار أن مستلزمات بناء النظام الديمقراطي ( عشرة مستلزمات ‏أساسية ) غير مكتملة فمن أهمها : محو الأمية، حقوق الإنسان، حرية الصحافة، التكافل الاجتماعي، عدم ‏وجود تناحرات قومية وأثنية، حرية تأسيس الأحزاب والمنظمات المهنية، وتبادل سلمي للسلطة عبر صناديق ‏الاقتراع.. وغيرها.‏
هل حقاً توجد دولة في الوطن العربي استكملت مستلزمات بناء النظام الديمقراطي ؟. بالطبع لا يوجد، فلا تمر ‏نشرة أخبار يومية دون أن نسمع بإنتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، انتهاك لحرية الصحافة والاعتداء على ‏الصحافيين، وتنامي لمؤشرات الامية والفقر والجرائم. هل تبني إحدى مستلزمات الديمقراطية ( الانتخابات ‏المزيفة ) كفيل بالإعاء أن النظام أصبح ديمقراطياً ؟.‏
هذه الأشكال الهزيلة للديمقراطية المزيفة المعتمدة من قبل الأنظمة المستبدة في الوطن العربي لإكسابها ‏الشرعية لم تعد تنطلي على المجتمع. وبالعودة للفهم القاصر للسياسيين بالمفاهيم والمصطلحات والأنظمة ‏السياسية، فإن التطبيل والتزمير في الصحافة الصفراء والفضائيات المأجورة والاعلام الحكومي جاري على ‏قدم وساق لكيل المديح والثناء على الفائزين بالانتخابات الصورية على كامل مساحة هذا السجن الكبير ( ‏الوطن العربي ) خاصة للحكام.‏
يحضرني أن أحد زملاء العمل في السويد شاهد على التلفاز مظاهر الانتخابات في إحدى الدول العربية وفوز ‏الحاكم بنسبة عالية من أصوات الناخبين وكيف أنطلق الناس إلى الشوارع لتهنئة الحاكم ورفع صوره، واعتقد ‏أن الحاكم محبوباً من مجتمعه !. فقلت له أن الانتخابات صورية والحاكم يجبر الناس على الخروج للشوارع ‏لتهنئته ورفع صوره لأغراض إعلامية وإلا فإنهم معرضين للسجن والتنكيل. نظر إلي مبتسماً !. وتساءلة : ‏هل تعتقد إني ساذجاً لإقتنع بكلامك ؟. كيف يجبر آلاف من الناس على تهنئة الحاكم والتصويت له دون ‏رغبتهم؟. كل الحق مع زميلي، لإختلاف منظمات الوعي والتنشئة بيننا فهو غير قادر على تصور أن النظام ‏الديمقراطي في الجهة الأخرى من العالم يدار بطريقة مختلفة وبآليات عنفية وقهرية!.‏
حين تدعي أحزاب المعارضة زيف الانتخابات على المستوى الوطني، يتبادر إلى ذهني سؤال : هل أن ‏الانتخابات الحزبية للفوز بقيادة الحزب ليست صورية ومزيفة ؟. فاقد الشيء لا يعطيه فبدون وجود مؤسسات ‏سياسية حقيقية لا يمكن البناء على أرض هشة، هياكل مؤسسية قادرة على تحمل أعباء النهوض بمستلزمات ‏بناء النظام الديمقراطي بصوره الحقيقية لا المزورة. إن سعي الأنظمة العربية لتكريس ثقافة الهيمنة الحزبية ‏عبر انتخابات مزيفة، وتغليف توجهاتها المستبدة بورق السلفنة الديمقراطية لتجيهل المجتمع واحتواءً ‏لضغوطات العالم الحر. لا يمكن أن تمهد الطريق ولا أن تولد قناعة راسخة بصدقية توجهاتها لتبني النظام ‏الديمقراطي وإنهاء حالة الصراع على السلطة.‏
تعتقد (( ماريا برتيري )) " أن الأنظمة المستبدة لا يمكنها أن تستمر إلا إذا جعلت من الحرب مؤسسة دائمة ".‏
‎* ‎‏ نشر المقال في (( مجلة الديمقراطية )) العدد 36، أكتوبر – نوفمبر 2009، مؤسسة الأهرام المصرية.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البقاع شرق لبنان: منطقة استراتيجية بالنسبة لحزب الله


.. بعد مقتل حسن نصر الله.. هل كسرت إسرائيل حزب الله؟




.. تباين| مواقف هاريس وترمب من العمل في ماكدونالدز


.. عواصف وفيضانات غمرت مناطق متعددة في ولاية فلوريدا جراء ضرب إ




.. أمين عام المجلس الإسلامي العربي يتهم إيران بتسليم إحداثيات -