الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نِفاقنا الوطني وتفجير الكنائس

رياض سبتي

2010 / 1 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بات العراقيون لا يثقّون بتصريحات سياسييهم خصوصاً بعد ما إكتشفوا ، او أغلبهم ، إن التصريحات هذه ومهما كان نوعها ما هي إلا نفاق سياسي أو ديني يمارسه هؤلاء لإنتزاع مكسبٍ ما ، وعادةً ما يكون هذا المكسب هشاً يجعل صاحبه تابعاً ذليلاً لمن يحتكر السلطة من التيارات المتصارعة والمتنازعة على حكم الدولة ، أو سيؤهله للتغطية على حقيقة وظيفته السابقة وإضفاء الوجاهة على شخصيته الحالية التي ستكون متسلطة فيما بعد لإحتكار مقاليد السلطة والمال تحت مسميات عدة من ضمنها مسمى القانون ،الوحدة ،الوطن ، أو التوافق وغيرها .
هذا الكلام الذي يطلقه السادة ( المصرّحون ) في الحكومة والبرلمان حدد العراقيون مساره بإتجاهين ، الأول هو الحشو اللغوي الخاص بالإعلام ، أو ما يسمى بـ خطاب الفضائيات ، ويدخل ضمن هذا الإتجاه كل ما يتعلق بالتصريحات الخاصة بالمصالحة الوطنية والتوافق الوطني أو التعددية السياسية ، لأن الثوابت الدينية والطائفية وإختلاف الآيديولوجيات الموجودة على الساحة والشلل في طريقة تفكير السياسي ( الإنتماء للحزب بدل الإنتماء للوطن ) ، إضافة الى النزاعات التاريخية بين الطوائف الدينية تجعل من المصالحة خطاب مُسندٌ على ارضية هشّة ، فتيار السلطة يكون هو المهيمن على مقدرات البلد وموارده العامة وهذا يعني إنه يملك قوة لا يملكها منافسوه ، وبذا فالكيان السلطوي هنا لا يمكنه التخلي أو التنازل عن هذه القوة لصالح أي طرف آخر ، على إعتبار إن ما حصل عليه كان نتيجة تطور مهم ما بين الإنتماء للدولة – السلطة – وما بين العلاقة الجماهيرية – الحزب – الذي أوصله لهذه السلطة ، وبالتالي يكون الحديث عن مصالحة وطنية هو حديث عائم ، غائم أيضا ما دامت الثوابت الهشّة في النهاية تكون هي نفسها التي تدعو السلطة لها منافسيها دون المس او التطرق الى المفاهيم والتصورات الحقيقية التي تتشكل منها مبادي تلك المصالحة ، و عندما يسمع العراقي تصريحات من هذا القبيل فإنه سيتبعه بسؤاله التهكمي الشهير ( وشنو يعني ؟ ) .
الإتجاه الآخر وهو المعني بالطرح هنا ، الإستخفاف بعقل الآخر، أي تلك التصريحات التي يعتقد مطلقوها أن المتلقي سيستقبلها وسيتقبلها كما هي دون الوقوف عندها او التفكير فيها ، وبذا ايضاً فهم يتكئون على هذا الإعتقاد الساذج الذي أثبت إنهم بعيدون تماما عن قراءة الوعي العراقي الجمعي . من نجوم مطلقي التصريحات هذه ، السيد الناطق الرسمي بإسم قيادة قوات بغداد ، السيد الناطق الرسمي بإسم الحكومة ،السيد وزير النفط ، السيد رئيس مجلس الوزراء ، هؤلاء السادة لا يراجعون تصريحاتهم قبل أن يقفوا خلف المايكرفونات ولهذا تظهر تلك التصريحات إما مضحكة أحيانا وإما إنها لا تملك الحد الأدنى من المصداقية التي يجب أن تتوافر لتدعم القصة او الحدث المُصَرَّح عنه، وإما إنها مقصودة تماماً لترويض العقل العراقي على تصديق لا منطقيتها.
في عيد الميلاد المجيد للسيد يسّوع المسيح الذي صادف قبل أيام ، تخلى الإخوة المسيحيون العراقيّون عن الإحتفال بمناسبتهم الدينية المهمة هذه والتي يقابلها في الدين الاسلامي مناسبة (المولد النبوي الشريف )، وأُشيع في الأخبار إنهم إنما فعلوا ذلك إحتراماً لمشاعر المسلمين في شهر محرم الحرام وتقديراً وتقديساً لذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب الإمام الثالث لدى الشيعة ،التي صادفت مع أعياد الميلاد ، وعلى الفور خرجت التصريحات الحكومية تشيد بأصالة وعراقة المسيحيين الذين لا يقلّون وطنية عن باقي مكونات الشعب .
والسؤال هنا ، هل فعلاً تخلى المسيحيون عن الإحتفال بميلاد السيد المسيح الذي يعتبر المنقذ للعالم ومخلّصه من الخطيئة ، بإرادتهم وطواعية منهم أم إنهم أُجبروا على ذلك؟
رغم فرض إجراءات أمنية مشددة في المناطق المسيحية في كل من بغداد والموصل للحد من إستهداف الكنائس والأديرة المسيحية ، إلا إن تفجير دور العبادة المسيحية لم يتوقف منذ التغيير الذي حصل بعد غزو العراق في مارس 2003 ، فلأول مرة وفي اغسطس عام 2004 حصلت عدة إنفجارات أثناء حضور مسيحيين لقداس في بغداد والموصل راح ضحيتها العشرات بين شهيد وجريح ، ليستمر بعد ذلك نزيف الدم العراقي المسيحي في انفجار خمس كنائس في بغداد في شهر كانون الثاني من عام 2006 الى تفجير تموز من العام الماضي الذي طال 6 كنائس في بغداد خلال أربع وعشرين ساعة ، ثم التفجير الذي إستهدف (كنيسة الطاهرة ) في الموصل في يوم الخامس عشر من كانون الأول من العام المنصرم أي قبل عشرة أيام فقط من الإحتفال بأعياد الميلاد بعدها جرى إنفجار ست عبوات أمام كنيسة ودير للراهبات في الموصل أيضاً. بعض هذه الكنائس يحتوي على ذخائر ثمينة وتاريخية كما هو الحال مع المراقد الدينية المقدسة في النجف وكربلاء وسامراء والكاظمية ، ومن هذه الكنائس كنيسة مار توما للسريان الأرثودوكس التي طالتها التفجيرات وكانت تحتوي على نفائس ومخطوطات تعود للقرن الأول الميلادي .
المسيحيون العراقيون كانوا قد منعوا جنود الإحتلال من الصلاة في الكنائس العراقية بعد غزو العراق مباشرة وهذا لوحده كان موقفاً وطنياً مشرفاً يحسب لهم ،لكن هذا الموقف لم يمنع الإرهاب من إستهدافهم وإستهداف أماكن عبادتهم وطردهم فقط ، بل لقد تعرض الكثير منهم للإختطاف والتنكيل وخصوصا رجال الدين نذكر منهم :
- الأب رعد وشان - الأب سعد سيروب- الأب باسل يلدو- الأب دكلص البازي - الأب سامي عبد الاحد - الأب جبرائيل شمامي- الأب نوزت بطرس- الأب هاني عبد الأحد-المطران باسيل جورج- الأب سامي الريس .
لم يكتف الإرهابيون بخطف وطرد المسيحيين من مناطق سكناهم تحت تهديد السلا ح بل تعدى ذلك الى قتلهم بغية تهجيرهم نهائيا من موطنهم الأصلي ، كلنا يتذكر تراجيديا إختطاف مطران الكلدان الكاثوليك في الموصل الشهيد بولص فرج رحو التي إنتهت بإستشهاده في آذار من عام 2008 بعد إسبوعين من إختطافه .
ردود الأفعال تجاه التطهير العرقي الذي يمارسه الإرهابيون بحق المسيحيين العراقيين لم ترتق الى مستوى المسؤولية وخصوصا التصريحات التي صدرت من حكومة دينها الرسمي هوالإسلام الذي يكشف مدى العلاقة القريبة بين الدين الإسلامي من جهة وبين الدين المسيحي من جهة اخرى والآية 82 من سورة المائدة (وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ) توضح الكثير من هذه العلاقة الايجابية التي جعلت من مسيحيي العراق يتمتعون بحرية الاعتقاد والحياة والتملّك منذ العصر العبّاسي الى التاريخ الحديث ، إلا إن حكومتنا وبعد كل انفجار تكون قد نست الانفجار الذي قبله ومن ثم تتراكم عليها المسؤوليات وحجم اللجان التحقيقية التي لم يعرف لها مصير , عندها تضيع الحقوق او على اكثر تقدير تُجمّد.
بعض التصريحات وصفت المسيحيون بالجالية وأحياناً بالطائفة رغم إنهم ينتمون الى ثاني اقدم ديانة سماوية موحِدة ، وانهم سكان العراق الأصليون ، ولا أدري لو إن المسيحيين وصفونا بالجالية المسلمة أوالطائفة المسلمة في العراق ماذا سيكون رد فعلنا ؟
مازال الأمن بعيداً عن المسيحيين في العراق رغم كل الإجراءات الأمنية ورغم الأفكار الأخيرة القائلة بتعيين بعض مئات من الإخوة المسيحيين في الأجهزة الأمنية لحماية مناطقهم ، نقول هذا لأن الإرهاب مازال يعرف طريقه الى الكنائس والأديرة لتفجيرها وعلى الحكومة أن تؤدي واجبها الوطني والديني والأخلاقي لحماية جزء من شعبها، مثلما نجحت في حماية الملايين عندما سخّرت كل طاقاتها الامنية والعسكرية لحماية زوار مدينة كربلاء في عاشوراء .
كانت الأخبار قد تناقلت خبر تخلي المسيحيّون عن إحتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة وقدموا مثلاً رائعاً في الإيثار والتآخي ، وإذا كان المسيحيون العراقيون وتحت بند الوطن للجميع، قد دخلوا باب المصالحة الدينية والوطنية (وهم الذين لم يكونوا ضد أي مكوّن من مكونات المجتمع العراقي السياسية او الدينية ) من أوسع أبوابها بتخليهم عن مراسيم إحتفالاتهم بعيد ميلاد (نبيّهم ) ، ألم يكن من الأولى أن يتخلى الشيعة العراقيون للمسيحيين بالمقابل ،عن الإحتفال بذكرى استشهاد (الإمام ) ، خصوصاً إن للأنبياء منزلة اكثروأكبر عند الله ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حكومة معلبات
ايمان صالح ( 2010 / 1 / 16 - 20:54 )
كلمات تنفذ الى عمق الجرح العراقي ، كلماتٌ يريد أن يقولها لسان كل عراقي شريف يتجرع كل يوم من كأس غباء الحكومة العراقية الحاكمة التي أثبتت ان لها قبضة فولاذية في الاجرام و التعتيم الاعلامي وطمس الحقائق التي لاتحتاج الى مجهر لمعرفة خباياها...وكأن العراق قد اصبح ملكٌ لهم وهم من تم استيرادهم وشحنهم كالخنازير الى ارض وطنٍ قاسى شعبه الويلات...
لو كان لحكومة المعلبات قطرة من الشرف لتركت الساحة للمخلصين الشرفاء بعد فشلها الساحق في كل شيء ..


2 - الف شكر لك ايها المسلم الشريف
صباح ابراهيم ( 2010 / 1 / 17 - 22:24 )
لو كل عراقي مسلم يشعر بمشاعر اخينا كاتب المقال ويقدر الالام واحزان المسيحيين الذين يقاسون بصمت وحزن مكتوم لطردهم من موطن آبائهم واجدادهم لما حدثت كل هذه المآسي فينا
الف شكر لك ايها المسلم الشريف اخينا بالوطن وبالمصير، شكرا لكل مسلم وغير مسلم غيور يدافع عن المسيحيين ويحترم مشاعرهم ويقدر احزانهم ويدافع عن مظلوميتهم .

اخر الافلام

.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين


.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ




.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح


.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا




.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم