الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض إشكاليات وتطبيقات الفقه الاسلامي ( 4 )

فيصل البيطار

2009 / 12 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الفقه ايضا يصول ويجول في :

- الآيات الغامضه .

دون أن يستقر على موقف واحد كالعاده، الضحيه هو من يتبعهم من المسلمين، إذ يبقون في حيره من أمرهم، أي إتجاه يسلكون وأي فقه يتبعون ليكسبوا رضى الله ولا يحيدوا عن تعاليمه . في مكه، يقدم الله لنا مثلا على نعمه من الخمرة، التي أفاء ظلها على عباده حيث يقول ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ) ، السكر هنا تعني الخمر والى جانبها ما تنتجه تلك الثمرات من تمر وخل وعنب وزبيب وهو الرزق الحسن، وآخر آيه نزلت في الخمر تلك التي تقول ( ... إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ... )، أهل السنه يعتبرون هذه الآيه قد نسخت ما قبلها من آيات الخمر وهي التي وضعت حدا لشربها وحرّمته، لكن للتاريخ رأي مغاير تماما ولا يقبل بهذا التفسير، فبعد نزول هذه الآيه، ظلت الناس على عهدها في شرب الخمر، إن في زمن محمد أو في زمن خليفته الأول، وحتى شطر من خلافة إبن الخطاب، عمر هذا تميز عن باقي الصحابه بإمتلاكه فهما خاصا للمحمديات القرآنيه والحكواتيه، كان له تميزه في صلح الحديبيه ثم في توزيع الغنائم وفي المؤلفه قلوبهم وقطع يد السارق وصلاة التراويح وغيرها، وها هو يقدم هنا في قضية الخمرة فهما جديدا محكوما بنزواته لا بالنص القرآني ولا بأحاديث نبيه وبعد أن استشرى شربها ليس في أنحاء عاصمته فقط، بل وفي كافة أرجاء دولته، ما اجبر بعض من اصحابه واللاحقين من الفقهاء للهروله خلفه وهو الذي كاد أن يكون نبيا على حد زعمهم لو أن وحي الله لم ينزل على محمد، وهو الذي جاءت بعض الآيات مصداقا لأقواله المعارضه لمحمد، معتبرين الخمرة محرما دينيا بينما لم تكن كذلك حتى ذلك الحين، اراد عمر ان يمنع الخمره ويضع حدا ( عقوبه ) لها ليتماشى هذا المنع مع صبغه دينيه من وحيه، كانت فتوى إبن أبي طالب جاهزه وكانت الحل الأمثل له : الذي يشرب الخمره يفتري، وحد الإفتراء ثمانون جلده . بدأ بإبنه فقتله تحت الجلد، السؤال هنا : ماذا لو شرب المرء خمرته ولم يفتري على أحد، مقفلا باب داره عليه، لا يلقي أحد من الناس، أو شربها في منتجع وحيد مع صاحبته يلهوان ثم ينامان ويصحيان دون إفتراء .... ؟ ولكن ما إن انقضى زمن عمر بمؤامرة وجهاء المدينه وكبار الصحابه على قتله، حتى عادت حليمه لعادتها القديمه . جمع من الصحابه كانوا يقولون بحلية الخمر ورفضوا تحريمها، مثلا : عمرو بن معد كرب الأمير الشاعر الفارس محتجا بآية ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) وعثمان بن مظعون الرجل العاقل وعلى رواية، كان هو ايضا يحتج بنفس الآية للدلالة على حليتها . لكن أهم ما في الأمر أن صاحب الرساله نفسه كان مغرما بها، عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله ( من شرب النبيذ منكم فليشربه زبيبا فردا أو تمرا فردا أو بسرا فردا ) أي لايخلط الأشربه ... ما يعملش كوكتيل ، .. أورده مسلم، وعن إبن عباس : ( جاءنا رسول الله ورديفه أسامه فسقيناه من هذا النبيذ ... فشرب منه وقال أحسنتم، هكذا فاصنعوا ) .. مسند أحمد، أما تلك التي أوصى محمد أتباعه بأن يأخذوا نصف دينهم عنها .. عائشه قالت : ( كنت إذا اشتد نبيذ النبي جعلت فيه زبيبا يلتقط حموضته ) أورده البيهقي في سننه، والأحاديث تترى في حلية الخمر وشرب محمد للنبيذ، التابعي الجليل وأمام التفسير الضحاك بن مزاحم كان يبيح شرب النبيذ،وكذا الفقيه التابعي إبراهيم النخعي . وفي المعاجم وبالإستدلال من أقوال الصحابه أن النبيذ مسكر .

شذ الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان عن باقي الفقهاء في مسألة الخمر، الإجتناب عنده لا يعني التحريم، على باب مسجد في الكوفه رأى وسمع رجلا يدلل على خمرته بالصياح : من يشتري مني زق الخمرة على مذهب أبي حنيفه بدرهمين، إحتج بائع الخمره بتحليلها بعد أن نهره أبو حنيفه، كان جواب الفقيه : وهل يحل لك مضاجعة زوجتك على باب المسجد ؟ أبو حنيفة نفسه كان يصنع الخمرة ويبيعها قبل أن يتحول الى فقيه . نص الإجتناب خاص بالفرد وهو لا يعني التحريم الجماعي وهل يعجز الله على أن يحرم الخمر بنص صريح كما حرم بنص صريح زواج المحارم والميتتة والدم ولحم الخنزير وزواج المسلمه من غير المسلم ... الخ؟ التحريم يكون بنص واضح الدلاله كما سلف أو التحريم ضمنا بإقترانه بعقوبة الحد كما مع الزنا والسرقه مثلا، وهو الأمر الذي لا ينطبق على آية إجتناب الخمر .

الإمام مالك الذي ولد وعاش في الحجاز كان معاصرا لأبي حنيفه، وصلته فتاوى الأخير في الخمر، فقال في تحريمها ما لم يقله أحد من الناس قبله وصارت أقواله فيها مضربا للمثل، لكنه كان يبيح السماع ( الغناء) ، البعض قال أن تحليله للغناء جاء متأثرا برواج الغناء وكثرة المغنيين والمغنيات في المدينه وإبداعهم في هذا الفن ، وأن تحليل أبو حنيفه للخمرة وهو الذي ولد وعاش في العراق، قد تأثر بدوره بشيوع شربها عند العراقيين من قبل الإحتلال الإسلامي للعراق وإستمراره لما بعده ( هل تأتي الفتاوى الدينيه متوافقه مع عادات الناس في البلدان المختلفه ؟ ) ، والحصيله أن الناس كانت تشرب وتسمع، قائلين : نحن نشرب على مذهب أبي حنيفه ونسمع على مذهب مالك . ومن هذا التزاوج بين الفقهين السنيين نشأ فقه جديد روج له وعاظ السلاطين من المعممين أصحاب اللحى المحنّاه، شرب خلفاء المسلمين انواع الخمور واستمتعوا بإداء المطربات ورقص الجواري من كل جنس ولون، وكانت إذا ما حضرت الصلاه، ينهض خليفة الإسلام من مجلس سكره لغير ثوبه التزاما بالفتوى ثم يتوضأ ويصلي ويعود ثانية الي مجلس لهوه، هؤلاء الذين تجب طاعتهم بكل شيئ، شذ عنهم عمر بن عبد العزيز إبان خلافته القصيره ولم يشذ عنهم الناصر صلاح الدين الأيوبي، المدمن حتى نخاع عظمه، ولقد عرفت شخصيا بعض المتدينين من الحنفيه، من الذين حجوا بيت الله الحرام ولا يقطعون فرضا ولا سُنه يشربون الخمرة بأنواعها الجديده المصنعه في اسكتلندا وهولندا، ومنهم بعض الشيوخ المعممين ولا من حرج ديني .

في الخمر قولان، ما بين محلل ومحرم، البعض من المسلمين يشربونها على مذهب أبي حنيقه والبعض يتركها على مذاهب أخرى، حال الفقه الإسلامي هكذا دائما في الكبائر والصغائر .

من الآيات الغامضه في القرآن ايضا، تلك التي تتعلق بالخلود في الجنة والنار، هل من خلود مع نعيم انهار الخمر في الجنه، بين أحضان الغلمان والغانيات، وخلود العذاب في النار ..... أم أن ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) وحيدا لا يؤنس وحشته سلسلة إنبياءه، وأحسن خلقه محمد بن عبدالله ؟

الغموض في الآيات هو أحد سمات القرآن، والتضارب في التفسير وإستخلاص الأحكام الواجبة التطبيق هو النتيجه الحتميه لهذا الغموض .

يتبع ( 5 )










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
نارت اسماعيل ( 2009 / 12 / 28 - 08:56 )
أفضل حل لكل هذا الغموض والتناقض هو بنزع هذا الرداء المهترئ ورميه كله إلى غير رجعة
العلم أثبت أن الخمر وخاصة النبيذ الأحمر له فوائد جمة إذا أخذ باعتدال فهو بالإضافة لاحتوئه على الكحول المفيد يحتوي على مادة ريزفيراترول المانعة لأكسدة الخلايا والمفيدة بتقليل نسبة الإصابة بأمراض القلب والأوعية


2 - الاحترام والتقدير
محمد حياني ( 2009 / 12 / 28 - 10:01 )
كالعادة مقال منطقي ولك تحياتي وتقديري، وكما قلت الغموض في الآيات هو أحد سمات القرآن


3 - استاذنا العزيز فيصل البيطار
أبو لهب المصرى ( 2009 / 12 / 28 - 13:30 )
تحية لك على المقال المتميز
المهم بعد عرض التفاسير ولف العلماء بعضهم حول بعض واتيانهم بالدليل الفلانى والدليل العلانى والتفحيص والتمحيص .... وفى النهاية يرجعون بك لنقطة الصفر
ويقولون لك .. الله أعلم
تحياتى وكل سنة وأنت طيب


4 - عمر
عراقي ( 2009 / 12 / 28 - 14:44 )
سيدي , لاتنسى ان عمر بعدما طعن طلب خمرا. لدي سؤال : بكل هذا العدد من الغلمان وحور العين وانهار الخمر , ما الذي سيحصل بعد ان يسكر المؤمنون ؟ الا يجوز ان يتحرش بعضهم بغلمان وحوريات البعض وتبدأ المعارك عندئذ سيضظر الله الى ارسال قوة التدخل السريع من الملائكة لاعادة الامن


5 - استاذي المبدع فيصل البيطار
سالم النجار ( 2009 / 12 / 28 - 15:45 )
دائماً يوجد لديهم مخرج طوارئ للهروب من أي إحراج, كُتب عليها مسند, ضعيف , متواتر , إسرائيليات...الخ من تسميات, ومهما حاولنا معهم بالمنطق العلمي والدليل والبرهان تبقى الغلبة للدين, عقول وضعت في غرف معتمة فعشقت الظلام


6 - الغموض في القرآن
صلاح يوسف ( 2009 / 12 / 28 - 15:47 )
شكراً سيد فيصل لمقالتك البحثية الرائعة. في الحقيقة أن الغموض في الآيات لا يتوقف عند حد الخمر، رغم جودة هذا المثال حيث انعكس الغموض في الآية على مجمل أحكام الفقه الإسلامي كما تفضلت. ثمة غموض آخر مثلاً نجده في الآية ( إذا جاء أحدكم من الغائط أو لامستم النساء ولم تجدوا ماءا فتيمموا صعيداً طيباً ). مفردة ( لامستم ) أو قعت المفسرين في حرج شديد، هل تعني مجرد المصافحة ( كما ذهب الشافعي وأيضاً مالك ) أم هل تعني المضاجعة ؟؟؟ البعض قال أنها تعني المضاجعة لأن ما يعدها يؤكد على ضرورة الاغتسال والبعض قال أن هذا غير دقيق لننا نخرج من الغائط بغسل موضعي وليس اغتسال كامل.
وهكذا فإننا وجدنا أن غموض القرآن الذي قال عنه علي بن أبي طالب ( حمّال أوجه ) قد ادى إلى انقسام الفقه وبالتالي الأحكام والفتاوى وهو ما أدى إلى نشوء الفرق الإسلامية الكثيرة كالجعفرية والأشاعرة والمعتزلة والباطنية والإسماعيلية والدروز وغيرهم.
شكراً للمقال الثمين والذكي.


7 - بعض أخبار الخمرة
الحكيم البابلي ( 2009 / 12 / 29 - 05:22 )
تحيات وأمنيات بالسنة الجديدة سيد فيصل
كنتُ قد وعدتُ الزميل صلاح يوسف بأهدائه وبعض الزملاء من عشاق الخمرة مقالاً عنها ، وبطريقة مختلفة في معلوماتها عن مقالك الجميل هذا ، وسأقوم بنشرهِ في القريب العاجل
أود أن أضيف هنا بأن محمداً وأتباعه كانوا قد شربوا الخمرة قبل معركة بدر ، لتهبهم الجرأة والأقدام وتزيل الخوف من نفوسهم ، ولكن كما تعرف ، فأن عدداً كبيراً من الملائكة قاموا بالقتال في صفوفهم ضد كفار قريش ، ربما لأن الصحابة سكروا وشخوا وناموا في ساحة المعركة
كما أود أن أذكر بأن خزاعة كانت قد ملكت مكة زمناً طويلاً ، وكان آخر من ملك البيت منهم هو ( ابو غبشان ) ، ويوم كان أبو غبشان هذا في سكرته ، قام قصي بن كلاب بمبادلة أو مقايضة مفتاح البيت وسدانته وحجابته بزق خمر مع أبو غبشان ، ثم حاربهم حتى أخرجهم عن الحرم ، فكان البيت له ولأولاده
ولهذا ضربت العرب المثل بأبي غبشان ، فقالت : أخسر صفقة من أبي غبشان
وقد شرب محمد من سقاية العباس ، فوجده شديداً فقطب بين عينيه ودعا بماء فصب عليه قائلاً : إذا كان هكذا فاكسروه بالماء
ولو كان حراماً في عرفه لأراقهُ وما شربه بعد كسر حدته بالماء
تحياتي


8 - نعم إنه الغموض بعينه
مايسترو ( 2009 / 12 / 29 - 14:29 )
ولولا هذا الغموض لما عاش الاسلام حتى هذا اليوم، فالغموض والتفسير الناقص هي ديدن الاسلام منذ انطلاقه قبل 1400 سنة، والاسلام لا يحيى بدون هذا الغموض، والشكر الموصول للأستاذ فيصل على هذه المقالة الموثقة تماماً.


9 - التخبط
سمير حمد ( 2012 / 5 / 8 - 07:31 )
اصبحنا نتخبط مش عارفين راسنا من رجلينا سبقونا اجدادنا بالكتابة ..لا نعرف منهم الصح من الخطأ ....انا امشي على قاعدة كل شيء حلال ما لم يرد نص قراني .


10 - التخبط
سمير حمد ( 2012 / 5 / 8 - 07:31 )
اصبحنا نتخبط مش عارفين راسنا من رجلينا سبقونا اجدادنا بالكتابة ..لا نعرف منهم الصح من الخطأ ....انا امشي على قاعدة كل شيء حلال ما لم يرد نص قراني .

اخر الافلام

.. تجنيد يهود -الحريديم-.. ماذا يعني ذلك لإسرائيل؟


.. انقطاع الكهرباء في مصر: -الكنائس والمساجد والمقاهي- ملاذ لطل




.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل


.. 134-An-Nisa




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم