الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهيدة دريسدن ... وقتلى نجع حمادي

خالد الكيلاني

2010 / 1 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما الذي حدث في مصر؟
حدث ما توقعناه جميعاً وأتت ثقافة الكراهية - التي ظل البعض يزرعونها على مدى أكثر من ثلاثة عقود – أكلها، فمن على منابر عدد غير قليل من المساجد، وبعض الكنائس، وشاشات فضائيات الفتاوى والدجل والشعوذة تجري منذ سنوات طويلة محاولات بغيضة ومستميتة لتدمير هذا الوطن عن طريق زرع الحقد والكراهية والتمييز بين أبنائه، رغم كل أنهار الحبر التي سالت على صفحات الصحف وفي دراسات وأبحاث منشورة وغير منشورة، والتي حذرت مراراً وتكراراً من فقه الفتنة الذي استشرى في هذا المجتمع فقسم أبناء الوطن حسب اعتقاداتهم الدينية، وقسم أبناء الدين الواحد حسب درجة إيمانهم التي يقيسونها – وبؤس ما يقيسون – طبقاً للنقاب واللحية والحجاب.
منذ أكثر من 1400 سنة يعيش أبناء هذا الوطن معاً، مرت بهم كثير من المحن والحروب والمجاعات، وكانت أحداث العنف لا تندلع إلا ثورة على المستعمر الغاشم، أو تمرداً على الحاكم الظالم، وحتى عندما حاول الاستعمار الانجليزي اللعب على وتر الطائفية الدينية لم ينجح، بل لم يبال أحداً بالأمر... لأن هذا الأمر ببساطة لم يكن مطروحاً، وفي مصر الليبرالية ترأس الوزارة والبرلمان مسيحيون مرات عديدة، ليس لأنهم مسيحيون... ولكن لأنهم مصريون. ولم يعرف المصريون الفتنة الطائفية، بل لم يتعرفوا على هذه العبارة أصلاً سوى في أحداث الخانكة عام 1972 وبعدها في أحداث الزاوية الحمراء عام 1981، بعد أن كان المد الوهابي الظلامي قد بدأ يتغلغل في الزوايا والشوارع والحواري ... ثم في النفوس، مستغلاً الهزيمة الفكرية والمعنوية للمصريين نتيجة لنكسة 1967.
فشلوا في تقسيم الوطن... وسوف يفشلون، ولكنهم حاولوا وما زالوا يحاولون تقسيم أبناء هذا الوطن. وإلا فليفسر لي أحدكم لماذا تقع يومياً عشرات من حالات الاغتصاب من مجرمين مسلمين على ضحايا مسلمات، ومن مجرمين مسيحيين على ضحايا مسيحيات، ولكن عندما وقعت تلك الجريمة من مجرم مسيحي على فتاة مسلمة تحولت إلى ثأر من كل المسيحيين!!. وليفسر لي أحدكم لماذا عندما قتلت الصيدلانية المصرية مروى الشربيني بيد مجرم متعصب ومهووس – بالصدفة كان مسيحياً – في محكمة دريسدن الألمانية أثناء نظر قضية بينهما، أطلقت عليها الصحف ووسائل الإعلام لقب الشهيدة لأن أصل النزاع كان بسبب السخرية من ديانة الضحية مروة الشربيني، أو بالدقة من حجابها الذي جعلته – وجعلوه جميعاً للأسف – رمزاً لدينها، وهي بالفعل شهيدة - لا بسبب ديانتها – ولكن لأنها قتلت غدراً وغيلة بسبب دفاعها عن مبادئها. نفس هذه الصحف ما زالت تصف الضحايا السبعة في حادث نجع حمادي الذين استشهدوا عقب خروجهم من الصلاة ليلة عيد الميلاد بالقتلى!!، رغم أنهم ضحايا لمجرمين متعصبين مارسوا ضدهم القتل على الهوية ودون تمييز، بل دون سابق معرفة أو نزاع ... وبسبب ديانتهم أيضاً مهما حاول البعض تزويق الأمور أو تزييفها.
وليفسر لي أحدكم لماذا خرجت المظاهرات في مدن مصر وجامعاتها وطالب الجميع بالثأر لمروة الشربيني، ووصل الأمر إلى مطالبة البعض بقطع العلاقات مع ألمانيا... بل وإعلان الحرب عليها، ولم تخرج مظاهرة واحدة دفاعاً عن دم الضحايا السبع الذين استشهدوا والعشرون الآخرون الذين أصيبوا في مذبحة نجع حمادي، ولماذا انتفضت النقابات وعقدت المؤتمرات والندوات دفاعاً عن دم مروة الشربيني ولم يلتفت أحد لدم بيشوي فريد ابن ال16 عاماً أو دينا حلمي ذات السبعة عشرة ربيعاً أو أبانوب كمال وبولا عاطف يسي ذوي ال19 عاماً أو أيمن زكريا توما أو رفيق رفعت أو أمين الشرطة الشهيد أيمن هاشم، هل دماء هؤلاء ليست كدماء مروة؟!، أم لأن حظهم العاثر شاء أن يقتلوا في نجع حمادي وليس في دريسدن!، ولماذا سافر وفد من المحامين على رأسه نقيب المحامين ومكثوا أسابيع في ألمانيا لمتابعة القضية؟، بينما لم يكلف أحدهم خاطره بالسفر لنجع حمادي للدفاع عن دم ضحايا ليلة عيد الميلاد. بل أن معظمهم تخاذل خوفاً عن الدفاع عن المجرم الذي اغتصب طفلة فرشوط... ليس لأنه مجرم أثم يستحق الشنق لو ثبت أنه ارتكب تلك الجريمة الشنعاء، ولكنهم – ويا للعار – تخاذلوا خوفاً من الدفاع عنه لأنه مسيحي!!.
أفهم محاولات بعض الجهات المسئولة في تهدئة الأمور، وعدم تصعيدها، وإبعاد شبح الفتنة... وهذا الأمر مطلوب، ولكنه لا يجب أن يكون أبداً على حساب الحقيقة، ولا يجب أن يكون سبباً للتفرقة بين دماء مروى الشربيني ودماء ضحايا ليلة عيد الميلاد، أو سبباً لأن نجعل من ضحية دريسدن شهيدة، ومن ضحايا نجع حمادي قتلى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تللسقف
يوسف حنا بطرس ( 2010 / 1 / 20 - 16:43 )
الاخ خالد الكيلاني مقالتك تعبر عن مدى اهتمامك بقضايا المظلومين في المجتمعات الشرقيه لماذا مروه الشربيني تعتبر شهيده في المانيا والثمانون سائحا الذين قتلو في مصر ليسو شهداء ولم يتحرك الشارع الالماني ضد المجرمين القتله ولا للحكومه المصريه فعلت ما يدين هكذا حدث اما شهداء نجع حمادي او شهداء عيد الميلاد فلهم عند ربهم الاجر اذا اعتبرتهم حكومه اللامبارك شهداء او لا انه الكيل بمكيالين لان هذا مسيحي ودمه عند الحكومه االعنصريه دم رخيص
مقاله جيده جدا ولكن من له اذن للسمع وعقل ليفهم


2 - الختشو ماتو ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 1 / 20 - 18:08 )
شكرا لك ياعزيزي الكاتب لقد صدق القول عن هؤلاء ألختشو ماتو من زمان ... ومن يفرق ما بين إنسان وإنسان صدقني لا يستحق حتى لقب حيوان ... لانه حتى في شرع الحيوان هنالك رحمة وعطف ووجدان ... وسؤالي لهؤلاء ألأوغاد نعم هم أوغاد بكل معنة الكلمة وإلا كيف يدعون معرفة الله والقتل عندهم على الهوية والإيمان ... أين حق الوطن والمواطنة للنيل من هؤلاء المجرمين بالعدل والميزان ... ألا يكفي ماقلته وغيرك ليثبت أن ما يصيبنا في بلداننا من موت ومرض وجهل وتخلف وجيفة تنتشر سببها سم ثعبان ... قد يفلت ظالم بظلمه ولكن أين الهرب من الديان ... صدقني مهما تجبر الطغاة والظلام لابد أن تدور عليهم المنايا قريبا والخذلان ....!؟


3 - تهريج
باحث ( 2010 / 1 / 20 - 20:20 )
اصبحت ادارة البلاد فى مصر فى منتهى التهريج....هل يعقل فى مجلس شعب اعرق حضاره ان يفطس ملف هؤلاء الشهداء ويستغرق المجلس عدة ساعات امس فى مناقشة طلب احاطه مقدم من النائب مصطفى بكرى عن تكاليف الزواج الثانى للدكتور نظيف رئيس الوزراء...........!!!!!!!!!!
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=179723


4 - الزميل خالد الكيلانى
أبو لهب المصرى ( 2010 / 1 / 20 - 20:38 )
مشاعرك النيلة ليتها تكون متواجدة فى الأكثرية من الشعب المصري
كانت مصر ساعتها تكون فى مصاف الدول المتقدمة
أما الوهابية ...... جرت مصر إلى الدرك الأسفل
ليت مصر تعود كما كانت !!
تحياتى


5 - أحسنت
سوري ( 2010 / 1 / 20 - 21:44 )
مقال متوازن ممتاز
علقت سابقاً على مقال لصباح ابراهيم وبنفس أفكار هذا المقال فقام الكاتب(ة) بحذف تعليقي
أسوأ ما كان بذلك المقال انه يلقي لوم قتل مروة عليها هي
وهذا يبرر لآخرين لوم الأقباط الذين قُتلوا!!!! وهذا وذاك خطلان كبير
معالجة الجرائم ضد الأقباط بحاجة لحكمة وصبر، ولا تتم بالعصبية والرد على الخطأ بخطأ

تحياتي للجميع


6 - مازال هناك امل
D.FOX ( 2010 / 1 / 21 - 19:54 )
عندما اقرا مثل تلك المقالات الرائعة اشعر انه مازال هناك امل فى نهاية النفق المظلم الذى تسير فيه مصر باقصى سرعة--ارجو منك ان تستمر -------

اخر الافلام

.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن


.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت




.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان