الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصلاحية العلمية و العقيدة

بودريس درهمان

2010 / 1 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الصلاحية العلمية مرهونة دائما بمستوى تطور الحضارة العلمية للبلد. لنأخذ على سبيل المثال دول الاتحاد الأوروبي أو بعض دول القارة الأمريكية، احترام مبدأ الصلاحية العلمية في هذه البلدان انطلق منذ نهاية القرن الثامن عشر وقد تم توطيده بشكل نهائي في القرن التاسع عشر أما ألان فنادرا ما نعثر على إجراء إداري أو تدبير قانوني لا يحترم مبدأ الصلاحية العلمية. تطور مبدأ الصلاحية العلمية تم بشكل مذهل.
مع نهاية القرن التاسع عشر استشعر الأوروبيون مكمن الإعاقة التاريخية في هيمنة الدين على الدولة فقاموا بتحويل مستوى المنافسة بينهم من مستوى المنافسة على التمثيلية الدينية ( بروتستانتي/ كاتوليكي/أو غيره) إلى مستوى التمثيلية العلمية بكل ما تتطلبه هذه التمثيلية من تحكم في القيم و القوانين. روافد الحضارة الغربية المعاصرة ليست بالتمام ذات أساس ديني( الحروب الدينية) أو أساس سياسي(الاحتجاجات السياسية)، بل هي ذات أساس علمي، لهذه الأسباب أعتقد أن التسليم بفكرة ضرورة العودة إلى الدين الإسلامي لاستلهام مقومات القوة الحضارية هي فكرة مجانبة للصواب. أصحاب هذه الفكرة سيتخبطون يوميا في قضايا هي خارج التاريخ وخارج مستلزمات الحضارة نفسها.
إذا كانت الغيرة على الدين كمكون تاريخي حضاري تراثي هو الدافع الأساسي إلى استحضار الدين في جميع المناسبات، فمن الممكن كذلك الدفاع عن الدين بواسطة القيم العلمية. لقد استطاع العلماء المسيحيون و اليهود منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى حدود ستينيات القرن العشرين مزج التعاليم الدينية بالقيم العلمية.
تقريبا، بفضل استحواذ المسيحيين على المجالات العلمية جميع العلوم هي مبنينة على أساس ثابت مسيحي واضح. هذا الثابت هو البنية الثلاثية التي تبنين جميع المجالات العلمية و المعرفية. لأقدم النماذج:

 حدد كارل ماركس سنة 1848 مكونات الصراع الاجتماعي في ثلاث طبقات: البورجوازية، البورجوازية الصغرى والطبقة العاملة.

 سنة 1916أكد العالم اللساني السويسري دي سوسير بأن العلامة اللسنية هي ثلاثية البنية: دال ومدلول وموحى إليه.
 في ثلاثينيات القرن العشرين حدد العالم النفساني فرويد بنية الشخصية البشرية في ثلاث مكونات: ألانا، الأنا العلوي والهو.
 سنة 1952 حدد العالم العصبي الأمريكي ماك لين بنية الدماغ البشري العمودية في ثلاثة: دماغ الزواحف، دماغ الثدييات ودماغ الإنسان
 في سنة 1957حدد العالم الكندي بلوم المستوى العقلي المعرفي العلوي في ثلاثة: التحليل، التركيب والتقويم. كما حدد كذلك المستوى العقلي المعرفي السفلي في ثلاثة كذلك:الشرح، الفهم والتطبيق

 قبل سنة 1977 حدد العالم الفرنسي فرانسوا ريشودو أنواع القراءة في ثلاثة: القراءة الشفاهية، القراءة التمتمة والقراءة الذهنية

علماء المجتمعات المسيحية قدموا خدمات جليلة للدين المسيحي لما وطدوا دعائم البنية الثلاثية بداخل أحشاء الفكر العلمي. حققوا هذا على امتداد القرن التاسع عشر إلى حدود ستينيات القرن العشرين. أما ما بعد هذا التاريخ فسيتم تأثيث اللاشعور البنيوي العلمي بالقضايا الوطنية والقضايا الجيوستراتيجية: هكذا فخريطة برودمان العلمية لتحديد باحات الدماغ البشري لسنة1909 هي خريطة وطنية بامتياز لأنها تحتوي تقريبا على نفس عدد الولايات المتحدة الأمريكية: 52باحة. في حين دماغ روجي وولكوت سبيري لسنة 1981هو دماغ كوني يستجيب لمتطلبات الخريطة المعرفية لنظام العولمة.
العلماء المسيحيون استطاعوا تحقيق هذا الإنجاز العلمي الديني بدون اللجوء إلى إرغام تلاميذ المدرسة الابتدائية للجلوس ثلاث ساعات وربع أسبوعيا بداخل قاعات الدرس من اجل تعلم العقيدة. مثل هذا النوع من القرارات تخلى عنه الأوروبيون لأنه غير مجدي و تخلوا عنه بشكل نهائي مع بداية القرن العشرين. يمكن التأكد تاريخيا من هذا، المملكة البلجيكية مثلا حققت هذا التحول التاريخي يوم فاتح جويي 1879حينما استطاعت كل القوى الحداثية فرض قانون عضوي اعتبره الكاتوليكيون بمثابة قانون الشؤم. يمكن تلخيص هذا القانون على الشكل التالي:
1. أولوية المدرسة العمومية
2. تدريس العقيدة يبقى اختياريا
3. الاستقلال الكلي عن السلطات الدينية

بلجيكا حققت هذا التحول التاريخي سنة 1879 وفرنسا التي أحست أنها تأخرت قامت باتخاذ أجراء متطرف يتجلى في ظهير 1905الذي يحرم استعمال حتى أشكال الرموز الدينية في الحياة العامة.
علماء أوروبا المسيحيين حينما كانوا يبنينوا المجالات العلمية على أساس البنية الثلاثية لم يكونوا يدافعوا عن الدين المسيحي بل كانوا فقط يستجيبون للاشعورهم البنيوي الذي أثثته التقاليد والعاداة المستمزجة بالشعائر الدينية المسيحية.
السياسيون والعلماء هم من أنقذوا الدين المسيحي من الاندثار وليس رجال الدين.الملكة البريطانية فيكتوريا وبسبق زمني عن باقي الدول الأوروبية قامت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر بتأسيس جمعية للتقدم العلمي (Association For The Advancement Of Science) هذه الجمعية ساهمت سياسيا في تجميع وتأطير مجالات البحث العلمي وألهمت في ما بعد هذه الفكرة جميع الدول الأوروبية. ألمانيا أنشأت مؤسسة ماكس بلانك التي توازي قوتها العلمية الحالية قوة مجموعة تحالف من الدول. فرنسا بمقتضى المرسوم الرئاسي للجمهورية الفرنسية للرئيس ألبرت لوبرانAlbert Lebrun يوم 19أكتوبر1939أسست المعهد الوطني الفرنسي للبحث العلمي
في الظروف الدولية الحالية، أعتقد أن التسليم بفكرة ضرورة العودة إلى الدين الإسلامي وحده لممارسة الصراع الحضاري هو نوع من النكوص الحضاري الذي سوف لن يخلق إلا الهزائم تلو الهزائم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية