الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فهد ...مسيح العراق ...وآخر الرجال الحقيقيين

كامل السعدون

2004 / 6 / 26
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


لم يعش العراق زمناً أبهى وأجمل وأصفى وأكثر عدلاً ونقاءٍ كتلكم السنين التي كان فيها الحقل للشيوعيين …. البيت للشيوعيين …سفح الجبل …للشيوعيين …مضارب القبائل الصحراوية القصية يغني البدوي فيها على الربابة …أغاني الشيوعيين …المقهى …كان لهم … سطح البيت الشعبي الفقير كان يضمهم …نساءٌ رجالٌ أطفال … يتناقلون بشغفٍ وحب وهمس بطولات الأنصار في يوغسلافيا … الصين … أمريكا اللاتينية …!
لم يعش العراق زمناً أكثر بهاءٍ من ذاك الزمن الذي قتله الفاشست …زمن الشيوعيين …!
كان زمن طفولة الإنسان العراق … زمن الظهور البهي للإنسان …في الإنسان …!
لحظةٌ مبهرةٌ تلك التي ارتفعت فيها لأول مرة قامة الإنسان…لقد ولدْ…. (هللويا ) …ولد الإنسان الأول …خرج وإلى الأبد من عصر الغابة …من ثوب قرد الغابة …انتصبت أصابعه المعقوفة التي كانت مخصصة للسطو وجمع القمامة …!!
ولد الإنسان في العراق …عام 1934 …بلا طبول… بلا ضجيج …بلا زغاريد …!
لا والله … لم يعش العراق صفاءٍ كصفاء الأعوام الثلاثين …بين الولادة …والذبح …!
من يذكر أعوام الثلاثينات والأربعينات والخمسينات و…اللعنة … حل الفاشست ليذبحونا … جاءت قريش الملعونة لتذبحنا …على هامش فلسطين لا بارك الله بها …!
من يذكر أعوام طفولة العراق …من يذكر ألق العراق قبل الغزو البربري العروبي …منْ ..؟
أيه …كم من الزهو عشنا …كم من الألف …كمْ …قبل أن تذبح تلك السنين الجميلة ويذبح العراق من الوريد إلى الوريد …!!
لم نكن نعرف لنا هويةٍ طائفيةٍ أو قبلية أو قومية …يا الله … من كان يسأل رفيقه عن دينه أو قوميته أو عشيرته …؟
غابت الهويات الجزئية الرخيصة التافهة العدوانية أمام الهوية الواحدة الوحيدة الجامعة …الشيوعية والوطنية العراقية …!
نساءٌ …وأي نساءْ …!
رجالٌ …ونعم الرجالْ …!
ما كان هناك فرقٌ بين الرجل والمرأة …مطلقاً …!
ما كانت هناك ..أهواء …شهوات …نزوات … فوارق …!
ورغم إن القصر كان لهم …فقد كان الشارع متألقاً بأنوار الشيوعيين …وما كانوا طامعين بقصر الحاكم …وما كانوا بحاجةٍ إليه …!
يكفينا الشارع …كانوا يقولون …يكفينا أن نعلّم …ونتعلم ...كانوا يرددون …!

****

فهد… لا أضن أن رجلاً فارساً أسطورياً ملأ خيال العراقيين لأكثر من نصف قرن …مثلك …!
فهد …يا مسيح العصر …أيها الرجل الحقيقي حد الدهشة …أيها الأسطوري حد الذهول …أيها المبهر الذي لم يلمعّه إعلامٌ ولا دولارات ولا أنصاف رجال يهزجون له ويقرعون الطبول …!
أيها الأسطورة التي أسرناها ولم تأسرنا …امتلكناها ولم تأخذ منّا شيئاً … وفارقتنا لتترك فينا بهائها إلى الأبد …!
فهد …مسيح هذا الشعب …مسيح ذاك الزمن العذب الذي لن يعود …!
فهد …ما انضممنا للحزب إيماناً بماركس أو لينين… لا … بل… إيماناً بك وعشقاً لك وإعجاباً بفكرك وصدقك وجمالك …!
فهد …عرفنا العالم من خلالك …وعرفنا أنفسنا من خلالك …وأحببنا العراق والبشرية جمعاء … من خلال حبك لنا وحبنا لك …!
أيه …أيها الألق البهي الذي لما يزل فينا حتى بعد نصف قرن … شيءٌ منه ومنك …!
أيه …أيها العراقي الحقيقي العذب …!
أيه …أيها الرجل …يا أول الرجال …وآخر الرجال …!
فهد …أول وآخر العراقيين الشرفاء …( ومن يدري ما إذا كان لما يزل هناك رجلٌ بمثل صدقك وحرارتك وجمالك وبهائك …! ) .
يا الله … كم من الوقاحة والخسّة والغش والرخص …عشنا بعدك …!
أجيالٌ …وأجيالٌ …أجيالْ …!
هامشيون …مسطحون … باهتون …مضللون …معتمون …ظلاميون …قتلة …قتلة ….قتلة …سفلة …!
هذا بعض نتاج العراق بعدك …!
ساسةٌ مقاولون …ساسةٌ مغشوشون يخلطون قمح اليسار بقش القومية برماد الماضي السلفي العتيق الوسخ …الظالم …!
عملاء … روحانيون مزيفون …تجار ( سكراب ) …عراقيون ليسوا بعراقيين … عراقيون بلكنةٍ شامية … نبطية … يمنية …إيرانية …أفغانية …!
عراقيون لم يعشقوا العراق بعد …عراقيون هواهم في بيت المقدس …لا بيت النهرين …!
عراقيون …مرجعياتهم …هناك في أزقة خان الخليلي… في سوق الأحمدية …في…دبي …في …اللعنة …كم من القبح عشنا بعدك …!
عراقيون بلا حلم …بلا هدف …بلا عشق … بلا وعي …!
تيهٌ …تيه …تيه …لف العراق بعدك …!
وتيهٌ قادم …ننتظره بعدك …ومن أين لنا بك …بوجهك …بكلماتك…!
فهد …أيها الخالد الذي قدم لنا الماركسية على صحن ( فافون ) عراقي …!
أيها الخالد …يا مسيح …يا حسين …يا حلاج …يا رجلٌ …ولا كل الرجال …!
فهد …ما كانت الماركسية أيقونةٍ في كوخه …ما كانت صليباً يتدلى من جيده …!
كان منّا وفينا …وبيننا …كان كل ما يحمله ونحمله …حلمٌ بهيٌ جميلْ ….بتبادله …نناقش تفاصيله … نبكيه ونضحكه و…نعود لنحلمه …وكانت النظرية لا أكثر من دليل …هكذا قال لنا …!
فهد …الفارس الأسطوري الذي مزق غشاء الخرافة وحرر الوعي وأنهض العقول التي كانت راكدةٍ غائمةٍ …نائمة …!
حين كان وعائنا جميلاً …نقياً نظيفاً …أحسنت أمهاتنا غسله وتطهيره على ضفة الغراف والكحلاء وسدة الهندية …نضح هذا الوعاء …فهد …!
أيه يا فهد …أيه يا شيوعيون …أيه …يا يسار …يا يسار … ذبحه الروس والأمريكان والسلفيون و….التاريخ … وحركة التاريخ الالتفافية الدورانية …التي تفاجئك من حيث لا تدري …من أمامك …خلفك …تحتك …وإذ بك تجد نفسك …عاجزاً حتى عن لهاث ما قبل الاحتضار …!

*****

لا أدري منذ متى بالضبط سقطت في الجب … جب الكآبة …الضمور … الموت المؤجل !
… ربع قرن …ثلاثون …ربما …!
أذكر اللحظة … كان مساءٍ عاصفاً (بريح الشرجي ) من أمسيات صيف البصرة … كنت فتياً …صغيراً …متألقاً …عاشقاً …عيون فهد …وعينا أبنه عمي …!
كان يقودني أبي حيناً …..وأجرّه أحياناً والطريق …. طريق ( الأبلة ) ، والحبيبة هناك …في بيتٍ من بيوت عمال الأبلة … عمي …!
كان وجهك يا فهد يتألق فيّ رغم إنك كنت قد بارحتنا منذ ما يفوق العشرون … وكانت عيناها تبادلان عينيك المواقع …وبرهةٍ أنت وأخرى هي …والطريق طويل …بين الأبلة وخمس ميل …!
فهد …كان أول سؤاله عنك …عنك الذي يسكنني :
- ألا زال زنديقاً يصاحب المسيحيين والصبّة والشيعة …ويشرب الخمر ويكفر بالله ؟
- لا يمكن ( تابع ) لا مكان له عندي إلا إذا …صار بعثياً …وأنا من سينظمه …( والتفت لي …) …تعال غداً …لتقرأ القسم …ويوم الخميس سيكون الزفاف …( وأطلق ابتسامة صفراء وهو يمد يده لأبي ويهمس باعتذار زائف …صدقني …من أجل مصلحته …الحزب معناه …منصب وهو مثقف وأمامه مستقبل عظيم …والله لأجعله محافظ أو …)…!
- تركتهما وانسحبت …فتحت باب قبوي الداخلي ولم أخرج إلا ….حين ركل الأمريكان تمثال الفأر بجزماتهم المباركة …!
أيها الحبيب فهد …أيها الخالد …ستظل كما المسيح …حلمٌ …لم نشبع منه بعد ولن نكف عن …أن نحلمهْ …!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة خاصة مع رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودا


.. ارتباك في فرنسا مع انطلاق الجولة الثانية للانتخابات.. واليسا




.. شرطة نيويورك تقمع بالضرب متظاهرين داعمين لغزة


.. الشرطة الإسرائيلية تستخدم مضخات الماء لتفريق متظاهرين طالبوا




.. بريطانيا.. الحكومة الجديدة تعقد أول اجتماع لها عقب الانتصار