الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثنائية الفساد والاستبداد

احمد عائل فقيهي

2009 / 12 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(1)
ربما كان عبدالرحمن الكواكبي.. أحد رموز التنوير العربي هو أول من شخّص المشكلة الهامة والمفصلية التي هي «أس» التخلف و«أساس» الخوف في المجتمعات التي لا يعرف أبناؤها ولا المنتمون إليها سبيلهم إلى العدالة ووصولهم إلى أعلى مستويات الرقي والتقدم.. كان ذلك عبر كتابه «طبائع الاستبداد.. ومصارع الاستعباد» الذي ظهر لأول مرة في نسخته المنقحة عام 1957م ولقد قسّم الكواكبي 1854- 1902م نظريته الشهيرة تلك إلى عدة أقسام فإلى جانب المقدمة هناك «الاستبداد والعلم».. ويلتقي الاستبداد أو يتلاقى في ثنائياته المتقاربة والمتعاقبة مع «المجد والمال» و«الاختلاف والتربية والترقي» ثم أخيراً «الاستبداد والتخلص».
منذ قرابة قرن تقريباً وأفكار الكواكبي تظل حاضرة بل هي اليوم أكثر حضوراً وإشراقاً من ذي قبل.. وكأنها كذلك طازجة وساخنة ذلك أنها تدخل في صميم الحياة العربية بالرغم من أن هذه الأفكار المبنية على عقلية نهضوية جاءت في حينها مناهضة لأجهزة الدولة العثمانية وضد حاكمها المستبد وضد كل ما له علاقة بأنظمة القمع والخوف، والخنوع، ومثل كسر الإرادة تلك التي هي ناتج الحالة العربية كأنها تعبّر عنها فعلاً.
إن الوضع العربي اليوم يعيش عدة «ثنائيات» متداخلة ومتشابكة، فمن ثنائية «التراث والحداثة» إلى ثنائية «الدين والدولة» إلى ثنائية «الدين والدنيا» وصولاً إلى ثنائية «العرب والغرب» أو «الشرق والغرب» أما الثنائية التي قامت على خلل في الإرادة والإدارة معاً، فهي تلك التي تلتقي وتتلاقى بين الفساد والاستبداد عبر ثنائية سوداء وقد بحث فيها وفي قراءتها باحثون ومفكرون كُثر.. ذلك أن الفساد بالمعنى الإداري محاربة الفساد والاستبداد تقتضي صياغة
وعي مختلف
والمالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي أصبح حديث المجتمع العربي.. من مغربه إلى مشرقه.. ومن الماء إلى الماء.. بدءاً من المتعلم والمثقف وانتهاء بأقل الناس تعليماً وثقافة ووعياً.. ذلك أن الفساد في كثير من الدول العربية تحول إلى ما يشبه «المؤسسة».. تماماً كما هو «الجهل المؤسس» حسب تعبير المفكر الجزائري محمد أركون -أي ثمة مأسسة للفساد والذي قد تحول بالتالي إلى ثقافة داخل بنية الكثير من المجتمعات والمؤسسات العربية.
(2)
أما الاستبداد فلقد أصبح يشكل في بعض مناطق العالم العربي مظهراً من المظاهر العربية.. بل إنه وبلا أدنى مبالغة تطور ليصبح «حالة عربية» فمن الاستبداد عبر المركز والاستحواذ عليه، إلى الاستبداد بالرأي، واحتكار الحقيقة ومحاولة امتلاكها، إلى الاستبداد المنظم الذي يتخذ أشكالاً ووجوهاً مختلفة ومتنوعة، فهناك الاستبداد السياسي وهناك الاستبداد المتطرف، ثم الاستبداد الاجتماعي والثقافي والفكري والأيديولوجي والاقتصادي ثم سطوة المال إضافة إلى الاستبداد الأسري والعائلي والتربوي.. واستبداد فكر على فكر.. أيديولوجية علي أيديولوجية أخرى.. وحزب على آخر، وهو ما يجعل دوائر الاستبداد تتسع بحيث تتحول إلى منظومة ونظام داخل المجتمع الواحد والبيئة الواحدة إلى أن يأخذ شكلاً تراتبياً أو هرمياً داخل تركيبة المجتمع العربي فمن استبداد السلطة السياسية والسلطة الاجتماعية المعادية لقيم العصرنة والحداثة ومن سلطة الفكر العشائري وسلطة الخطاب المتشدد المعادي لقيم الدين الحقيقية القائمة على التسامح والمحبة واحترام الإنسان والآخر، تجد نفسك أمام وضعية تمثل فيها غياب مفهوم الدولة الحديث لهذا المفهوم، أي الدولة العربية التي لا تقوم على ممارسة «الحرية» وذلك المجتمع الذي لا تقوم ركائزه على ما يسمى بـ«مؤسسات المجتمع المدني» وعلى ترسيخ مفهوم «المواطنة» وغياب دور المرأة وقضايا كثيرة فصّلها تقرير التنمية البشرية برؤية علمية دقيقة وعميقة في آن.
(3)
إذن.. ما بين الفساد والاستبداد ثمة تلاقٍ في المعنى والتقاء في الممارسة، ومن هنا كان المستبد دائماً عدو «الحق» وخصم «الحقيقة» كما يرى الكواكبي وكان الفاسد إدارياً واجتماعياً هو النقيض لكل شيء ما يذهب بعيداً في الانتماء والارتقاء وفي مجتمعاتنا اليوم هناك أعداء حقيقيون للمستقبل وللدولة الحديثة والمجتمع الجديد وكذلك العقل المتحرر من ثقافة الخرافة وضد كل ما من شأنه الأخذ بأسباب التقدم.
وطالما ظلت ثنائية الفساد والاستبداد ضاربة أطنابها في الأرض العربية فلا يمكن أن تكون هناك حالة نهوض في الأمة، في ظل عقل مكبّل ومعاق، أو مطارد وجسد مشلول وتنمية تفتقر إلى نظافة اليد وإلى نظافة السلوك.
إن محاربة الفساد والاستبداد في المجتمع العربي يقتضي معه صياغة وعي يختلف اختلافاً جذرياً مع ما هو قائم وسائد وصياغة مجتمع عربي يؤمن بقيمة العقل لا بقيم الخرافة من أجل الخروج من واقع اجتماعي وسياسي وثقافي إلى واقع آخر ومن الانتقال من مرحلة التردي إلى مرحلة النهوض والتحدي ولكيلا يبدو المجتمع العربي وكأنه مجتمع فساد واستبداد حقاً فيما هو مقابل أمة ساهمت في بناء الحضارة الإنسانية بفكرها وبمنجزها العلمي والثقافي لا بفسادها واستبدادها.
والسؤال الذي ينبغي طرحه أخيراً: كيف يمكن الانتصار على العدو الخارجي في اللحظة التي نجد بعض شعوب الأمة واقعة تحت سطوة الاستبداد والفساد «الداخلي».. كيف.. وما العمل؟
كاتب سعودي









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة