الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي (3 )

فيصل البيطار

2009 / 12 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


واحده من أهم الأمور التي تثير البلبله وحيرة الفكر في الفقه الإسلامي ... بل أكثر من هذا، ما يترتب عليها من نمط للحياه والسلوك في حاضر المسلم ومستقبله، تلك هي مسألة :

- الجبر والإختيار او القضاء والقدر او التسيير والتخيير .
الجبر : هو نفي الفعل عن الإنسان مهما كبر أو صغر ورده الى الله وحده لا شريك له، كل الأفعال الصادره عن الإنسان هي أفعال بأمر من الله ولا يملك المسكين أي إراده في رد ذلك الأمر، هو القضاء الذي لا مرد له، يولد الإنسان ويتربى في منزل والديه ثم يكبر ويعمل ويتزوج ويموت، دون أن يكون له اي فعل وتأثير في مسار حياته هذا، فقد سُطرت أحواله في اللوح المحفوظ من قبل أن يولد بدهور، يستحيل على الكافر أن يغير كفره وعلى القاتل ألا يقتل والزانيه تزني بمشيئه إلآهيه وأنت تفضل البلاك ليبل على البلانتاينز أيضا بأمره، وفي الموروث الديني الشعبي يقول الناس : " مقدر ومكتوب " و " كله من عند الله " . آيات الجبر في القرآن كثيره، بعض منها : عبده مسلوب الإراده ( قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله )، وخلقه عاجز متكئ عليه ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى )، أما الهدايه والضلال فمن عنده ( فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء )، وبيده هداية كل الناس ( لو شاء لهداكم أجمعين )، الفاجر والتقي بمرسوم رباني ( فألهمها فجورها وتقواها )، وهو الذي يرزق الناس لا كدهم وتعبهم ( إن الله هو الرزاق ذو القوه المتين ) ثم ( يرزقكم من السماء والأرض )، والله ينفي عن المزارع مهنته وينسبها لنفسه ( أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) . وفي حديث محمد : ( من آمن فقد آمن بقضاء وقدر، ومن كفر فقد كفر بقضاء وقدر، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) و ( جف القلم يا أبا هريره بما انت لاق ) و ( ... واعلم أنَّ الأمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبهُ الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضرّوك إلا بشئٍ قد كتبه الله عليكك ) .

على مثل هذه الآيات والأحاديث، وغيرها كثيره، إعتمد الفقه الأشعري في إثبات أن ليس للإنسان من أمره شيئا، هو يسير وفق قوانين إلآهيه لا حياد عنها ولا يملك حرف مسارها، الأخطر في هذا كله، أن فقه الجبر من قَبل الأشعري وحتى الآن، مثّل الأيدلوجية الفقهيه للطبقه الحاكمه، تروج رجالاتها لتلك الآيات والأحاديث لتدعيم ماتراه حق لها في السلطه المتوارثه، ومراكمة الثروات الهائله وبناء القصور الفاخره التي تعج بالجواري والغلمان والخصيان، وبالطبع، كان هناك دائما في بلاطات هؤلاء الحكام من يفتي من شيوخ الدين ويطلق الأحكام الشرعيه تدعيما للسلطان الجائر واعدا المخالف بالويل والثبور خالدا في سقير، وقلة من كان يعارض ويعترض . المحدّث عبدالله بن عمر خالف معاويه بن أبي سفيان في توريث إبنه الفاسق يزيد الخلافه من بعده، كان رد معاويه : ( أمرُ يزيد كان قضاء من القضاء، وليس للعباد خيره من أمرهم ) . الحسين بن علي وهو من هو كان مصيره القتل مع عائلته في " الطف " وقطع رأسه وطواف الأمصار بها على أسنة الرماح لرفضه بيعة قضاء القضاء هذه، قُتل عبدالله بن الزبير الذي كانت تُكنى به عائشه وهي خالته التي ربته وكان أول مصلوب منكس الرأس في الإسلام ( قدميه إلى السماء ) وفي فناء الكعبه التي أحرقها جيش الجبر، واستبيحت مدينة الرسول وبناتها ثلاثة أيام، حتى ان الرجل من بعد، كان يزوج ابنته ولا يضمن بكارتها، وقيل أن عشرة آلآف من بنات المدينه قد نقبن وايضا بقضاء من الله، يقول الله : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ويقول محمد : ( .. من يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني ) و ( السلطان ظل الله في الأرض فمن أهانه أهانه الله ومن أكرمه أكرمه الله )، حديث صحيح، وعن أنس أنه قال : ( إسمعوا وأطيعوا وإن أُمّر عليكم عبد حبشي مجدوع الأطراف ) ثم يقول : ( من خرج على أمتي، فاضرِبوا عنقه بالسيف، كائنًا من كان ) محمد إذن وحسب هذا المنطق الفقه هو الذي قتل حفيده الحسين وليس يزيد . يفتي الفقهاء أن طاعة ولي الأمر قضاء من الله ونبيه حتى لو كان ظالما، ولا يملك العبد في هذه الحاله إلا أن يدعو له بالصلاح، والبيعة قضاء واجب على كل مسلم، محمد يقول : (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) وتحت راية أمر الله الجبريه ونبيه المقضيان دون جدال، قَتَل الخلفاء وهم أولو الأمر كل من إعترض على قدره من الناس ، بدأ هذا مع خلافة الأول " الصدّيق " عندما رفضت قبائل واسعه من العرب مبايعته ودفع الضرائب له ( أسموها الزكاه ) ، شَن حروبه الواسعه ضدهم، تلك التي أسماها مؤرخي السلاطين بحروب الرده، وما كانو بمرتدين عن دين الإسلام بل مانعين للزكاه ورافضين الخنوع بالبيعه، وكل ما نسب لمسيلمه من أشعار وآيات ساذجه، وهو النصراني القديم الذي كان لمحمد معرفة به قبل الإسلام، ما هو إلا كذب وضحك على الذقون، قبائل الساحل الشرقي للجزيره نزولا ألى عُمان وحضرموت واليمن، ثم صعودا إلى يمامة مسيلمه، كلها انتفضت ضد البيعة والضرائب وتم قتل رجالاتها وسرقة أموالها وسبي نسائها اللواتي وزعن على مسلمي المدينه كجواري ( يقولون أن العرب لا يُستعبدون !!! ) ، قتل خالد بن الوليد، المسلم مالك بن نويره ومثل به بجعل رأسه ثالثة الأثافي ( أحجار ثلاثه توضع تحت قدر الطعام ) وتزوج من زوجته سلمى بنفس الليله ودون أن تبرأ، مقتديا بنبيه مع صفيه بنت حيي بن أخطب، مالك هذا كان سيدا في قومه وهو أول من حمى الحمى وتضرب العرب به الأمثال فتقول : أعز من مالك . " الصدّيق " قال بعد هذه الأموال والجواري التي أتى بها خالد : عجزت النساء أن يلدن مثل خالد، الخليفه هو قدر الله على الأرض وطاعته واجبه في كل الأمور كطاعة الله ورسوله، ولا يملك المسلم في هذا الدين أن يثور وينتفض ضد ساكني القصور وكانزي الأموال وجامعي الجواري بالألوف . " الرشيد " هارون أمتلك ثلاثة الآف جاريه، وعندما هفت نفسه الى جارية وطأها أبيه، كان هناك من الفقهاء من يحلل له بفتوى ذهبيه وطأ زوجة أبيه، المتوكل إمتلك أربعة آلآف جاريه وطأهن جميعهن، الى جانب هذا القضاء، هناك الفقر والجوع الذي كان وما زال قضاء الله المُلقى في جنبات بيوت الطين والصفيح من المسلمين، والقتل هو ما يقره القضاء والجبر لكل من تسول نفسه العمل للخلاص من منه، البابكيه والزنج والقرامطه، ثورات اشتعلت ضد الخلفاء الظالمين،والقتل والسبي وسرقة المال كان حقهم المقرون بقدرهم، بل طال القتل والتمثيل شخصيات ذو مكانه أدبيه وفقهيه معارضه، كمثال : الحلاج والسهروردي المقتول والشاعر البصري الضرير بشار بن برد . على مر التاريخ كان القتل والتمثيل ومصادرة المال والسبي، هو المصير المحتّم لكل من لايرضى بقدره، وفتاوى فقهاء السلاطين بوجوب طاعتهم والدعاء لهم ودفع الفقراء والمظلومين للصبر والسكون، هو المروج له من فوق المنابر كل صلاة جمعه وحتى الآن .

الإختيار عكس الجبر تماما، هنا الله أعطى الحريه الكامله لعباده في أعمالهم، هم مستقلون في القرار وتطبيقه، ثم هو يحاسبهم يوم الدين على ما إقترفت أيديهم بعد أن بين لهم طريقي الخير والشر، هو يقول : ( ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ) و ( ... إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. ) ويقول ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما شكورا ) .
المعتزله هم أول من إحتكم للعقل وأحلاله محل النقل، تم إهمال وتأويل الآيات والأحاديث التي تتعارض مع العقل، إذ انه يمتلك القدره على التمييز بين الحلال والحرام، الأسطوره والواقع، عندهم : الله خلق الإنسان وبين له مسالك الخير والشر وما يجزي به ويعاقب عليه من أفعال، الله لا يأمر عباده بشيئ، هو يبين، يوضح، والإنسان هو الذي يخلق أفعاله بإرادته الحره، الحاكم الظالم يجور بإرادة منه وليس قدر من الله . رفض المعتزله مبدأ الجبر الذي يوصل الله في النهايه الى مواقع الظالمين، إذ كيف يخلق إنسانا كافرا لا يملك الحياد عن كفره ثم يعاقبه أشد عقاب خالدا في نار جهنم، ثم هو يخلق إنسانا مسلما مؤمنا لا يحيد عن الخير ثم يجازيه بالخلود في الجنه بين أحضان حور العين !!! المعتزله ضد السلطان الجائر وتلك النصوص التي تروج له، لذا هم مكفرون من أهل السنه أصحاب فقه الجبر المتسلط على حياة الإنسان .

للفقه الجعفري موقف ثالث بين الموققين، الإنسان هنا ليس مجبر على أفعاله، له الحريه ولكن .... ضمن سلطان الله !! لا جبر ولا إختيار إنما الأمر بين أمرين، في نهاية التحليل، الفقه الجعفري في مسألة الجبر والإختيار يصطف الى جانب الأشاعره ... لا فرق في الجوهر أبدا .

هذه واحده أخرى من اشكاليات الفقه الإسلامي في التطبيق .

يتبع ( 4 )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استاذنا العزيز
أبو لهب المصرى ( 2009 / 12 / 24 - 17:56 )
والأمر من ذلك
أن هذا الإله يدعى نفسه أنه -الهادى-
وعلى رآى كاتبنا المحبوب رعد الحافظ فى تعليقه على إحدى المقالات عن الإله الهادى حيث علق بقوله البليغ .... قال يهدى قال !!!
تحياتى
وكل سنة وأنت طيب


2 - في الصميم
صلاح يوسف ( 2009 / 12 / 24 - 18:21 )
أخطر ما في العقيدة الدينية هي إقناع الناس بأن إرادتهم مسلوبة وبان الله يسير لهم أعمالهم وأرزاقهم ومستقبلهم. هذه النتيجة هي ما جعل الأنظمة الفاسدة عبر التاريخ تتمسك بالعقيدة الدينية، فالعقيدة نفسها تقنع الناس بأن فساد الحاكم قدر من الله وبأن الحق على الناس فلولا أنهم فاسدون فإن الله لا يسلط عليهم جور السلاطين وهناك أحاديث بهذا المعنى. ( ما من قوم منعوا الزكاة إلا حرمهم الله قطر السماء وسلط عليهم جور السلطان ). ينتشر الظلم والفساد وإهدار المال العام ويكون كل ذلك بأمر الله والخروج عليه معصية بل أكثر من ذلك يكون الحق على الناس لأنهم منعوا الزكاة. إن بداية التحرر الحقيقي من الفساد والاتجاه نحو الدولة المدنية هو التخلص من العقيدة الدينية وتحطيمها وتفكيك سخافاتها.
شكراً لك أستاذ فيصل على الجهود المؤثرة.


3 - كل عام والجميع بخير
brader ( 2009 / 12 / 24 - 22:58 )
المشكله ليست في الفقهاء بل في مؤلف القران الذي يشبه الشخصيه الروائيه دكتورجيكل ومستر هايد للكاتب الاسكتلندي روبرت لويس ستيفنسن


4 - السلام عليكم
طلعت خيري ( 2009 / 12 / 25 - 05:35 )
الزميل ... فيصل


هذا قولك
. آيات الجبر في القرآن كثيره، بعض منها : عبده مسلوب الإراده ( قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله )
هذه الايه لاتتكلم عن القضاء او القدر انما ترد على سؤال المشركين عن الساعة وعن زمان وقوعها.. يرد الله عليهم على لسان محمد لانه هو الرسول المبلغ .. هنا محمد نفى ان يستطيع ان يقدم لنفسه خيرا او شرا .. لانه لايعلم غيب الساعة ووقت وقوعها
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ{187} قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{188


5 - السيد طلعت خيري
فيصل البيطار ( 2009 / 12 / 25 - 08:50 )
هذه الآيه وكثير غيرها من الآيات يدخل في باب الخاص والعام، لكن معظم الفقهاء يرون ان الخاص هو عام بنفس الوقت وما ينطبق على الرسول ينطبق على عامة المسلمين حتما إلا ما ندر... شكرا لمداخلتك .


6 - الى المبدع الكاتب فيصل البيطار
نادر عبدالله صابر ( 2009 / 12 / 25 - 18:49 )
لله درك من كاتب متمكن مما تسلط الضوء عليه
يعجبني تشريحك المنطقي بمبضعك كجراح محترف لا تهتز له يد وهو منهمك في عملية ارجاع العقول الى وضعها الطبيعي العادي
اتمنى من كل مسلم ان يقرأ لك بعين حيادية متجردة ليستوعب حجم الضياع والتوهان الذي يمعن بالابحار به
اخي فيصل : لا املك الا ان اقول كثر الله امثالك المتنورين اصحاب العقول


7 - مأساة
عبد القادر أنيس ( 2009 / 12 / 25 - 21:34 )
إذا كان يجوز لنا أن نجد أعذارا لمؤلف القرآن حول هذه التناقضات الصارخة بسبب ضعف مستوى التفكير المنطقي عنده وعجز محيطه عن إيجاد تفاسير مقنعة لمختلف المصائب والكوارث التي تصيب الإنسان فإن المأساة تكمن اليوم في بقاء المسلمين بما فيها نخبهم المتعلمة، متمسكين بهذه الأفكار الدينية المتخلفة رغم كل الإمكانيات المتاحة منطقيا وعلميا وفلسفيا لتفسير أغلب غوامض الطبيعة ومواجة أغلب الكوارث التي أعجزت الأسلاف.
أنا أتهم العقل المسلم بالجمود لأنه بقي خاضعا للتفكير الديني ولا سبيل لأية نقلة نوعية إلا بانتشار العلوم والفلسفة على نظاق واسع بين الناس.
تحياتي للكاتب على هذا الطرح المفحم


8 - تصحيح الآيه
فيصل البيطار ( 2009 / 12 / 25 - 22:19 )
إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا

نأسف لهذا السهو

اخر الافلام

.. تجنيد يهود -الحريديم-.. ماذا يعني ذلك لإسرائيل؟


.. انقطاع الكهرباء في مصر: -الكنائس والمساجد والمقاهي- ملاذ لطل




.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل


.. 134-An-Nisa




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم