الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم الروحي في مدارس الدولة العراقية الوليدة - المقالة الأولى

كامل السعدون

2004 / 6 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الحقيقة أن هناك إشكالٌ في النظام التعليمي في دول العالم الثالث والعراق من بينها ، يكمن في الخلط بين التعليم الغير منتج ( كتلقين الأسطورة الدينية والقيمة الدينية والتاريخ الديني غير الموثقّ علمياً ) وبين التعليم المنهجي العلمي الواقعي العملي المفضي إلى خلق نشء منتج ومفيد لمجتمعه .
هذه الإشكالية موروثة في الحقيقة من عهود ما قبل نشوء الدولة الوطنية الحديثة على أنقاض دولة العثمانية الأبوية الدينية المتخلفة ، بل وما قبل ذلك حتى ، لأن رجل الدين ( أي دين ) هو المتصدي الأول لمهمة التعليم في بلداننا ، لا بل وفي العالم كلّه ، ومن يقرأ التاريخ القديم يلحظ أن الكاهن البابلي أو السومري أو الآشوري أو الفرعوني هو المتصدي لمهمة تلقين الألفباء للنشء توطئةٍ لتلقينهم أصول الدين .
وبالتالي فقد أنعكس هذا على المدرسة الوطنية الرسمية الحكومية ، سواءٍ في الألفباء أو في الدين والتاريخ والتربية الوطنية ، فنجد تأثير المسجد ( في الدول الإسلامية ) لا زال نافذاً مؤثراً .
في هذه المرحلة الحرجة من حياة العراق ، لا بل والعرب عامة ، على أساس ظهور هذه التيارات الدينية المتطرفة ، من الضروري أن يعاد النظر في المناهج التعليمية عامة ، والمناهج الإنسانية خاصة ، بتحريرها من قبضة الواعظ وفكر الواعظ وقراءته غير الدقيقة للتاريخ والتراث والأخلاق والأدب .
هناك بضع أوهامٍ عالقة بقوة بنسيج ردائنا الثقافي العربي ولحمة نسيجنا الاجتماعي عامة ، وأبرزها وهم أن تدريس الدين مثلاً معناه تدريس الأخلاق أو التثقيف بالأخلاق وهذا غير صحيح لأن حصة الأخلاق وخصوصاً في الدين الإسلامية محدودة جداً وتتبوأ المكان الثاني أو الثالث خلف الهم الجهادي والدعووي التسلطي مضافاً إلى أن تعاطي الدين مع الأخلاق تعاطٍ ساذج وغير مقنع وغير واقعي ويختلط بترهاتٍ كثيرةٍ ما أنزل الله بها من سلطان ناهيك عن إن الدين وفي كل مفاصله يعمد إلى تدجين العقل للخرافة وغلّه بعنصري الترغيب والترهيب مما يفضي به لاحقاً لاستسلام بائسٍ لإرادة العقل الجمعي بجذوره التاريخية العتيقة غير الموثقة وغير السليمة أو المشكوك بسلامتها .
نضيف لهذا أن المدرسة الرسمية وإن كانت مسؤولة عن السلوك الاجتماعي للطالب فإن تدريس السلوك السليم لا ينبغي أن يعتمد أدوات الدين ولغة خطابه بل أدوات العقل والمنطق والتحليل والممارسة السليمة للقيمة الأخلاقية من خلال أساليب تمثيلية وعملية شيقة ، وربط القيمة الأخلاقية بالنتائج العملية الفردية كما الاجتماعية التي يصيبها الفرد أو مجتمعه جراء ممارسة تلك القيمة .
كما وإن في القيم الأخلاقية ما هو معززٌ للوحدة الوطنية ونشر العدل والمحبة والسلام في العالم أجمع .
تلك يجب أن تدرس ومثل تلك لا وجود لها في الدين الإسلامي أو إن وجودها شاحباً ، كقيمة احترام الرأي الآخر والحفاظ على حدود الآخرين وعدم انتهاك خصوصياتهم أو كقيمة حب الطبيعة وتشجيع النشء على رعايتها أو كقيمة الديموقراطية أو قيمة العمل أو قيمة التكافل الاجتماعي ليس ضمن حدود الوطن حسب بل وفي العالم كلّه …!
مثل تلك يجب أن تدرس باكراً لأن من وراء تدريسها خلق نشء صالح لنفسه ووطنه والإنسانية .
أما أبرز مهام المدرسة الرسمية الوطنية في نظري فهو تحرير الطاقات العقلية والشعورية والإبداعية والجسمانية للنشء وتطوير تلك الطاقات المحررة بأساليب سيكولوجية تربية حديثة ، ويبدأ ذلك بأن تشجع الفرد على أن يتعرف على نفسه باكراً وتشجعه على أن يحب ذاته ويؤمن بها وأن تعوده بأساليب بسيطة وعملية على أن يحلم ويتخيل ويخطط ويضع لنفسه إستراتيجيات وأهداف للرقي الشخصي .
مثل تلك المهام تسبق في تصوري مهام التدجين الأخلاقي الهادفة إلى تكرار ذات النسخة من الأب والأم والواعظ وللمرة المليون ، والمفضية بالتالي إلى أن يطفح مستنقعنا الاجتماعي بملايين أخرى من الأسماك الميتة السابحة على سطحه ببلاهة …!
ومهمة المدرسة في مضمار التقويم والتطوير السلوكي ، تحرير الكفاءات الاجتماعية الفردية لكل طالبٍ على حدة من قبيل كفاءة القيادة وتشجيع الطالب على التصدي باكراً لمهام القيادة وفنّها من خلال دروس الخطابة والإنشاء والارتجال الذي يؤدي إلى تحرير العقل واللسان والكفاءة السيكولوجية ويعزز الثقة بالنفس ويفضي لاحقاً إلى خلق أفراد شجعان واثقين من كفاءاتهم وقادرين على التصدي لمهام القيادة والمشاركة الاجتماعية الواسعة التي تبدأ من المدرسة أو من مجموعة صفّية ( في الصفّ المدرسي ) لترتقي لاحقاً إلى التجمع أو الاجتماع النقابي أو تجمع أعضاء النادي الرياضي أو الفني أو الحزب السياسي أو الحفل الاجتماعي الترفيهي وهلم جراً …!
دروس الإنشاء والخطابة والتمثيل والألعاب الفكرية المشتركة وساعات التعليم الحرّ وتبادل الأدوار بين المعلم والطالب في قيادة الصفّ ، هذه الدروس أكثر عملية وواقعية وخطورة في بناء الفرد وشخصيته ومنظومته القيمية الخاصة ، أما دروس الدين وقيم الدين الصمّاء فإنها لا تغني العقل ولا تخصب الخيال ولا ترقى بالشخصية إلى مستويات راقية وبالتالي فإنها لا تخلق قادة ، بل دواجن تُضمُ إلى قطيع الدجاج أو الأرانب التي تمتلئ بها أوطاننا حتى التخمة …!
وليتها أرانب منتجةٍ … وليت دجاجنا بياضّاً …!
وللحديث بقية …..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوراق الجوافة..كيف تحضر مشروبًا مثاليًا لمحاربة السعال والته


.. دراسة: مكملات الميلاتونين قد تمنع الإصابة بحالة الضمور البقع




.. في اليوم الـ275.. مقتل 20 فلسطينيا بغارات على غزة| #الظهيرة


.. ترقب داخل فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية للانتخابات التشريعية




.. اقتراح التهدئة.. تنازلات من حركة حماس وضغوط على بنيامين نتني