الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجرد أسئلة ، الفلسطيني وحقوق الإنسان

نادية عيلبوني

2009 / 12 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ماذا لو تعارضت شرعة حقوق الإنسان مع عاداتنا وتقاليدنا ومع الشريعة الإسلامية؟ هل نقبلها أم نرفضها ؟ وإذا رفضناها فهل يجوز لنا أن نكف عن مطالبة العالم بالتدخل لمحاسبة إسرائيل جراء جرائمها التي ارتكبتها وترتكبها ضد حقوق الإنسان الفلسطيني؟ هل نستطيع أن نكون انتقائيون، كأن نقف ونقول مثلا أننا نأخذ من هذه القوانين، ما يتوافق مع شريعتنا وعاداتنا وتقاليدنا، ونترك ما هو متعارض معها؟ وفي الحالة هذه ،ألا يتعارض هذا الانتقاء ، من الوجهة القانونية، مع اعتراف الفلسطينيين بشرعة حقوق الإنسان؟
قد يقول قائل: نعم هذا يجوز ،فهناك الكثير من بنود الإعلام ما لا يتوافق مع ثقافتنا وديننا، وقد يقول البعض الآخر: لا ، فإما أن نقبل تلك القوانين كرزمة كاملة أو نرفضها جملة وتفصيلا. ودعنا نطرح أسئلة على من يريد أن ننتهج أسلوب الانتقاء في تعامله مع هذه الحقوق ، وأيضا أسئلة على من يريدون تطبيق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بكافة بنودها.
دعنا بداية نتماهى وجهة نظر الفريق الأول بما هو أكثرية ، والذي يفضل أن يكون انتقائيا حرصا منه على احترام الشريعة والعادات والتقاليد ،ولنسأل تلك الأسئلة التي يفترضها منطق الانتقاء ذاته علينا ، ألا يعني إعطاء أنفسنا الحق في الانتقاء، أن من حق الآخرين ،كما من حق الدول الأخرى ، أيضا أن تنتقي ما يناسبها وما لا يناسبها من تلك القوانين؟ ألا تعطي مبرراتنا تلك الحق أيضا لإسرائيل لتجد المبررات التي تستطيع على أساسها خرق حقوق الإنسان الفلسطيني؟كأن تقول مثلا أنها إنما تقتل الفلسطينيين دفاعا عن نفسها ووجودها وأنها تفعل هذا بناء على تراثها وتقاليدها وقيمها الدينية؟
ودعنا أيضا نناقش أصحاب الرأي الذي يريدنا أن نقبل القوانين الدولية كلها كحزمة واحدة ، مبررا رأيه بهذا هو بالمصلحة الفلسطينية التي تقتضي منا تفويت الفرصة على إسرائيل وانتقائيتها في تطبيق هذه الحقوق،و دعنا ا نرى ما الذي يمكن أن يسفر عنه تطبيق بعض البنود وخاصة تلك التي تحمل حساسية خاصة.
المادة 16 من الإعلان ،وفي الفقرة الأولى تقول : "للرجل والمرأة ، متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه ، وعند انحلاله". كما تتحدث المادة 18 :" أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق تغيير ديانته وعقيدته وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ...إلخ."
ودعنا نقوم بتفكيك المادة 16بالفقرة الأولى منها ، والتي تتحدث عن حق الرجل والمرأة في الزواج دون الأخذ بعين الاعتبار مسألة الدين ، وتفسير هذه المادة يعني أن من حق المسلمة أن تتزوج من غير دينها ، كما من حق المختلفون دينيا الزواج من المسلمات،ألا يتعارض مثل هذه النص مع قانون الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية في المناطق الفلسطينية؟.وكيف بالإمكان تجاوز هذه العقدة ؟ وهل هناك مثلا مشروعا فلسطينيا لإضافة مؤسسة زواج مدنية لتتيح للمختلفين دينا الزواج على أساسه؟ هل نحن جاهزون لتقبل مثل هذا التغيير الذي تفرضه الشرعة الأممية لحقوق الإنسان؟ وكيف لنا أن نقدر ردود الفعل الفلسطينية إذا ما دعت مجموعة ، أو هيئة ، أو فرد ، لإقامة مؤسسة كهذه؟
لنترك هذه النقطة جانبا، ولنأخذ ما نصت عليه المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تؤكد على حرية العقيدة وحرية الضمير وحرية تغيير المعتقد ، فهل المجتمع الفلسطيني أيضا على استعداد لتقبل فكرة تغيير المسلم لدينه واحترام رغبة وحق الفرد إذا ما أقدم على مثل هذا التغيير؟هل المجتمع الفلسطيني قادر على الاعتراف بحق الفرد في أن يكون ملحدا؟ هل يمكن أن نتقبل حرية الملحد في التعبير عن رأيه وإلحاده ، وعدم إيمانه بأية ديانة ،وفقا لشرعة حقوق الإنسان التي تجيز له هذا الحق؟ ألا يتناقض هذا الأمر مع أعرافنا وعاداتنا وتقاليدنا؟ ألا يتناقض حق التعبير هذا في تلك المسائل مع الشريعة الإسلامية المعمول بها في محاكمنا، والتي لا نجيز الإلحاد ، ولا تجيز للمسلم تغيير ديانته ؟فكيف لنا أن نحل المسألة إذن ؟
ولعل القول أننا نستطيع الاجتهاد لتأويل بعض البنود الواردة في هذا الإعلان ، مثلما اجتهد بعضنا في تأويل الآيات والسور القرآنية ،هو من الأمور الغير ممكنة بالنسبة لقوانين حقوق الإنسان بالذات، ومثل هذا الاجتهاد سيكون مغلقا أمامنا لأن المادة ثلاثين تقول بوضوح العبارة :" أن ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة ،أو جماعة، أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم هذه الحقوق والحريات الواردة فيه".
في الحقيقة ،ليس في جعبتي أية ، إجابات جاهزة على مثل تلك الأسئلة وغيرها من الأسئلة التي تطرح نفسها تلقائيا لدى قراءة نص حقوق الإنسان وقراءة القوانين المعمول بها عندنا. ولكن ما أعرفه أن شرعة حقوق الإنسان تحتاج لتنفيذها وإقرارها إلى قوانين مدنية، في حين أن القانون الأساسي الفلسطيني يؤكد على أن "مبادىء الشريعة الإسلامية هي مصدر أساسي للتشريع" فالمرجعية عندنا بالنسبة للقوانين هي مرجعية دينية بعمومها، بينما تعتمد قوانين حقوق الإنسان على مرجعية بشرية بشكل مطلق ،ففي ديباجة الإعلان عن حقوق الإنسان في الفقرة الأولى تأكيد على هذه المرجعية البشرية في القول:" لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم...."
في الواقع ، وكما ذكرت بداية ، ليست لدي أية إجابات حول هذا الموضوع، وليس لي أي باع في القوانين والتشريعات وكيفية اعتمادها ، ما لدي هو أسئلة فقط . أسئلة أطرحها من باب الفضول للمزيد من المعرفة لواقعنا الفلسطيني ، أريد فقط أن عرف إلى أي حد يستطيع مجتمعنا الفلسطيني احتمال عناد الكثير من الأسئلة التي عادة ما يتم تجاهلها.

صحافية فلسطينية مقيمة في فيينا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حق التفكير والاعتقاد نهاية الإسلام
صلاح يوسف ( 2009 / 12 / 17 - 08:55 )
السيدة نادية تحية طيبة /

تعتمد عقيدة الإسلام على التوريث للأطفال ذون ذنب ثم تستكمل شرائع الإسلام باقي المطلوب حيث الخروج عن الإسلام جريمة عظمى عقوبتها القتل وكأن الدين عبارة عن عصابة مافوية مجرمة.
إن اعتبار الإسلام مصدر أساسي للتشريع يعد انتهاكاً عظيماً لحقوق الإنسان كما أقرتها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تعتمد في أبسط قوانينها على حق البشر في التفكير والاعتقاد.
تحياتي للكاتبة ونرجو المزيد من التنوير


2 - الشعب
عبد القادر أنيس ( 2009 / 12 / 17 - 09:07 )
القضية هنا تعني الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية.
شخصيا كعلماني لا أرى حلا إلا في تبني العلمانية كمنهج حياة، والعمل بمواثيق حقوق الإنسان التي هي في صميم العلمانية والتي أثبتت جدارتها في كل البلدان التي تحتكم إليها.
ويبقى المشكل العويص يتمثل في عدم اقتناع شعوبنا بجدوى النضال من أجل هذه الحقوق بسبب هيمنة الفكر الديني عليها واعتقادها الراسخ بأن شريعتنا هي الأفضل بالإضافة إلى الدور السلبي الذي يقوم به تحالف كبير من اليساريين والقوميين والإسلاميين ضد حقوق الإنسان بالذات لأنها حسبهم صنيعة برجوازية أو غربية كافرة، يتساوى في هذا النساء والرجال عندنا، بل إن أغلبية النساء أكثر ارتباطا بشرائعنا المتخلفة الجائرة من الرجال.
في هذه الحال لا أمل في إحداث أي تغيير: لا يمكن أن تتحسن ظروف الناس إلا إذا كانوا أهلا لهذه الحقوق.
المؤسف أن شعوبنا غارقة في النفاق لأنها بقدر ما ترغب في الحياة الغربية المرفهة تمتعا وهجرة بقدر ما ترفض الأخذ بأنظمة هذا الغرب.
تحياتي

اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال