الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن عطاء الله السكندري - اسكندراني من بلدي!

شيماء الشريف

2009 / 12 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كم سكندري في مصر الآن يعرف ابن عطاء الله، السكندري المولد والنشأة الذي عاش ومات على أرض مصر؟ وكم مصري قرأ التراث الزاخر والكلمات العاطرات التي تركها هذا الصوفي المتميز في أعماله الزاهرات: تاج العروس ولطائف المنن ومفتاح الفلاح والقصد المجرد ثم درة أعماله الحكم العطائية وغيرها من أعماله الخالدات؟ أيعرف أحد إنه كان التلميذ الأنجب للشيخ الصوفي الأشهر عند السكندريين المصريين أبي العباس المرسي، وريث الشيخ أبي الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الصوفية الشاذلية؟ لقد مدح أبو العباس المرسي ابن عطاء وكان لا يزال شابًّا في مقتبل العمر، قائلا: "والله لا يموت هذا الشاب حتى يكون داعيًا إلى الله وموصلاً إلى الله، والله ليكونن لك شأن عظيم! والله ليكونن لك شأن عظيم!" وهو ما تحقق بالفعل بعد سنوات، فأصبح ابن عطاء الله السكندري من عيون التصوف وأيضًا من أعلام الفقه والتفسير، حتى أُطلق عليه قُطب العارفين وتُرجمان الواصلين ومرشد السالكين ولسان المتكلمين.

إنه تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجِذامي من قبيلة جِذام العربية التي هاجر بعض أبنائها إلى الإسكندرية المصرية واستقروا بها، حيث وُلد أحمد بن عطاء الله السكندري عام 1260 م (658 هـ)، وقد تلقى ثقافته الأولى في هذه المدينة الساحلية التاريخية الشهيرة، حيث تخصص في دراسة الفقه المالكي حتى نبغ فيه، وفي هذا الوقت، كان ينكر على المتصوفين طريقتهم وعلومهم، حتى أتيحت له الفرصة حوالي عام 1286 م والتقى مع المتصوف الكبير الشيخ أبي العباس المرسي، هذا اللقاء الذي كان نقطة التحول المفصلية في حياته، ولنقرأ ما كتبه بنفسه في كتابه "لطائف المنن" عن تفاصيل هذا اللقاء:
"كنت لأمرِه – أي أبي العباس – من المنكرين، وعليه من المعترضين، لا لشيء سمعته منه، ولا لشيء صح نقله عنه، حتى جرت بيني وبين بعض أصحابه مقاولة، وذلك قبل صحبتي إياه، وقلت لرجل منهم، ليس إلا أهل العلم بالظاهر، وهؤلاء القوم يدعون أمورًا عظيمة، ظاهر الشرع يأباها، ثم قلت في نفسي، دعني أذهب إلى هذا الرجل وأنظر في شأنه فصاحب الحق له أمارات لا تخفى، فأتيت مجلسه فوجدته يتكلم في الأنفاس التي أمر الشارع بها فقال: "الأول إسلام، والثاني إيمان، والثالث إحسان. وإن شئت قلت الأول عبادة، والثاني عبودية، والثالث عبودة. وإن شئت قلت: الأول شريعة، والثاني حقيقة، والثالث تحقق. فمازال يقول: وإن شئت قلت، وإن شئت قلت، إلى أن بهر عقلي، وعلمت أن الرجل إنما يغترف من فيض بحر إلهي ومدد رباني، فأذهب الله ما كان عندي". ويستكمل ابن عطاء الله السكندري قصته قائلاً: "ثم أتيت إلى المنـزل فوجدت معنى غريبًا لا أدري ما هو، فانفردت في مكان أنظر إلى السماء وإلى كواكبها وما خلق الله فيها من عجائب قدرته، فحملني ذلك على العودة إليه مرة أخرى. فأتيته فاستؤذن لي عليه، فلما دخلت عليه قام قائمًا، وتلقاني ببشاشة وإقبال، حتى دهشت خجلا، واستصغرت نفسي أن أكون أهلا لذلك، فكان أول ما قلت له: يا سيدي أنا والله أحبك، فقال أحبك الله كما أحببتني. ثم شكوت إليه ما أجد من هموم وأحزان فقال: "أحوال العبد أربع لا خامس لها: النعمة، والبلية، والطاعة، والمعصية. فإن كنت بالنعمة فمقتضى الحق منك الشكر، وإن كنت بالبلية فمقتضى الحق منك الصبر، وإن كنت بالمعصية فمقتضى الحق منك الاستغفار، وإن كنت بالطاعة فمقتضى الحق منك شهود مننه عليك فيها". فقمت من عنده وكأنما كانت الهموم والأحزان ثوبًا نزعته. ثم سألني بعد ذلك بمدة، كيف حالك؟ فقلت: أفتش عن الهم فما أجده، فقال: إلزم، فوالله إن لزمت لتكونن فقيهًا في المذهبين، يريد مذهب أهل الشريعة من أصحاب العلوم الظاهرة ومذهب أهل الحقيقة من أصحاب علوم الباطن."

وقد تتلمذ ابن عطاء الله السكندري على يد أستاذه أبي العباس المرسي حوالي اثنتي عشرة سنةً، وبعد أن توفي أستاذه، انتقلت إلى ابن عطاء الله زعامة الطريقة الصوفية الشاذلية، وتبوأ مكان أستاذه يلقي المواعظ والحكم ويفسر القرآن تفسيرًا صوفيًّا روحيًّا، ويُنسَب إليه فضل التدوين في تفسير الطريقة الشاذلية حيث لم يترك كلٌّ من أبي الحسن الشاذلي وأبي العباس المرسي تراثًا مكتوبًا. ولا نعرف على وجه الخصوص أسباب تركه الإسكندرية وانتقاله إلى القاهرة، لكننا نعرف أنه كان صاحبَ مجلسٍ في الجامع الأزهر يلقي فيه دروس الفقه والتفسير ويشرح فيه آداب التصوف وتعاليمه، وربما يفسر هذا مغادرته الإسكندرية، فلم يكن فيها مركز علمٍ دينيّ في حجم الجامع الأزهر، وهذا مما يؤكد على أن شهرة ابن عطاء الله قد ضربت الآفاق، مما استدعى انتقاله إلى العاصمة وتدريسه في أكبر مجمع علمٍ دينيّ بها.

وقد عُرف عن ابن عطاء الله السكندري أنه كان عذب الحديث وحلو الكلام، يتميز بعبارات رائقة وبأسلوبٍ راقٍ يضفي إشراقًا وبهاءً على الأفكار التي كان يعرضها شفاهةً أو كتابةً، مما جعل لدروسه أثر كبير في النفوس. ولابن عطاء الله مؤلفات كثيرة، أبرزها وأشهرها كتابه البديع "الحكم العطائية" التي صهر فيها ما تعلمه من خلاصة العلم الباطن بكل آفاقه السماوية وفيوضاته النورانية وجمالياته الربانية، وباستعراض بعض ما ورد في كتاب الحكم، ندرك مقدار ومقدرة هذا الصوفي الكبير على تخطي الحواجز المادية والسفر بالروح إلى رحاب الأنوار القدسية، يقول ابن عطاء الله:

- من علامة الاعتماد على العمل، نقصان الرجاء عند وجود الزلل.
- سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار.
- أرح نفسك من التدبير، فما قام به غيرك عنك لا تقم به أنت لنفسك.
- تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال.
- الأعمال صور قائمة، وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها.
- ما نفع القلب شيءٌ مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة.
- من علامة الناجح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات.
- تشوُّفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوُّفك إلى ما حجب عنك من الغيوب.
- فأي علمٍ لعالم يرضى عن نفسه؟ وأي جهلٍ لجاهل لا يرضى عن نفسه؟
- لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلك على الله مقالُه.
- ما قل عمل برز من قلب زاهد، ولا كثر عمل برز من قلب راغب.
- لا يعظم الذنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن بالله.
- لا صغيرة إذا قابلك عدله، ولا كبيرة إذا واجهك فضله.
- الأنوار مطايا القلوب والأسرار.
- النور له الكشف، والبصيرة لها الحكم، والقلب له الإقبال والإدبار.
- ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع.

ولا أدل على التصوف النوراني لابن عطاء الله السكندري من هذه الكلمات المضيئات اللائي يفضن بعذوبة ويتجلى فيهن جوهر الحياة وحكمة الخلق. وقد توفي المتصوف الكبير عام 1309 م (709 هـ) واحتضنه ثرى مصر الطاهر حيث دُفن في القاهرة في زاويته التي كان يتعبد فيها أسفل جبل المقطم، ولا تزال مقبرته إلى اليوم مزارًا مباركًا يقصدها المئات من العرب والأجانب المسلمين من مريديه ومحبيه، رحمه الله رحمة واسعة وأفادنا بسعة علمه وصفاء روحه وبحور حكمته.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الا أنه ليس الحلاج
omar ( 2009 / 12 / 20 - 08:10 )
كثير هم أهل الصفة - ضمة على الصاد
ليس من أشهرهم ابن عطاء الله السكندري رغم ماساقته الكاتبة عنه من فيوضات وأنوار.
المقالة بها جهد ملموس تشكر عليه الدكتورة شيماء رغم أن هذا هو الاداء الطبيعى لها -من واقع مقالتها السابقة
أختلف مع الدكتورة في اختيارها للعنوان ففيه تبسط لا يناسب جلال المحتوى
شكرا للدكتورة وفي انتظار المزيد
د.عمر فكري


2 - بوركت دكتورة شيماء الشريف
عبد الله بوفيم ( 2009 / 12 / 20 - 11:30 )
افدتنا دكتورة بما نقلته من حكمة التقي الورع, إبن عطا الله السكندري, وقد كانت فعلا تلك الحكم التي نظق بها ودونها تستحق أن تكتب بالدهب في لوح كبير يقرؤها الجميع
واصلي إفادتنا دكتورة, ونتمنى من الله عز وجل أن ينير لنا ولك سبل الرشاد, وأن يحفظنا وإياك وكل المسلمين والمسلمات من مكر وكيد الكائدين, وأن
شغلهم عنا بأنفسهم يا رحمان يا رحيم
اللهم جاز عنا الدكتورة شيماء الشريف خير الجزاء يا رحمان يا رحيم, وأنعم عليها اللهم بما تتمنى هي لنفسها فهي أعلم بها, وأجب لها اللهم ربنا كلما طلبت منك ليلة أمس يا رحمان يا رحيم


3 - ما هذا يا دكتورة شيماء؟!؟
النيل نجاشي ( 2009 / 12 / 20 - 15:01 )
هل هذا المقال مدسوس عليك ؟ ما علاقة دراستك وصورتك المتحضرة كامرأة عصرية تطلق لشعرها العنان وتأخذ زينتها لتكون جميلة - حسب حال نساء عصرها - .. ما علاقة كل ذلك بقطب متصوف اسلامي لو عاش ورأي صورتك علي مقالك . لولي مكفهرا وهو يستعيذ بالله من حبائل الشيطان / النساء . ويلعنك .. ما هذا يا دكتورة ؟؟؟
بدلا من تكتبي عن حقوق المهدرة ، أو عن حقوق الأقليات المظلومة .. تكتبي لنا عن قطب صوفي محمداوي اسلاماوي يتبع العقيدة التي تحقرك كامرأة وتساويك بالحمار والكلب الاسود والغائط .. من نقائض الوضؤ !!؟؟
علي اية حال : يكفيك اساءة .. ان امتدح مقالك ودعا لك السيد - بوفيم - تعليق رقم 2 - رضي الله عنه ورزقه بالجنة . لكي ينول ما يتمناه ويترجاه أن
يعيث نهشا ونهما في الغلمان والحور المقصورات في الخيام ! .. ان وجد حقاا الها عظيما وربا مجيدا يفتح عنده ماخورا من ذاك النوع


4 - القطب الرباني إبن عطالله رضي الله تعالى عنه
خالدي حاسي بحبح/الجزائر ( 2011 / 2 / 2 - 11:40 )
بعد التحية

الدكتورة الفاضلة أشكرك على إثارة هذا الموضوع و التعريف بهذا الفحل العالم البحر الذي لا شاطىء له ،سيدي و مولاي إبن عطالله رضي الله عنه صاحب الفيوضات الربانية و الفتوحات القدسية الصمدية الذي خصه المولى عز وجل بلسان الحقيقة التى أصبح يتكلم بها ليلا نهار و لو أن كل كلامه رضي الله تعالى عنه جمع و دون لأصبح يتداول مثل الحكم العطائية لأنه كل حركاته و سكناته و أقواله تنبعث منها الحكم و تستنبط منها لأنه رضي الله عنه يعيش مع و في الله عز و جل رجل أصبح عبدا ربانيا جمع بين الصحو و السكر رجلا شاهد الله بعين قلبه و شاهد الله في موجوداته

أقول و أختصر أننا لم نعطيه رضي الله عنه حقه و المكانة الصحيحة و قد قصرنا في الحديث عنه ،هل إبن عطالله رضي الله عنه مجرد فقرة تكتبها الدكتورة كما تكتب في معظم كتاباتها في الآدب و غيرها ممن تحدثوا عنه لا و ألف لا

أما عن موضوعك فيه جفاء و هجر لأهل الطريق لأنك تفتقدين للذوق الصوفي الرفيع أنعم الله عليك به، و لو تعلمين ما فاتك عند قومي لبكيت و أذرفتي الدموع عل

اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في