الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلاسفة عصر التنويرفي اوربا – سبينوزا ( القسم الثاني )

عبد الجبار منديل

2010 / 1 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



لقد كتب الفيلسوف سبينوزا اربعة كتب فقط هي ( رسالة في الدين و الدولة ) و( تحسين العقل ) و ( الأخلاق ) و ( الرسالة السياسية) ، وقد مرت هذه الكتب في البداية من دون ان تثير انتباه احد ولكن بعد سنوات قليلة انتبه لها الكثير من الكتاب والفلاسفة واثارت ضجة هائلة وكان لها اثر كبير وبالغ في تطور الفكر الأوربي والأرتقاء به الى مصاف الفكر العلمي العميق الذي عمل على تطوير النهضة العلمية ودعم الفكر التنويري . يقول سبينوزا ... ان الناس يميلون الى الإ عتقاد بان الله يحطم نواميس الكون من اجلهم . فاليهود مثلا يعتقدون ان المعجزات التي تحققت سواء في العبور او اثناء التيه تحققت من اجلهم لذلك فانهم شعب الله المختار ، فما من شئ يحرك نفوس الناس ويدفعهم الى الإيمان والعبادة اكثر من المعجزات التي تحرك الخيال والعواطف ، واننا لو نظرنا لبعض الكتب الدينية اليهودية بعين العقل وبمنظار فلسفي لوجدناها طافحة بالأخطاء والتناقضات والأمور المستحيلة فالناس يطلبون نصوصا تساعد على اثارة الخيال وتملأ بالحوادث الخارقة .
ويتسائل سبينوزا... هل ان معرفتي هي المعرفة الحقة ؟ وهل من الممكن الوثوق بحواسي فيما تنقل الى ذهني من المحسوسات ؟ .. وهل من الممكن الإعتماد على عقلي بالنتائج التي يستمدها من الأحاسيس والتي تقدمها الحواس ؟ .. اليس من الواجب ان نميز بين انواع المعرقة ولا نضع ثقتنا الا بعد الفحص والتمحيص ؟

يقول سبينوزا ان المعرفة البديهية هي ادراك الأشياء في نواحيها وعلاقاتها الأبدية لذلك فإنه يفرق بين النظام الموقت وهو عالم الأشياء والحوادث وبين ( النظام الأبدي ) وهو عالم القوانين والبناء الذي يسير هذه الأشياء والحوادث . وانه لا حاجة بنا الى ان نعرف سلسلة الأشياء الفردية المتغيرة لأن ماهيتها من الممكن ان توجد فقط في الأشياء الثابتة الأبدية .
لقد اتسمت كتابات سبينوزا بالصعوبة والتعقيد لذلك فانه يطلب من القارئ التمعن والدقة لكشف الغموض الذي يغلف النصوص .
يقسم سبينوزا الكون الى جوهر وعرض فالجوهر هو الحقيقة الاساسية الثابتة والتي هي بناء الكون وقوانين العالم ومواصفاته . فالطبيعة ذات مظهرين فهي فعالة حيوية خالقة من جهة وهي منفعلة مخلوقة من جهة اخرى .
اما العرض فانه شئ حادث وفردي وصورة زائلة. فالإنسان وجسمه وافكاره وفصيلته كلها اعراض لذلك فهي زائلة ولكنها صورة عن حقيقة ابدية ثابتة لا تتغير .
يقول سبينوزا ان العقل ليس مادة والمادة ليس فكرا وعملية الدماغ ليست سببا كما انها ليست نتيجة وليست هاتان العمليتان مستقلتين ومتوازنين اذ ليس هنا عمليتان وليس هنا وجودان بل عملية واحدة نراها من الداخل فكرا ومن الخارج حركة . هنا وجود واحد نراه من الداخل عقلا ومن الخارج مادة ولكنه في الحقيقة ليس الا مزيجا مندمجا من الإثنين . والعقل والجسم لا يؤثر احدهما بالأخر لأنها ليسا شيئا واحدا . ان حكم العقل ورغبة الجسم وميوله شيئ واحد بعينه وكل العالم متحد بنفس هذه الطريقة المزدوجة . فأينما وجدت عملا ماديا فليس ذلك الا جانبا واحدا من العملية العقلية . فالعملية العقلية الداخلية ترتبط في كل مرحلة مع العملية الخارجية المادية ونظام الأفكار وارتباطاتها هو نفس نظام المواد وارتباطاتها وبهذا فإن عنصر الفكر وعنصر المادة هما شئ واحد .
اما عن الفلسفة السياسية فان سبينوزا يقول انها تنبع من التميز بين نظامين هما النظام الطبيعي والنظام الأخلاقي ، او بعبارة ادق بين حياة الإنسان البدائية قبل تنظيم المجتمعات وبين حياته بعد تنظيم المجتمعات . وهو يرى ان الناس كانوا يعيشون قبل نشأة المجتمع في فوضى بغير قانون او تنظيم اجتماعي ولم يكن لديهم مفهوم عن الصواب والخطأ او العدل والظلم . وكانت القوة لديهم هو الحق .
ولم يكن في هذه الحالة الطبيعية التي يعيش فيها الإنسان قبل تنظيم المجتمع شيئا يسمى خيرا او شرا لأن كل انسان في هذه الحالة الطبيعية لا ينظر الا الى مصلحته ، فمصلحته هي الحق . لذلك فإنه لايدرك معنى الفضيلة ، لأن معنى الفضيلة لا يمكن ادراكه الا في ظل الحياة المدنية حيث يتقرر بالموافقة العامة ما هو الخير وما هو الشر ويصبح الإنسان مسوؤلا امام القانون . ان الناس ليسوا مهيئين بطبعهم للنظام الإجتماعي ولكن الخطر هو الذي دفعهم الى التجمع فالغريزة الفردية اقور من الغريزةالجماعية لذلك يجب اعداد الناس وتدريبهم على ان يكونوا مواطنين اجتماعيين . والإنسان ليس خيرا وصالحا بطبعه بل يفضل التربية والقوانين ، كما ان الضمير ليس فطريا ولكنه مكتسب يختلف باختلاف المجتمع ومثله العليا .
توفي سبينوزا في عام 1677 عن اربعة واربعين عاما فقط بمرض السل الذي ورثه عن والديه ، وكذلك بسبب البؤس والعوز الذي عاش فيه .
بعد حوالي قرنين من وفاته اقيم له تمثال في مدينة لاهاي في جو من التمجيد والتبجيل للفيلسوف الذي ساهم مساهمة كبيرة في بزوغ عصر التنوير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لن أسمح بتحطيم الدولة-.. أمير الكويت يعلق بعض مواد الدستور


.. في ظل مسار العمليات العسكرية في رفح .. هل تطبق إسرائيل البدي




.. تقارير إسرائيلية: حزب الله مستعد للحرب مع إسرائيل في أي لحظة


.. فلسطينية حامل تودع زوجها الشهيد جراء قصف إسرائيلي على غزة




.. ما العبء الذي أضافه قرار أنقرة بقطع كل أنواع التجارة مع تل أ