الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آيات تحدي القرآن بالإتيان بمثله

تنزيه العقيلي

2009 / 12 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المصطلحات الدينية المعجز أو المعجزة، تذكيرا أو تأنيثا، وجمعها معاجز أو معجزات. والكلمة كما هو واضح هي اسم فاعل للفعل (أعجَزَ، يُعجِزُ، إعجازاً)، ومعنى ذلك أن الصادر منه الإعجاز، أي (الفاعل) يجعل الموجه إليه الإعجاز، أي (المفعول به) عاجزا فهو يعجزه، أي يجعله عاجزا، أي يسلب منه القدرة، وهذا غير المراد من المعنى الديني للإعجاز، بل هو المعنى الثاني، أي يتحداه بالإتيان بما يعجز عنه، ليثبت له أي للمُعجَز عجزه عما هو أي المعجِز آت به. والمعجزات حسب لاهوت الأديان هي من خصائص الرسل والأنبياء، ولعلها تشمل غيرهم من الذين خصهم الله بتلك المعجزات حسب عقيدتهم. وسُمِّيت المعجزة أيضا في قرآن المسلمين بالآية، وجمعها آيات، مع إن لمفردة الآية مجموعة معان، منها الدليل، أو العلامة، أو الغضب الإلهي النازل على قوم ما. والغرض من ظهور المعجزة النبوية أو الآية هو إثبات صدق دعوى النبوة، وإقامة الحجة على المُعجَزين، أي أولئك الذين ظهرت لهم المعجزة النبوية. والمعجزة النبوية غالبا ما تكون إما خرقا لنواميس الطبيعة، وإما أي عمل خارق للعادة، على أقل تقدير في زمن ظهور المعجزة. وفسر قسم من اللاهوتيين الدينيين ظهور الخارق لنواميس الطبيعة، بأنه تعطيل من الله لقانون من قوانين الطبيعة، وقسم آخر يقولون إنه لا يمثل تعطيلا لقانون طبيعي، بقدر ما يمثل توظيفا من الله لقانون طبيعي آخر، لم يكتشفه الإنسان، على أقل تقدير إنسان عصر ظهور تلك المعجزة النبوية. أما الخوارق التي تُدَّعى لغير الرسل والأنبياء، فلا تسمى بالمعجزات، لأن المعجزات - لا أقل عند المسلمين - من خصائص النبوة، ولذا سميت الخوارق الظاهرة لغير الرسل والأنبياء، كالقديسين وأئمة أهل البيت وأئمة الطرق الصوفية، أو لعله أيضا أئمة المذاهب، ولمن سواهم، سميت هذه الخوارق بالكرامات، ومفردها (الكرامة).

نسبت الكثير من المعجزات للأنبياء، خاصة لإبراهيم، وموسى، ويونس، وعيسى. والمسلمون نسبوا أيضا المعجزات لنبيهم، ونسب الشيعة الكرامات لأئمتهم، لاسيما لعلي. ولكن المسلمين يركزون على ما يسمونه بالمعجزة الخالدة، ألا هي معجزة القرآن. وأكثر ما طرح الإعداز البلاغي، بدعوى أن بلاغة القرآن كانت في وقت ما يسمى بالنزول، وإلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة، مما يعجز الناس عن الإتيان بمثلها. ولكن في العقود الأخيرة ظهرت مجموعة صرعات للإعجاز القرآني في العديد من المجالات، ومنها ما سمي بالإعجاز، وما ادُّعِي من الإعجاز العلمي، ناهيك عن إعجاز الإنباء بأحداث لاحقة زمنيا للنص القرآني المنبئ عن ذلك الحدث.

أريد هنا تناول الإعجاز القرآني بمعناه الكلاسيكي، لا بالمعاني المستحدثة منذ القرن العشرين. سأتناول الموضوع باختصار، لعدم توفر الوقت لدي الآن لإجراء دراسة تفصيلية شاملة. وسأورد بعض نصوص التحدي أو (الإعجاز) من قرآن محمد:

البقرة 23 – 24
«وَإِن كُنتُم في رَيبٍ مِّمّا نَزَّلنا عَلَى عَبدِنا فَأتوا بِسورَةٍ مِّن مِّثلِه وَادعوا شُهَداءَكُم مِّن دونِ اللهِ إِن كُنتُم صادِقينَ. فَإِن لَّم تَفعَلوا، وَلَن تَفعَلوا، فَاتَّقُوا النّارَ الَّتي وَقودُها النّاسُ والحِجارَةُ أُعِدَّت لِلكافِرينَ.»
هود 11 – 12
«أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل فَأتوا بِعَشرِ سورٍ مِّثلِهِ مُفتَرَياتٍ وادعوا مَنِ استَطَعتُم مِّن دونِ اللهِ إِن كُنتُم صادِقينَ، فَإِن لَّم يَستَجيبوا لَكُم فاعلَموا أَنَّما أُنزِلِ بِعِلمِ اللهِ وَأَن لاَّ إِلهَ إِلاَّ هو فَهَل أَنتُم مُّسلِمونَ»

يونس 38 – 39
«أَم يَقولونَ افتَراهُ، قُل فَأتوا بِسورَةٍ مِّثلِهِ، وادعوا مَنِ استَطَعتُم مِّن دونِ اللهِ إِن كُنتُم صادِقينَ، بَل كَذَّبوا بِما لَم يُحيطوا بِعِلمِهِ وَلَمّا يَأتِهِم تَأويلُهُ، كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم، فانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمينَ.»
هود 13 - 14
«أَم يَقولونَ افتَراهُ، قُل فَأتوا بِعَشرِ سورٍ مِّثلِهِ مُفتَرَياتٍ، وادعوا مَنِ استَطَعتُم مِّن دونِ اللهِ إِن كُنتُم صادِقينَ، فَإِن لَّم يَستَجيبوا لَكُم، فاعلَموا أَنَّما أُنزِلِ بِعِلمِ اللهِ، وَأَن لاّ إِلهَ إِلاَّ هو، فَهَل أَنتُم مُّسلِمونَ.»
هناك تكرار للطلب التعجيزي، أو هكذا يظن المؤمنون بإلهية القرآن، أو هو الإتيان بمثل القرآن، ولو بمثل جزء منه. فنحن نقرأ «فَأتوا بِسورَةٍ مِّن مِّثلِهِ»، و«فَأتوا بِعَشرِ سورٍ مِّثلِهِ مُفتَرَياتٍ»، و«فَأتوا بِسورَةٍ مِّثلِهِ»، و«فَأتوا بِعَشرِ سورٍ مِّثلِهِ مُفتَرَياتٍ». ثم يتوعد القرآن المخاطبين المتوجه إليهم الإعجاز (التحدي) في حال عجزهم بالقول: «فَإِن لَّم تَفعَلوا، وَلَن تَفعَلوا، فَاتَّقُوا النّارَ الَّتي وَقودُهَا النّاسُ والحِجارَةُ أُعِدَّت لِلكافِرينَ»، أو يعد عدم استجابة المخاطبين بالإتيان بمثله دليلا على صدق دعوى إلهية القرآن، بقوله مخاطبا المسلمين: «فَإِن لَّم يَستَجيبوا لَكُم، فاعلَموا أَنَّما أُنزِلِ بِعِلمِ اللهِ وَأَن لاّ إِلهَ إِلاَّ هو فَهَل أَنتُم مُّسلِمونَ». أقول إن المطالبة بالإتيان بمثل القرآن مطالبة لا معنى لها، ولا تعبر البتة عن إعجاز، ولا تمثل دليلا على أن مؤلف هذا الكتاب الموسوم بالقرآن هو الله، تعالى عن ذلك حقَّ التعالي، وتنزّه تمام التنزُّه. فلكل أديب، ولكل شاعر، ولكل كاتب، ولكل مفكر، طريقته الخاصة في التعبير، ولاسيما الاستثنائيون والمبدعون والمجددون، فهم يتميزون عن غيرهم بأسلوب خاص بهم، وبثمة جمالية بلاغية، أو دقة في التعبير، أو تألق في الحكمة، أو بأفكار لم يسبقهم إليها أحد. ولو كان عجز الآخرين عن الإتيان بمثل ما كتب وما ألف مثل هؤلاء دليلا على كونهم أنبياء، أو ملائكة، أو كائنات خارقة، أو ربما آلهة، لاكتض التاريخ الإنساني بالآلهة والأنبياء والكائنات الخارقة.
عندما يوجه إلي مثل هذا التحدي، سأقول إن هذا لا يعنيني، فإني إن أتيت بمثله، ولو بمضامين أخرى، فسيكون تقليدا، ولا إبداع ولا تميز في التقليد، وإن أتيت بشيء مغاير، فمسألة أي من القرآنين أفضل، قرآن محمد القرشي، أم قرآن تنزيه العقيلي، ستبقى قضية نسبية ومختلفا فيها. لكن دليلي على عدم أفضلية القرآن نسبة إلى كل ما كتبه الناس قديما وحديثا، هو إن القرآن مفتقر إلى الكثير من التنقيح والتصحيح وسد الثغرات وإزالة حالات سوء الفهم، ورفع اللبس عما يسميه القرآن بالمتشابهات، والاقتصار على المحكمات، وحذف كل مبررات الكراهة والعداوة والاحتراب بين أفراد المجتمع الإنساني بسبب التغاير والتباين في العقائد والأديان والإيمان والكفر، ومعاقبة الإنسان لا لشيء إلا بسبب قناعاته، مما يعدّ تعارضا واضحا وصارخا للعدل الإلهي، وذلك بجعل الإيمان معيارا، بينما معيار الجزاء الموافق للعدل الإلهي، يجب أن يكون وفق الرؤية الفلسفية المنزهة لله من النقص، هو العمل المقترن بالنية، على ضوء تحديد العناصر الاختيارية من غير الاختيارية في شخصية العامل إيجابا أو سلبا، أي إتيانا أو تركا. وكذلك دعوى أن الله لم يخلق الجن والإنس إلا ليعبدوه، أو أنه كان كنزا مخفيا، فأحب أن يُعرَف فخلق الخلق كما جاء في نص محمدي تحت عنوان الحديث القدسي، وكذلك تنقيحه بحذف كل ما يمكن أن يكون خرافة، أو لا أقل ما يمكن تأويله إلى فهم خرافي، وسأعرض إلى كثير مما أشرت إليه في مقالات وبحوث لاحقة. التنقيح إذن، أو إمكان – إلم نقل – وجوب التنقيح للقرآن، بما يجعله أكمل مما هو عليه، وأكثر عقلانية ومعقولية وإنسانية، لهو الدليل على نقصه، وعلى لاإلهيته، بضرورة أن الكامل، لاسيما كمالا مطلقا سبحانه، لا يأتي منه إلا الكامل، ويستحيل استحالة قطعية أن يصدر عنه ناقص، أو كامل كمالا نسبيا، وبالتالي مفتقر إلى الإكمال، أو التكميل. إذن قدرتي على الإتيان بأفضل منه، عبر تنقيحه وتصحيح أخطائه الفلسفية والعقلانية واللغوية، دليل على عدم كماله، وبالتالي عدم صدوره عن الله. فالارتباك مثلا في ترتيب الآيات، والتنقل غير الحكيم والمربك، بل التداخل أحيانا بين المواضيع، دليل آخر على نقصه. فإذا كان هذا الارتباك في الترتيب آت من الذين جمعوا القرآن من الصحابة من بعد نبي المسلمين، وليس من مؤلفه المدعى أنه الله سبحانه، فأين ضمانة الحفظ المدعاة إذن؟ أين هذا الضمان الإلهي: «إِنّا نَحنُ نَزَّلنا الذِّكرَ، وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ».
وجاء في سورة النساء: «أَفَلاَ يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ، وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ الهِق لَوَجَدوا فيهِ اختِلاَفاً كَثيراً»، وهذه إدانة ذاتية، فقد جعل عدم الاختلاف والتناقض دليلا لصدق دعوى إليهة القرآن، وسنجد في بحوث لاحقة مدى التناقض وحالات الازدواجية في القرآن، وهذا ما يدل بحسب تقرير القرآن نفسه، أنه «من عند غير الله».
وفي حلقات لاحقة سأشير – بتسديد الله - إلى الأخطاء اللغوية في القرآن، النحوية منها والصرفية والإملائية والبلاغية، وما أجده من الثغرات وحالات الارتباك والتناقض، وكل ما يتعارض مع مبادئ الإنسانية، وقواعد العقلانية، وأسس العقل الفلسفي، وكل ما ينقض مبدأ تنزيه الله عن النقص، والذي يمثل القاعدة الأساسية للإيمان بالله، ولعلها تتقدم على مبدأ التوحيد، لأن التوحيد ما هو إلا نتيجة للتنزيه.
17/12/2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طا بت اوقاتك
brader ( 2009 / 12 / 17 - 20:02 )
غريبه ،الله يقول انه يحفظ كتابه والشيخ عمر يخشى ضياعه.


2 - العقدة
علي ( 2009 / 12 / 17 - 20:32 )
السيد تنزيه بعد تحية طيبة تفيض بالإمتنان والود والتقدير رجاء لا تنتقل الى موضوع آخر قبل الكشف الجلي والحل لعقدة التحدي القرآني زد قليلا في التحليل والشرح أرجوك فمجرد القول أن التحدي القرآني لا معنى له لايفك العقدة إذ حدث تقليد لإبداعات فريدة لم يكتشف إلا من متخصصين بينما لم يحدث ذلك مع القرآن رغم التحدي وطول زمنه حتى عنادا ،وثمة أيظا مايحير في القرآن وهو أختلاف لغته عن لغة محمد في الحديث وغيره من الشؤون الأخرى وكذلك وجود الآيات التى تلوم محمد أو تدين القرآن عينه كالآية التي أوردتها بآخر مقالتك هذه . بصراحة ياسيد تنزيه أنا لم أستطع التسليم للقرآن ولم أستطع القطع بطمئنان الى أنه من غير عند الله إذا كثيرا ما أتساءل كيف إذا أعتقد به المسلمون الأوائل اللذين عاصروا محمد فرجاءا ياسيد تنزيه وكأني بمقالك هذا قد إلتقطت طوق النجاة فلحلل وأشرح أكثر جزاك الله الذي تؤمن به كل خير


3 - الاخ العزيز على صاحب التعليق 2
مواطن ( 2009 / 12 / 17 - 22:31 )
الاخ على المحترم
اعجبنى كثيرا طريقة تحليلك للامور , وشجاعتك فى طلب المعرفة , وطلب الحقيقة , كانت تلائم ما اومن انا بة ام لا , فهذة النقطة تسجل لك , كانسان متحضر تبحث عن الحق
هذا اولا
ثانيا- مع العلم بان سوالك موجة لصاحب المقال - لكن دعنى وبعد اذنك واذن الكاتب المحترم - ان اجيب على نقطة / لماذا من عاصر محمد لم ينتقدوا القران او لم ياتوا بمثلة؟؟؟
يا سيدى الكثير ون انتقدوا القران وكتبوا افضل منه زمن محمد , ولكن السيف كان هو الحل
المثل يقول / من يستطيع نقد انياب الاسد
شكرا سيدى


4 - اثراء للموضوع!!!
سميح الحائر ( 2009 / 12 / 18 - 05:44 )
اولا اشكر الكاتب المبدع لانه آت من بيئة علمية ولعله كان شيخا من شيوخ الشيعة لان الشاعر يقول وصاحب الييت ادرى بالذي فيه.اقول للمعلق رقم اثنين اذا اردت التوسع في هذا الموضوع الشائك فما عليك ايها الاخ الا قراءة كتاب -الشخصية المحمدية او اللغز المقدس - لشاعر العراق الكبير معروف عبد الغني الرصافي.نحن باتتظار المزيد يا تنزيه. شكرا للافكار الحرة.


5 - تحية بعمق
رياض بــدر ( 2009 / 12 / 18 - 18:55 )
الرفيق العزيز تنزيه العقيلي

تحية باحتـــــرام

رغم ان الموضوع ليس بالجديد لكنه ثري حقا ويبعث الامل في النفوس في بصيص الامل الذي نود ان نشاهده في نهاية نفق الامة المظلم
فحقا فعلت وتسائلت وقد كُنت قبل اكثر من عام اثرت نقطة مختلفة في الدين الاسلامي وكان ماكان من نصيب السب والشتم بي وكانت تخص السماحة في الاسلام اثرها الغير موجود في القرأن
احييك قلبيا لشجاعتك وودت ان ادلو معك بدلوي
الاخطاء القرأنية في اللغة موضوع شيق جدا ويقلب العمائم ولي مصادر كثيرة للاخطاء اللغوية في القرأن لايفعلها ابن طالب ثانوية رغم انه من المفترض ان يكون من عند -من لايخطأ-اليس كذلك
بقي ان نعلم معلومة بسيطة لايختلف عليها طالب علم وهي ان اللغة العربية ليست لغة اصيلة ولاقديمة اي هي لغة مشتقة نتيجة التطور مثل باقي اللغات الاخرى غير الاصيلة والعربية هي لغة مشتقة من اللغة الفارسية قصرا لذلك نرا ان الحروف هي نفسها ولو رجعنا الى اطلس اللغات العالمي الذي للاسف موجود في الانكليزية فقط لوجدنا ان اللغة العربية هي في اخر الشجرة.
سارسل لك بهذه النصوص واتمنى ان تسعفك في مبغاك الرفيع المستوى هذا

الف تحية لك وللاخوة المشاركين

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ