الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين تكمن المشكلة؟ بين الأمس واليوم

زهدي الداوودي

2009 / 12 / 26
القضية الكردية


قرأت قبل حوالي العامين – وما أسرع مرور الأعوام - في إحدى الجرائد الألمانية خبرا صغيرا مخفيا في إحدى الزوايا، مفاده "أن تركيا، استنادا إلى معلومات صادرة من جنرال كبير ذي شأن، تستعد للقيام بعملية ضد المتمردين الأكراد في شمال العراق. وقال الجنرال إيلكر باسبوغ إن المرء الآن يتواجد في حالة تنفيذ حملة تتناسب مع الوضع"
هذه هي الترجمة الحرفية لنص الخبر الصغير – الكبير الذي حشر في إحدى زوايا الجريدة، كما لو أن المحرر يخجل من عرضه على القارئ الذي يجب أن يبحث عنه بالمكبرة. وخجلت أنا الآخر من نفسي لصيغة الخبر الذي نقلته الجريدة بدون تغيير من المصادر التركية التي لا هم لها سوى تضخيم مسالة "المتمردين" الأكراد، الذين لا تدري من المقصود بهم؟ أهم أكراد حزب العمال الكردستاني أم أكراد حكومة فدرالية كردستان العراق؟ أم كليهما؟ ولكن يبدو أن بعض وكالات الأنباء التركية – المرتبطة بالعسكرتارية، تتعمد في خلط الأوراق واختلاط الحابل بالنابل. ومن الجدير بالذكر أن نفس الجريدة نشرت قبل هذا النبأ بأيام خبرا مفاده أن قوات حزب العمال الكردستاني تمكنت من أسر سبعة أشخاص على الاراضي التركية، اثنين منهم ينتميان إلى الميليشيات الكردية التابعة للجيش التركي. وتفاديا للالتباس ينبغي أن نؤكد بأن هذا الخبر جديد لا علاقة له بالجنود الثمانية الذين أطلق سراحهم وأودعوا السجن بسبب تهاونهم وعدم دفاعهم عن أنفسهم بالشكل المطلوب.
هذا التضارب في نقل الأخبار ذكرني بالحوار الذي جرى قبل أسابيع – وذلك خلال اشتداد الازمة الحدودية وتصاعد التهديدات التركية باجتياح شمال العراق أو العراق كله – بين كل من مذيع البرنامج الاول في تلفزيون ألمانيا الاتحادية ومراسله الواقف على جسر ابراهيم الخليل، حيث منظر مئات الشاحنات والتانكرات التركية تنتظر في طابور لانهائي دورها لعبور الجسر. تساءل المذيع قائلا: أن الحكومة التركية قد جهزت لحملتها لاجتياح العراق 100000 جندي إلى جانب مئات المدرعات والدبابات وناقلات الجنود الخ، هل يمكنني أن أسال من أين تدخل هذه القوات الهائلة إلى العراق؟ أجاب المراسل وهو يؤشر بيده إلى الجسر الضيق الذي يقف عليه: من هنا.
قال المذيع بعد أن بدت على وجهه علامات التعجب والحيرة والسخرية:
- من هنا! شكرا جزيلا، ليس لي سؤال آخر.
هنا، وقفت حائرا أمام عقلية الجيش التركي التي لا تريد أن تستوعب التغييرات التي حصلت في العالم منذ حوالي العقدين من الزمن، فحضرني المثل العراقي الشعبي الذي يقول:"عرب وين، طمبوره وين". وتذكرت في نفس الوقت حكاية الرجل الذي تم تعيينه في الزمن العثماني واليا على بغداد بأمر من الباب العالي في استانبول. وعندما التحق الرجل بوظيفته، كان قد حل شهر آب الذي يحرق المسمار في الباب، لم يتحمل الوالي حرارة الجو، فسأل مستشاره عن سب مثل هذا القيظ الذي لا يحتمل، فأجابه المستشار: إنه بسب التمر الذي لا يمكن أن ينضج بدون هذه الحرارة. وما كان من الوالي، إلا وأمر بقطع جميع أشجار النخيل كي يضع حدا للقيظ الذي لا يطيقه البشر.
ترى، هل يمكن للمشكلة الكردية أن تحل بنفس المنطق؟ أن تتم تصفية الكورد، كي يرتاح البعض ويتخلص من شره؟
نفس المنطق استعمله الجنرال السوري فهد الشاعر الذي تم ارساله على رأس لواء كامل للقضاء على الحركة الكردية في منتصف الستينات، واصفا حملته بأنها مجرد نزهة، فيتم القضاء على الجيب العميل. وكان أن تلقى درسا لن ينسى.
إننا، من حيث نريد أو لا نريد، أمام مشكلة ليست هينة، غير محلوله وهي من مخلفات السيطرة الامبريالية على الشرق الاوسط خلال الحرب العالمية الاولى وبالذات اتفاقية سايكس – بيكو المنعقدة بين بريطانيا وفرنسا في العام 1916. إن هذه المشكلة قومية- وطنية تنتظر حلا عادلا على ضوء مبدأ حق الأمم في تقرير مصيرها، ولذلك فإن تجاهلها بالشكل الذي يجرى في تركيا وإيران وسورية لا يزيد في الطين إلا بلة. كما وأن خلط القضية مع حزب العمال الكردستاني بغية تمييع المسألة الرئيسة وإعطاء صورة مشوهة عن "مطامع" الكورد في الانفصال وتأليب الناس البسطاء عليهم، ليس سوى اسطوانة قديمة أكل عليها الدهر وشرب. إن على تلك الدول التي يقلقها البعبع الكردي أن تجد حلا حضاريا و ديمقراطيا يتناسب مع تطلعات القرن الحادي والعشرين وليس مع عقلية خمسينات القرن الماضي.
إن القومية الكبيرة التي تستعبد القومية الصغيرة، ليست حرة. ولقد آن الأوان كي يفهم القوميون العرب والأتراك والفرس هذه الحقيقة التي تحققت ضمن كيان حكومة فدرالية كردستان العراق. هذه الفدرالية التي لم تقسم العراق، بل رسخت وحدته وديمقراطيته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | شبح المجاعة يجتاح الأحياء والبيوت في شمال غزة |


.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال فلسطينيا في مدينة دورا جنوب غرب ال




.. بالحبر الجديد | مصدر في المقاومة: -إسرائيل- تتمسك بوضع الفيت


.. الأمم المتحدة تكشف عن ارتفاع أعداد النازحين عالميا: الواقع إ




.. -الأمم المتحدة- تكشف أرقاما صادمة عن أعداد النازحين: ارتفعت