الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما قاله الريسوني في الخمر

أحمد عصيد

2010 / 1 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليس ما قاله الريسوني في الخمر هو ما قاله مالك، فشيخنا المغربي كان أرحم بهذا المشروب السحري من شيخ الحجاز، لكنه بالمقابل لم يكن لطيفا مع غيره من المواطنين الذين لا ذنب لهم إلا أنهم مختلفون عن فقيه "التوحيد و الإصلاح"، الرجل الذي يمارس السياسة بـ"الدعوة"، بينما هؤلاء المواطنون في معظمهم بُرآء من السياسة و أهلها و لا يريدون إلا أن يعيشوا في سلام مع العالم، باقتناص لحظات جميلة من لحظات الحياة الفانية، لعلمهم بأنهم فيها عابرون.

و لأن جلّ العلماء و الفقهاء هم أهل أدب و ظرف، فلا شك في أن للسيد الريسوني نصيبه من الأدب الذي يمكنه من معرفة معنى المنادمة و آدابها، و ما فيها من متعة روحية و حسية نادرة، و ما تجلبه للنفس من ترويح و إحساس بالحياة، و يكفيه أن يلقي نظرة سريعة على ما خلفه شعراء العربية الكبار منذ عصر ما قبل الإسلام ـ المسمى خطأ بـ "الجاهلية"ـ إلى منتصف القرن الماضي، من طرفة بن العبد عبر أبي نواس و العباس إلى شوقي و الجواهري و أبو ماضي. و إن استنكف من ذلك اكتفى بأشعار الصوفية في "السكر" و "الحب" و "الفناء" ، (أقول هذا لأنني أعلم بأن مرجعية الإسلاميين في الثقافة و الأدب مشرقية شرقانية، و إلا لكنت حدثته عما في الشعر الأمازيغي و شعر الملحون من مُلح و لطائف في هذا الباب)، و غرضنا من ذلك أن يشعر بعض الشيء بما يعيشه أهل "الشراب" من متع و مباهج فيلين قلبه و يجد لهم بعض العذر فيما هم فيه، و يكون أقل عبوسا و قسوة عليهم.

لكن السيد الريسوني اختار أن يلعب دور الفقيه حارس القيم التقليدية، و هو للحقيقة دور متعِب غاية التعب، و مجلبة للغمّ و الحَزَن لما فيه من تصادم و عراك مع الواقع، الذي لم يعد يُروّض بالفتوى.

قال الداعية المغربي إنه يخوض في الأمر لأن من الناس من سأله و استفتاه عن الخمر و بيعها و مدى جواز التسوّق و التبضّع من محلاتها، و لست أدري لماذا يتصل الناس بالفقيه يسألونه في أمور معلومة مشهورة لا تحتاج إلى استفسار و لا إلى مزيد إيضاح، و إن كنت أتفهم حرص الفقيه على التفصيل فيها و تكرارها التكرار الممل ، لأنه يشعر في ذلك ببعض الأهمية التي تسمح له باستعادةٍ و لو شكلية لوصاية فقدها على المجتمع العصري، بعد أن خرجت الأمور من بين يد "أهل الحل و العقد" و صارت شأن أطر الدولة و أهل السياسة المدنية من العارفين بدواليب الإدارة العصرية الحديثة، و الذين ليس الفقه من اختصاصهم و لا هو من مرجعياتهم في العمل و التفكير.

و أودّ من باب تعميق النقاش، أن أذكّر بأمور يبدو أن فقهاءنا لم يستوعبوها بعد، مما جعلهم لا يتواصلون مع غيرهم من المثقفين و السياسيين و الفنانين ، و هي أمور ترتبها على الشكل التالي:

1) يتحدث فقهاء الإسلاميين بشكل قطعي كما لو أن آراءهم بمثابة التدابير التي ينبغي أن تتبناها الدولة و تعمل بها، و قد غاب عنهم أنّ مناقشة قضايا الأحكام الدينية في الأمور التي تقع في منطقة التماس مع الحياة العامّة و حقوق الأفراد في مجتمع اليوم، لا يمكن أن تنحصر في مجال المرجعية الدينية التي يعتمدونها، كما لا يمكن لها أن تظل من اختصاص الفقيه إلا عندما يتعلق الأمر ببحث أكاديمي علمي، أو عندما يصبح الدين محصورا في المجال الخاص، أي حياة الأفراد و اختياراتهم الشخصية، أما عندما نقحمه في الشأن العام، و نطرحه على أنه شأن الدولة، و نسعى إلى تعميم أحكامه على الجميع، فسيصبح من المستحيل بقاؤه من شأن "أهل الإختصاص"، لأن جميع الأطراف ملزمة بأن تدلو بدلوها فيه لأنها معنية.

و هكذا يصبح الدين شأن الفيلسوف و السوسيولوجي و الأنثروبولوجي و السياسي و الفنان و الفاعل الجمعوي و غيرهم، و عندما يخوض هؤلاء جميعهم في الدين، فلا ينبغي للفقيه أن ينتظر منهم تكريس مقاربته للدين و تبني منظوره الخاص له، أو بقاءهم في حدود مرجعيته الدينية التي تصبح هنا مرجعية من ضمن أخرى كثيرة. و هكذا ننتقل من المطلق إلى النسبي في الدين نفسه، لأن أصحابه أخرجوه من دائرة الإيمان و الإعتقاد الشخصي إلى مجال السياسة و الشأن العام، و معلوم أن كلّ ما يتداول في هذا المجال يدخل في باب النسبي لأنه يُختلف في شأنه و يصبح موضوع أخذ و ردّ .

2) إن مشكلة الخمر و غيرها من الأمور الدينية ليست مشكلة معرفة أو إرشاد، بل هي مشكلة نظام الدولة و قوانينها، كما أنها مشكلة قيم تقليدية تريد الإستمرار في وسط إعصار من التحولات المتتالية. و هذا ما يحاول أن يتجاهله الفقهاء و الإسلاميون و السلفيون عموما لأنه ليس في صالحهم، و لهذا تأتي فتاواهم مناقضة لاتجاه الواقع، و أن كانت استجابة لبعض السائلين من المواطنين الذين يعانون من اضطراب في علاقتهم بالواقع، بسبب وقوعهم فريسة للتعنيف الوعظي الشرس الذي يمارسه بعض الدعاة.

3) إن محاولة الفقيه و الإسلامي نزع الشرعية عن آراء الغير، و تبخيس الحقوق الفردية و ربطها بالإباحية أو بالفتنة و الفوضى يعبر عن محدودية الفكر الديني السلفي و عدم قدرته على تقبل الواقع، الذي لم يعد في جميع الأحوال هو نفس الواقع المتخيل الذي يعتمده الفقهاء و الإسلاميون في حديثهم عن الدين و أحكامه أو عن المجتمع، و مشكلة هؤلاء تتمثل في أنّ وصايتهم على المجتمع لا تتحقق إلا على حساب غيرهم، أي عبر تجاهل حقوق الأفراد و كل المرجعيات القانونية و الحقوقية الداعمة لها وطنيا و دوليا، و هو أمر له تبعات سلبية لا تستطيع الدولة تحملها بسبب استحالة العودة إلى الوراء. و بالمقابل فتهديد الإسلاميين بـ"الفتنة" في حالة إلغاء القوانين الماسّة بالحقوق الفردية و المتعارضة مع دستور البلاد كما صرّح بذلك لحسن الداودي، يشير إلى جوهر الفرق بين الإسلاميين و الديمقراطيين الحداثيين، فليس لدى هؤلاء ما يهدّدون به لأنهم أصحاب برهان و منطق، و ليس لدى الإسلاميين ما يحاججون به غير الوعيد و التخويف و الترهيب، و هكذا لم يساهموا في إخراج الدين من وضعيته القديمة، و ضعية الآلية المعتمدة في الإستبداد السلطوي و الحجر على المجتمع.
إن ارتباط الإسلام على مدى قرون طويلة باستبداد الدولة و غطرسة الحكام قد جعل من الصعب نزع الطابع السلطوي عنه، و الحال أن ذلك هو الحلّ الوحيد لملاءمته مع العصر الذي نحن فيه، عبر عملية " أنسنة" لمحتوياته و نصوصه أصبحت ضرورية، و هو ما من شأنه إنقاذ التعليم العصري من السكيزوفرينيا، و تأهيل الأجيال الجديدة لفهم الرهانات الحقيقية للحداثة و التحديث. و إذا كان لا يبدو على السلطة نيتها في التغيير على هذا المستوى فليس ذلك بسبب خوفها من الفتنة، إذ يمكن للدولة تأطير المواطنين و تربيتهم على احترام القوانين الديمقراطية، و حماية الناس من اعتداء المرضى و المهووسين و تلك مهمتها، و إنما مشكلة السلطة هي حرصها على اللعب على الحبلين و ضمان استمرار استغلال الدين في السياسة، الذي يضمن وحده الحفاظ على الطابع التقليدي للحكم، و حماية مصالح دوائر النفوذ التي تعتبر أي تغيير تهديدا لها.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جرئة ابناء الألفية الثالثة
امـــازيغ ( 2010 / 1 / 15 - 12:43 )
ايها الأستاذ المحترم يجب ان نجهر و بكل جرئة ان الدين الأسلامي هو سبب تخلف الشعوب التي فرض عليها بالسيف و بالتالي دون اية مراوغة و تليين المواقف تجاهه في مخاطبة اهله يتعين توجيه الضربات المفندة له بكل ما يسعفنا العقل من طرق فالتسليم بصحته و لو ضمنيا انما هو امر مضر و لا يفضي الا الى الفشل في مواجهتهم طبعا انه دين محمي بقوانين و هذه القوانين هي الواجب النظال من اجل الغائها للأبقاء عليه امرا شخصيا على الأكثر فهذه الخرافات و الأصاطير يتعن تخليص اخينا الأنسان منها سيما و انت تعلم اننا ابناء الألفية الثالة التي لا تقبل لغير العقل بديلا.اتسائل يا استاذ كيف يعقل ان ينص نظام في اسمى قانونه على ان الدين الرسمي للبلاد هو الأسلام؟ اليس هذا فرضا قسريا لهذا الدين على الفرد دون ارادته سيما و انت تعلم ان دساتير انظمة الشعوب التي تنص على ما ذكر انما هي دساتير ممنوحة غير دموقراطية كما ان غالبية المستفتين بشانه هم اميون لا يعلمون شيئا و لو على لفظة دستور.اعتقد جازما يا استاذ ان النضال يجب ان ينصب على اخراج نقد هذا المعتقد من دائر الطابوهات و توجيه السهام الهدامة اليه لا مجال لمهادنة اهله لا مقدس


2 - الاجتهاد
ابراهيم المغرب ( 2010 / 1 / 15 - 23:03 )
احب هدا المحرم واجد متعة لا تقاس اثناء تناوله واكون لطيفا جدا ولا اودى احدا لان القانون فوق الجميع فلمادا احرم من هده النعمة ان الانواع العجيبة المعروفة الات لم تكن فى الماضى فالخمور القديمة لم تكن تحفط جيدا لدلك حرمت اتمنى من ائمتنا المجتهدين السماح لنا بالسكر العلانى فمن اجتهد فله اجر اجتهاده على الاقل والله لا يضيع اجر المجتهدين


3 - بعيدا عن النفاق الاجتماعي
اوشهيوض هلشوت ( 2010 / 1 / 16 - 13:54 )
ما راي المفتي الريسوني في من اسلامه ثقافي واو غير مسلم اصلا هل يحرم من هده النعمة التي كسرت قيود جميع الحضارات ولا زالت تنتصر شرقا وغربا
ان الكحول مصاحب للانسان فهو كالفقيه والشيطان كلاهما ضروري للاخر ولا يمكن لاحدهما ان يقضي على صاحبه
ليتمعن فقيهنا قول الشاعر الغنائي المغربي
لخمر حرمو ملانا////// الاماشربتو ما نصيب لهانا/ الكانا
تمعن جيدا كلمة((هانا/الكانا))/
و القولة ((الفلسفية)) التالية : لابد لعقل مرة مرة يخرج من عقلو باش يرجع لعقلو
تحياتي للسيد عصيد على وضوح مواقفه
واعتدر عن الكتابة بالدارجة المغربية لأني سمعت وقرات يوما ان العربية لغة الجنة!!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟


4 - الرويبضة
زكرياء من المغرب ( 2012 / 1 / 25 - 18:18 )
هذا الشخص الذي يتكلم عن الخمر ويريد شرعنتها نسي الجرائم والحواذث التي تحدث بسببها.
خبيث يريد شرعنة مشروب خبيث
الحاجة الي متشبه لمولاها حرام.

اخر الافلام

.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت


.. 143-An-Nisa




.. المئات من اليهود المتشددين يغلقون طريقا سريعا في وسط إسرائيل