الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 2/5

تنزيه العقيلي

2009 / 12 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وهناك ثمة نص يمتدح المسيحيين بشكل خاص، ولكنه يذم اليهود، وحتى مدح المسيحيين فهو على ضوء شروط ومعايير القرآن نفسه. فنقرأ في سورة المائدة 82-86:
«لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِّلَّذينَ آمَنوا اليَهودَ والَّذينَ أَشرَكوا، وَلَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذينَ آمَنوا الَّذينَ قالوا إِنّا نَصارَى، ذَلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسّيسينَ وَرُهباناً، وَأَنَّهُم لا يَستَكبِرونَ، وَإِذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إِلَى الرَّسولِ تَرى أَعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ مِمّا عَرَفوا مِنَ الحَقِّ، يَقولونَ رَبَّنا آمَنّا، فَاكتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ، وَما لَنا لا نُؤمِنُ بِاللهِ وَما جاءنا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أَن يُدخِلَنا رَبُّنا مَعَ القَومِ الصّالِحينَ. فَأََثابَهُمُ اللهُ بِما قالوا جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها، وَذلِكَ جَزاءُ المُحسِنينَ، والَّذينَ كَفَروا وَكَذَّبوا بِآياتِنا أُلائِكَ أَصحابُ الجَحيمِ».
الذي يقرأ هذا النص بدقة يجد – ناهيك عن الموقف المتشنج تجاه اليهود – أن الممدوحين من المسيحيين هنا، هم حصرا الذين اقتنعوا بدعوة محمد، وليس الذي بقوا على مسيحيتهم. فالآية تمدح من المسيحيين أولئك الذين «إِذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إِلَى الرَّسولِ تَرى أَعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ مِمّا عَرَفوا مِنَ الحَقِّ، يَقولونَ رَبَّنا آمَنّا، فَاكتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ، وَما لَنا لا نُؤمِنُ بِاللهِ وَما جاءنا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أَن يُدخِلَنا رَبُّنا مَعَ القَومِ الصّالِحينَ» أي الذين تأثروا بدعوة الإسلام وصدقوها واقتنعوا بها وتفاعلوا وجدانيا معها بحيث «إِذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إِلَى الرَّسولِ، تَرى أَعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ» ويعبرون عن إيمانهم بالإسلام بقولهم: «رَبَّنا آمَنّا، فَاكتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ» ثم يبررون إيمانهم بقول «وَما لَنا لا نُؤمِنُ بِاللهِ وَما جاءنا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أَن يُدخِلَنا رَبُّنا مَعَ القَومِ الصّالِحينَ». فهؤلاء فقط من المسيحيين من يمتدحهم القرآن، ويعدهم بالثواب: «فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالوا جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها، وَذلِكَ جَزاءُ المُحسِنينَ». أما الذين لم يؤمنوا بالإسلام من المسيحيينـ بل بقوا على مسيحيتهم وبالتالي على (كفر)ـهم حسب المعايير القرآنية المحمدية، فـ«الَّذينَ كَفَروا وَكَذَّبوا بِآياتِنا أُلائِكَ أَصحابُ الجَحيمِ». فإذن الاستشهاد بهذه الآية بأن للقرآن ثمة موقفا إيجابيا تجاه المسيحيين غير دقيق، وإما يطرح عن علم كذبا، وإما عن غير علم جهلا.
نعم هناك نص رائع حقا في موقف المسلمين تجاه غير المسلمين، لوة أخذناه بمعزل عن النصوص الأخرى، فقد تألق المؤلف بحق في هذا النص، وهو ما جاء في سورة الممتحنة 8-9:
«لا يَنهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلوكُم في الدّينِ وَلَم يُخرِجوكُم مِّن ديارِكُم أَن تَبَرّوهُم وَتُقسِطوا إِلَيهِم؛ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ. إِنَّما يَنهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ قاتَلوكُم في الدّينِ وَأَخرَجوكُم مِّن ديارِكُم وَظاهَروا عَلَى إِخراجِكُم أَن تَتَوَلَّوهُم، وَمَن يَتَوَلَّهُم فَأُلائِكَ هُمُ الظّالِمونَ»
هذا النص يؤسس لحقيقة أن المعاداة لا تكون ابتدائية، فلا عداء إلا لمن يكون مبادرا ومبتدئا بالعداء والعدوان، ولعله مصرا على ذلك. والنص كأنما يريد أن يصحح مفهوما أو سوء فهم ساد وانتشر وتأصل وتجذر عبر نصوص القرآن الأخرى، وعبر المواقف، أي عبر الكتاب والسنة. والتصحيح يأتي ليقول للمسلمين، ليس صحيحا أن إقامتكم لعلاقات إنسانية طيبة وودية ومنصفة مع غير أتباع دينكم، مما يحرمه الله عليكم، بل بإمكانكم «أَن تَبَرّوهُم وَتُقسِطوا إِلَيهِم»، ثم يؤكد النص بأن «اللهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ»، والقسط، كما هو معروف لدى كل المدارس الأخلاقية، دينية أو بشرية، أخلاق الحد الأدنى في التعامل مع الآخر. ولكن لا ندري لماذا يحب إله المسلمين المقسطين، ولم يذكر النص أنه يحب أيضا أخلاق الحد الأعلى في التعامل مع الآخر، والمصطلح عليه بالبر، الذي هو أرقى مستوى من مستويات التعامل الإنساني. ومع هذا لا نريد أن نتوقف عند هذه النقطة، كما لا نريد أن نتوقف أمام التساؤل، لم جعل هذا الإله المحمدي التعامل بالبر والقسط جائزا فقط، ولم يجعله واجبا. نعم يمكن القول أن هناك نصا آخر محكما واضحا يوجب القسط حتى مع أشد الأعداء عداوة وكراهة بقول: «يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ للهِ شُهَداءَ بِالقِسطِ، وَلاَ يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ عَلى أَلاّ تَعدِلوا؛ اعدِلوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى، واتَّقُوا اللهََ، إِنَّ اللهََ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ.» فالشّنَآن تعبير عن كراهة وعداوة بفاعية وهيجان كبيرين، فحتى هذا النوع من العداوة لا يجيز للمسلمين أن يجانبوا العدل والقسط في التعامل مع الآخر المغاير في العقيدة. وذلك في سورة المائدة 8. ولكن مع هذا لا نستوحي وجوب العدل مع هؤلاء، بل هو أمر محبب، أو من المنستحبات أو النوافل، مما يجوز شرعا تركه دون أن يكون التارك له آثما، بل كل ما في الموضوع مفوتا لثواب إضافي. على أي حال هذان النصان من النصوص الداعية حقا للسلام والوئام، بل يذهب النص الأول إلى تجويز اتخاذ من لم يعاد المسلمين أولياء، مما يعد محرما حسب نصوص مستفيضة حول حرمة تولي المسلمين للكافرين من مسيحيين ويهود أو غيرهم.
البقرة 256-257:
«لا إِكراهَ في الدّينِ، قَد تَّبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ، فَمَن يََّكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقىَ، لاَ انفِصامَ لَها، واللهُ سَميعٌ عَليمٌ. اللهُ وَِلِيُّ الَّذينَ آمَنوا يُخرِجُهُم مِّنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ، والَّذينَ كَفَروا أَولياؤُهُمُ الطّاغوتُ، يُخرِجونَهُم مِّنَ النّورِ إِلَى الظُّلُماتِ، أُلائِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ»
كثيرا ما يورد المسلمون أو حتى غير المسلمين من مستشرقين أو عارفين بالإسلام في الحوارات عبارة «لا إِكراهَ في الدّينِ»، ليستدلوا على عدم تبني الإسلام الإجبار على العقيدة، أو على الالتزام. وفي نفس الوقت هناك فريق من المفسرين وما يسمون بعلماء الإسلام المختصين بعلوم القرآن، كالتفسير وأسباب التنزيل والناسخ والمنسوخ غيرها، أو المختصين بالحديث، والفقه وغيرهما، يقولون بنسخ آيات التسامح قد نسخت بآيات السيف، ولكن هناك رؤية أخرى تعتبر أن آيات التسامح والسلام والعدل والعقلانية هي التي تمثل جوهر القرآن الثابت، والأخرى تمثل الطارئ المتغير بتغير الظرف الزماني والمكاني. والمشكلة إن مؤلف القرآن ترك المسلمين يتخبطون ذات أقصى اليمين وذات أقصى اليسار، أو أقصى الاعتدال وأقصى التطرف، ولا أحد يستطيع حسم الخيارات المتباينة والمتناقضة أحيانا، إلا بإهمال كل النصوص الدينية، واعتماد العقل الإنساني، والضمير الإنساني، والتجربة الإنسانية، لا غير.
هذا كله إذا اقتصرنا على نص «لا إِكراهَ في الدّينِ»، وكذلك لا مشكلة لدينا فيما بعد هذا النص، فيما جاء في الآية 256 «قَد تَّبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ، فَمَن يََّكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقىَ، لاَ انفِصامَ لَها»، مع اعتماد الفهم الأقرب إلى الصواب لكل من مفردات (الرشد) و(الغي) و(الإيمان).
ولكننا عندما نواصل قراءة الآية 257 التالية لها ونقرأ «اللهُ وَِلِيُّ الَّذينَ آمَنوا يُخرِجُهُم مِّنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ، والَّذينَ كَفَروا أَولياؤُهُمُ الطّاغوتُ، يُخرِجونَهُم مِّنَ النّورِ إِلَى الظُّلُماتِ، أُلائِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ»، تتغير الصورة، ويظهر بكل وضوح الموقف المتشنج تجاه غير المسلم ثانية. هذا يتبين لنا بشكل خاص، إذا ما علمنا أن المقصود بالمصطلح القرآني «الذين آمنوا» هم (المسلمون)، وبمصطلح «الذين كفروا» هم (غير المسلمين)، فيمكننا عندئذ قراءة النص على النحو الآتي: «اللهُ وَِلِيُّ (المُسلِمينَ) يُخرِجُهُم مِّنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ، وَ(غَيرُ المُسلِمينَ) أَولياؤُهُمُ الطّاغوتُ، يُخرِجونَهُم مِّنَ النّورِ إِلَى الظُّلُماتِ، أُلائِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ». لماذا يجب أن يحشر غير المسلمين، أو حتى المسلمون غير الملتنزمين، أو المنتمون إلى غير الفئة الناجية، أو غير المذهب الحق، أو ما شابه، أو غير القائلين بوجوب تحكمي الشريعة الإسلامية، لماذ يجب أن يحشر كل هؤلاء في نار جهنم خالدين فيها، فلا هم ميتون ومستريحون بالموت من العذاب، ولا هم مخفف عنهم العذاب؛ كل ذلك لا لشيء، إلا لأنهم لم تقتنع عقولهم بما أوجب الإسلام عليهم الاعتقاد به، وكأن الاقتناع وعدم الاقتناع أمر اختياري؟ وهكذا هو الأمر مع كل الأديان والمذاهب التي ترى أنها وحدها تمثل الحق والهدى والإيمان، وبالتالي وحدهم أتباعها يستحقون ثواب، الله ونعيمه، وجنته، ورضاه، وقربه، وحبه. سيجيب البعض الذي يعتقد بإلهية القرآن، إن الإسلام تعامل بمنتهى التسامح مع (الكافرين)، فمنحهم حرية أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا، ولكنه لا يمكن أن يجاملهم فيما هو مصيرهم الأخروي، الذي يمثل قرار الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا عن يمينه أو شماله. هناك عدة إشكالات على هذا القول. منها غياب حرية العقيدة، وألة ذلك متعددة، منها حكم المرتد، وحكم الجزية على المسيحي واليهودي، وحكم تنجيس الكافر، وحكم اقتصار الاعتراف (المحدود) على أهل الكتاب دون غيرهم. ثم مجرد نعت الآخر المغاير بنعت (الكافر) وعدّه من أهل النار يؤسس لثقافة الكراهة، لأن المؤمن لا يسمح له إيمانه أن يحب من لا يحبه الله، ممن غضب عليهم وجعلهم من أهل النار. فالمؤمن الحق الذي لا يحب ولا يكره إلا في الله، عليه أن يروض عواطفه كيف تتخذ موقف الرفض والانفصال النفسي تجاه المغاير الديني، بل حتى تجاه المسلم غير الملتزم، والذي لا يسمى كافرا بل فاسقا، في مقابل (المؤمن) كمصطلح قرآني، أو (العادل) كمصطلح فقهي، حيث يقصد بالشهود العدول الشهود المسلمون المتدينون، ويذهب المصطلح الفقهي الشيعي إلى أبعد من هذا ليعتبر الشيعي وحده (المؤمن) و(العادل) ويعد السني مسلما (مخالفا)، وغير الملتزم مسلما (فاسقا)، وربما مواليا فاسقا، فتكون الموالاة لأهل البيت شفيعا لفسقه. وهكذا يعد متعصبوا السنة الشيعة روافض، ويذهب الوهابية غلى أبعد من ذلك بعدهم مشركين وعبدة قبور وأصحاب بدع، وبالتالي فـ(كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
ابتدئ بكتابة البحث في كانون الأول 2009
وتم في 23/12/2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صباح الخير
فيصل البيطار ( 2009 / 12 / 26 - 06:13 )
متمكن قي أدواتك وذو منهج تحليلي عقلاني يوصلنا الى الحقيقه دون مواربه .... سلمت يمينك ياسيدي .

اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي