الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الكواكبي إلى الشعراوي...سيراً إلى الوراء

محسن شحاتة

2009 / 12 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل أن يولد الشعراوي بنحو 9 سنوات كان الكواكبي (47 عاما) جالسا على أحد مقاهي القاهرة بالقرب من حديقة الأزبكية يتبادل الرأي مع رواد المقهي فيما يخص شئون مصر و السلطنة العثمانية. و ربما كان يراجع مسودة كتابه (العظمة لله) الذي كان ينوي نشره مع كتاب جديد اخر اسمه (صحائف قريش). لم يتمكن الكواكبي من نشر الكتابين. فقد دس له أحد عملاء السلطان العثماني السم الذي لم يتحمله جسده و مات قبل وصول الطبيب لإنقاذه.


لم يعد يتحمل السلطان كتابا جديدا للكواكبي يفضح فيه استبداده و يحرض رعاياه على النهوض والتمرد على حياة الاستعباد والذل. لقد تسببت مقالاته التي نشرت بالصحف و جمعها في كتاب نشر بعيد وفاته هو (طبائع الإستبداد و مصارع الإستعباد) في إلحاق قدر كبير من الضرر بصورة السلطان المستبد بحيث كان لابد من أن يتم التخلص من هذا الشيخ العنيد, لعل السلطان بعد ذلك يكون قادرا عن طريق شيوخ السلطة - الذين يعرضون خدماتهم على كل مستبد في كل عصر - أن يمحو أثار كلمات الكواكبي من نفوس الرعية فيعودوا مستسلمين لقدرهم و ممتثلين لحكم فقهاء السلطان الذين يفتون بأن الخروج على الحاكم المسلم لا يجوز وإن كان فاسقا أو ظالما.


كان يمكن للسلطان أن يتحمل الكواكبي كما يتحمل غيره من الناقدين لأوضاع السلطنة, ولكن مشكلة الكواكبي انه كان صريحا وواضحا بشكل مفزع. كان كالجراح الذي بيده المشرط, يضع يده حيث يكون الداء ثم يعمل مشرطه لكي ينتزع مكمن الداء من جسد الامة. مكمن الداء كما عرًفه الكواكبي (هو الاستبداد والمستبد هو من يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم, وهو عدو للحق و عدو للحرية, ويود أن تكون رعيته بقراَ تحلب وكلابا تتذلل و تتملق). ثم كيف يتحمله السلطان وهو يكشف للناس عن نقطة ضعف المستبد عندما يصفه ( بأنه يخاف الرعية كما تخافه الرعية ) و يربط بين الإستبداد و سوء توزيع الثروات بين أبناء الأمة عندما يكشف عن ( أن الحكومة المستبدة تغدق على صنائعها و من يعينها على طغيانها و تتيح لهم جمع المال بالسرقة والتعدي على المال العام). لم يكتف الكواكبي بتشخيص الداء ولكن الأخطر أنه وصف الدواء الذي يقضي عليه وهو ( أن تكون الحكومة تحت المراقبة الشديدة والمحاسبة من الرعية ) وأن تكون آلية ذلك هو تطبيق نظام (الشورى الدستورية).


بعد موت الكواكبي بنحو 75 عاما كان الشعراوي راكبا سيارة شرطة مسرعة متجهة إلى مبنى الإذاعة و التليفزيون في القاهرة التي كانت تعمها الفوضى و تلبد سماءها أعمدة دخان ناتجة عن حرق إطارات السيارات و تسمع فيها طلقات الرصاص التي كان يطلقها أفراد الشرطة على متظاهرين يحتجون على قرارات إقتصادية أصدرتها حكومة مستبدة. ظهر الشعراوي على شاشة التليفزيون المصري ليقول للمصريين: إن الذي يريد أن يثور على الفساد عليه أن يبني لا أن يهدم (!!), و إذا كنتم تعارضون الحكومة فهناك قنوات شرعية للمعارضة و لإبداء الرأي (!!), ليست المعارضة أن تيسروا سبل الفوضى و النهب و السرقة (!!). هب أنكم أطهار تريدون طهارة الحكم فلماذا تمهدون للأشرار لكي ينقضوا عمل الأطهار (!!). و يوم الجمعة التالي للأحداث و من على منبر الأزهر الشريف يخطب الشعرواي في جموع المصلين و يقول لهم إن المتأمل في الاحداث التي نمر بها يجد أن سببها هو العزوف عن منهج الله (!!), و لم يقل لهم الشعراوي من الذي عزف عن منهج الله: هل هو الحاكم الذي كان الشعراوي وزيرا في حكومته ايام تلك الأحداث ام الجوعى الذين احتجوا على ظروفهم المعيشية!!.


كان الشعراوي متسقا مع فتواه بأن ( الشورى غير ملزمة للحاكم ) عندما وقف في مجلس الشعب عقب تلك الأحداث ليقول (والذي نفسي بيده لو كان الأمر بيدي لرفعت الرجل – أي السادات – الذي انتشلنا مما كنا فيه إلى قمة ألا يسأل عما يفعل). أما مبارك فهو في رأي الشعراوي واحد من اثنين: إما قدر من الله كتبه لنا فعلينا الدعاء له بالتوفيق و إما ان نكون قدره فلندعوا الله له بأن يعينه علينا !!. وفي الحالتين فإن الشعب عليه السمع والطاعة وأن على كل مصري أن يتخلى عن فكرة ان يتولى الحكم أو أن ينازع أهل الحكم حكمهم لأن الحاكم هو اختيار من الله!!

http://www.youtube.com/watch?v=2u3qbvNuJlg


ومن اللافت للنظر أن الزمن لم يكن هو الفاصل الوحيد بين الشيخين الكواكبي والشعراوي. بل يفصل بينهما ايضا اختيار كل منهما للمكان حين جاء الكواكبي من مسقط رأسه في سوريا إلى مصر طالبا الحرية و مبشرا بها, بينما كان للشعراوي اتجاه اخر حين ترك مصر الى السعودية التي قضى بها فترة 14 عاما ليعود بعدها عندما طلبه السادات ليتولى منصب وزير الاوقاف في فترة خطيرة من تاريخ مصر شهدت تحولا تاريخيا لم تكن علامته الوحيدة هو زيارة السادات لاسرائيل فيما عرف بمبادرة السلام.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نور وظلام
محمد بودواهي ( 2009 / 12 / 20 - 14:33 )
هما نقيضين إلى أقصى الحدود
فالكواكبي كان رجلا مناضلا شريفا وقف بجانب الشعب ضد الاستبداد والطغيان العثماني فدفع حياته ثمنا لذلك ، إلا أنه سيبقى خالدا في ذاكرة الجماهير كبطل ورمز للحرية والاستقلال والانعتاق
أما الشعراوي فليس إلا رجل دين دجال انتهازي متملق استعمله النظام المصري كبوق لتزيين صورته وتضليل الناس عن الحق ، لدى فما هو إلا خائن لقضايا شعبه وبالتالي فمصيره مزبلة التاريخ

اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج