الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفتنة، من أيقظها ؟

جورج كتن

2010 / 1 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ادعت السلطات المصرية أن إطلاق النار على المصلين أمام أحد الكنائس في نجع حمادي هو حادث معزول وليس طائفي!! كما روج آخرون أنه انتقام من اغتصاب فتاة مسلمة في نوفمبر الماضي رغم أن الانتقام جرى بعد الحادث مباشرة إذ اندلع الشغب في نجع حمادي خمسة أيام متوالية أحرقت فيها ممتلكات للمسيحيين في المنطقة. كما أن الحادث الأخير أطلق سلسلة من أعمال الشغب وحرق الممتلكات من قبل الطرفين.
الحادث الأخير عمل مخطط له ارتكب عمداً لإرهاب الاقباط. وهو ليس الاول من نوعه إذ تعرضوا خلال السنوات الماضية للعديد من تعديات المتطرفين الإسلاميين، فيما السلطة المصرية تصر كل مرة على أن ما يحدث هو أعمال جنائية تواجهها بحلول أمنية، مثل نشر البوليس بشكل مكثف وإجراء اعتقالات أو منع التجول وغيرها.. وهي بذلك تدفن رأسها في الرمال لا تريد أن ترى حقيقة المسألة وجذورها في أن الأقباط، أكبر تجمع مسيحي في الشرق الأوسط، 7 - 8 مليون عدا 1.5 مليون قبطي مهاجر لشتى أنحاء العالم، يعانون من تمييز على خلفية انتمائهم الديني حيث يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية.
التمييز يجري في كافة المجالات ومنها حق بناء دور العبادة أو ترميم القائم منها، والتمثيل في المجالس المنتخبة والنقابات، وفي مجال التوظيف والإعارات والترقيات والإعلام والبث الفضائي، وحتى في المجال الامني حيث الجرائم المرتكبة بحقهم لا تلقى اهتماماً كافياً من الاجهزة الرسمية التي تضم بعض المسؤولين المتعاطفين مع الحركة الأصولية أو يخشون مواجهتها، والتاريخ القبطي القديم -600 عام- لا يدرس بشكل كاف في المدارس. وحتى في الاحوال الشخصية فالزواج بين المسيحي والمسلمة محرم فيما العكس ممكن، كما يكفر ويهدر دم من يغير دينه منتقلاً إلى المسيحية. والمسيحيون ممنوعون من التبشير السلمي بدينهم بعكس الدين السائد، رغم أن الدعوة لجميع الاديان وحرية الانتقال من دين لآخر والزواج المختلط، حقوق كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تتبناه السلطة المصرياً رسمياً.
مصر مثل معظم الدول في الشرق الاوسط دولة دينها ودين رئيسها الإسلام حسب الدستور، وليست دولة لكل مواطنيها على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم، سلطاتها فقدت دورها منذ زمن كطرف محايد يعمل لصالح جميع مواطنيها بشكل متساوٍ. وتفضل اتهام من يطالبون بوقف التمييز على أساس الدين بأنهم يتحركون وفق "مخططات أجنبية" لإحداث فتنة طائفية في البلاد.
لا يمكن إرجاع الفتنة الطائفية في مصر لأحداث فردية عشوائية أو تدخلات خارجية، بل يجب تحديد موقظها الحقيقي إذ هي نتاج ما سمي ب"الصحوة الإسلامية" في المنطقة عموماً التي أفرزت الإرهاب السلفي التكفيري الذي كفر العالم كله: "فسطاط" الغرب، مسيحيي المنطقة، المسلمين من المذاهب الاخرى –الروافض-، ومعظم السنة الذين ينددون بالتطرف. وقد اعتمدوا القتل العشوائي في أي مكان بالعالم كوسيلة أفضل لنصرة الدين القويم كما يأولونه.
لا يمكن لمنظمات الإسلام السياسي المسمى معتدلاً أن تنفض يديها مما يجري، فهي مسؤولة ولو فكرياً عن أجواء التطرف الديني السائدة، كما أن معظم الإرهابيين الاصوليين تخرجوا من صفوفها، وهي لم تفعل شيئاً لمواجهتهم كخطر داهم على المجتمع المحلي والعالمي وحتى على صورة الإسلام نفسه كدين متسامح. بالعكس فإنهم يصبون الزيت على النار إذ يفتون مثلاً بحرمة تهنئة المسيحيين بأعيادهم!!، وكان المرشد الإخواني السابق في مصر قد طلب تدفيعهم الجزية صاغرين ومنعهم من الخدمة في الجيش خوفاً من انتقالهم لصفوف العدو!! وصرح أن أي مسلم أفغاني أو باكستاني أو ماليزي.. أفضل من أي قبطي مصري كرئيس لجمهورية مصر!!
أقباط مصر ومسيحيي المشرق إلى جانب غالبية مجتمعات المنطقة بأديانها وقومياتها المختلفة وقعت بين سندان الانظمة الإستبدادية المدعية للعلمانية ومطرقة "الصحوة الإسلامية" ورأس حربتها مسلحي المنظمات الأصولية التي أعلنت "الجهاد المقدس" لنشر الحكم الديني بالعنف. ف"الأسلام هو الحل" شعار الحركة الإخوانية وشعار الإرهاب الاصولي، البديل المطروح للأنظمة الاستبدادية السائدة، لن يؤدي إلا لأنظمة مستبدة أخرى تستغل الدين والنصوص المقدسة لتبرير حكمها المطلق، كما يحدث حالياً من خلال السلطة الدينية في إيران التي نصبت فقيهاً كحاكم مطلق بديلاً لنظام الشاه الديكتاتوري.
الطرفان في تنافسهما على السلطة في مصر وغيرها من دول المشرق جعلوا من المواطنين ضحاياهم ورهائنهم وأهداف هيمنتهم، حيث السلطة تنافس الحركة الإخوانية على "أسلمة" المجتمع، والحركة الاصولية تدعي أن السلطة الراهنة كافرة ويجب إزالتها وأقامة حكم الإسلام الصحيح الذي يدعون تمثيله. وبين الطرفين يتعثر المسار الحقيقي لحل أزمات مجتمعات الشرق حيث "المواطنة المتساوية هي الحل"، و"حقوق الإنسان حسب الإعلان العالمي هي الحل"، و"العلمانية هي الحل"، التي تعيد الدين إلى مجاله الحقيقي كعلاقة فردية بين الإنسان وربه.
هل تسير مصر على طريق بناء دولة حديثة ذات دستور ديمقراطي علماني وسلطة منتخبة لا يتم توريثها بل تداولها تعمل لصالح جميع مواطنيها بلا تمييز، أم تتحول إلى دولة طالبانية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - معارك إلهاء وتحويل مسار
فيصل البيطار ( 2010 / 1 / 10 - 09:31 )
لدي قناعة سيدي أن هذه المعارك الوهميه أنما تجري بموافقة السلطه وترتيب منها ، هي حرف لمسار النضال عن وجهته الحقيقيه ، القتال يدور الآن بين أبناء طبقه كادحه واحده بدلا أن توجه جهودها نحو عدوها الطبقي في السلطه ، المسؤول عن جوعهم وعريهم وسكنهم في المقابر والعشوائيات ، هي في جوهرها معارك إلهاء وتخدير كمعركة كرة القدم إياها وغض الطرف عن المخدرات واباحة ألأفلام المثيره وغيرها من إبداعات أصحاب رؤوس الأموال ، كل التقدير لكم .


2 - نحية للكاتب والمعلق البيطار
نبيل السوري ( 2010 / 1 / 11 - 05:23 )
كلامكما صحيح 100% وهذا ما تفعله هذه الأنظمة الخطرة جداً على كل الشعوب النائمة تماماً
حيث هذه الأنظمة مستعدة أن تحرق الكون كي تستمر بالحكم، ثم توريثه
سوريا، السعودية، تونس، ليبيا، مصر، وكل المجموعة الفاشلة تتصرف بنفس الطريقة
إشعال الخلافات السخيفة مثل كرة القدم، والخطيرة للغاية مثل قبطي-مسلم في مصر، وعلوي-سني-شيعي في سوريا، وغيرها كثير عربياً هو أقذر ما تقوم به الأنظمة في سبيل البقاء ولو ربع ساعة إضافية في الحكم في سبيل النهب والسلب
يستعمل هؤلاء موالين قذرين، وأحياناً متخفين في ثياب معارضة، منهم من يدبج مقالات وتعليقات حتى على هذا الموقع الحر، وبأساليب شيطانية تصب في خانة إلهاء الشعوب وضربها ببعضها، ليتم النهب والتوريث بسلاسة وبدون مشاكل، حيث يصبح استمرار النظام هو الضامن لوقف الصراع الطائفي، أوحد أدنى ضبطه بحسب مقاس الحاكم
بقي أن نقول أن المفروض بالقيادات الواعية للأقليات أن تدرك ما ترمي إليه هذه الأنظمة وتتمنع عن تسعير الصراع، وأن تحاول ما استطاعت أن تخرج قضاياها للمحافل الدولية بحرفية وأصول، حيث لن تحصل على أي إنجاز بالتواطؤ مع السلطة أو تهييج مضاد لمشاعر أبنائها


3 - السيد نبيل السوري
فيصل البيطار ( 2010 / 1 / 11 - 20:37 )
أعتقد أنك قصدت وقف الصراع الطبقي وليس الطائفي .
تحياتي لك .


4 - السيد فيصل البيطار
سوري ( 2010 / 1 / 12 - 04:39 )
قصدت التناحر الطائفي
أتابع تعليقاتك، وأتفق مع أكثرها ومع نهجك العلمي
برأيي أن الأنظمة تعتاش على التناحرات، وتستخدمها لخدمة بقائها، مهما كلف ذلك من ثمن باهظ يدفعه الشعب والمجتمع لعقود طويلة

تحياتي

اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - علاقة الكاتبة ريم بسيوني بالصوفية عميقة جدا.. ش


.. السيسي وسلطان البهرة.. من هو زعيم الطائفة الشيعية الذي حضر ا




.. فنيش: صاروخ الشهيد جهاد مغنية من تصنيع المقاومة الإسلامية وق


.. الأهالي يرممون الجامع الكبير في مالي.. درّة العمارة التقليدي




.. 121-Al-Baqarah