الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 1/5

تنزيه العقيلي

2009 / 12 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سأحاول في خمس حلقات – أو بما قد يزيد - أن أتناول بالدراسة والمقارنة تلك النصوص القرآنية التي تبين موقف الإسلام من الآخر المغاير في العقيدة، أو أريد - من موقع إيماني ببشرية القرآن، وبالتالي بمحمديته، لا بإلهيته - أن أستجلي من كتاب محمد هذا الموسوم بـ(القرآن)، موقفه هو أي محمد تجاه من لم يؤمن به نبيا، وبكتابه وحيا، وبدينه رسالة إلهية. إنه إذن بحث عن موقف القرآن من الآخر المغاير، والذي يحب القرآن أن يسميه - ولا أقول يشتمه - بنعت (الكافر).

ولا بد من أن نحاول توخي الموضوعية في هذا البحث، فنقر بضوء وتألق ما هو مضيء ومتألق، ونؤشر على ظلمة وهبوط ما هو مظلم وهابط، بحسب تقديري، وهو من غير شك تقدير نسبي يحتمل الصواب والخطأ.

هناك من النصوص القرآنية الجميلة التي تتناول الآخر، مما يمثل تألقات رائعة من مواقف إنسانية وعقلانية، هي في غاية المرونة والليبرالية تجاه الآخر المغاير دينيا. ولكن هناك نصوص أخرى - وهي الغالبة والطاغية - في غاية القسوة والتشنج في الموقف - دنيويا وأخرويا - من هذا الآخر (الكافر) بمحمد وإسلامه وقرآنه.

لنبدأ بالنصوص ذات الموقف الإيجابي من الآخر. ولو إني لم أجد موقفا إيجابيا، لا شائبة في إيجابيته، تجاه الآخر (غير المسلم)، إلا في نصين اثنين فقط. أما النصوص التي تشتمل على شيء من الإيجابية والانفتاح والتسامح مع الآخر، فهي في جزئها المُجتزَأ إيجابية، لكن سرعان ما نكتشف حقيقة الموقف المتأزم والرافض والمقصي، إما دنيويا وأخرويا، وإما المتسامح دنيويا والمتوعد أخرويا، تجاه من بدا أن هناك ثمة إيجابية وانفتاحا ومرونة في التعامل معه. قلت هناك نصان، أحدهما تكرر في موقعين، مما يمكن الكلام إما عن نصين، وإما عن ثلاثة نصوص. وهي لا تساوي شيئا يذكر بقياسعا إلى مئات النصوص المأزومة تجاه «الذين كفروا» بدين محمد.

النص الإيجابي الأول المتكرر مرتين، يحصر إيجابيته تجاه ثلاث فرق، يمثلون ما ينعتهم القرآن بأهل الكتاب، أي أتباع الدينات الإبراهيمية فقط، دون شمول غيرهم بهذا الموقف المنفتح نسبيا. فقرأ في سورة البقرة 62:
«إِنَّ الَّذينَ آمَنوا والَّذينَ هادوا والنَّصارى والصّابِئينَ مَن آمَنَ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ».
ونقرأ نصا مشابها في سورة المائدة 69:
«إِنَّ الَّذينَ آمَنوا والَّذينَ هادوا والصّابِؤونَ والنَّصارى مَن آمَنَ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ وعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ».

لا أريد أن أناقش الخطأ النحوي والإملائي في كلمة (الصابؤون)، فالخطأ مركب، أولا تكتب الهمزة على الياء، لكون ما قبل الهمزة (الباء) مكسورا، والكسر أقوى من الضم، فالصحيح (الصابئون)، ثم الخطأ النحوي، حيث الصحيح (الصابئين) للعطف على المنصوب بـ«إنَّ».

هنا يتجلي موقف إيجابي تجاه المسيحيين «النصارى» واليهود «الذين هادوا» والصابئة «الصابئين»، بدرجة مساواتهم مع المسلمين «الذين آمنوا»، إذا ما حققوا الشروط الثلاثة، الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، والعمل الصالح. وهذه الآية تمثل إنصافا إحدى التألقات الفلسفية لكتاب محمد، فهي تعطي الضمانة لمن استخدم عقليه الفلسفي والأخلاقي، أو لنقل عقله فيما هي (العقلية)، أو (العقل الفلسفي) الحاكم على الصواب والخطأ، وضميره فيما هي الأخلاق أو البعد الإنساني، أو ما يمكن تسميته بـ(العقل الأخلاقي) الحاكم على الجميل والقبيح جمالا وقبحا معنويين. أقول هذا لأن الوصول إلى الإيمان بالله يمكن أن يكون عبر العقل الفلسفي بدليل (واجب الوجود) المستند على مجموعة قوانين عقيلة، كقانون العلية، واستحالة التسلسل في العلل إلى ما لا نهاية، أو الأرجح ما لا بداية. هذا الإيمان الفلسفي الذي يترتب عليه إيمان فلسفي آخر تابع وملازم له، ألا هو الإيمان بالجزاء في ثمة حياة أخرى «اليوم الآخر»، كلازم من لوازم الجزاء، والذي هو بدوره لازم من لوازم العدل الإلهي، والذي هو بدوره لازم من لوازم الكمال الإلهي، والذي هو بدوره لازم من لوازم دليل واجب الوجود. هذا ما يتعلق بالعقل الفلسفي، أما ما يتعلق بالعقل الأخلاقي، فيتجلى هنا بمصطلح (العمل الصالح) بعبارة «وعمل صالحا»، فهو من لوازم الضمير أو العقل الأخلاقي، أو الفطرة الإنسانية. هذا كله لا يحتاج إلى دين. ولكن لماذا حصر النص الطمأنة «لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» ونص البشرى «لهم أجرهم عند ربهم» في هذه الفرق الأربع (المسلمين والمسيحيين واليهود والصابئة)؟ ربما يقال إن ذكرهم لا يجب فهمه على نحو الحصر، بل من قبيل الأمثلة أو المصاديق على أرض الواقع. بل يمكن أن يشمل المفهوم حتى المؤمنين اللادينيين. ولعل ما يؤيد هذا الفهم ما جاء في سورة الأحقاف 13-14: «إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنا اللهُ ثُمَّ استَقاموا فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ، أُلائِكَ أَصحابُ الجَنَّةِ خالِدينَ فيها جَزاء بِما كانوا يَعمَلونَ».

ومع هذا هناك مع التسليم بصواب ما جاء في النص، فإنه صواب نسبي لا يخلو من ثغرة فلسفية تنتقص من العدل الإلهي والرحمة الإلهية. إذ وبحسب الفهم الفلسفي العقلي المجرد للعدل والرحمة الإلهيين، فإن العنصر المعوَّل عليه عند الله هو الثالث من العناصر الثلاثة، أي (العمل الصالح)، أو بتعبير آخر إنسانية الإنسان وحدها، حتى لو كان ملحدا بسبب أن عقله لم يستوعب الأدلة على وجود الله، ومع هذا سلك في حياته سلوكا إنسانيا، مما يجعله محبوبا وقريبا من الله، فالله سبحانه ليس له عقدة تجاه من لم يوصله عقله إلى الإقرار بوجوده. وهنا لا بد من أن أشير إلى أهم ثغرة فلسفية للقرآن – كما هو الحال مع غيره مما يسمى بالكتب المقدسة-، حيث يجعل القرآن الإيمان معيارا للجزاء، بينما الإيمان ليس أمرا اختياريا على الأغلب، وحتى لو كان اختياريا، فليس من إنسان يملك ضمانات للوصول إلى الإيمان بما هو حق وحقيقة وصواب، إلا بشكل نسبي، غير قطعي، وغير نهائي، وغير مطلق، وغير مضمون الصواب.

وسنجد في القرآن كما هائلا من النصوص ذات الموقف السلبي تجاه غير المسلمين من أتباع الديانات الإبراهيمة المُسمَّين بـ«أهل الكتاب»، ومع هذا هناك فلتات نادرة جميلة، هي التي يركز عليها المؤمنون بإلهية القرآن ونبوة محمد، ومع هذا لهم نزعة عقلية وإنسانية، كذلك النص الجميل الذي ينبه إلى عدم جواز التعميم والإطلاق في الحكم على أهل الكتاب. فالتنبيه إلى عدم جواز التعميم والإطلاق شيء جميل، ولكنه مع هذا يختزن أن الأصل في الموقف تجاه من يسميهم القرآن بأهل الكتاب، هو التكفير والإدانة والإقصاء، فهم كفار، ولكنهم الكفار الأفضل من غيرهم، إذ يسميهم «الذين كفروا من أهل الكتاب».
نص النهي عن التعميم والإطلاق هو ما جاء في سورة آل عمران 113 -114:
«لَيسوا سَواءً؛ مِّن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيلِ وَهُم يَسجُدونَ، يُؤمِنونَ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ وَيَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُسارِعونَ في الخَيراتِ، وَأُلائِكَ مِنَ الصّالِحينَ».
ولا أكرر ما ذكرته عن إشكالي على جعل معيار التقييم هو المعيار الديني (الإيمان)، وبشكل خاص بمعناه الديني، والمقترن بالعمل الصالح، والذي يشتمل على بعد إنساني عام، إلا أن معياره هو المعيار الديني، وليس المعيار الإنساني المتجرد، على قاعدة ما يسمى بالحسن والقبح العقليين.
ابتدئ بكتابة البحث في كانون الأول 2009
وتم في 23/12/2009











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اي محبة تتحدثون عنها
سركون البابلي ( 2009 / 12 / 25 - 12:25 )
اعتقد بان تجميل صورة الاسلام بهذه الطريقة غير لائقة بك ككاتبة تدعوا ولو تقية للحريات فنحن نعرف بان الايات التي تتحدثين عنها بانها ايات المحبة والتعامل الحسن مع غير المسلمين وبالاخص المسيحيين واليهود هي ايات ملغية ومنسوخة باية السيف
فإن آية السيف هي قوله تعالى:فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5].
أن آية السيف قد نسخت مسالمة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم بالأمر بقتالهم. وكذا قال ابن حزم بأنها نسخت مائة ونيفاً من آيات القرآن؟ تعد أساس معاملات المسلمين مع غير المسلمين وأهل الكتاب
لاتعليق


2 - إزالة شبهة عن قوله تعالى: (إن الذين أمنوا وال
عبد الله ( 2009 / 12 / 25 - 20:37 )
قال الخليل وسيبوبه : الرفع محمول على التقديم والتأخير، والتقدير إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك وأنشد سيبويه وهو نظيره:
وإلا فاعلموا أنَّا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق
وقال ضابىء البرجمي:
فمن يك أمس بالمدينة رحله فإني وقيــار بهــا لغريب
وقيل: إن -الصابئون- معطوف على المضمر في - هادوا - في قول الكسائي.
وقيل: إنَّ بمعنى نعم، فالصابئون مرتفع بالابتداء وحذف الخبر لدلالة الثاني عليه، فالعطف يكون على هذا التقدير بعد تمام الكلام وانقضاء الاسم والخبر .
قال قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصباح يلمـننـي وألــومـهنــــه
ويقلـــن شيــب قــد عـلا ك وقد كبرت فلقت إنـــه
قال الأخفش: إنه بمعنى: نعم. وهذه الهاء أدخلت للسكت ، ومما تقدم يتبين لك أيها السائل الكريم جور هذه الشبهات وتهافتها ، وبالجملة فيمكنك مراجعة كتب التفسير، وكتب إعراب القرآن عند هذه الآيات ففيها كفاية لمن أراد معرفة الحق والوقوف عنده،


3 - شبهة لغوية حول قوله تعالى: { إن الذين آمنوا .
عبد الله ( 2009 / 12 / 25 - 20:43 )
إن مجيء الآية على النحو الذي جاءت به، هو وجه من وجوه بلاغة القرآن، وجانب من جوانب إعجازه، يوضِّح هذا ويؤكِّده ما جاء عن أئمة اللغة في توجيه هذه الآية الكريمة .



قال الخليل و سيبويه : رفع ( الصابئون ) في الآية محمول على التقديم والتأخير؛ والتقديم والتأخير أمر جار ومعهود في كلام العرب، وهو كثير في القرآن الكريم، يعلمه كل من كان على دراية وعلم بلغة القرآن وأسلوبه، قالوا: وتقدير الكلام في الآية: ( إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك ) قالوا: ومن ذلك قول الشاعر:

وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق



أي: وإلا فاعلموا أنا بغاة ما بقينا في شقاق، وأنتم كذلك.



وعلى هذا، فإن ( الصابئون ) في الآية على نيَّة التأخير بعد خبر { إنَّ } وهو مبتدأ لخبر محذوف تقدير الكلام: ( والصابئون كذلك ). وعلى هذا قول الشاعر:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيَّار بها لغريب



أي: فإني بها لغريب، وقيَّار كذلك .


4 - إن يقولون إلا ظنًا،
عبد الله ( 2009 / 12 / 25 - 20:45 )
وقال بعض أهل العلم في توجيه الآية: إن خبر { إن } محذوف، دلَّ عليه قوله سبحانه: { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } قالوا: وجملة { والذين هادوا } معطوفة على جملة { إن الذين آمنوا } ومحلها الرفع؛ لأنها جملة ابتدائية، وما عطف عليها كذلك، وجملة { والصابئون } من المبتدأ والخبر المحذوف، معطوفة على الجملة المرفوعة قبلها؛ فالعطف هنا عطف جُمل على جُمل، وهي مرفوعة، فلأجل هذا جاء قوله تعالى: { والصابئون } مرفوعًا، عطفًا على ما قبله من جُمل مرفوعة .



وثمة من يرى من العلماء أن { إنَّ } في الآية بمعنى ( نعم ) كقول الشاعر:

ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت: إنَّه



قال الأخفش: ( إنه ) بمعنى ( نعم ) والهاء أدخلت للسكت. وعلى هذا القول، فـ { الصابئون } في الآية رُفع على الابتداء، وحُذف الخبر لدلالة الثاني عليه؛ والعطف يكون على هذا التقدير بعد تمام الكلام، وانقضاء الاسم والخبر .

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ