الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قدرألذوات العربية المتفردة وشعوبها بين التجميد و الإذابة:فرج الله الحلو نموذجاً

سوسن بشير

2004 / 6 / 25
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


تلتقط نصاً ما، أو يلتقطك.تبحث عن بقعة ضوء وتقرأه بتمعن. تدرك حسياً النص المرئي في بقعة الضوء، ويصيب النص بدوره حواسك، بل يصيب جسدك و عقلك؛قد يصاب الجسد بالخدر أو الإجفال ،وربما الاختلاج أو الخمول،و أحياناً بنشوة في صورة كهربية،والعقل يصاب بالدهشة التي قد يعقبها إعجاب فكري،وربما زلزلة فكرية. خلق النص فضاءه التوتري وتماس حسياً مع ألذات المدركة،التي ستبدي بدورها رد الفعل،داخل هذا الفضاء التوتري الذي يسمح ببينية للمقاومة.سمحت لنفسي في عبارات مسرحية مقتضبة أن الخص هدف "جاك فونتاني" في أحد محاور كتابه"سيمياء المرئي"،حيث يتحدث عن النص بين الضوء والمعنى. ودعونا نتساءل الآن كم من النصوص يخلق لدينا فضاء التوتر هذا؟من المؤكد أنه عدد قليل بين النصوص مهما زاد، ومن المؤكد أن ما يزلزلنا فكرياً،بعد أن نخض به جسدياً،هو ما يخالف معتقداتنا،ما يطرح صوتاً آخر منتقد ومخالف ومعارض،أو ما تعدده الأسماء.ما الذي سيفعله كل منا في مواجهة نص كهذا؟ كم منا سيحاول أن يطرح النص جانباً مزيحاً إياه من دائرة الضوء،أو دوائر الضوء جمعاء؟اسمح لنفسي أيضاً بالانتقال بفضاء التوتر الأدبي هذا،الذي ينشأ بين ذات مدركة ونص تحت الضوء،إلى فضاء التوتر الذي تخلقه ذات إنسانية لذوات إنسانية أخرى من حولها،وفي رأي أنه انتقال مشروع.لقد كان شهيد الإنسانية فرج الله الحلو أحد ذوات صاحبة الفضاء التوتري،ذات فاعلة تحت الضوء لا يملك من حولها سوى التماس معها،تماس على مستوى المدرك الحسي والمعرفي على السواء،فكلاهما وجهان لعملة واحدة.فرج الله الحلو المولود في حصرا يل/ قضاء جبيل (لبنان) لأبوين فلاحين عام 1906،انضم للحزب الشيوعي عام 1930،أثناء دراسته بحمص بسورية،اتساقاً مع ذاته التي ترفض بالأساس عبادة الصوت الواحد،مما يجعله أقرب إلى تبني الشيوعية على مستوى النظرية(انظر كتاب د.عبد الله تركماني:الأحزاب الشيوعية في المشرق العربي ويمثل أطروحته للدكتوراه،ويطرح في أحد محاوره الانشقاقات الخاصة بالأحزاب الشيوعية العربية). وعبادة الصوت الواحد تستدعي بالأساس وجود جماهير،مما يحيلنا في عجالة إلى النظريات الفرويدية،حول سيكولوجية الجماهير وعبادة الزعيم المنوم،فعلى الفرد صاحب الفضاء التوتري،ويمكننا في هذه المرحلة أن نطلق عليه" المتفرد"،أن يتوجه بحبه و ولائه إلى الزعيم،وليس لنفسه أو لأعضاء آخرين من الجماهير مثلاً،وهنا يظهر شيئاً فشيئاً مأزق ذات متفردة،كذات فرج الله الحلو بين الديكتاتوريات المختلفة.خلق فرج الله الحلو فضاءً هائلاً من التوتر لحزبه،حين وقف أمام قرار تقسيم فلسطين،هذا القرار المؤيد من قبل السوفييت أنفسهم،فلم تجمد فقط عضويته الحزبية،لقد جمد هو شخصياً(عقلاً وجسداً) من قبل حزبه وزعامته،في غرفة لا يبرحها بطريق النهر-بيروت،تمت إزاحة فرج الله الحلو من تحت الضوء المعرفي،ومن تحت ضوء الشمس الفعلي إلى العتمة في غرفة،وهذا عن طريق التجميد الذي لم يتحمله،فوسم نفسه بالخطيئة والانحراف والخروج عن المبادئ(اللينينية-الستالينية)،في رسالة "سالم" الشهيرة(تلك الرسالة التي وزعت على الصغير والكبير في أروقة الحزب الشيوعي السوري اللبناني آنذاك،ثم سحبت من ملفات الحزب الشيوعي اللبناني لمناقضتها الحقيقة،وذلك بعد عام 1965؛بعد انفصال الحزبين). ومن ناحية أخرى خلقت الأحزاب الشيوعية العربية،ومنها السوري اللبناني فضاءها التوتر،شاركت في اجتذاب الجماهير عن الزعيم العربي الفرد،الذي تحول إزاءها وإزاء كل من لا يسمح بسيادة صوته الواحد،تحول إلى قوة ديكتاتورية،وإذا حصرنا الحديث هنا في شخص جمال عبد الناصر وعلاقته بالحزب الشيوعي السوري اللبناني تحديداً،بسبب حديثنا عن فرج الله الحلو،فعلينا أن نؤكد أنه لم يكن الوحيد في ذلك،وهذا ليس سياق دفاع بل سياق تذكير،ومدعاة للأسف وليس للفخر،بيد أن الأسف الشخصي يستدعيه ما كان يمكن أن يحققه المشروع الناصري لو اتخذ منحى آخر في هذا الصدد.تبرز ذات فرج الله الحلو هنا بروزاً اكبر في اتساع الفضاء الذي يمكننا أن نسميه هنا"الموتر"،فيعترض على صيغة الوحدة المصرية-السورية، ويكبر الجرم بحجم كبر الخصم،فتتم إزاحته هذه المرة بالإذابة وليس بالتجميد،وذلك بعد تعذيبه.فتختفي ألذات الموترة التي ترفض عبادة الصوت الواحد،تختفي عقلاً وشحماً وعظاماً.لكن تبقى معرفياً وهذا ما لم يتم إذابته بدليل احتفالنا بفرج الله الحلو الآن. ويا للمصادفة العجيبة التي تجمع بين سيرة ذوات متفردة وسيرة شعوبها؛لسنا وحدنا كعرب من مررنا بالتجميد والتعذيب والإذابة(وأستخدم هنا كلمتي العرب و الغرب مجازاً،مع التأكيد على التعددية والاختلاف فيهما)وهذا ما أكد عليه الرائد المفكر هادي العلوي في كتابه"من تاريخ التعذيب في الإسلام"؛في ملحق للمقارنة خاص بالتعذيب عند الأمم الأخرى غير العرب والمسلمين،بل أقر بأن ما ساعده على وصف فنون التعذيب في تاريخنا أنها وردت محكية لا مصورة،بينما لم تواته الشجاعة لاستكمال النظر في البوم تضمن صور أشكال التعذيب في أوروبا حتى مطلع القرن التاسع عشر.ولقد ختم العلوي كتابه هذا بتذييل أطلق عليه"الحجاج وهتلر: غراران للقمع في حضارتين" ومن عنوان تذييله هذا أبدأ خاتمتي:فلقد استطاع الغرب في الخمسين عاماً السابقة ،تجاوز نموذج هتلر بالنسبة لشعوبه،فحقق لها الكثير على مستوى حقوق الإنسان والديمقراطية،وان توجه لغير شعوبه بعكس ذلك،أما الشعوب العربية فقد أيدت القائمين على ثوراتها،من أجل الخروج من العتمة والتجميد على يد الديكتاتوريات الغربية الاستعمارية، وإذ بهذه الشعوب تتحول إلى مادة جديدة قابلة للتجميد والتعذيب والإذابة،على يد من كانوا،أو من ظنت أنهم مخلصيها،هؤلاء المخلصين الذين لم تكفهم الخمسين عاماً فارقاً بيننا وبين الغرب ،بل ارتدوا قروناً مستلهمين شخصية الحجاج،مما أوقع الشعوب العربية تحت سلطة جماعات ضلال معرفي من الداخل،وسلطة استعمار ديكتاتوري جديد من الخارج(ساهمت فيه عناصر عدة لا يتسع لها الحديث هنا)،فتجمدت الشعوب العربية بالتجويع والتعذيب والتبريد وخلافه،وأصبحت جاهزة لعملية إذابة داخلية_خارجية كاملة،على مستوى الجسد(الأرض) وعلى مستوى العقل والفكر.ويبقى السؤال:هل سيبقى منا معرفياً ما يتم الاحتفاء به يوماً،وإذا تمت إذابتنا جميعاً،ترى من سيحتفي بذكرانا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام


.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا




.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال