الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم النفس في المجتمع العراقي

جنبلاط الغرابي

2010 / 1 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



اذا تدبرنا بموضوعية علم النفس والنظرة المُتخذة اتجاهها من قبل مجتمعنا فسوف نجد انها لا تخلو من رؤية سطحية لا تعد ان تكون سوى مفهوماً عن الجنون الذي يدعو لعدم الخوض في هذا الجانب الاهم في الحياة.فأن الامراض العضوية التي تحل بالانسان لا تولد انطباعاً سيئاً وفق رؤية المجتمع العراقي وانما هي مسألة تتصف بالبساطة من ناحية مدلولها النفسي,فكل انسان متعرض للامراض بلا شك,لكن للمرض النفسي خصوصية تبعده عن مستوى البحث والتقصي او الاعتراف به حتى,كونه يمثل موضع خجل وسخرية بين العراقيين خصوصاً ان البساطة والتفاقم لا يغيران شئ من مفهومه الرائج الذي يمثل الجنون....
لا يميز العراقيون بين الجنون والحالة النفسية المضطربة,ففي كلتا الحالتين يُصنف الامر على انه جنون,وعدم التمييز بينهما لا ينم عن جهل معرفي فقط وانما هو دمج قضيتين في بوتقة واحدة لأن الاولى تستوعب الثانية وكذلك العكس.فالمريض هو ذاته المجنون,هذا ما يدعو الى اخفاء اية حالة يشعر بها الفرد تخوفاً من التعرض للانتقاص والسخرية على حد سواء.وقد اعتاد الفرد العراقي على عدم الخوض في المجال النفسي واثاره,حيث ان جميع الشذوذ والحالات الغريبة يرجعها الى سوء تربية او مخلفات وراثية.فأن ادخال العامل النفسي في تحديد تصرفات الافراد لا يقع ضمن المحتوى التعليلي للاسباب,لذا كان تصنيف الافراد وافعالهم ينتج دائماً عن مقياس اجتماعي.من هنا غابت القضية النفسية كاحدى العوامل التي تساهم في تحديد الطبائع والميول حتى اصبحت منتفية الوجود.وان وجد هذا التعليل لقضية ما فهو لا يمثل الا خدشاً في شخصية المريض وطعناً به,من ثم يحول هذا الامر دون وضع الثقة به او الارتباط معه بصداقة او علاقة زوجية.فأننا نلاحظ اغلب الذين يعانون من امراض وهلوسات يتخوفون من اظهارها للمجتمع او التفكير على الاقل بمراجعة المختص,ذلك بسبب التداعيات التي تُخلق بعد هذا الاقرار الذي قد يفقدهم حياتهم الاجتماعية وارتباطاتهم المستقبلية,كون المجتمع العراقي غير متسامح من هذه الناحية في ذات الوقت الذي يعتبر هذه القضايا حالات نادرة وشاذة قد تعرض حاملها الى ازمات عديدة.والسؤال الذي يطرح في هذا المجال هو لماذا التعاطي مع القضية النفسية بهذه الصورة,ولماذا لا تكون المشكلة النفسية خاضعة الى نفس مقاييس الامراض العضوية؟.وفي الواقع ان الاجابة على هذه القضية تحتاج الى البحث في دواخل المجتمع العراقي الانية والتاريخية اهمها ما يجري في السنوات الاخيرة,حيث ان مجتمعنا يفتقد الى التثقيف المرحلي ويعتمد على الموضع الوراثي والتراثي كمرجع اسناد لجميع التفسيرات والاحكام,وهذه الفجوة ساعدت على ارتكاز الانتفائية لدور القضية النفسية وعدم معالجتها,في حين انها متفشية بصورة واضحة,وعدم الالتفات اليها يكمن في وجودها الذي حُكم عليه وفق المعيار الاجتماعي كما اسلفنا.ومن جهة اخرى يسفر تشابه المشاكل النفسية الى عدم بروزها ومن ثم ملاحظتها,في حين ان التجارب القاسية التي مر بها المجتمع العراقي كانت كافية في حده نحو طبيعة معينة,وهذه الاخيرة ساعدت على جعل المشكلة النفسية الخفيفة المحتوى لا تعدو ان تكون سوى حالة يمتاز بها الاغلبية.وقد كانت هذه العوامل كفيلة في الاختباء وراء صورة اخرى مزيفة للحيلولة دون السقوط في العزلة الاجتماعية,فما كان على الفرد الا ان يتظاهر بعدم احتوائه على اية حالة مضطربة او يحاول التغافل عنها ذاتياً.وفي الواقع ان هاتين القضيتين تنطلقان من موضع نفسي عميق يرتبط بالتخوف من قتل الرغبة وعدم تحقيق غاياتها الغريزية,فأن الخيفة من المجتمع تمثل مظهراً وعرضاً لهذا الموضوع,والمحفز الاساس في التهرب من المشكلة النفسية او التصريح بها يكمن في الصراع النفسي حول موضع الرغبة,لأن الفرد يختزل جميع اعماله الحياتية في احياء رغباته وطموحاته,وفيما لو ظهر عائق امام تحقيق هذا الجانب,فأن ازاحته له هي الفعل الاول الذي يتبادر في الذهن,وبما ان الازاحة توجب عليه ان يعلن عن حقيقة هذا العائق فأنه يبحث عن حل اوفر جهداً واكثر تستراً وهو عزل الفكرة عن الجانب الذاتي,بمعنى اخفاء مشكلته النفسية امام ذاته,ومحاولة اعطاء نفسه تبريرات مصطنعة لاجل التماشي مع الواقع.وفي الحقيقة ان هذا الامر لا يمثل حلاً واقعياً للقضية لان الفرد لم يقم بالمعالجة وانما فعله اقتصر على عزل الفكرة عن الذات,في حين ان المشكلة النفسية مازالت سارية المفعول الى ان تزداد تهيجاً كلما تداعى معناها من خلال الحدث الذي ترتبط به معنوياً عن طريق الموضوع ومحمولاته.فقد تختلف المشكلة العضوية عن النفسية في التعيين والاسئصال المادي,الا انهما يشتركان في قضية واحدة وهي التفاقم والزيادة في النسبة المرضية عبر المؤثرات الخارجية,في ذات الوقت الذي تستوعب كلتيهما الشفاء مع احتمال وجود الاستعصاء.لذا لا نجد فرقاً بين المرض النفسي والعضوي من ناحية الماهية,هذا الذي يوجب التعامل مع الطرفين بنفس الاهمية من خلال محاولة اعادة تفكيك الحلقات المتشابكة وارتباط الثقافة الاجتماعية بها لجعل علاج المشكلة النفسية لا يختلف عن علاج المشكلة العضوية.....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي العراقي-نجاحات وتهاني-1


.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل




.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ


.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا




.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات