الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نجع حمادي 2- «الوضع الكنسي وسقوط أقنعة السلطة الفاسدة»

سامي المصري

2010 / 1 / 15
المجتمع المدني


إن كارثة نجع حمادي بقدر ما كشفت عن فشل العمل السياسي بمصر كما أوضحت في مقالي الأول، فإنها أيضا فضحت الفساد الكنسي المقنع خلف ستار القداسة المزيف والتدين المريض. كان يوم المحنة هو يوم سقوط الأقنعة التي كان لا بد لها من أن تسقط. بل أقول بكل يقين أن الله قد سمح بتلك الكارثة بسبب فساد الإكليروس وحتى تسقط الأقنعة ليفضح الغش ويفرغ جيوب الفساد المتعفنة المتقيحة التي استشرت بين قيادات الكنيسة، فسرت سمومها لكل الجسد وبحسب قول إشعياء "كل الرأس مريض وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب و لم تلين بالزيت" (اش 5:1). لم يكن ممكنا أن يحتمل الناس أكثر من ذلك، فبقدر ما تأنى الله على القيادات الكنسية الجاحدة ففد أتت اللحظة لينكشف عارها وفشلها، تلك القيادات التي أسقطت حق الشعب وحق الله من حساباتها. وكما قال السيد المسيح، "لأنه ليس خفي لا يظهر ولا مكتوم لا يعلم ويعلن" (لو 17:8).

صوت الرب أرعد فصمت الجميع، صمتت كل الرئاسات والمتسلطين،
رئيس الحكومة، رئيس مجلس الشعب، رئيس الوزراء، وزير الداخلية، وبطريرك الكنيسة!!!
الكل صمت وأبكم

لقد صمت البطريرك لأن الرب أصمته فلم يعد يصلح بعد ليكون شاهدا له. لا يمكن لذلك الفم المتباهي بأمجاده يصلح بعد لينطق بقوة الروح بحق الله، وبكلمة حق الإنجيل النارية. وصمتت معه كل الجوقة الشريرة؛ سكرتير المجمع المقدس، المتحدث الرسمي للكنيسة، أساقفة السكرتارية الذي كان صوتهم يعلو في الصحف في مباراتهم على خلافة البطريرك. جموع الأساقفة العموميين ركاب المرسيدس تلك القوة التي يتكل عليها البابا ليبهر ويضلل الشعب ويخيفه وقت اللزوم ويفرض سلطانه الرهيب. لماذا صمت أيها المتكل علي قوتك وحكمتك التي بها تتيه في خيلاء فيسجد لك الجهلة والمغيبون. حتى المجلس الملي صمت فأصمت الرب كل صوت جبان. لا أحد يتكلم عن الكارثة، لأن هذه المرة لا أحد يملك الكلام. في مرات سابقة صمتوا استهتارا واحتقارا للخدمة، أما في هذه المرة فصمتوا عجزا وخزيا وعارا. سكتوا في وقت يستحيل فيه السكوت.

فهل يصمت الله؟!!! حاشا، لقد أبكم الله الجميع ليتكلم هو، وعندما يتكلم الله ينسد كل فم. الروح يعرف من يستخدم ليُسمِّع الله صوته في كل الأرض.

وقفت الدكتورة جورجيت قليني وحدها في مجلس الشعب لتواجه المحافظ القبطي الجبان يسانده الرجال الأشداء من أعضاء مجلس الشعب، وعلى رأسهم فتحي شرور رئيس المجلس، ومفيد شهاب (الرجل الذي يهتز له البابا هلعا)، فأرعبت جورجيت الكل بحديثها التلقائي البسيط الصادر من القلب الشاهد للحق. السيد فتحي شرور رئيس مجلس الشعب أخذ يهذي بكلام تافه دفاعا عما لا يمكن الدفاع عنه. مفيد شهاب صدرت عنه عبارات باهتة تعبر عن منتهى العجز بينما قوة الحقيقة المنطلقة من شفتيها تخزي كل زيف. المحافظ القبطي الجبان يظهر في كل الصحف واقفا خلفها بوجه مَخزي منطفئ بينما هي منطلقة في حديثها بقوة أبكمت الجميع. من هي هذه القليني؟ من أين أتت؟ وكيف ظهرت؟ ومن الذي أتاح لها هذه الفرصة؟ فتقف أمام عليه القوم وتفحمهم جميعا بمنطقها البسيط؟!!! لقد حققت جورجيت كلمات المسيح ببساطة:
"وتوقفون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم ... فمتى ساقوكم ... فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون، ولا تهتموا بل مهما أعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا لان لستم انتم المتكلمين بل الروح القدس." (مر 13: 9-11).
"فضعوا في قلوبكم أن لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا. لأني أنا أعطيكم فما وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها." (لو 21: 14-15).

ونشرت جميع الصحف كل صورها وحديثها بل صحف العالم. واتصلت بها برامج الفضائيات الحِوارية للتحدث معها. برنامج العاشرة مساءا اتصل بها تليفونيا وكانت السيدة منى الشاذلي متجهمة متحفزة للهجوم بأسلوبها الحواري الخطير الذي أحرجت به الكبار. وعندما انطلق صوت د. جورجيت في التليفون لم تتمالك منى إلا أن تتبسم لقوة الإجابة. وفي عدة مرات كان السؤال على لسان منى وقبل أن تكمله تجد ردا قويا متكاملا فلا تملك إلا أن تبتسم وكأنها ليس فقط تقرأ أفكار منى ولكنها كانت تملك الجواب المقنع الذي لا يدع فرصة لإضافة. وتكرر الأمر مع لميس الحديدي في برنامج أتكلم حيث ظهرت لميس في البداية متجهمة مهاجمة لآراء ضيوفها الأقباط. حتى تم الاتصال التليفوني مع جورجيت فنرى لميس تهدأ تماما وتتقبل الحديث المنطقي بابتسامة ويستمر الحديث حتى نهاية الحوار ودودا منطقيا. وقد عبرت د.منى مكرم عبيد عن إعجابها الشديد بقوة وعظمة هذه السيدة الشابة الرائعة. إنها قوة الروح الفدس لتختار من تشاء لتعلن صوت الحق.

عودة إلى أقنعة الفساد فهذا موضوعنا الرئيسي. الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادي الذي عايش الأحداث وتحت وطأة المفاجأة صرح بعد الأحداث مباشرة بتلقائية بما حدث بكل تفصيل. واتصلت به أجهزة إعلامية متعددة فكرر نفس الكلام. وبعد أن تقابل مع الأنبا شنودة في القاهرة غير كلامه فجأة وبدأ يتراجع عن أقواله ممالأ للحكومة. ذلك التراجع شجع كل الصحف وأجهزة الإعلام للاتصال به للاستفسار عن الحقيقة مرة ومرات، فبدأ يرتبك وكان في كل مرة يقول كلام مغاير، حيث لم يعد يتذكر ما قاله في المرات السابقة. وبعد مقابلته مع جهاز أمن الدولة تغير كلامه تماما ليتطابق مع الروايات الحكومية التي لا يصدقها أحد، بل واخذ يؤيد المحافظ الذي كان يهاجمه بعنف. كان من الصعب جدا تصور أن الأسقف بذقنه الطويلة المهيبة أن يكون كذاب بل ويتعدد كذبة لهذه الدرجة. فأحدثت تصريحاته صدمة للشارع المصري كله لم يتوقعها أحد سواء مسلم أو مسيحي!!! فأقل ما يمكن أن يقال كيف لشخص بهذا المستوى يوضع في موقع المسئولية وكيف يمكن أن يدير أسقفيته وهو في هذه الحالة من عدم التيقن من نفسه ومن أقواله.

وسقطت الأقنعة لتكشف عن صورة من المحنة التي يعيشها الشعب في عصر الأنبا شنودة وأساقفته الذي بلغا عددهم 120 أسقفا كثير منهم بنفس المستوى. ولعل الأنبا كيرلس أقل خبثا من كثير من الآخرين لأنه أقل ذكاءً. كل أساقفة الأنبا شنودة خريجي جامعات، بينما في عصر الأنبا يوساب في منتصف القرن العشرين كان عدد الأساقفة في مصر كلها 18 أسقفا فقط لم يكن بينهم واحد خريج جامعة. وكانت الكنيسة تدار بمنتهى العظمة وكان أغلهم يشتهر بالحكمة والوداعة واللطف والهيبة التي تأسرك ومن الأمثلة لذلك الأنبا بنيامين مطران المنوفية الشهير والأنبا لوكاس مطران منفلوط وقد رأيتهم بنفسي وتلامست معهم. لماذا تغير كل شيء تماما في عصر الأنبا شنودة حتى بلغنا إلى هذا المستوى؟!!! هل من مجيب؟!!!

القصة المخجلة لم تكتمل بعد فقد أدلى الأنبا كيرلس بتصريح في جريدة الأهرام المسائي يهاجم فيه الدكتورة جورجيت قليني!!!! وبئس ما قال من قبح الكلام الذي يدينه. لقراءة النص يمكن الرجوع لمقال الأستاذ نصر القوصى، المنسق العام لحركة البديل، تحت عنوان "أبعدوا ملف الأقباط عن رجال الدين" حيث أورد نص حديث الأنبا كيرلس مع التعليق وهو على الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=199212

في أحداث الكشح كان هناك أسقفا عظيما وقف مع شعبه بكل قوة هو الأنبا ويصا، فواجه كل المخاطر كرجل دين مستعد أن يبذل نفسه من أجل شعبه. هكذا يكون الأسقف. وأنا أعتقد أن أجهزة أمن الدولة تعمل له ألف حساب.

وبعد كل هذه المهاترات أبعد أسقف نجع حمادي إلى الدير، حتى لا يتعرض لمسائلات الإعلام، وقيل أنه ذهب ليعتكف. بهذا سقط قناع آخر، فسذاجة الأسقف أسقطت القناع عن أمن الدولة، فظهر بكل وضوح أن المدبر الحقيقي لكل الجرائم ضد الأقباط هي سياسة دولة يديرها وزير الداخلية بنفسه. إن الشعب المصري الطيب لا يصنع مثل هذه الجرائم بل يشجبها بوضوح كما هو ظاهر في معظم التعليقات بالجرائد. وبذلك فالمتهم الأول هو الرئيس حسني مبارك نفسه كرمز لحكومة مصر إلا إذا طرد وحاكم وزير الداخلية.

وللحديث بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون


.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر




.. كل يوم - خالد أبو بكر: الغذاء ينفد والوقود يتضاءل -المجاعة س


.. المثلية الجنسية ما زالت من التابوهات في كرة القدم الألمانية




.. مظاهرات حاشدة في مدينة طرابلس اللبنانية دعماً للاجئين السوري