الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ معروف الكرخي ..مثال التعايش بين الأديان والمذاهب

محمود شاكر شبلي

2010 / 1 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


هو أبو محفوظ معروف بن فيروز وقيل الفيروزان الكرخي رضي الله عنه , وهو من جملة المشايخ المشهورين بالزهد والورع والفتوة . مجاب الدعوة , يستسقى بقبره , وهو من موالي الأمام علي بن موسى الرضا (ع) .
صحب داود الطائي ( رض) ومات ببغداد ودفن فيها سنة مائتين للهجرة في مقبرة باب الدير والتي تسمى حاليا باسمه (مقبرة الشيخ معروف) في منطقة الكرخ وقبره ظاهر يزار ليلا ونهارا وبني حوله مسجد جامع فخم وكبير .
ورد عنه في الرسالة القشيرية في التصوف طبعة مصر 1957..
(( كان من المشايخ الكبار , مجاب الدعوة يستشفى بقبره , يقول البغداديون : قبر معروف ترياق مجرب وهو من موالي علي بن موسى الرضا رضي الله عنه وكان أستاذا للسري السقطي والجنيد البغدادي ... سمعت أبا علي الدقاق رحمه الله يقول :
كان لمعروف الكرخي أبوان نصرانيان فسلّموا معروفا الى مؤدبهم وهو صبي فكان المؤدب يقول له ..
(( قل هو ثالث ثلاثة .. فيقول معروف بل هو واحد أحد .. فضربه المعلم ضربا مبرحا , فهرب معروف ..
فكان أبواه يقولان ليته يرجع إلينا على أي دين يشاء فنوافقه عليه .
ثم انه أسلم على يد الأمام علي بن موسى الرضا (ع) ورجع الى منزله ودق الباب , فقيل .. من بالباب ؟ فقال : معروف , فقالوا : على أي دين جئت ؟ فقال على دين الأسلام , فأسلم أبواه ..))

و عن بعض أكابر السلف ممن كان في زمن الإمام أحمد بن حنبل واسمه ( إبراهيم الحربي أبو إسحاق ( وكان حافظا فقيها مجتهدا يشبَّه بأحمد ابن حنبل ، وكان الإمام أحمد يرسل ابنه ليتعلم عنده الحديث أنه قال : "قبر معروف الترياق المجرب"، والترياق هو دواء مركب من أجزاء وهو معروف عند الأطباء القدامى من كثرة منافعه ، شبه الحربي قبر معروف الكرخي بالترياق في كثرة الانتفاع فكأن الحربي قال : يا أيها الناس اقصدوا قبر معروف تبركا به من كثرة منافعه..(الحافظ البغدادي)

ومن كلام الشيخ معروف : أذا أراد الله بعبد خيرا فتح عليه باب العمل وأغلق عنه باب الجدل , وأذا أراد الله بعبد شرا أغلق عليه باب العمل وفتح له باب الجدل .

وكان رضي الله عنه يقول : العارف يرجع الى الدنيا أضطرارا, والمفتون يرجع الى الدنيا أختيارا .

وكان يقول : أذا عمل العالم أستوت له قلوب المؤمنين وكرهه كل من في قلبه مرض .

وفي رواية عن أدبه وتقواه يقال :
أنه كان جالسا على ضفة النهر , فمر جماعة من الشباب في زورق يضربون الملاهي ويشربون الخمر , فقال له أصحابه أما ترى هؤلاء يعصون الله في هذا المكان , فأدع عليهم .. فرفع يده الى السماء وقال :
ألهي وسيدي أسألك أن تفرحهم بالأخرة كما أفرحتهم بالدنيا , فقال له أصحابه انما قلنا أدع عليهم ولم نقل أدع لهم , فقال , أذا أفرحهم بالأخرة فيعني أنه تاب عليهم وهذا لن يضركم بشيء .
وفي رواية أخرى : أنه نزل يوماً إلى دجلة يتوضأ ووضع مصحفا وملحفة فجاءت امرأة فأخذتهما، فتبعها، قال: "أنا معروف ، لا بأس عليك .. ألك ولد يقرأ القرآن؟"، قالت: "لا!"، قال: "فزوج"، قالت: "لا!"، قال: "فهات المصحف، وخذي الملحفة "

حسب ابن نباتة في «سرح العيون» فقد شيعت بغداد في ساعة واحدة زاهداً كبيراً وشاعراً كبيراً، معروف الكرخي وأبا نواس، وربما دُفنا في مكان واحد.

قال أبو العتاهية الشاعر: «توفي (أبو نواس) ببغداد سنة مائتين، هو ومعروف الكرخي في يوم واحد، فخرج مع جنازة معروف ثلثمائة ألف، ولم يخرج مع جنازة أبي نواس غير رجل واحد، فلما دفن معروف، قال قائل: أليس جمعنا وأبا نواس الإسلام! ودعا الناس فصلوا عليه ))
رحم الله الشيخ معروف وأعلى مقامه وهو الذي مثّل التعايش بين الأديان والمذاهب بأبهى صورة وأحسن تمثيل , فهو المسيحي وقيل الصابئي ، ثم المسلم الشيعي ثم السنَّي فالمتصوف، وأخيرا هو الراقد في دير تحول بالكامل إلى اسمه.
دخل الإسلام عن طريق الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ، وظل قائماً على بابه، بهذا يكون قريباً من الشيعة بالمسافة نفسها التي قرب بها من السنَّة، بعد أن تحول إلى باب الإمام أحمد بن حنبل (رض) .
قال الأخير بحقه رداً على مَنْ نعته بعبارة «قصير العلم»: إمسك! «هل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف» ؟

وقد كتبت أبيات من الشعر من بحر الرمل على قبر الشيخ معروف (رض) للشاعر أنور عبد الحميد السامرائي هذا نصها :

أن هذا قبر معروف فقف ...... ثم سلّم باحترام واحتشام
لحده قد ضمّ شيخا عارفا ...... وهو معروف لدى كل الأنام
فعليه رحمة من ربنا ....... وسلام ثم يتلوه سلام


المصادر :
مزارات دار السلام – رياض السيد علي النسابة الغريفي .
ابن الجوزي - صفة الصفوة – ج 2 – ص 210 – 214 .
تاريخ متصوفة بغداد - جميل ابراهيم حبيب .
"تاريخ بغداد" الجزء الأول من الطبعة الأولى لدار الكتب العلمية سنة 1417 هـ , صفحة رقم134 – الحافظ البغدادي
الشيخ معروف الكرخي المتسامح المضيء – رشيد الخيون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تللسقف
يوسف حنا بطرس ( 2010 / 1 / 8 - 18:42 )
الاستاذ محمود شبلي قصه رائعه تصلح ان تكون فيلم هندي اكتب السيناريو وشامي كابور المخرج ولك دور البطوله اذا كان نبي الشيخ معروف لم يشفي نفسه ولا ائمه الشيعه من اين له الشفاعه والشفاء ومنذ متى كان الاسلام يتعايش مع الاخر الا تلاحظ ان في مقالتك شى من الازدواجيه والتقيه لقد بنيت على انقاض قبره محلات تجاريه والان هو بجانب شجره الزقوم المزعومه اكتب غيرها


2 - أشكر الأستاذ الكريم
محمود شاكر شبلي ( 2010 / 1 / 9 - 03:09 )
أشكر الأستاذ الكريم على تعليقه الراقي وأقتراحه المفيد ..وسأنظر به بعون الله ..
وأعتقد أن ألأسلام لايحتاج الى براهين وأدلة على أنه دين التسامح والتعايش .. ولو نظر السيد الكريم الى تاريخ العراق نظرة فاحصة لوجد أن التعايش السلمي بين أطياف الشعب العراقي الذي يشكل المسلمون فيه نسبة 90بالمائة لهو أوضح دليل على أن المسلمين يحترمون باقي الأديان ويتعايشون معها بكل رحابة صدر ...أما أن كنت تلمح الى أفعال التكفيريين وجرائمهم فأنت أكثر الناس تعلم بأنهم قتلوا المسلمين أولا ومازالوا .. وتعلم أيضا أن هؤلاء التكفيريين ..
هم أحفاد الخوارج الذين خرجوا عن الأسلام وحاربهم المسلمين ومازالوا يحاربونهم..
أما بالنسبة للشيخ الجليل فهو رمز من رموز التعايش والتوافق والألفة التي كانت ومازالت موجودة بين المسلمين جميعا عدا الخوارج التكفيريين

اخر الافلام

.. بيسان إسماعيل ومحمود ماهر.. تفاصيل وأسرار قصة حبهما وبكاء مف


.. إسرائيل تتوغل في جباليا شمالا.. وتوسع هجماتها في رفح جنوبا |




.. واشنطن: هناك فجوة بين نوايا إسرائيل بشأن رفح والنتيجة | #راد


.. الكويت ومجلس الأمة.. هل أسيء -ممارسة الديمقراطية-؟ | #رادار




.. -تكوين- مؤسسة مصرية متهمة -بهدم ثوابت الإسلام-..ما القصة؟ |