الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين أفيون الشعوب

زهير قوطرش

2010 / 1 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ما دفعني إلى كتابة هذا العنوان ،لهذه المقالة ،هي تلك المشاهد الفظيعة التي شاهدتها من على شاشة إحدى الفضائيات العالمية،عندما نقلت الحدث بالصوت والصورة،لاحتفالات عاشوراء،وكيف مارس المحتفلون فعل الضرب على الرؤوس والأجساد ،مستخدمين السلاسل الحديدية والسيوف، وكانت مشاهد نزيف الدم مؤلمة ،وأكثر ما ألمني مشهد أحد الآباء وهو يقود طفله الصغير الى جانبه ، فيضرب رأسه تارة ويعود ; ليضرب رأس الطفل تارة أخرى ....،ثم انتقل المشهد إلى الفلبين ،حيث تم تصوير صلب أحد المسيحيين ،كما صُلب السيد المسيح عليه السلام ، وكان حدثاً فيه من القسوة التي لايمكن وصفها . وبعد ذلك انتقل المخرج الى الهند ليصور بعضاً من العادات والطقوس الدينية الهندوسية وغيرها التي لا تقل في فظاعتها وقسوتها عن غيرها من العادات المشابهة . ومن ثم إلى جدار المبكى وكيف يتدافع اليهود من أجل إرسال رسائل مكتوبة إلى الخالق بوضعها في شقوق الجدار لاعتقادهم أن الله عز وجل بحاجة إلى كتابة أمنياتهم وتصوراتهم ، و أخيرأ إلى مشاهد بعض المسلمين السنة في الباكستان وهم يتدافعون حول قبر أحد الأولياء فقط ليقبلوا الحجر عسى أن يشفع لهم يوم الدين .في هذه اللحظة لا أدري لماذا استحضرت من ذاكرتي مقولة كارل ماركس "الدين أفيون الشعوب الذي استمد مبادئها من فلسفة فويرباخ الألماني الأصل والذي هاجم الفلسفة المثالية وبالتالي هاجم الدين لما رآه من موقف الكنيسة ومحاربتها العلم والتقدم ووقوفها الى جانب مضطهدي الفقراء والمساكين (أي كنيسة السلطان) على رأي الأستاذ نيازي عز الدين (دين السلطان). وحتى لا أخرج عن سياق الموضوع عدت الى النص الأصلي الذي وردت فيه هذه المقولة ،ولا مانع من ذكره ليقرأه كل من يهتم بأمور الفلسفة و يعمل جاهدا إلى الوصول إلى حقيقة الدين الصحيح ،. يقول ماركس " الإنسان هو عالم الإنسان: الدولة،المجتمع.وهذه الدولة وهذا الوعي المقلوب للعالم ،لأنهما خلاصته الموسوعية،منطقة في صيغته الشعبية... موضع اعتزازه الروحي ،حماسته،تكريسه الأخلاقي،تكملته الاحتفالية،عزائه وتبريره الشاملان،إنه التحقيق الوهمي للكائن الإنساني،لأن الكائن الإنساني لا يملك واقعاً حقيقياً،إذن فالصراع ضد الدين هو بصورة غير مباشرة صراع ضد ذاك العالم الذي يؤلف الدين نكهته الروحية،إن التعاسة الدينية هي في شطر منها،تعبير عن التعاسة الواقعية،الدين زفرة المخلوق المضطهد،روح عالم لا قلب له،كما أنه روح الظروف الاجتماعية التي طردت منها الروح.إنه أفيون الشعوب"
سألت نفسي عن أي دين تحدث ماركس؟ ولو كان حيا اليوم ورأى ما رأيت ،ورأى هذا العالم الذي ابتعد عن جوهر الدين ،ليصبح أكثر إشراكاً من ذي قبل ،ليصبح أكثر مادية وعبودية للبشر والحجر ، ليصبح أكثر ضلالة ووهم ،ماذا عساه أن يقول : بالطبع سيقول "الدين أفيون أفيون الشعوب" عن أي دين تحدث ماركس؟ ، عن دين المؤسسات الدينية التي ساهمت بفكرها الظلامي آنذاك في تأخر البشرية ،هل كان يقصد بذلك رجال الدين الذين تحالفوا مع الإقطاع ضد الفلاحين ،ومع البرجوازية الأوربية ضد العمال والفلاحين والفقراء متناسين شرع الله ، بناء على ما تقدم فإن نقد الدين عند ماركس ليس المقصود منه إلغاء الدين في حد ذاته وإنما "تدمير أوهام الإنسان لكي يفكر ويفعل ويكيف واقعه بصفته إنساناً تخلص من الأوهام ( الدين الذي نقده كان مبنيا على الأوهام)". وفي كتابه نقد فلسفة الحقوق عند هيغل يطالب ماركس" بالعودة عن نقد الدين الى نقد الحقوق وتجاوز نقد اللاهوت الى نقد السياسة" وبذلك يصبح النقد الماركسي ليس على الدين في المطلق وإنما على نوعية استعمال الأديان في الصراع الاجتماعي.
السؤال المحوري الآن ما هو الدين؟ وعن أي دين تحدث ماركس ؟ وهل اضطلع ماركس على كتب الله المنزلة ليتعرف من خلالها على ماهية الدين الحقيقي؟.
لو سألنا أي إنسان اليوم مهما كانت ديانته، عن الدين ماذا سيقول... الدين هو ديني....المسلم سيعرف الدين أنه دينه الإسلامي، وكذلك المسيحي ،واليهودي، والبوذي.... هذه النظرة الطفولية الى تعريف الدين كانت ومازالت هي السبب في ما نراه ونسمعه عن ممارسات طقوسية وتعبدية وثقافية لا علاقة لها بالدين أبدا ،لا من قريب ولا من بعيد....أنهم كالطفل لو سألته عن الأب سيقول لك أنه ابي...وكفى!!!! المشكلة أن كل فئة مقتنعة تمام الاقتناع وبشكل مطلق بصحة ما هي عليه من دين ومن معتقد .
أنها مأساة وإشكالية البشرية بأجمعها تكاد تكون مغلقة،ليس لها حل!!! أنها الدراما الإنسانية ،دراما اختلاف البشر . الكل راض بما هو عليه ومصر على أنه يملك الحقيقة المطلقة..
هل يمكن للمتنورين بجهودهم ،أن يعيدوا للدين روحه الخالصة، وأن يقشطوا هذه السطوح والقشور للوصول الى تعريف يقربنا من روح الدين ،ويقدموه لا على أساس أنه أفيون الشعوب المخدر ،بل هو دواء الشعوب المنشط والذي يضمن سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة ،وبعد ذلك يستطيعوا تقديمه للإنسانية كحل لهذه الإشكالية الكبيرة.
في البداية ،لابد لنا من تعريف الدين كمفهوم ،حتى ننطلق جادين في البحث عن الدين الصحيح ،رغم علمي الأكيد أن تعريف الدين ككلمة مجردة ،حار بها العلماء ،ورجال الفكر ،لكن لنتخطى كل التعاريف ،لنقول "أن كل رؤية كونية أو تصور للوجود هي دين" .
صحيح أن الأديان التوحيدية الإبراهيمية التي تنطلق من العلة والهدفية حسب هذا التعريف هي دين .وهي تؤمن أيضاً برسالة الإنسان... ،حتى الوثنية هي دين (لكم دينكم ولي دين)،والأديان الشرقية في برمتها هي دين .. لكن السؤال الجوهري ،أين هو الدين الصحيح ؟ وكيف نتعرف عليه في زحمة هذه الأديان ؟ لهذا لابد لنا من أن نجد منهجا للوصول إليه ،وهذا المنهج يتلخص في أنه ،إذا أردنا أن نتلمس ونتحسس جوهر شيء ما ،حقيقة شيء فلا بد أن نبحث عن رسالته، وكون الدين هو كل تصور وجودي ، وهو كل رؤية كونية حتى ولو كانت وثنية إلحادية هي دين، لكن الاختلاف في رسالة هذا الدين أو ذاك . ففي هذا المقام لابد لنا من العودة الى الكتب السماوية وغيرها من كتب الديانات الأخرى التي حاولت رسم الطريق للوصول الى تعريف الدين الصحيح من خلال رسالتها، الدين جاء الى مخلوق كرمه الله ،وجعل من الإنسان عبد الله ،وجعل الناس كلهم أمامه أخوة متساوون ،وكما قال الشيخ محمد عبده رحمة الله عليه مقولته الرائعة"الإنسان عبد الله وحده،سيد لكل شيء بعده" هذه المقولة لو أدركها العالم لكانت بمثابة المفتاح المفقود والرسالة التي نبحث عنها لتعريف الدين. أذن الرسالة لهذا الدين في جوهرها تكمن في عقيدة التوحيد ، وكلنا يعلم أن الدين الذي يرضاه الله عز وجل هو دين الاستسلام لله بالمطلق والخضوع له بغض النظر عن التسميات.. رسالة الدين الصحيح جاءت من السماء الى الأرض ،وليس الى السماء ، جاءت لتوازن المادي والروحي في حياة هذا المخلوق المكرم ،رسالة هذا الدين هي الإنسان ثم الإنسان .هداية وسعادة وراحة ،جاءت لتنقذه من شر الشيطان وشر نفسه...جاءت من أجل تعميق الوحدة الإنسانية ...وجاءت لحث الإنسان على استثمار كل مجالات التسخير ...رسالة الدين جاءت لتوحد البشرية, وأقول البشرية تحت لواء الدين الواحد من خلال التوحيد الخالص لله, وتركت للفعل البشري مساحة واسعة ليتحرك فيها بناء على تحقيق مصالحه.هذه الرسالة هي التي تفي بأكبر قدر ممكن من المفاهيم الكونية العالمية ،والتي تدعم مسيرة الإنسان العلمية ،وليس دعمها فحسب بل على تثميرها وإرشادها إذا دعت الحاجة ، عندها نستطيع أن نقول أنها الرسالة التي تفي بكل ما يحتاجه الإنسان في دنياه وأخرته ،إنها الرسالة التي في استطاعة الإنسان استيعابها وتفعيلها على واقعه ،الرسالة المقبولة من قبل الإنسان العاقل ،لأنها جاءت من رب الإنسان.فهل كان ماركس قد اضطلع على رسالة هذا الدين ،هل قرأ ماركس أن الله عز وجل في رسالاته اوجد القدر ،ولكنه أرسل الشرع أيضاً من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية التي نادى بها ماركس طيلة حياته.هل قرأ ماركس في كتب الله عز وجل هذا الانسجام مابين الإنسان والكون ومع الوجود،هل قرأ ماركس أن الإنسان في وحدة مع مخلوقات الكون ،الكون كله يشاركنا العبودية لله والتسبيح له . لقد نقد ماركس الدين الذي جاء برسالة استغلال الإنسان للإنسان . لكنه لم يقرأ رسالة الدين التي رفضت عبودية الإنسان للإنسان ،وجعلتها عبودية الإنسان لرب الإنسان.لو قرأ ماركس عن رسالة هذا الدين ،لتغيرت عبارته كون الدين أفيون الشعوب ،ولكتب يقول: أن الدين الذي له هذه الرسالة هو سعادة للشعوب.
فهل لدينا القدرة على تعميم رسالة هذا الدين الصحيح
والسؤال الأهم أين هو هذا الدين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زهير.. انت تحاول التدليس
محمد اسماعيل ( 2010 / 1 / 5 - 08:04 )
ذكرت مخازي كل الديانات والنحل وعندما تحدثت عن السنة قدمت صوفية باكستان لماذا لم تحدثنا عن اقتتالكم عند الحجر الاسود ومايفعلونه بين الصفا والمروة
وطوافكم كسنة متعصبين حول البيت العتيق

محمد عبده كان دجالا حاول كسب المزيد من الوقت لتمرير الارهاب الاسلامي وهو ماحدث بد ذلك علي يد الارهابي محمد رضا وتلميذه حسن البنا ومن جاء بعدهم
لكن من الان فصاعدا لن يسعفكم الحظ لقد عرفتكم البشرية
وكل يوم يزداد العالم اقتناعا بان الاسلام ليس دينا وانما مؤسسة ارهابية قذرة تستهدف لانسا وحضارته

اخر الافلام

.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran


.. 72-Ali-Imran




.. 73-Ali-Imran