الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نحن بحاجة إلى النقد؟

زهدي الداوودي

2010 / 1 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تفاديا للالتباس ينبغي أن نؤكد بأن المقصود بالنقد في هذا الصدد ليس النقد الأدبي، بل نقد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية الخ. وحين يتطرق الإنسان إلى هذه القضايا ويتناولها بعين ناقدة لا يمكنه أن يعزلها عن السلطة السياسية، إذ هناك علاقة عضوية وجدلية بين تلك الأوضاع والسلطة. وفي هذه الحالة نرى أن المجتمع بعلاقاته المتشعبة والسلطة بجهازها الإداري، يشكلان عملة واحدة بوجهين، يؤثران على بعضهما ويتأثران ببعضهما. وأن أي عزل بينهما يؤدي إلى الخلل والتصدع فالانهيار. وبالتالي فإن نقد تلك الأوضاع، سواء شئنا أم أبينا، يشمل السلطة أيضا.
وإذا جاء النقد من المجتمع، فإن على السلطة السياسية أن تكون آذانا صاغية وتأخذ كل ملاحظة، مهما كانت صغيرة، بجد واهتمام وبنظر الاعتبار. كما وأن السلطة السياسية لها الحق أيضا أن توجه النقد إلى المجتمع إذا كان مقصرا في أداء واجباته المطلوبة وعدم تمسكه والتزامه بالقوانين الجارية. وكما أن للمجتمع أساليبه وحقوقه في فرض إرادته، عند تمادي السلطة في تحقيق حقوقه ومطالبه العادلة، مثل اللجوء إلى التظاهر أو الإضرابات، فأن للسلطة أيضا حقوقها وأساليبها في معاقبة الخارجين على القانون. وإذا علمنا أن القانون هو السلطة القضائية، فإن كلا وجهي العملة متساويان أمامه. لا المجتمع يحق له التمرد على القانون ولا السلطة يحق لها الخروج عليه.
إننا في هذا الصدد نتكلم عن العلاقات في مجتمع ديمقراطي عادل ببرلمان منتخب بطريقة ديمقراطية صحيحة وليس عن مجتمع تحكمه طغمة دكتاتورية أو فئة لا تفهم من الديمقراطية سوى كونها أداة للقفز إلى السلطة والاحتفاظ بها بكل الوسائل الدنيئة. ولما كانت التقاليد الديمقراطية جديدة علينا، ولم نستوعبها بعد بالشكل المطلوب، لذا يحلو للبعض منا أن يفسره بالشكل الذي يريده أو تتطلبه مصلحته. وبعد أن كان هذا البعض ضحية نظام دكتاتوري لعقود طويلة، يتحول هو بقدرة قادر إلى جلاد. وبعد أن كان لا يحق له فتح فمه، يحول النقد إلى معول ليضرب به هذا وذاك أو ليشنع بخصومه ويقذفهم بما خلق الله من النعوت، كل ذلك باسم الديمقراطية والحرية. إن الخروج على قواعد الديمقراطية بهذا الشكل السائب إن دل على شئ، إنما على تخلف المجتمع وضعف السلطة أو انعدامها. فالسلطة أو الدولة، كما يقول العالم الألماني هيجل، إله يمشي على الأرض. وهذا الإله بطبيعته يكون رحيما، ولكن ثمة حدود لرحمته، إذ أنه يتمكن من تسليط النار على من يشاء. ولكي يتمتع المجتمع برحمة هذا الإله، ينبغي أن يكون واعيا لقضيته ويفكر في العطاء قبل أن يفرط في الأخذ.
ويعلمنا التاريخ أن السلطة يمكن أن يخرج من كونه "إله يمشي" على الأرض، ويتحول إلى شيطان مستبد يقطع الأعناق لسبب أو دون سبب، فيحول حياة المجتمع إلى جحيم لا يطاق. وهذا يحدث عادة عندما يسكت المجتمع عن توجيه النقد إلى السلطة، سواء خوفا أم نفاقا أو لأي سبب آخر، إذ ذاك يفقد القضاء استقلاليته وقوته، وبهذا الفقدان ينهار المجتمع والدولة، ذلك أن الضغط - كما يقال – يؤدي إلى الانفجار. وتجرف الثورة كل شئ. إذ ذاك تحتاج وحدة المجتمع والدولة إلى حقبة غير قصيرة لاستعادة بناء نفسها. ولربما لن يتحقق هذا الحلم، بل يؤدي إلى زوالهما معا. وهناك أمثلة كثيرة في التاريخ سواء القديم منه أم الحديث. إن انهيار تلك الإمبراطوريات والحضارات قد أثبتت أن لا قدسية للحدود الدولية. وأنها ليست مطلقة أبدا.

إن المحاسبة إذن بين وجهي العملة الواحدة، المجتمع والسلطة، يمكن أن تكون قاسية وليست جارحة أو هدامة، ولكن ينبغي أن تكون في مصلحة المجتمع. وإذا أدت هذه المحاسبة إلى تقوية المجتمع ورفع شأنه، فإنها إنما تقوية للسلطة نفسها، ذلك أن السلطة في النظام الديمقراطي، هي جزء عضوي من المجتمع. ولا شك أن الدولة، في حالة إهمال المجتمع لها وعدم كشف عيوبها، لا يمكنها الاطلاع على عيوبها، وهكذا ينخر فيها الفساد ويصاب بالركود.
إن للنقد مقاييسه وأخلاقه وقواعده، إنه ينبغي أن يكون جريئا وبناءً، واجبه هو الكشف عن إهمال مقيت أو عطب أو فساد أو تقصير واجب أو إلحاق الأضرار عمدا بممتلكات الدولة والخ. إن التشهير والطعن في الأشخاص ليس نقداً ولا يخدم الغرض بقدر ما يخلق الحزازات وينثر الغبار على المشكلة المطروحة. إن النقد الصحيح يكمن في عرض المشكلة بكل تفاصيلها وخلفياتها ووضع المقترحات لحلها.
وعند ممارسة النقد ينبغي أخذ الظروف الذاتية والموضوعية للوضع المعني بنظر الاعتبار. إننا إذا أردنا توجيه النقد إلى بعض الممارسات السلبية والخاطئة في الحكومة مثلا، ينبغي علينا مراعاة ما يأتي:
1- إن الشعب العراقي بمختلف أطيافه يقف أمام تجربة جديدة يمارسها لأول مرة في تاريخه الطويل. وأن عليه أن يحافظ عليها كحفاظه على حدقتي عينيه. أي أن المنطلق يجب أن يكون صيانة هذا المكسب الذي هو النظام الاتحادي الفدرالي الديمقراطي ووحدة الوطن.
2- أن الوعي الوطني، نتيجة لظروف قاهرة معينة، لم يتبلور بعد بالشكل المطلوب، ذلك أن العلاقات العشائرية والحزبية الضيقة والطائفية ما زالت لها اليد الطولى، بيد أنها في طريق الاضمحلال ليحل محلها الوعي الوطني. أي أخذ الظروف الموضوعية والذاتية للمجتمع بنظر الاعتبار.
3- إن صيانة مكسب الفدرالية والحفاظ عليه، كما قلنا، يشكلان المسألة المصيرية ولذلك يقفان في الصف الأول بحيث أن ذلك يكون على حساب التطور الزراعي والصناعي والخدمات.
4- عندما يجري الحديث عن تسخير كل شئ في خدمة الملف الأمني الذي هو بمثابة الهواء للمجتمع، ينبغي أن لا يكون ذلك على حساب قوت الشعب والجماهير الكادحة.

ولا شك هناك عوامل أخرى ينبغي مراعاتها، بيد أن ذلك كله لا يبرر إهمال مستلزمات وضع خطة متكاملة من أجل تطوير الزراعة والصناعة، للاكتفاء، على الأقل، ذاتيا حسب الإمكانات المتوفرة، ولا سيما إذا علمنا أن العراق يستورد كل شئ من الخارج. هنا تكون وظيفة النقد وضع الحلول العملية لتطوير الصناعة والزراعة والقضاء على البطالة ومكافحة الارهاب. وليس إسقاط النظام القائم والاتيان بالسلطة الاستبدادية البائدة.
النقد إذاً ليس معولا للهدم، بل لكشف الحقائق و دفع عملية البناء إلى أمام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة حاشدة نصرة لفلسطين في ساحة الجمهورية وسط العاصمة الفر


.. أصوات من غزة| أثمان باهظة يدفعها النازحون هربا من قصف الاحتل




.. واشنطن بوست: الهجوم الإسرائيلي على رفح غير جغرافية المدينة ب


.. إندونيسيا.. مظاهرة أمام السفارة الأمريكية بجاكرتا تنديدا بال




.. -مزحة- كلفته منصبه.. بريطانيا تقيل سفيرها لدى المكسيك