الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نمنع أحداث نجع حمادي في المستقبل ؟

عصام عبدالله

2010 / 1 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مع تصاعد وتيرة الأحداث الطائفية المتكررة منذ الخانكة‮ ‬1972‮ ‬وحتي نجع حمادي‮ ‬2010،‮ ‬أصبح السؤال هو‮ : ‬ما السبيل إلي منع تكرار هذه الأحداث الطائفية المؤسفة مرة أخري،‮ ‬والتي أصبحت تهدد التماسك الاجتماعي في مصر في العمق ؟‮ ‬

لقد عمدت المؤسسة الدينية من خلال‮ (‬دور العبادة والتعليم والإعلام‮) ‬منذ السبعينيات من القرن العشرين إلي‮ ‬تديين‮ ‬كل شيء في المجتمع المصري،‮ ‬عن طريق تحويل‮ ‬أنصاف الاعتقادات‮ ‬عند الناس إلي‮ ‬اعتقادات تامة‮‬،‮ ‬ومن ثم صار الميل إلي تطبيق التصورات الدينية،‮ ‬في جميع الأوقات وعلي كل الأشياء،‮ ‬مظهراً‮ ‬عميقاً‮ ‬لحياة التدين والقداسة‮.

‬ علي أن هذا الميل نفسه‮ ‬،‮ ‬بصفته ظاهرة ثقافية،‮ ‬انطوي علي أخطار لا حصر لها،‮ ‬نظراً‮ ‬لان الدين ينفذ في داخل كل ما في الحياة من علاقات،‮ ‬ما يعني مزجا متواصلا لمضماري المقدس والمدنس،‮ ‬بحيث أن الأشياء المقدسة أصبحت أكثر انتشاراً‮ ‬من أن تدرك وتحس بعمق‮. ‬ويدل التنامي الذي لا حد له للمحرمات والتابوهات وانتشار الفتاوي والتفسيرات الدينية علي زيادة في‮ ‬الكم‮ ‬علي حساب‮ ‬الكيف‮ ‬نفسه‮ ‬،‮ ‬وهو ما جعل الدين مثقلاً‮ ‬أكثر مما ينبغي‮ ‬،‮ ‬بينما تراجعت القيم الأخلاقية‮ - ‬بشهادة الجميع‮ - ‬إلي أدني مستوي لها‮ .

‬ وكما حدث الانفصال بين ممارسة العبادات والواقع المعاش،‮ ‬تحور فيروس‮ ‬التفكيك‮ ‬وأصاب العلاقة بين النص الديني نفسه والواقع اليومي أيضا،‮ ‬وهي معضلة تجسدها درجة الإقبال المحموم علي الالتزام الديني الشكلي من طقوس وشعائر في مختلف مظاهر الحياة اليومية،‮ ‬مقابل زيادة جرائم الشرف والتحرش والاغتصاب،‮ ‬ناهيك عن الممارسات اللا أخلاقية التي تنتهك كرامة المواطن المصري يومياً‮ ‬كالرشوة والاحتكار والمحسوبية وغياب المسئولية وضياع المهنية والكفاءة‮ .‬

وسط هذا المناخ المشبع بالحساسية الدينية أو قل الهوس الديني،‮ ‬ينعدم التمييز بين التقوي الحقة والمظاهر الدينية‮ ‬،‮ ‬بين الأشياء الروحية والأشياء الزمنية‮ ‬،‮ ‬فإن أمكن رفع جميع تفاصيل الحياة اليومية‮ "‬العادية‮" ‬إلي مستوي‮ (‬مقدس‮)‬،‮ ‬فإن كل ما هو‮ (‬مقدس‮) ‬وبالقدر نفسه يغوص منحدراً‮ ‬الي مستوي الأشياء العادية،‮ ‬بحكم اختلاطه بالحياة اليومية‮ .

‬وكأن الخط الفاصل بين الأشياء الروحية والزمنية يكاد ينعدم‮ ‬،‮ ‬وعندئذ تختلط شهوة الاستشهاد والشهادة بشهوة سفك الدماء‮ ‬،‮ ‬وتصبح الجماهير لديها قابلية شديدة للثوران فجأة‮ ‬،‮ ‬إلي درجة لا مثيل لها من الانفعال الديني‮ ‬،‮ ‬تلبية لكلمة متحمسة تصدر عن واعظ هنا‮ ‬،‮ ‬أو إشاعة مغرضة من خطيب هناك‮ ‬،‮ ‬وهو ما حدث ويحدث مع كل فتنة طائفية في مصر‮ .‬

ما يحدث اليوم‮ ‬،‮ ‬وعلي جميع الأصعدة‮ ‬،‮ ‬داخل المجتمع المصري‮ ‬،‮ ‬يؤكد أن‮ ‬الانتماءات ما قبل الوطنية‮ ‬هي التي تسعي إلي فرض علاقتها بالدولة‮ ‬،‮ ‬وهو ما يهدد ما بقي من كيان الدولة الوطنية في الصميم‮ ‬،‮ ‬ليس علي مستوي الانتماء الديني فقط،‮ ‬لأن الجسد الاجتماعي المصري يعاني من أعراض فيروس‮ " ‬التفكيك‮ " ‬الذي أصبح قابلا للتحور دائما‮ ‬،‮ ‬علي أكثر من صعيد‮ . ‬

المشكلة الأساسية التي تواجهنا بعد قرنين كاملين،‮ ‬من تأسيس الدولة المدنية الحديثة علي أيدي محمد علي‮ ‬،‮ ‬هو أننا لم نحسم التساؤل الجوهري حول طبيعة هذه الدولة في عصر العولمة وما بعد الحداثة السياسية‮ ‬،‮ ‬وما زلنا حائرين في ماهية تلك الدولة وهل هي حقا مدنية،‮ ‬أم دينية‮. ‬وحين يتوه الجميع في دوامة خلط المفاهيم يصبح المخرج الوحيد هو‮: " ‬دولة مدنية ذات مرجعية دينية‮ "‬،‮ ‬أو دولة دينية ذات‮ ‬غلاف مدني‮ . ‬وفي كل الأحوال تنتعش المؤسسة الدينية في مصر‮ ‬،‮ ‬وتلعب أدواراً‮ ‬مركبة ومتعددة في الحياة العامة،‮ ‬وتتدخل بدرجات متفاوتة في العمل السياسي العام‮ ‬،‮ ‬وتدلي بدلوها‮ ‬،‮ ‬عبر الفتاوي والعظات العامة في أمور مدنية بحتة‮ .‬

هذه الحالة الفريدة التي هي أقرب إلي‮ ‬دولة شبه مدنية‮ ‬أو بالأحري‮ ‬دولة شبه دينية‮ ‬،‮ ‬لا تحافظ علي‮ ‬العقد‮ ‬الاجتماعي بالمعني الحديث وإنما‮ ‬تمزقه‮‬،‮ ‬فما نعايشه اليوم في المجتمع المصري هو حالة من‮ (‬الفوضي القدرية‮) ‬،‮ ‬تتمثل في تجاور كيانات منفصلة ومنعزلة في مطلع الألفية الثالثة‮ ‬،‮ ‬وهي تنتمي ثقافيا واجتماعيا إلي عصور شديدة التباين والاختلاف‮ ‬،‮ ‬بعضها ينتمي إلي العصر الجاهلي وبعضها الآخر ينتمي إلي الحداثة المشوة والبعض الثالث ينتمي إلي ما بعد الحداثة المنقوصة‮ ‬،‮ ‬وهذه الفوضي القدرية بحاجة ملحة إلي مشروع سياسي وطني عاجل‮ ‬،‮ ‬وعقد اجتماعي جديد ينظم التعايش وليس‮ (‬التجاور‮) ‬،‮ ‬ويقوم علي مبادئ التسامح والديمقراطية الليبرالية‮ ‬،‮ ‬والاحترام المتبادل بين المختلفين دينيا وسياسيا وفكريا،‮ ‬الذين يشكلون نسيجا واحدا،‮ ‬ويعيشون في وطن واحد‮.‬











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بالقانون ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 1 / 13 - 15:52 )
بالقانون تصطلح البلدان ... وأقصد ليس القانون الذي يعزف به في الملاهي في الليالي الملاح وفي النهار يحاسب به المكسوري الجناح ... بل القانون الذي يحاسب الامير قبل الحمير ...!؟


2 - لا اعتقد أن هناك أى أمل فى منع هذه الاحداث
نانسى كمال ( 2010 / 1 / 13 - 20:06 )
ياسيدى لن نستطيع ان نمنع مثل هذه الاحداث الهمجيه مهما حاولنا طالما ظل هناك بند دستورى يقول ( لا يؤخذ مسلم بدم كافر ) .. وطالما ظل الدين الاسلامى متواجداً بنصوصه وشرائعه التى تهين الاخر وتحط من قدره وانسانيته وتستبيح ماله وعرضه ودمائه ..... تفضل هذا هو اقل شئ يدعو اليه الاسلام .......قوله تعالى

- قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد ...وهم صاغرون


فماذا تنتظر بعد ذلك؟؟
وهل لازال لديك أى أمل فى الاصلاح أو منع هذا الاحداث الهمجيه؟؟




3 - تعليم المسلم
Zagal ( 2010 / 1 / 14 - 02:12 )
اضافه لكتابة الاستاذه نانسى

تعليم القيم والاخلاق والشهامه والوطنيه التى لاتوجد فى القران ..
تعليم الناس احترام الاخرين من صغير الى كبير .
استعادة الحب الذى ضاع من خلال التدين الشكلى.
تعليم المسلم ان الانسان ليس له سلطه على انسان اخر من حيث المعتقد او المظهر
سجن كل من يتفوه بانتقاد العقائدالاخرى والاهتمام باعتقاده الخاص فقط ...

الدين لله والوطن للجميع والتى اصبحت نكته ... لابد من نشرها باخلاص فى سبيل نهضة البلد

اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه