الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء على دراسة د. علي الوردي... في طبيعة المجتمع العراقي

أحمد السيد علي

2009 / 12 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



في البدء لابد من الاشارة الى الكتب والدراسات التي اعتمد عليها الاستاذ علي الوردي، ومنها دراسات الدكتوراه، والكتب العلمية للأساتذة د. متي العقراوي، د.فاضل الجمالي، د. شاكر مصطفى سليم، د.محمد سلمان حسن بالاضافة الى إستقراءاته الشخصية المقرونة بالعينات الواقعية الحية للمجتمع العراقي، مع الاستفادة من تقارير طلابه، كذلك رسائل الندوة التلفزيونية لعام 1960، التي كان يعدها بعنوان{انت تسأل ...ونحن نناقش}1.
إعتمد د.علي الوردي كذلك على دراسة العالم الالماني...ماكس فيبر... المبنية على طريقة { التفهم وتكوين المثال النموذجي}،
ويعتقد الاستاذ علي الوردي، ان نشوء علم الاجتماع كان قبل مائة وخمسين سنة تقريبا من زمن نشر كتابه القيم ...في طبيعة المجتمع العراقي، ولذا يفتقرالمجتمع العراقي الى باحثين موضوعيين في علم الاجتماع، وعلى وجه التحديد في عصرنا هذا، وقد تفرّد الاستاذ الوردي على حد علمي بدراسة تفصيلية مقرونة بمشاهدات حية عن مجتمعنا العراقي، وللأسف فإن دراسته الموسومة بطبيعة المجتمع العراقي تخص القومية العربية فقط، الى جانب تناوله مشاهدات عابرة عن القوميات والأقليات الباقية. ومع ذلك فإن دراسته للمجتمع العراقي هي دراسة موضوعية بالمشاهدة والقرائن، وما يؤسف له إن هذه الدراسات لم تعنى من قبل الجهات المختصة بإعادة طبعها.2
ضمن قراءتي المتواضعة لكتابه، برزت لدي بعض الملاحظات التي يجب ذكرها مع الأخذ بنظر الاعتبار،إن صدور الكتاب كان في عام 1965، وقد أشار الاستاذ الباحث بأنه قد بدء هذه الدراسة منذ عام 1950. 3
ومن المعلوم أن علم الاجتماع هو حديث النشوء قياسا بالعلوم الاخرى، وتعتبر مقدمة ابن الخلدون الرائعة 4 هي بداية هذه الدراسات العلمية، رغم وجود مقالات عديدة قبل المقدمة ، ولكنهالا تؤخذ أساسا لصياغة هذا العلم المهم.
يركز الكتاب على أثر الصراع بين البداوة والحضارة في حقبة زمنية طويلة من التاريخ، وأثرها على تكوين الشخصية العراقية، وكان تركيزه على عدة عوامل أساسية في تأثيرها على هذه الشخصية أهمها
1ـ الصراع القبلي العشائري
2ـ الصراع القومي
3ـ الصراع الديني الطائفي
وقد تجنب المؤلف الاشارة الى الصراع الطبقي، وهذا ما يؤاخذ عليه من قبل الباحثين الماركسيين، ومن جهة أخرى أرى إن هذا العامل(أي الصراع الطبقي) لم يلعب دورا أساسيا كبيرا في مجتمعنا العراقي، وذلك لقوة العوامل الثلاثة الأنفة الذكر،سيما وإن توظيف العامل الديني لعب دور مميزا في تمييع الصراع الطبقي، كذلك عامل الصراع القبلي ـ العشائري.
لذا يستوجب هنا ان نعطي أمثلة على سبيل الحصر منها:ـ الأقوال الدينية المؤثرة والمأثورة ، والآيات القرآنية...( هذا من فضل ربي، القناعة كنز لا يفنى، وارضَ بما كتب الله...الخ).
هذا السلاح في تمييع الصراع الطبقي ووسيلة ناجعة لتثبيط عزم المسلمين في الانتفاضة ضد الواقع المرير.
ونشير كذلك الى العامل الذي لعب دورا مهما في مجتمعنا العراقي، ألا وهو الصراع القبلي ـ العشائري، ومدى تأثير البداوة في صراعها مع الحضارة في العراق، والدليل ما يحدث اليوم ونحن في الألفية الثالثة بعد الميلاد من دور مؤثر وهام للعشائرعلى كافة مفاصل الحياة ، ولعبت دور مهم في ترييف المدينة، وانحسار دور الحياة المدنية ومؤسسات المجتمع المدني.
ولابدّ من التوقف عند مفهوم البداوة... حيث ترد في فهم المؤرخ ( توينبي) عبارة عن البداوة هي " حضارة مجمدة " وهم من سكنة الصحراء.
ويعتقد المؤرخ توينبي ان هذه المنطقة الصحراوية نشأت بعد العصور الجليدية( الزحف الجليدي من الشمال الى الجنوب).
كانت المنطقة غنية بالغابات والاشجار والحيوانات، ومع إنحسار العصر الجليدي الرابع ، فبدأت المنطقة تفقد خضرتها.
أما الحضارة فيذكر الاستاذ الوردي بصعوبة تعريفها، لكونها ظاهرة إجتماعية متغيرة تختلف في الكثير من معالمها وخصائصها بإختلاف الزمان والمكان.
ومن الصعب المقارنة بين صفات البدو والحضر، فهي تختلف في المفهوم حسب الثقافةالاجتماعية والبيئة لكل منهما.
فالكرم عند البدو له صفات تختلف كليا عن مفهوم الكرم عند الحضر. ولذا يخطأ المستشرقون في تعريف البدو.
ويحصر الاستاذ الوردي خصال البدو في ثلاث صفات، تجمعها صفة واحدة هي ( التغالب).
وهذهالخصال هي:ـ
1ـ العصبية 2ـ الغزو 3ـ المروءة
وفي كل واحد منها صفة التغالب.
ومن مظاهر البدو ايضا هو التمنّع في تقبل الهدية وتناول الطعام، وقد تأثر أهل العراق بهذه الصفة. ولو تأملنا حياة البدو لوجدنا جانبين متوازيين في صفاتهم،
وهما جانب القتل والاعتداء والغزو والنهب...، وجانب التكرم والغوث (النخوة) والمروءة... ،
وهي أشبه بالتيار الكهربائي السالب والموجب، لكونهما متلازمين لمسيرة الحياة الاجتماعية.
وهذان الجانبان ينطبقان على جميع الصفات والسلوك اليومي لهم، فهم يقولون:ـ

" إن لم تستطع أن تفعل خيرا ، فافعل شرا "،
وهم يكرهون الرجال الذين يجلسون كالنساء، ويكرهون مهن الحضر، بل يستنكفونها.
بهذا الاستطراد المختصر لصفات البدو، التي أثرت في صراعها مع الحضارة ، وبالتالي كان لها الأثر الكبير في التراكمات التي حملتها وتحملها الشخصية العراقية، وخاصة الازدواجية ، الناتجة عن هذا الصراع ، الى جانب التطورات الجديدة في الحضارة والصفات الأخرى الموروثة من الدين والتقاليد السلفية العتيقة.


1ـ ندوة إجتماعية تناقش وتعالجالمشاكل الاجتماعية، والتي حازت على أفضل إستفتاء في إحدى الصحف البغدادية، ثم ألغيت من العرض بعد فترة قصيرة دون إعتذار، كما أشار المؤلف في حينها.#

2ـ في ثمانينيات القرن المنصرف،قامت صحفية امريكية بمقابلة د. علي الوردي ، وأجرت حوار مطول حول الشخصية العراقية وإزدواجيتها، وقبل ذلك أجرت حوار مع دكتاتور النظام المباد عن الشخصية العراقية وكان رأيه مخالف لتوصيف الشخصية التي ذكرها د. الوردي،
فواجهت الاستاذ الوردي بذالك ، فتملص بإجابة دبلماسية وإنهم في حالة حرب والقصد مختلف.
كان د. علي قد طلب السفر الى بولونيا بدعوة من جامعة وارشو، وأراد تأشيرة الخروج، وذيلها ان لم توافقوا، فلا أريد جنازة رسمية بعد موتي، فوقع الرفض رئيس النظام المباد، وحقق طلبه بعد وفاته ، فلم تكن هناك جنازة رسمية " من الملف الامني للدكتور علي".

3ـ كتب المؤلف منذ عام 1950 محاضرة عن الشخصية الفرد العراقي 1954 كذلك أصدر كتاب
" وعاظ السلاطين" 1954 وقد قدم محاضرات في عدة مناسبات عن طبيعة المجتمع العراقي والعربي في بلدان عربية قبل صدور هذا الكتاب.

4ـ لابد من الاشارة الى ان ابن خلدون حاول تفسير بعض الحقائق بغير حقيقتها لمنشئه الانتهازي، ومحاولة تقربه من تيمورلنك.
كذلك نشأته في بلادالمغرب التي شهدت بعض التخريب من القبائل العربية " رأي الدكتور علي الوردي".

# كتبت هذا النص في عام 1985 وأَجْرَيْتُ بعدها بعض التعديلات عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البداوة عند رائد علم الإجتماع ابن خلدون
نادر علاوي ( 2009 / 12 / 21 - 00:19 )
الصديق العزيز أحمد السيد علي
تحية طيبة ، وشكرآ لِلجهد الرائع الذي يستحق أعلى درجات التثمين

لقد أعطى ابن خلدون عنصر البداوة أهمية فائقة ، مانحآ إيّاها مركز الصدارة لدى دراسته وتحليله لِطبيعة المجتمع العربي في الحقبة الزمنية التي عاشها ، مُعتبِرآ البداوة بمثابة ظاهرة سلبية ، تعيق أي تطور ؛ وإنطلاقآ من رؤيته ومنظوره الخاص فان الإقتراب من صرح الحضارة والتقدم ، يتم عبر الإبتعاد عن صفات البداوة ، ونبذ قيمها وسلوكها الإجتماعي ، حيثُ يقول واصفآ سرّ تخلف الأقوام عن ركبِ الحضارة كونهم :( أكثر بداوة من سائر الأُمم وأبعد مجالآ في الفقر ، وأغنى عن حاجات التلول وحيويتها ، لإعتيادهم الشظف وخشونة العيش()
ـ من الجدير بالإشارة ، ان ولادة ابن خلدون في تونس وليس المغرب ، حيثُ هاجر أهله من بلاد الأندلس في منتصف القرن السابع الهجري ، ليقيموا في تونس وكان ذلك خلال حكم دولة الحفصيين . وقد ولِد ابن خلدون عام 1332 م
في تونس وترعرعَ فيها ، وما يزال بيته قائمآ لحد الآن في العاصمة التونسية ، الاّ انه توفي في مصر ودُفِنَ فيها...معَ التقدير والإحترام

نادر علاوي

اخر الافلام

.. بين الاتهامات المتبادلة والدعم الكامل.. خبايا العلاقة المعقد


.. الشيف عمر.. أشهر وأطيب الا?كلات والحلويات تركية شغل عمك أبو




.. هل ستنهي إسرائيل حربها في غزة.. وماذا تريد حماس؟


.. احتجاجات طلابية في أستراليا دعما للفلسطينيين




.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24