الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة تصدير الفتوى..

جمال الهنداوي

2009 / 12 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قد لا نجانب الحقيقة كثيرا إذا عزونا اسباب كل هذا الارتباك والفوضى الضاربة بأطناب ساحة الإفتاء الشرعي,إلى التمطط الكبير لمصطلح "الشيخ" في أذهان البسطاء من العامة الذين يطمحون إن يلاقوا ربهم بقلب سليم..فبشروط عيانية ميسرة لا تتعدى اللحية المرجلة بعناية وارتداء الجبة او القفطان وحمل المسبحة واضفاء بعض الورع على سيماء الوجه .. يمنح المرء على اثرها فورا لقب المشيخة الغالي بدون ادنى تدقيق في ماضيه العلمي الفقهي، ودون ادنى سؤال عن خلفيته البحثية اوعن مصادر فتاواه.. وهذا ما يجعل من الصعوبة بمكان استيعاب امكانية التوفيق ما بين كل هذا التساهل الكبير والتبسط الكامل مع مسألة الافتاء-رغم خطورتها- وما بين التباكي الدائم والادعاء والتشكي بعالي الصوت من الهجمات وسوء الفهم والضغائنية المبيتة التي يتعرض لها الاسلام من كل حدب وصوب..
فمن المحير فعلا ان نبرر تطوع الامام اليمني المدعو أنور العولقي، بإصدار فتوى تعتبر ما قام به الرائد نضال حسن الفلسطيني الأصل والأمريكي المولد من إطلاق النار على زملائه في قاعدة فورت هود بولاية تكساس والذي ادى الى وفاة ثلاثة عشر وجرح ثمانية جهادا في سبيل الله. والاكثر غرابة هو اعتبار ما قام به حسن من الافعال التي يجيزها الاسلام..
فبذخيرة من مثل هذه الفتاوى يكون من الخطل الاقرب الى اضاعة الوقت والجهد مجادلة المواطن الغربي بكون الاسلام دين تسامح واخاء..او المطالبة بحق المسلم في ممارسة شعائره وبناء مآذنه في دول ومجتمعات لا تدين بالدين الاسلامي..خصوصا مع الخرس المتواطؤ للقيادات الروحية تجاه مثل هذا العبث الفقهي..
ان اشاعة ثقافة تغليب النقل على العقل بلا تمحيص او استدراك او مراعاة للظروف الزمكانية للبيئة التاريخية التي افرزت المنقول ..واقتصار تدخل المؤسسات الرسمية على ما يمكن ان يمس بالحكم من قريب او بعيد وترك ما دونه ..وفسح المجال لكل من يعاني من هوس مرضي من حب الظهور..لا يمكن ان يؤدي الا الى اخراج المجتمع الاسلامي من سياقات الحياة المعاشة المعاصرة..ولا يمكن ان ينتج الا ارتكاسات متوالية مستمرة الى مابين دفات الكتب العتيقة المصفرة..
فمن المؤلم ان نجد العلماء يفتون في عهد الخديوي اسماعيل ب" جواز الاختلاط بين الرجل والمرأة بهدف تلقي العلم، ما لم يتم الخروج على محارم الله"بينما نجد فقهاء ثورة الاتصالات وعصر المعلومات يفتون بجواز شرب بول النبي عليه الصلاة والسلام للتبرك..ومشغولون في تثبيت تقنيات ارضاع الكبير ..وحصر منتهى العلم بقضايا الطهارة والحيض والنفاس والعلاقات الزوجية..وهل من المعقول ان يفتى بدم البعوض ولعاب الكلب ..ولا يهتدي احد ورثة الانبياء لحد الآن الى الافتاء في شرعية الاستئثار بفئ الدولة ومواردها من قبل السلطان والاقربون فالاقربون بالمنكر كان اوبالمعروف..وهل يجوز ان تاخذ البعض الغيرة والحمية على الاسلام والمسلمين الى حد تحريم التجنس بالجنسية الامريكية ولا يناقش التخريج الفقهي لتوريث السلطة الى الابناء ..وأليس في اليمن ما يكفي من المشاكل التي تدفع فضيلة الشيخ الى الاهتمام بها تاركا مهمة تصدير الفتاوى الى الغرب لمن هو اكثر فهما وعقلا ودراية منه؟..أن وجد..
يقول الاستاذ عبد الحميد صيام صادقاً:"والغريب أن هذا الإمام يشاهد ما يجري في اليمن ولا يثير ذلك لديه أي نوع من الاهتمام ليصدر فتاويه. فلماذا لا يفتي بتحريم سفك دماء المسلمين في صعدة؟ ولماذا لايفتي بتحريم الاحتكام إلى السلاح عند اختلاف أبناء الوطن الواحد والدين الواحد؟ ولماذا لا يفتي، لا فض فوه، بعدم شرعية نظام الحكم الذي يجلس على صدور اليمنيين منذ عام 1978؟ "
أنَّ فوضى الافتاء التي نشهدها تقترب من مستوى الازمة ..وهي ازمة جادة وحقيقية تستدعي وقفة شجاعة تتعاطى مع ما ينفع الناس ويحقق مصالحهم وتتصدى لكل الزبد من فتاوي التخدير الغرائزي والترويج بالغريب من المسائل الاقرب الى الحيل الشرعية ..والا فالاسلام سيخسر الكثير الكثير من مواقعه ويتضاءل تأثيره باضطراد ويزداد تقوقعه في خندق المدافع المحاصر اليائس..وعندها لن يجد فضيلة الشيخ من يسمعه ..ولن يجد من يهلل له ..ولن يجد من يدفع اليه اجره..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اوتدري لماذا كل هذه البلبله !!
ناهد ( 2009 / 12 / 17 - 21:54 )
ان كل تلك الازمة التي يمر بها المفتون والاسلام ، لهي لكونه دين من صنع انسان ، واي انسان ، ليته كان انسان ذو قيم او اخلاق ، ازمة المفتون نابعة من كونه دين فارغ ، كفقاعات الصابون ، ليس منه الا الحروب والجهل .
تحيه لك سيدي الكاتب لمقالك الرائع .
سلام

اخر الافلام

.. صاحب مقولة روح الروح جد الطفلة الشــ ـهيدة ريم يُرزق بحفيدة


.. 167-An-Nisa




.. رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت: نتنياهو لا يري


.. 166-An-Nisa




.. موكب الطرق الصوفية يصل مسجد الحسين احتفالا برا?س السنة الهجر