الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 3/5

تنزيه العقيلي

2009 / 12 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ولدينا نص قرآني متسامح نسبيا مع الآخر، وذلك في سورة يونس 99-100:
«وَلَو شاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهُم جَميعاً، أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ، وَما كانَ لِنَفسٍ أَن تُؤمِنَ إِلا بِإِذنِ اللهِ، وَيَجعَلُ الرِّجسَ عَلَى الَّذينَ لا يَعقِلونَ».
وكذلك في سورة الغاشية 21-24:
«فَذَكِّر إِنَّما أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّستَ عَلَيهِم بِمُصَيطِرٍ، إِلاّ مَن تَوَلّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللهُ العَذابَ الأَكبَرَ».
صحيح إن القرآن يذكر محمدا أن ليس من مسؤوليته، ولا بمقدوره، أن يكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، وأن ليس عليه إلا التذكير والبلاغ المبين، وإلا فليس له أن يمارس السيطرة والهيمنة على الناس وعلى عقولهم وقناعاتهم وقراراتهم، في إجبارهم على الاستجابة لدعوته. ولكن في نفس الوقت يؤسس لكراهة غير المستجيبين، فيقول عنهم في النص الأول «وَيَجعَلُ الرِّجسَ عَلَى الَّذينَ لا يَعقِلونَ»، وفي النص الثاني «مَن تَوَلّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللهُ العَذابَ الأَكبَرَ». فحتى آيات التسامح، فهي في أقصى ما تمارسه من تسامح، أن تترك الحرية للكافرين بالإسلام أن يكفروا به – باستثناء المسلمين بالولادة -، ولكن تكيل لهم شتى الشتائم، وتحرض على كراهتهم، وتتوعدهم بشتى أصناف العذاب الأخروي. فأين هذا من «وَما عَلَى الرَّسولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبينِ»، هذا البلاغ الي لم يكن مبينا بقدر ما كان مبهما مشوشا قابلا للتأويل إلى ما يتضادّ مع بعضه البعض، إلم نقل يتقاطع ويتناقض ويتنافى.
في سورة آل عمران 19-20 نقرأ حصر الدين الذي يرتضيه الله للناس في الإسلام، فنقرأ هنا:
«إِنَّ الدّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ وَما اختَلَفَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ إِلاّ مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغياً بَينَهُم، وَمَن يَكفُر بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَريعُ الحِسابِ، فَإن حاجّوكَ، فَقُل أَسلَمتُ وَجهي للهِ، وَمَنِ اتَّبَعَني، وَقُل لِّلَّذينَ أوتُوا الكِتابَ والأُمّيينَ أَأَسلَمتُم، فَإِن أَسلَموا فَقَدِ اهتَدَوا، وَّإِن تَوَلَّوا فَإِنَّما عَلَيكَ البَلاغُ، واللهُ بَصيرٌ بِالعِبادِ».
لا أطيل هنا فقد أردت ملاحظاتي في مكان آخر. على النحو العام يمكن عد هذا النص من النصوص الأكثر تسامحا، أو الأقل تشددا تجاه الآخر. لكنه يقرر «إِنَّ الدّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ»، وبالتالي فأي دين آخر غير معترف به إلا بحدود. قد يذهب بعض التنويريين أو بعض التبريريين إلى القول بأن المقصود بالإسلام هو معناه الأعم، وليس معناه الأخص، فمصطلح (الإسلام) في القرآن، ومشتقاته (مسلم)، (مسلمون)، (أسلم/ـوا)، (يُسلم/ـون) يأتي تارة بمعى الدين الإسلامي، وتارة بمعنى الإسلام لله، أي التسليم له، وهو معنى قد ينطبق على بعض المسلمين، دون وجوب انطباقه عليهم جميعا، وعلى بعض غير المسلمين من المؤمنين بالله المسلمين له، وإن اختلفت طرق وسبل وصيغ الإسلام له، فهما وأداءً. ولكن إذا علمنا أن هذا المعنى في هذا النص بالذات – حسب معظم المفسرين – هو الإسلام بمعناه الخاص، وإذا قرن هذا النص بالكم الهائل من القرائن القرآنية والنبوية الأخرى، لم نجد فيه إلا معنى دعوى احتكار الحق والحقيقة والصواب والهدى واستحقاق ثواب الله.
ويتأكد أكثر هذا المعنى، أي حصر الدين المقبول من الله في الإسلام في نفس السورة آل عمران 85-89 بالنص الآتي:
«وَمَن يَّبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ ديناً فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ، كَيفَ يَهدِي اللهُ قَوماً كَفَروا بَعدَ إيمانِهِم وَشَهِدوا أَنَّ الرَّسولَ حَقٌّ، وَجاءَهُمُ البَيِّناتُ، وَاللهُ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ؛ أُلائِكَ جَزاؤُهُم أَنَّ عَلَيهِم لَعنَةَ اللهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أَجمَعينَ، خالِدينَ فيها لا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذابُ وَلا هُم يُنظَرونَ، إِلاَّ الَّذينَ تابوا مِن بَعدِ ذَلِكَ وَأَصلَحوا، فَإِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحيمٌ».
أولا «وَمَن يَّبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ ديناً فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ»، وثانيا فإنه «فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ»، ثم يبرر النص عدم إمكان هداية الله لهؤلاء، لأنهم يمثلون «القَومَ الظّالِمينَ»، ثم يصب «عَلَيهِم لَعنَةَ اللهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أَجمَعينَ»، هذا اللعنة التي تعني العذابات التي سيكونون «خالِدينَ فيها»، وبعد كل هذا «لا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذابُ وَلا هُم يُنظَرونَ»، ولكن يعطف محمد على هؤلاء، فيستثني منهم «الَّذينَ تابوا مِن بَعدِ ذَلِكَ وَأَصلَحوا»، أي الذين عادوا إلى حضيرة الإسلام، بقناعة أو من غير قناعة فيقرر عن الله: بأنّ عندها «غَفورٌ رَّحيمٌ»، فالله يغفر من يغفر له محمد ويرحم من يرحمه محمد، ولا يستحق المغفرة والرحمة إلا من ألغى عقله وقناعته وإرادته وأسلم لمحمد ولدين محمد، من حيث دعوى أنه يمثل إسلامه لله. فلنتأمل في مدى التأزم والتوتر والاحتقان من صاحب الدعوة الإسلامية تجاه من لم يصدقه، أو من صدقه، فتبين له غير ما اقتنع به ابتداءً، فأعاد النظر في دينه الجديد، فتخلى عنه، وهناك العديد من مثل هذه النصوص، لا يسع المقام استقصاءها جميعا. فللعلم إني أكتب باسترسال ودون جهد استثنائي لعدم توفر الوقت لي، وإلا فلو أريد لهذا الموضوع أن يكون دراسة مستفيضة وبحثا شاملا معمقا، لخرج بغير ما خرج به، ولكن ما لا يدركه المرء كاملا، فليدرك الممكن والمتأتي منه.
من النصوص التي تنم عن مرونة وليبرالية يزاولها الإسلام، هو النص القرآني «فَمَن شاءَ فَليُؤمِن، وَمَن شاءَ فَليَكفُر» في سورة الكهف 29. ولكن هذا النص يذكر دائما مستقطعا من سياقاته، ويفترض أن يذكر النص كاملا، لتتضح الصورة الحقيقية لمأزومية مؤسس الإسلام تجاه غير المصدقين به، فالنص كاملا هو:
«وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُم، فَمَن شاءَ فَليُؤمِن، وَمَن شاءَ فَليَكفُر؛ إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ ناراً أَحاطَ بِهِم سُرادِقُها، وَإِن يَّستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كالمُهلِ يَشوي الوُجوهَ، بِئسَ الشَّرابُ، وَساءَت مُرتَفَقاً».
هنا يمثل هذا النص واحدا من نصوص إقرار الحرية الدينية دنيويا، وإن كانت هناك نصوص إما تضيق من هذه الحرية، أو تلغيها كليا، مما أبقى الباب مفتوحا أمام شتى الاجتهادات، بحسب المناهج المختلقة في التفسير، وحسب المذاهب والمدارس والتوجهات الفقهية. ولكن حتى لو سلمنا بالتعويل على هذا النص، واكتشفنا أن الإسلام يترك للإنسان حرية أن يؤمن أو أن يكفر، فيكفي عد الاعتقاد بالإسلام (إيمانا) وعدم الاعتقاد به (كفرا)، وخاصة بعدما نعلم إن مصطلحي (الإيمان) و(الكفر) ليسا مجرد توصيفين موضوعيين خاليين من أي قيمة عليى أو سفلى، كما نقول عن شيئين أن أحدهما كبير والآخر صغير، أو احدهما أحمر والآخر أخضر، أو غير ذلك من التوصيفات الخالية من بعد قيمي، بل إنهما مصطلحان، لكل منهما بعد قيمي على النقيض من الثاني، فأحدهما (الإيمان) ممدوح ومحبوب، ليس فقط حسب معايير القرآن، والآخر (الكفر) مذموم ومكروه. نعم هذا الأخير أي الكفر مشحون بكل معاني الإدانة والرفض والكراهة والعداوة، فهو يمثل الخطأ، والضلال، والانحراف، والسوء، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فيمثل الخزي والعذاب، كما ويمثل مقت الله وإعراضه وعقابه الأبدي ولعنته، وما اللعنة إلا سلب الرحمة كليا، إضافة إلى كونه لونا من ألوان الشتم والقذف (المقدسين). ثم لنسلم افتراضا أن الإيمان والكفر لا يختزنان بعدا قيميا، بل هما توصيفان، كما تقول هذا سياسي وذاك فنان، أو أي شيء من هذا القبيل، ففي الوقت الذي تترك للإنسان حرية أن يكون سياسيا أو فنانا، وبالتالي مؤمنا أو كافرا، نجد سرعان ما يكال لصاحب الخيار الثاني شتى الشتائم، فبعد أن تقرر الآية: «فَمَن شاءَ فَليُؤمِن، وَمَن شاءَ فَليَكفُر» سرعان ما يتدارك النص فيلحق العبارة آنفا بقول «إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ ناراً أَحاطَ بِهِم سُرادِقُها، وَإِن يَّستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كالمُهلِ يَشوي الوُجوهَ، بِئسَ الشَّرابُ، وَساءَت مُرتَفَقاً»، كما قدم لـ«مَن شاءَ فَليُؤمِن، وَمَن شاءَ فَليَكفُر» بقول «وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُم»، والحق كما يثبت القرآن هو الإسلام، وغيره الباطل.
ابتدئ بكتابة البحث في كانون الأول 2009
وتم في 23/12/2009











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا الدين يقتل في نفوسنا امور شتى
احمد الهادي ( 2009 / 12 / 27 - 17:50 )
نحن في أمس الحاجة لمثل هذه البحوث والقراءات النقدية الجريئة, الشكر الجزيل لك على المجهود الذي بذلته لتساهم في توفير النقد السليم لهذا الدين الذي نتمنى أن نبعده من حياتنا ونعطيه فقط المكان الذي يستحقه ويكون للعقلاء الحق الكامل في ممارسة النقد الذي يحررنا ويمنحنا المجال الكافي لنتحرر من عبودية الأوهام والخرافات التي يعود لها السبب الكامل في تخلفنا على كافة الصعد

اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي