الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام والعلمانية: وجهاً لوجه

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2010 / 1 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بما أن معادلة الرفض المتبادل بين الإسلام والعلمانية هي السائدة في عالم اليوم ، وبذات الوقت المؤسسة لحوار غرائزي يضيع فيه العقل في بواطن التخوين والتكفير ، دون أن تترك فسحة من الزمن لحوار عقلاني ، فإن المواجهة الموضوعية هي السبيل الأنجع لخلق مسافة فاصلة ، تحدد لنا رؤية كل منهما للآخر ، في ظل استحالة الحوار وانعدامه .
ولبدء هذه المواجهة، لابد لنا من القيام أولاً، بإبراز خصائص الإسلام والعلمانية كل على حدا، فلو بدأنا بالإسلام، فإننا سنكون أمام مجموعة خصائص، بعضها ذو صلة مباشرة بخصائص العلمانية، والبعض الآخر بعيد كل البعد عنها.
أول هذه الخصائص ، العقيدة وهي خاصية ذات طابع ديني - إيماني في الإسلام ، وسياسي في العلمانية ، فرغم الخلط الشائع والمتعمد أحياناً في سياق البحث والتحليل ، إلا أن عقيدة الإسلام ، بما هي دينية خالصة ، لا يمكن أن تغدو في سياق أي منهج ثقافي أو نقدي ، ذات طبيعة سياسية ، فلو كانت سياسية ، كما يصر بعض غلاة العلمانية ، لقبلت بمبدأ الإصلاح ، وبالتالي قبلت بمبدأ الفصل بين الدين والدولة ، أو لانتفى ذلك الصراع المرير والمستديم بينها وبين العلمانية ، طالما أنهما متفقان في الشكل على خاصية واحدة هي العقيدة السياسية ، لكن الشيء الوحيد الذي يدفع بعض العلمانيين للاعتقاد بعقيدة الإسلام السياسية ، نزوعه المستمر نحو الدولة أياً كان شكلها أو نظامها ، باعتباره مشروع دولة ، وسواء كانت هذه الدولة على حامل الدين أو من دونه .
عند هذا التصور المجزوء عن فهم أجزاء المسألة ، تتفجر براكين الجدل ، لتولد معه تصورات أخرى ، كتصور الصراع بين العلمانية والإسلام ، واستحالة التوفيق أو اللقاء بينهما على أرضية مشتركة يسودها التفاهم ، وتحميل كل فريق مسؤولية الطعن بالفريق الآخر .
ثانيهما الدستور، والمقصود به القانون بما يخص العلمانية، والشرائع بما يخص الإسلام، فهذه الخاصية المثيرة للجدل بين أنصار التيار الإسلامي والعلماني، تفتح الأبواب على مصراعيها أمام احتدام الصراع بوجهه الثقافي والسياسي.
ولأن مواد الدستور في الإسلام ، هي ذاتها نصوص القرآن ، فهي في مجملها أحاكم وقواعد لا يمكن التنازل عنها ، أو تبديلها وتعديلها لقاء أي موقف أو مطلب ، لأنها في أساسها البنائي ، وفق التصور الإسلامي ، شرائع سماوية منزهة عن الهوى ، لا تخطأ في أحكامها ، وعلى ذلك ، فإنها أحكام قطعية ، لا تحتمل المناقشة أو المنازعة ، حتى لو تناقضت أو تباعدت ظروف تشريعها الأول مع ظروف العصر الراهن .
بالمقابل فإن دستور العلمانية ، سواء كانت علمانية سياسية أو قانونية أو اجتماعية ، يتناقض بالمطلق مع دستور الإسلام ، كونه دستوراً وضعياً من مخرجات العقل الإنساني ، تطلب وضعه ظروفاً سياسية - اجتماعية تزامنت مع أحداث تاريخية ، عمت أجزاء واسعة من الكرة الأرضية ، بدءاً من نصفها الغربي .
ولعل السبب في شيوع العلمانية في شتى بقاع الغرب ، لا يعود إلى انتصار مبادئ العلمانية في تخليص الدولة من الوصاية الدينية ، بل لأن الأخيرة ليس لها من الدساتير والشرائع ما لدى الإسلام من شرائع ، الأمر الذي سهل تقبل المجتمعات المسيحية للعلمانية ، وتبني كافة مبادئها الأولية ، لجهة الفصل النهائي بين الكنيسة والدولة ، ومنح السلطان للدولة المدنية .
وما يفسر عدم التصادم والصراع بين العلمانية والمجتمعات المسيحية ، ليس بسبب أن العلمانية نشأت وترعرعت في كنف الغرب ، وبالتالي لا يمكن بداهة ، أن تكون ضده ، بل لأن المسيحية كدين ، تختلف في العمق عن الإسلام كدين ودولة في آن ، كما أن دستور المسيحية لم يجر التنازل عنه ، بقدر ما جرى التعبير عنه صراحة ، أن أعطي ما لقيصر لقصير ، أي الدولة ، وما لله لله ، أي الدين ، وهذا بحد ذاته ليس موجوداً في الإسلام ، ولا يمكن أن يوجد في المستقبل تحت أي ظرف ، وهو ما يجعل من دستور العلمانية العدو رقم واحد لدستور الإسلام ، بعكس الحال لدى المسيحية ، والسبب هو غياب مشروع الدولة في المسيحية ، والذي جرى التعويض عنه من خلال العلمانية ، في مقابل حضوره العميق في الإسلام .
وثالثهما ، التوحيد باعتباره أحد أهم الخواص التي يجمع عليها غالبية المسلمين ، لجهة وحدانية الله الخالق ، مالك السموات والأرض والقادر على فعل كل شيء ، وهو الأساس الذي يعود إليه كل المسلمين في كل ما يتصل بشؤون دينهم ودنياهم ، كما ينظم العلاقة بينهم وبين خالقهم في إطار إيماني خالص .
إن التوحيد الذي يوجد في الإسلام ، لا يوجد مثيله في العلمانية ، وهذا ليس ابتعاداً عن المواجهة القائمة بينهما ، ولكنه افتراق ظاهري ، بين خاصية التوحيد التي تعني الإيمان المطلق ، وما يقابلها في الوجه الآخر من إلحاد مطلق .
وحول خاصية الإلحاد ، يزداد الجدل اشتداداً ، وتتسع دوائر الصراع الثقافي ، ليظهر وفق الرؤى الإسلامية ، وكأنه صراع بين الخير الذي يمثله الإسلام ، والشر الكامن الذي تنضح به العلمانية ، وبين الظلام الذي يغرق فيه الإسلام ، والنور الذي أدى إلى تنوير نهضت فيه العلمانية وفق رؤاها .
كل هذه الرؤى والخواص المتضاربة بين الإسلام والعلمانية ، هي التي استبعدت الحوار ، واستعادت بدلاً منه الصراع الثقافي بمختلف أشكاله ، ولعل نقص الفهم والإدراك المتبادل بخواص كل واحدة منهما ، رفع من سقف الأحكام والتصورات المسبقة ، تجاه بعضهما الآخر ، فليست العلمانية في حقيقة المعنى والمبنى ، تجسد الإلحاد بصوره المجردة ، بقدر ما تجسد اصطلاحاً سياسياً وقانونياً واجتماعياً ، جرى فهمه واستيعابه إسلامياً على أنه ضرب من ضروب الإلحاد ، حينما تعارضت خواصه الدستورية والعقائدية مع خواص الإسلام ، في حين تلاقت مع المسيحية واليهودية ، ليس بسبب تهمة التحريف أو التزوير التي شابتهما ، إنما لانتفاء أسباب التعارض بين خواصهما وخواص العلمانية في ظروفهما السياسية والاجتماعية والتاريخية ، بعكس الحال تماماً مع الإسلام الذي لا يقبل التنازل عن خواصه ، تحت أي ظرف أو ضغط .
من هنا لا ينبغي فهم العلاقة الجدلية بين الإسلام والعلمانية ، على أنها علاقة ضدية فقط ، أي أن كلاهما ضد الآخر قيمياً ومفاهيمياً ، ولا تصوير الصراع على أنه صراع سياسي ، مشحون بدوافع إيديولوجية تعود في أصلها إلى الدين ، إنما هو صراع ثقافي تعود جذوره الأولى إلى نقص الفهم والوعي بخصائص كل منهما ، لكنه يتراءى أحياناً في صورة الصراع السياسي ، كلما قل منسوب الوعي وازداد منسوب التطرف لجهة عدم فهم الخصائص الثلاث .
وإن كان صراعاً سياسياً ، فهو صراع بين الرموز فقط ، كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، أي بين الأشخاص وكل ما يصدر عنهم من سلوك ناتج عن الفهم القاصر لخواص الآخر ، كالصراع الدائر الآن بين رجال الفقه ومعهم جماعات الإسلام السياسي ، وبين النظم السياسية العربية ذات الصبغة العلمانية حول تفسير العديد من القضايا الاجتماعية الملتبسة ، وكل ما له صلة بشؤون الميراث بين الذكر والأنثى ، وقضية تعدد الأزواج ، التي بدا فيها الانتصار جلياً لجهة تقييدها بقانون مدني ، كما هو حاصل في تونس ، أو لناحية إطلاق يد رجال الفقه في سورية ، لصوغ ما يرونه مناسباً لقانون الأحوال الشخصية ، بداعي مراعاة خصوصية المجتمع المسلم ، إلا أنه في حقيقة جوهره يتناقض وطبيعة الدولة بوجهها العلماني .
غير أنه، لا يمكن بأي حال، اعتبار الصراع بينهما، صراعاً سياسياً حول النصوص، حتى لو جرى استخدامها أو اللجوء إليها في كل مرة، لتفنيد حجج الآخر، أو لإظهار تهافتها ومناقضتها للواقع.
وما استخدام النصوص، إلا دليلاً على استمرارية المواجهة، التي تظهر على هيئة صراع ثقافي بين المعاني والقيم والمفاهيم الشائكة والمعقدة بين الإسلام والعلمانية، والتي يبدو أنها مستمرة بوجهها الحالي، طالما أن هذا الصراع وجد فيها الوقود اللازم لاستمراره.



























التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع


.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح




.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran