الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهيد الشيوعي الفنان التشكيلي العراقي معتصم عبد الكريم

هادي الخزاعي

2004 / 6 / 25
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


يتيح لي ملف شهداء الحرية والأشتراكية والشيوعية الضخم، أن ألج رحاب وهج الشهداء، من الشيوعيين العراقيين على مدار سبع من عقود الزمن المستحيل منذ تأسيس حزبهم، وهم يتأبطون موتهم من أجل تحقيق آمال كادحي شعبهم وأحلامهم بوطن حر وشعب سعيد. كانوا مؤمنون حد النخاع بقيمهم الأنسانية النبيلة التي صاغتهم بعناية ليكونوا أمثلة في السلوك والتسلك، ومضرب المثل في الأيثار والتضحية، فكانوا بحق، منسجمين كليا مع ذواتهم لتجسيد قيمهم تلك، أذ توجوا ذلك الأنسجام بالأستشهاد على أيدي أعداء القيم النبيلة، الذين فرزتهم مصالحهم الأنانية، فوقفوا في الضفة الأخرى من الصراع، فاتحين أبواب جحيم التعذيب والعذاب لحاملي حلم الفقراء. لكنهم لم يستطيعوا النيل من ثبات أؤلئك الشهداء، الذين يفخر المرء ببسالتهم النادرة، وشجاعتهم الأخلاقية التي ميزتهم في حياتهم العامة حتى آخر مشوارهم الذي توجوه بشهادتهم، أما وهم يعتلون المشانق أو يطرز أجسادهم الرصاص، أو يطعنون غدرا بخنجر بارد، أو يقضون تعذيبا بمختلف الآلات، من الكهرباء الى المفارم البشرية، الى أحواض التيزاب.
خياراتي كثيرة ومتكافئة حين فكرت أن أكتب عن شهيد من شهداء الفكر التقدمي الذين زاملتهم، وجميعهم أهلا للكتابة عنهم، فلكل منهم ما كان يميزه عن الآخر، لا بالأخلاق، فهم متساوون في هذا الجانب، ولكن بأسباب الشهادة.
عمن أكتب من أصدقائي الشهداء؟ عن رفيقي النصير صامد الزنبوري ماجستير الزراعة الذي قطع دراسته ليلتحق بقوات الأنصار في كوردستان.. عن المسرحي الشاب دريد ابراهيم الذي خرج من فرقة المسرح الفن الحديث ذات مساء ولم يعد، لا اليها ولا الى بيته، حيث كانت تنتظره أمه بخوف كما كل ليلة.. عن الفنان عادل الشعرباف الذي جرجره رجال الأمن الصدامي من أمام بسطة كتبه التي كان يبيعها في شارع الرشيد، فساموه من التعذيب المذل الكثيرحتى شهادته ..عن الفنان حسن سميسم أبن رجل الدين النجفي.. عن الفنان ماهر كاظم الذي أذابوه في حوض الأسيد، فلم يشفع له اخوه عادل كاظم، أفضل كاتب مسرحي في العراق.. عن المخرج الرائع كاظم الخالدي الذي لم ينجيه خروجه من العراق الى لبنان فجرى تغييبه من قبل الميليشيات المدعومة من مخابرات صدام.. عن المسرحي النصير شهيد عبد الرضا الأبن البكرلعامل التبغ المستشهد في أحدى أصرابات عمال السكائر.. عن النصير الشاعر ابو كويظم، عن التشكيلي البلسم النصير فؤاد يلدا، عن النصير المسرحي روبرت، عن النصير الشاعر أبو وطفاء، عن الفلاح الكردي النحيل النصير سيد نهاد، الذي لا تفوته صلاة، عن لاعب الكرة الشاب عمار جابرالذي أعدم نيابة عن اخيه لاعب الكرة منعم جابر، أم عن رفيقي النصير فكرت، ذلك المندائي الذي كان يتحدث عن الحسين كما لوكان من صلبه، عذرا فالقائمة طويلة ويستحق كل من فيها أن يكتب عنه أحسن الكتابات، فقد كانوا جميعهم شوامخ لا يكفيهم التأبين أو الكتابة عنهم مرة واحدة وحسب .
توقف قلمي في القائمة الطويلة على أسم صديق شهيد كان أثقل شيء عليه أن يكون محور حديث، وهنا لا اريد أن اثقل عليه، ولكني أريد أن اخفف عني. تزاملنا أنا والشهيد الفنان التشكيلي معتصم عبد الكريم في قاطرة العمر الضحوك، كنا شبابا يغلبنا الوجد بالحياة، ضحوكين لا يهزمنا غير بكاء الأطفال، وحسرات الأمهات الملتاعات على بنيهن. كان الشهيد معتصم خجولا تتبدى من سحنته السمراء حمرة الخجل لو لامست عيناه وجه فتاة، عكس انامله التي كانت تفترش أجمل الأجساد والوجوه على قصاصات الورق، جادا دائما، وكأنه في مجلس حزبي، تواقا أن يفرح أمه دائما بنكتة لا يحسن أدائها، فتضحك أخته الفنانة المسرحية نضال على بؤس اخيها
في أداء النكته. لم يكن معتصم يخلو من ورق الآرت واقلام الفحم، كعادة كل من أبتلتهم الموهبة بقوة الخطوط. مرة كنا معا في كافتريا معهد الفنون الجميلة وطلبت منه أي تخطيط لأحتفظ به في غرفتي، في اليوم التالي قدم لي معتصم مظروفا فيه ما طلبت، كنت اتوقع أن يكون بورتريتا لوجهي، لكنه كان بورتريتا للمناضلة الزنجية " أنجيلا ديفز".
تفاوتت محطات قطارنا، وتفاوتنا نحن في قاطراته. ذهبت بي قاطرتي الى محطة أنتظار في صوفيا، أثرأشتداد الحملة الأمنية في العراق على الحزب الشيوعي العراقي، وكانت قاطرة معتصم قد أتجهت به الى فصائل انصار الحزب الشيوعي في كوردستان العراق.
لما أتجهت قاطرتي صوب الأنصار في كوردستان، سمعت بخبر أستشهاد النصير الرفيق معتصم عبد الكريم في معركة غير متكافئة مع عناصر مخابرات النظام الصدامي الفاشي، وسمعت بمآثره الصامته، أذ كان معنيا بنقل البريد الحزبي من مقرات الأنصار الى الداخل وبالعكس، كانت مهمة لا تشبه أي مهمة اخرى، كان ناجحا في مهمته، ربما لأنه كان مقلا في الكلام، ومتجنبا الحديث عن نفسه.
لا تزال تتراقص في مرابع الذاكرة صورة أبتسامة ذلك الفتى الوسيم الوجل، الفنان التشكيلي معتصم عبد الكريم، الذي تساما الى نجم غير آفل، لا في السماء ولا في الذاكرة فحسب، ولكنه نبت في وجدان الشيوعيين العراقيين ومعارفه أيضا، خصوصا رفاقه الأنصار.
لقد رحل الفنان التشكيلي، النصير الشيوعي معتصم عبد الكريم بعد أن تأبط أستشهاده وهو ينحو في سيرورته الى العلا على سفوح كوردستان، لقد رحل معتصم قبل اوان الورد الذي لايزال بعيدا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا


.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.




.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع