الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض أوجه الخلاف بين الديموقراطية والشورى

محمد بودواهي

2009 / 12 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يمكن تعريف الديموقراطية بكونها مجموعة ممارسات يتم من خلالها إعطاء الحق لكل المواطنين في المشاركة في صناعة القرار السياسي ، الأمر الذي يعني حتما حق الأفراد في الانتخاب والتصويت والتشريع والحكم . وهذا الحق هو طبيعي لكل أفراد البشر لا يمكن لأي سلطة أو قوة باسم القانون أو الدين أن تصادره .
إن مقومات الديموقراطية الحديثة لها صبغة سياسية وروحية محضة . فهي تستهدف تحرير الإنسان من سيطرة الحكام ورجال الدين التي كانت تهيمن على الدولة ، وتقرر المساواة في الحقوق السياسية والقتصادية والاجتماعية والثقافية وتضمن التمتع بها ، وتلزم باحترام حقوق الأفراد وهوياتهم الأساسية ، وذلك استنادا إلى المبدأ القائل بأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر الشرعية ... إذ أن السلطة في النظام الديموقراطي هي للشعب بواسطة الشعب لتحقيق سيادة الشعب ومقاصده وممصالحه.
أما الشورى فهو مصطلح إسلامي أصيل ، وهو اسم مشتق من " المشاورة " التي تعني استخراج وتبادل الرأي في غير إلزام ، ويدخل في المشاورة أو المشورة : النصيحة والفتوى والاستشارة العلمية والقانونية . وتعريفات السلف للشورى تكاد تكون متوافقة وإن اختلفت التعبيرات ، فقد عرفها ابن العربي بأنها هي : ( الاجتماع على الرأي ليستشير كل واحد صاحبه ويستخرج ما عنده ) ، وقد عرفها الأصفهاني بأنها : ( استخراج الرأي لمراجعة البعض للبعض ) ، وهناك من يعطي تعريفا أشمل للشورى ويقول بأنها هي النظر في الأمور من أرباب الاختصاص والتخصص لاستعلاء المصلحة المفقودة شرعا وإفرازها .
انطلاقا من هذين التعريفين نرى بأن الديموقراطية الحديثة تختلف عن الشورى الإسلامية في " مصدر السيادة " . فالديموقراطية تجعل السيادة في التشريع ابتداء للشعب والأمة وبالتالي فإن السيادة وكذلك السلطة هما للإنسان . أما في الشورى فإن السيادة في التشريع ابتداء هي لله تجسدت في " الشريعة " التي هي ليست إفرازا بشريا ولا طبيعيا ، وما للإنسان في " التشريع " إلا سلطة البناء على هذه الشريعة الإلهية والاستنباط من نصوصها وقواعدها وأصولها .... وهناك من يرى أن الشورى خاصة بالشؤون السياسية وحدها ، بينما هناك من يرى أنها تتعلق بكل ما يخص نظم الجماعة سواء المتعلقة بشؤونها الاجتماعية أم السياسية أم المالية .... ولقد رسمت الشريعة الإسلامية حدودا للشورى ليس لها أن تتجاوزها ، وهي حدود ثابتة خالدة طالما بقي الإسلام وبقيت الشريعة بخلاف الديموقراطية فإنها لا تعرف الحدود الثابتة ، إذ تستطيع تغيير مجموعة من المبادئ بمجرد ما يكون هذا التغيير منبثق من إرادة أغلبية الشعب بخلاف الجماعة الإسلامية التي لا تستطيع تغيير أي مبدأ من المبادئ التي أتت بها الشريعة حيث تعتبر هذه المبادئ سرمدية ومطلقة وثابتة وذلك منذ أن توقف باب الاجتهاد منذ القرن الرابع الهجري ، وهذا ما جعل الإسلام يعرف جمودا قاتلا في الوقت الذي تتطور فيه الديموقراطية وتنمو تبعا لتطور ونمو وتقدم البشرية .
إن الديموقراطية الحديثة تكون مقيدة بدستور ديموقراطي يتم وضعه ومناقشته وإقراره من قبل جمعية وطنية تأسيسية منتخبة انتخابا عاما حرا ونزيها من قبل الشعب ، والشعب هو صاحب السلطة التأسيسية والدستور هو التعبير عن هذه السيادة ، ولعل هذه الوسيلة هي أكثر الوسائل ديموقراطية لإقرار الدستور . كما تقر بأن الشعب مصدر السلطات حيث يقوم هذا على دحض أي مبرر لسيطرة فرد على فرد آخر لأن السلطات في المجتمع لا تعود إلى فرد وإنما تعود إلى الجميع ، والحكام إن مارسوا السلطة فإنهم ليسوا سوى وكلاء عن الشعب فحسب ويستطيع أن يحاسبهم على كيفية حكمهم . كما أنها تعتبر المواطنة مصدرا للحقوق ومناطا للواجبات وهو ما يتطلب تحقيق مبدأ سيادة القوانين وإقامة دولة المؤسسات وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية للمواطن . إضافة إلى كونها تقوم على مبدأ فصل السلطات في الدولة كوسيلة ناجعة لمنع هيمنة إحدى السلط على الأخريات ، أما السلطات في الإسلام فتستند كلها على أحكام الشريعة الإسلامية وذلك لكون الإسلام جاء دينا ودولة وهو ما يجعل من الحاكم أو الخليفة يتمتع بسلطات سياسية إلى جانب سلطته الدينية .
والديموقراطية الحديثة لا تؤمن بالحافز الديني إذ أن أفراد الشعب جميعهم متساوون في الواجبات والحقوق كافة بغض النظر عن ميولهم السياسية ومعتقداتهم الدينية ، فهي التي وضعت القوانين الجزائية وهي تستطيع وقتما تشاء ( بعكس القانون الجنائي الإسلامي المحدد بنصوص القرآن تحديدا واضحا وبنصوص صريحة وقطعية الدلالة لا يمكن الخروج منها ) تغييرها وتطويرها وفق التطورات الاجتماعية والإنسانية المختلفة .
إن الديموقراطية الحديثة تحدد مدة زمنية معينة لتولي الحكام وظائفهم لا تتجاوز في أغلب الحالات أربع أو خمس سنوات ، بينما الإسلام لا تعرف فيه ولاية الحكام أي تحديد للمدة الزمنية فهو قد يبقى طوال حياته على رأس الأمة والسلطة منذ أن تتم مبايعته كخليفة . كما تعتبر الانتخابات في الأتظمة الديموقراطية وسيلة يتم من خلالها الاحتكام إلى الشعب لاختيار من سيتولون تسيير شؤون البلاد العامة انطلاقا من انتقاء البرنامج السياسي الذي يكون قادرا على إقناع أغلبية الناس بأنه كفيل بحل مشاكلهم وإثارة قضاياهم . كما أنها لا تستسيغ ما يسمى بأهل الحل والعقد أو أهل الشورى الذين هم عبارة عن نخبة يتم من خلالها تمثيل الأمة في مجلس الشورى الإسلامي ، ذلك أن الممثل الحقيقي هو من يختاره الشعب اختيارا حرا وديموقراطيا عن طريق انتخابات حرة ونزيهة ، كما أن المشورة في الإسلام تكون غير ملزمة وغير واجبة الاتباع من قبل الخليفة أو الحاكم الذي يظل وحده المسؤول الأول والأخير عن قراره أمام الله وأمام الامة .
إن المساواة التي تنشدها الديموقراطية الحديثة جعلتها تساوي بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي الميراث والزواج والطلاق والدين وووووبينما أبقت الشريعة الإسلامية المرأة في مرتبة دونية حيث حرمتها من المساواة في الميراث وحقوق الزواج والطلاق وتقلد بعض مناصب الدولة والكثير من الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى . كما أن الديموقراطية جعلت من المواطنة والعدالة والمساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن القومية أو الدين أو الجنس أو اللون مبادئ لا يمكن تجاوزها أو المساومة فيها ، بينما حرمت الشريعة الإسلامية أهل الذمة وغير المسلمين من الوصول إلى العديد من المناصب الهامة في الدولة كمناصب الوزارة والقضاء والإمامة وأجازت لهم فقط المناصب والوظائف الثانوية ، واعتبرت اعتناق الدين الإسلامي شرطا أساسيا من ضمن شروط أخرى يجب توفرها لمن أراد تولي هذه المناصب وهو ما يعتبر تمييزا عنصريا مفضوحا.
وبعد كل هذا هناك من يأتي ليقول لنا أن الشورى الإسلامية والديموقراطية الحديثة لا خلاف بينهما في الجوهر وإنما في الشكل فقط وذلك لكون الخلاف ليس في المضمون وإنما يتمثل فقط في تسمية كل واحد منهما .
إن مع التطوات التي عرفتها الدموقراطية عبر سيرورتها التاريخية تحولت إلى قيمة اجتماعية حيث قامت على تنشئة الأفراد وتربيتهم تربية اجتماعية تؤصل لقيم الاختلاف والتعدد ، وتنمية روح التسامح وتشجيعها، ومحاربة ظاهرة التملق والتزلف للحكام وأصحاب النفوذ ، والابتعاد عن النفاق السياسي والاجتماعي ، وتوفير مؤسسات لتأهيل الجماهير وتنظيمها ، وبذلك وفرت مجتمعا مدنيا قويا ورأي عام واع ومتنور ، وهو ما تفتقر إليه المجتمعات التي لا زالت تتخد الحذر من تبني قيم الديموقراطية بدعوى أن الشريعة الإسلامية كفيلة بضمان الحقوق والواجبات .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استاذى العزيز
أبو لهب المصرى ( 2009 / 12 / 29 - 17:14 )
بحث جميل وتحليل منطقى
لتوضيح الفرق بين الديمقراطية ... والشورى الإسلامية !!
شكرا لمقالك وكل سنة وأنت طيب


2 - كالفرق بين ماء البحر وماء النبع
اوشهيوض هلشوت ( 2009 / 12 / 30 - 08:46 )
بقيت اشارة هي ان الديموقراطية تزهر بعد جهد جهيد وتضحيات جسيمة من كافة الشعب بعكس الشورى التي تنزل من السماء و يكون فيها الشعب قطيعا تحت رعاية الراعي وكلابه
كما ان زراعة الديموقراطية يحتاج اولا تنقية الحقل من الأعشاب الضارة(الأمية - الفقر- الخوف .....)بعكس الشورى التي تنمو((طبيعيا)) بين الصخور و في المزابل والصحاري

تحياتي اليك ايها العزيز وشكرا على مجهوداتك التنويرية


3 - شكرا
محمد بودواهي ( 2009 / 12 / 30 - 11:03 )
تحية احترام وود للعزيزين أبولهب وهلشوت
شكرا لكما على المرور والتعليق وكذلك الإطراء
فعلا أخي هلشوت إن مصدر كل واحدة منهما والبيئة التي نشأت فيها تعكس صورتها الحقيقية الجميلة منها أو البشعة
تحياتي

اخر الافلام

.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran


.. 85-Ali-Imran




.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني