الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رهائن الوهم

أحمد حيدر

2004 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ثمة حقيقة لا تحتمل التاويل ، والالتباس وهي اقرار جميع الشرائع السماوية ،والدنيوية بمبدأ الرأي والرأي الآخر ، وأعده الفلاسفة ، والحكماء من لوازم الوجود البشري ، نظرا لأهميته في التفاعل أو ( الصراع ) بين المتناقضات – في الظواهر – ودفعها قدما نحو الأمام ، بحكم حركة الواقع ، وتجلى ذلك في قوانين الطبيعة : تعاقب الليل والنهار ، واختلاف الفصول .. كذلك في التشكيلات الاجتماعية ، والاقتصادية التي مرت بها البشرية . وكان فن الجدل والنقاش ( الديالكتيك ) معروفا عند قدماء اليونان للوصول الى الحقيقة ( بكشف المتناقضات في حجج الخصم وحلها ) وصاغ كارل ماركس منهج الجدل ( الديالكتيكي ) لمعرفة قوانين الطبيعة ، والمجتمع البشري ، والتفكير !! وعبر الأمام أبو حامد الغزالي عن هذه العلاقة الجدلية بين الظواهر ذاتها في كتابه 0 علوم إحياء الدين ) : " الموجودات كلها متقابلة ، مزدوجة "وجاء في كتاب ( البلدان ) للجاحظ : " الحمد لله الذي جعل بعض الاختلاف داعية الى الائتلاف ، وجعل الشك داعية الى اليقين " وكان لينين يعيد مصدر التطور وقوته المحركة الى ( صراع الأضداد ) . وربط المفكر النهضوي عبد الرحمن الكواكبي في كتابه ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) مسالة الترقي عند الأمم بالتناقضات الموجودة في الحياة ، المتمثلة في ثنائية الخير والشر ، واستند في آرائه على ماجاء في القرآن كقوله
تعالى ( الحي يخرج من الميت ويخرج الميت من الحي ) وعلى أحاديث الرسول منها قوله : " ماتم أمر الا وبدا نقصه " شهدت سقيفة بني ساعدة ولادة أول مجلس ( تعددي ) في الإسلام سنة 632ه – بعد وفاة الرسول – لاختيار خليفة للمسلمين ، فاجتمع الصحابة واتفقوا على مبايعة سعد بن عبادة الأنصاري ، فاعترض أبو بكر ، وبعد مناقشات مستفيضة قام أبو عبيدة عامر بن الجراح من سادة الأنصار فبايع أبو بكر ثم لحقه عمر ، وتبعه جمع من الأنصار فتم الموافقة بالإجماع على مبايعة أبو بكر الصديق لتولي الخلافة وسد الفراغ السياسي الذي تركه وفاة الرسول في السلطة !!برهنت هذه الواقعة ، على ضرورة الحوار ( الديمقراطي ) بعيدا عن الهيمنة ، والتسلط ، للوصول إلى قواسم مشتركة ، تجنب الشعوب النزاعات ، وإراقة الدماء !! وبعد اغتيال علي ، تفاقمت الأمور ، وظهرت آراء متعددة- لاختيار الحاكم - بتعدد المذاهب والتيارات السياسية ، لكنها حسمت بالترهيب ، وسقطت المبايعة ، والشورى ، وصار الحكم وراثيا في بني أمية ، ويروى انه في مجلس بالشام عرض معاوية بيعة يزيد ابنه ، فكثر الأخذ والرد ، وانقسم الناس بين مؤيد ، ومعارض ، فقام واحد وخطب : أمير المؤمنين هذا ، وأشار إلى معاوية ، فان مات فهذا أشار الى يزيد ، ومن أبى فهذا ، أشار إلى السيف .فقال له معاوية : اجلس فأنت سيد الخطباء !!وفي أول خطبة له بعد استخلافه ، قال عبد الملك بن مروان : ( الا واني لا أداري هذه الأمة الا بالسيف ، متى تستقيم لي قناتكم ( أي تستقيم أموركم ) كما يستقيم الرمح ، والله لايامرني أحدكم بتقوى الله بعد مقامي هذا الا ضربت عنقه ) !!!هذا الوضع المضطرب خيم بظلاله على الحياة الفكرية ، والأدبية – على امتداد الدولة الإسلامية – وتعرض أصحاب الرؤى المخالفة للجلد ، أو السجن ، أو القتل . ومنهم ابن المقفع الذي قيل فيه ( لم يكن في العجم أذكى منه ) ضربه الحجاج على يديه فتفقعتا ، فلقب بالمقفع ، وسجن الفقيه احمد بن حنبل ، ومنع من التدريس في مساجد بغداد بسبب آرائه ، واجتهاداته المخالفة لرأي ( الخاصة ) !!واحرق صاحب ( الطواسين ) الحسين بن منصور الحلاج حيا في بغداد ، ومثل بجثته !! ويقال أن جثة الطبري دفنت سرا ( في باحة بيته ) خوفا من هياج الحنابلة على الجثة نفسها ! كما اقدم المعتضد على قتل الفيلسوف احمد بن الطيب ، وشهد العقدين الأخيرين من القرن الماضي صراعا مريرا بين ( الوعي التاريخي والوعي المفوت ) تمثلت بالاغتيالات التي طالت الموز الفكرية ، والأدبية في منطقتنا ، منهم الشيخ حسين مروة صاحب ( النزعات المادية في الاسلام ) ومهدي عامل، وفرج فودة ، و..!! ونجا الروائي الكبير نجيب محفوظ من محاولة اغتيال فاشلة ، كادت تودي بحياته !واتهم المفكر العربي نصر حامد أبو زيد ( بالردة ) بسبب مواقفه التي ( تشكل مرآة للظلام الذي يلف الأمة ، وآية على البؤس التاريخي الذي تغرق فيه الشعوب العربية ) . ودونت مؤلفات كثيرة ضمن ( اللائحة السوداء ) ومنعت من التداول ، وتمت مصادرة بعضها ، ويحضرني هنا ماجرى في معرض القاهرة الدولي ، قبل سنوات عندما ادرج كتاب الباحث إبراهيم محمود ( الجنس في القرآن ) ضمن الكتب المحظورة
في روايته ( المرتجى والمؤجل ) عبر الروائي العراقي غائب طعمة فرمان عن معاناة المنفيين العراقيين بقوله :
"في الغربة كلنا مشاريع مؤجلة " وفي حوار يقول أحد المغتربين : لا تدري نفسي بأي أرض تموت، فيرد الآخر: بانها لو خيرت لفضلت الموت في ارضها !!؟ ( أي في العراق ) ومن المؤلم أن يموت شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري بعيدا عن دياره ، وكذلك غائب طعمة ، ورائد الحداثة عبد الوهاب البياتي وآخرون
في كتابه ( التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية ) توقف ( غولدتسيهر ) عند ظاهرة احراق( كتب الأوائل )
ويذكر حادثة احراق الكتب التي كانت بحوزة عبد السلام بن عبد الوهاب الملقب بركن الدين ( المتوفي سنة 611
وهو حفيد المتصوف الحنبلي عبد القادر الجيلاني ، أحرقت كتبه أمام مسجد مجاور لجامع الخليفة ووقف الجميع
فوق المسجد ، يتأملون المنظر الرهيب للكنوز الفكرية ، وهي تلتهمها نيران الجهل ، والتخلف !! وفي الأندلس أحرق المنصور ابن ابي عامر كتب الفلاسفة عل مبدا ( من تمنطق تزندق ) أحرقت كتب الغزالي لاحتكامه إلى المنطق في الرد على الفلاسفة ! وتكررت هذه الظاهرة في أيامنا – ونحن نعيش في الألفية الثالثة – عندما أقدمت السلطات الأردنية في العام الماضي على إحراق رواية ( دلشاد ) للشاعر والروائي الكردي المعروف سليم بركات !! أخيرا ، أن ما ألمعنا إليه من نكبات ، وآلام ، ربما يدفعنا الى إيجاد آ ليات جديدة للتعامل مع الآخر ، والتخلي عن المفاهيم السلفية ( والاستعلاء ، وامتلاك الحقيقة ) لأنها لم تعد تستجيب للتحولات الخطيرة التي تمر بها المنطقة ، والعالم !!؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأهالي يرممون الجامع الكبير في مالي.. درّة العمارة التقليدي


.. 121-Al-Baqarah




.. 124-Al-Baqarah


.. 126-Al-Baqarah




.. 129-Al-Baqarah