الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إن كنت علمانياً فأنت تسمو بالدين..

حسين دويس

2009 / 12 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اختلاف الديانات سنّة فرضها الله.

نتفق جميعاً في أن أول دين سماوي أرسله الله لبني البشر كان اليهوديّة على يديّ نبي الله موسى الذي أرسل إلى بني إسرائيل في مصر. ومن بعد أن تم تحريف هذا الدين، كما يقال، أنزل الله عيسى أبن مريم مُجدِداً لدين موسى. لذلك يطلق على التوراة " العهد القديم " ويطلق على الإنجيل " العهد الجديد ". كتابان لنفس المعتقد ونفس الجوهر الإيماني ولكن بتجديد وتشريع آخر مُوائم للظروف في ذلك الوقت ومُرجعاً العهد القديم إلى مساره الأول الذي أنحرف عنه.
تم تحريف الدين المسيحي عن مساره المرسوم له من خلال كهنة ذلك الدين، كما يقال أيضاً، ولذلك أرسل الله النبي محمد مبشراً ورسولاً وخاتماً للأنبياء ومتمماً للدين الذي ارتضاه الله للبشرية جمعاء. تم إرساله للبشرية كلها بخلاف من سبقه من أنبياء ورسل الذين أرسلوا لجماعات معينة من البشر.
انقسمت الديانة اليهودية إلى طوائف والمسيحيّة إلى طوائف والديانة الإسلامية حدث لها نفس الشيء وانقسمت إلى طوائف ومذاهب وتعددت الطوائف والمذاهب وانقسمت إلى فروع أصغر وأصغر.
كل هذا التشعب والتفرّع الذي أصاب جذع الدين الإلهي في جميع أشكاله التي تم إنزاله بها يقودنا إلى سؤال جوهري. ألم يكن الله قادراً على إنزال دين سماوي واحد فقط وحفظة للبشرية جمعاً مهما طال بقائها؟ لماذا سمح الله تعالى لتلك الديانات أن تتشرذم وتتفرع إلى أن أصبحت كشجرة هرمه تتآكل أغصانها يوماً بعد الآخر ويكسر الغصن القوي الغصن الأضعف على ذلك الجذع؟
يقول الله تعالى في القرآن، الكتاب الإسلامي الذي نراه متمماً لجميع الديانات " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " ويقول أيضاً في سورة المائدة " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ".
هل تعمّد الله خلق هذه الاختلافات وسمح بحدوثها؟ بالتأكيد نعم فلا شيء يحدث على هذا الكون إلا ويعرفه الله ويسمح به. إذاً فالمسألة مسألة إلهية قدّرها الله تعالى على عبادة وسنّها لهم. اختلاف الديانات واختلاف المذاهب سنّة من سنن الحياة والحياة في مجملها تقوم على الاختلاف والتضاد فلولا وجود النور لما عرفنا الظلام ولوا وجود الجمال لما عرفنا القبح وهكذا.
حين نقوم بالأيمان، أو بمعنى اصحّ بوراثة، دين أو مذهب معيّن فنحن هنا نقوم على صنع اختلاف جديد مقابل وجود أطراف أخرى تنتهج أو ترث دين أو مذهب آخر مخالف. الكل خطأ في نظر أحدهم وأحدهم خطأ في نظر الكل. الكل يرى أنه هو من يمتلك الحق المطلق ويرى في مسار الغير انحرافاً عن المسار الصحيح.
لنأخذ الإسلام مثالاً حياً على هذه المعادلة الإقصائية. يقول الرسول محمد في الحديث النبوي " ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذوا النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمة علانية ليكون في أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة. قالوا من هي يا رسول الله؟ قال من كان على ما أنا عليه وأصحابي " أخرجه الترمذي. إن آمنا بصحة هذا الحديث فأي مله أو مذهب إسلامي سيكون هو الناجي وأتباعه هم المقصودين بأنهم على ما كان علية الرسول وأصحابه؟ بالتأكيد أن كل طائفة تقول بأنها تمتلك الحقيقة وأنها تلك الشعبة الناجية من النار. ولكن الحقيقة تقول أنه لا يعلم ذلك سوى الله. الناس يؤمنون إيمان عميق بما يولدون ويتربون علية ويرون الأطراف الأخرى تسير على خطوط منحرفة عن الصواب لاعتقادهم بأن الصواب حكراً عليهم وحدهم.


الدين سماوي.. لذلك أبقهِ سماوياً.


لمن تصلي؟ ولمن تتعبّد ولمن تقوم بكل فرض يفرض عليك من خلال تعاليم دينك الذي تؤمن به؟
لله تصلي ولله تقوم بكل أمر واجب عليك. علاقة الإنسان بالله علاقة سامية. علاقة رفيعة مقدسة يجب أن تكون خالية من كل شائبة دنيوية تعلق بها. لذلك من الخطأ إنزال الدين إلى معمعة الحياة الدنيوية والتقليل من رفعته وقداسته بإدخاله معركة الحياة الدنيوية التي يدور فيها كل فاسد وصالح.
الله تعالى أعطى البشر العقل وميزهم عن بقيّة مخلوقاته بأن جعل لهم ملكة العقل والتفكير والتمييز بين الحق والباطل بناءً على ما يؤمنون به وما يرونه حقاً حسب ظروفهم. الله لم يرسل الرسل ليعلموا البشر كيف يسيّرون حياتهم أو كيف يعيشونها فقد خلقهم الله وزودهم بموهبة التكيّف ومعرفة العيش في كل الظروف. أرسل الله الرسل وبعث بالأنبياء وحملهم رسالاته للبشر من أجل غرض معيّن وهو معرفته والإيمان به وبأنه هو الخالق والرب الأوحد لهذا الكون ولكل من فيه. أرسل الله الرسل ليعلموا الناس أن الحق والخير والعدل من صفات الله ويجب أن يتعاملوا فيما بينهم بتسامح وحب وخير وعدل. الله لم يرسل رسله ولم يبعث بأنبيائه ولم يسمح بهذه الاختلافات بين كل دين وآخر وبين كل مذهب وآخر وبين كل إنسان وآخر ليجعل الناس تقتتل فيما بينها من أجل إحقاق الحق وإثبات صحة ما هم علية من معتقد. هذا شيء خاص بالله هو الوحيد القادر على الحكم علية والبيت فيه. يقول الله تعالى " إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " ويقول أيضاً " الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ".
الارتقاء بالدين يكون بجعله مقدساً سماوياً إلهياً خالياً من كل عالقة من عوالق الدنيا وما يحدث فيها. الدين لله وهو علاقة بين العبد وربة لذلك لا يجوز لك كإنسان أن تحاسب إنساناً آخر على اختلافه عنك في الدين أو المذهب. لا يجوز لك أن تجعل من الدين منهجاً لك حتى في أدق وأصغر الأمور الدنيوية التي تقوم بها. الدين شيء مقدّس فقم برفعة إلى المرتبة المقدسة التي يستحقها وذلك بجعله خاص بينك وبين الله فقط.

السياسة شكل من أشكال تدنيس الدين.

يقال بأن وفاة الرسول محمد كانت النقطة التي بدأ من خلالها تسييس الدين الإسلامي وهي النقطة التي منها بدأت السياسة في ارتداء عباءة الدين كي تتصف بالوقار الذي يجلب المناصرين ويجعل الأمور تسير بشكل أكثر سلاسة. فبالدين تستطيع جرّ الأغلبية في مجتمع مؤمن إلى ما تريده وبالدين كذلك يمكنك فتح كل باب مغلق. الدين أداة سياسية فاعلة في أي مجتمع متديّن.
في الأمس القريب وصف الرئيس اليمني علي عبدالله صالح خروج الحوثيين وتمردهم بأنه خروج عن الوحدة الوطنية والتمرد الذي يقودونه بأنه شبيه بالردّة عن الإسلام. هنا نجد شكل من أشكال استخدام الدين في اللعبة السياسية. والأمثلة كثيرة ويمكن ملاحظتها في جميع بلاد العالم ولكن اختلافها يكمن في قوة تأثيرها. ففي أي دولة علمانية حول العالم نجد أطراف سياسية تستخدم الدين كأداة ضغط ولكن تأثيرها يكون محدود وضيّق بعكس الدول العربية التي تحكمها العاطفة الدينيّة أكثر من أي قانون آخر.
حين نعيش في مجتمع تتعدد فيه الأديان ، كمصر مثلاً، أو في مجتمع تتعدد فيه الطوائف كالعراق، فإن العلمانية هي الحل الأمثل لحكم الجميع برضاء الجميع. ففي المقام الأول، تجنيب الدين عن الدخول في المعترك السياسي فيه تنزيه له وإعلاء لشأنه وذلك من خلال تجنيبه أن يكون أداةً لأي طرف سياسي يسعى لتحقيق غرض معين. وفي المقام الآخر، فان تطبيق الفكر العلماني المناسب يساعد على بناء قانون وضعي ملائم لكل أتباع الديانات والمذاهب مهما اختلفت ممن تجمعهم أرض واحدة. في النهج العلماني تقام الحقوق على أساس من المساواة بين جميع البشر مهما اختلفت دياناتهم وأعراقهم وأجناسهم وألوانهم. اختلاف الأديان وتعدد الانقسامات في كل دين يقود إلى استحالة وجود دين أو مذهب يُرضِي جميع الأطراف. فكما سبق وذكرنا، أن الجميع كافر في نظر الجميع. فأتباع كل ديانة أو أتباع أي مذهب يرون صلاحهم ونجاتهم وكفر الآخرين وهلاكهم! لذلك فإيجاد نظام يقوم على الأسس العلمانية الإنسانيّة أمر مُحقِق لناموس المساواة الذي تسعى له النفوس البشريّة الخيّرة التي تبحث عن إرساء لقواعد الخير والعدل بين الناس جميعاً. إعطاء الحقوق لأصحابها ومساواتهم ببعض لا يكون إلا من خلال الإيمان بحقهم وحريتهم في عمل ما يرونه الصواب. وبما أن جميع الأديان وجميع المذاهب والطوائف يكفر بعضها بعضاً وكل طريف يلغي حق الطرف الآخر في العيش حياة كريمة فلابد من إيجاد قانون وضعي من صنع الإنسان ليسيّر به أموره فهو أعلم بها وأدرى بكيفيّة تصريف أموره الحياتية والاجتماعية.
السياسة أمر اجتماعي بحت كما يرى ابن خلدون. وحديث الرسول محمد لأهل المدينة أكبر دليل على إعطاء البشر الحق في تصريف أمورهم الحياتية بالطريقة التي تضمن لهم العيش بطريقة صحيحة. يقول الرسول " أنتم أعلم بأمور دنياكم " وفي هذا تصريح صريح بحق الإنسان في أن يسيّر حياته بالطريقة التي يراها ما دام الدين لا يوجِد حلول فعلية للعيش بسلام في مجتمع تتعد فيه الأديان والمذاهب..

العلمانية ليست شراً .. كما يقول تركي الحمد.

يقول الدكتور تركي الحمد في مقالته (العلمانية ليست شراً) " المراد قوله، أو استنتاجه، من وراء كل الحديث السابق، هو عدم الانجراف وراء عقلية أو ذهنية «مع أو ضد» المهلكة، أو «إما» أبيض «أو» أسود المدمرة، وهي العقلية السائدة في كثير من المجتمعات، وقابعة في أذهان الكثير من الأفراد والجماعات "
وهنا مكمن الخلل. فالذهنية المؤمنة في العموم وفي جميع الأديان والمذاهب تقوم على هذا المبدأ ألإقصائي لأنها ترى في نفسها المالك الأوحد للحقيقة المطلقة. وهذا الإيمان مبني على أسس دينيّة وأدلّة يقوم بتفسيرها كل طرف لتصبّ في صالحة ومن خلالها يجد التبرير في إقصاءه للأطراف الأخرى المخالفة لما هو علية. ومن خلالها أيضاً يجد العذر في تكفيرها وإقصاءها ووجوب إجبارها على اعتناق ما يراه هو الحق المطلق.
إن كان الفرد يجعل من الدين هاجساً له ومؤطراً لجميع شؤونه الحياتيّة ومتحكماً في علاقته مع الآخر المشارك له في الإنسانيّة أو الأرض أو الجنس، فهو بذلك يقلل من قداسة هذا الدين وينزله إلى ما لم يأتي من أجله. الدين منهج وطريق لإيضاح العلاقة بين الله والإنسان وليس طريقاً ومنهجاً لعلاقة الإنسان بالإنسان. الحل العلماني الملائم، حتى ولو كان نسبياً، يخلق جو من التوائم بين الناس مهما اختلفت أديانهم ومذاهبهم. من خلال هذا النهج الإنساني الحقيقي يمكن أتباع كل دين ممارسة عباداتهم بالشكل الذي يرونه وفي محيطهم الذي يعيشون فيه بدون أن يكون لأي طرف آخر سلطة مصدرها دين أو مذهب مخالف تقوم على الإقصاء. الجميع سواسية أمام القانون الوضعي، ولكن هل الجميع سواسية أمام القانون المستقى من الدين "ألف" أو الدين "باء" ؟











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية