الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آليات التطرف والاعتدال في الإسلام

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2010 / 1 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بداية لا يشي هذا العنوان "الاستنتاج" أن الإسلام بات محشوراً في زاوية ضيقة، فإما أن يكون بسلوك أفراده رمزاً للتطرف أو للاعتدال، ولا خيار ثالث يمكن أن يتوسط بين هذين النقيضين.
فكما أن اعتدال بعض المسلمين ، هو في أساسه اعتدال سياسي أكثر منه ديني ، يتأتى في سياق ممارساتهم السياسية والاجتماعية وحتى الثقافية ، كذلك الأمر بالنسبة للتطرف ، الذي لا ينبغي أن يظهر إلا من خلال صورة السياسة ، ولو أنه غالباً ما يُرى على صورة الدين ، لارتباطه العميق بصورة الأشخاص (المسلمون) الذين يقومون بممارسته .
لطالما فهم الاعتدال في الإسلام على أنه اعتدال في السياسة ، فمن المحتم أن يفهم التطرف على أنه تطرف في الدين ، مع العلم أن التطرف والاعتدال نقيضان لا يلتقيان في الإسلام ، إذا ما أخذنا بفرضية عدم التقاء السياسي "الاعتدال" بالديني "التطرف" ، فإن هذه التوصيفات الجاهزة ، لا تعطينا حكماً قاطعاً ومبرماً حول حقيقة التطرف والاعتدال في الإسلام ، قدر ما تعطينا أحكام مسبقة يعوزها المنطق السليم.
وبالعودة إلى تحديد أسباب التطرف غير التقليدية المعمول بها أكاديمياً ، والتي تبين أنها لا تقنع أحداً ، بمن فيهم مطلقيها الغربيون ، لتبين لنا ثانية ، أن العلاقة السلبية بين دين وآخر، بفعل التراكمات والرواسب التاريخية العميقة بينهما ، تدفع نحو انتهاج منهج التطرف أكثر مما تدفع إلى الاعتدال ، والإسلاميين أنفسهم يقرون ذلك ، عندما تتناهى إلى مسامعهم خطابات سياسية تحمل في طياتها التبشير بحرب صليبية جديدة ، فإن ذلك سيدفعهم إلى أقصى درجات التطرف ، ليس دفاعاً عن دينهم وحسب ، بل عن كيانهم السياسي والديني في آن.
لا نشك لحظة واحدة ، أن للتطرف أسبابة الأخرى ، بل ومدارسه التي ينهل منها جملة الأسباب التي تدفع به نحو التطرف ، فالإنسان المتطرف ، ليس هو الإنسان المسلم ، وبالطبع ليس هو المسيحي ، لأنه لو كان هذا الإنسان المتطرف مسلماً ، لانعدم وجود نقيضه المعتدل ، سيما وأن الغرب يقر بوجوده ويسعى إلى دعمه والتعاون معه في شتى مجالات الحياة ، مثلما يسعى إلى محاربة نقيضه المتطرف .
كما أن الإسلام ، وهذا ليس دفاعاً عن أي مذهب أو عقيدة ، ليس كله على صورة واحدة ، فصورة المسلم الأوروبي تختلف اختلافاً عميقاً عن صورة المسلم الأفريقي أو الأسيوي ، وهو ما يطرح سؤالاً عميقاً ، لماذا يختلف سلوك المسلم الأوروبي عن نظيرة الأسيوي ؟ وأدل جواب نراه في صورة الإسلام الأوروبي الذي تمثله تركيا، مقابل صورة الإسلام الأسيوي الذي تمثله إيران، وبطبيعة الحال ليست المسافة التاريخية والجغرافية بينهما بعمق المسافة الشاسعة بين الشرق والغرب.
كل هذا يؤكد بصورة شبة نهائية ، أن تطرف الفرد المسلم أو الجماعة ، لا يرتبط ببقعة جغرافية معينة ، وإن ارتبط نتيجة لظروف سياسية راهنة ، فإنه لا يمكن أن يمتد تأثيره الأيديولوجي إلى البقاع الأخرى ، لأن التطرف لا ينتقل على هيئة أفكار ، بقدر ما ينتقل على صورة أفعال تترجم أفكارها على الأرض ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المسلمين هم الأكثر تضرراً من ذيول التطرف والتطرف المضاد ، فما يمارس على أرضهم من سياسات عالمية ، لها جملة اعتباراتها ومصالحها التي تتعدى الحدود ، وقد أسهمت في استيلاد ذلك الكم الهائل من الأفكار التي أنتجت في نهاية الأمر أفعالاً أقل ما يقال عنها أنها متطرفة ضد نفسها ، أي ضد محيطها المحلي ، وضد الآخر.
ولعل مكمن الخطورة العميقة يتمثل في التطرف المضاد الذي يستهدف الداخل قبل الخارج ، أو أنه يستهدف الخارج من خلال الداخل، كما حصل في باكستان على مدى العقود الماضية .
إن المعركة الأساسية اليوم لا تدور حول القيم والأفكار ، بين مَن يقدس ثقافة الموت ومَن يؤمن بثقافة الحياة ، إنما تدور رحاها ، بين مَن ينتهج نهج التطرف سبيلاً إلى إثبات الذات بالقوة، ومَن ينهج الاعتدال دفاعاً عن تلك الذات ، والإسلام بواقعه الراهن هو الخاسر الأكبر من جراء تلك المعركة غير المتكافئة.
فحقيقة أن الإسلام دين الوسطية ، لم تعد تقنع المسلمين أنفسهم ، فما بالنا بغير المسلمين ، أو من لا وصاية على عقله ، وبقدر ما يزداد حيز التطرف ، يتناقص حيز الاعتدال و يضمحل ، والعكس بالعكس ، فالعلاقة بين التطرف والاعتدال باتت علاقة طردية ، كما أنها علاقة واقعية تستقطب الإسلام بين جنباتها استقطاباً حاداً.
ناقل القول ، إن التطرف والاعتدال ، ظاهرتان سياستان أكثر منهما دينيتان ، فلهما شروطها السياسية اللتان يعملان في حقلها ، والتطرف كما هو موجود في السياسة لأسباب دينية ، موجود أيضاً في الدين لأسباب سياسية ، فكما أن السياسي يتطرف في سياسته عندما يتقرب من الدين ، كذلك الحال بالنسبة للديني الذي يتطرف في دينه عند اقترابه من السياسة .
من هنا نخلص إلى أن النصوص وحدها لا تولد التطرف آلياً، بل قد تدفع إليه بسبب تلك النصوص وأحكامها، فلو كان القرآن وحده ينضح بآيات العنف، فإن في الأديان الأخرى ما يزيد عنه أو يساويه في الدعوة إلى انتهاج العنف، فالصحيح أن العامل الديني عندما يتقاطع مع العامل السياسي ، يتولد التطرف من تلقاء نفسه ، وكلما ابتعد
أحدهما عن الآخر ، ساد الاعتدال بدل التطرف .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رأي
نارت اسماعيل ( 2010 / 1 / 10 - 02:49 )
برأيي إن مسألة الإعتدال والتطرف في الإسلام مرتبطان بمدى التزام الفرد أو الجماعة بتطبيق تعاليم الدين أي بالجرعة المأخوذة من الدين فكلما كانت الجرعة أقل (نموذج سوريا ولبنان) فإن الإسلام يبدو معتدلآ ومقبولآ ، بالمقابل كلما كانت الجرعة المأخوذة من الدين أكبر( طالبان، الصومال، السعودية) فإن الإسلام سيظهر عندها بشكله المريع المتطرف، وأنا لا أؤيد الكاتب بأن النصوص لوحدها لا تولد التطرف ، فنصوص القرآن متطرفة بشكل واضح تجاه المرأة وحقوقها وتجاه حقوق الطفل والأقليات
تحياتي

اخر الافلام

.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع


.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح




.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran