الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معاناة أستاذ مادة اللغة العربية

عادل بشير الصاري

2010 / 1 / 23
التربية والتعليم والبحث العلمي


يلقى أستاذ مادة اللغة العربية من عناء تدريسها وإفهام قواعدها ونصوصها للتلاميذ والطلاب ما لا يلقاه أستاذ مادة أخرى ، وثمة أدباء وشعراء معاصرون درَّسوا هذه المادة في المراحل الأولى والمتوسطة ودوَّنوا تجربتهم معها في نصوص أدبية شيقة ومعبرة .
من هؤلاء الأدباء والشعراء الشاعر الفلسطيني إبراهيم عبد الفتاح طوقان (1905م ـ 1941م ) شقيق الشاعرة المعروفة فدوى طوقان التي ذكرت في مقدمة ديوان أخيها أنه زاول مهنة التعليم سنة واحدة فقط ، وأنه في الأصل لم يكن يرغب فيها ، ونقلت عنه قوله (( إنه لا يستطيع أن يتصور نفسه معلماً ، فهذا عمل لم يُخلق له وسيكون فيه خائبا لا محالة )) .
لقد صوَّر الشاعر معاناته في قصيدة طريفة عنوانها ( المعلم) استهلها بمعارضة قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي التي ابتدأها بقوله بهذا البيت الشهير :
قُمْ للمعلمِ وَفِّهِ التبجيلا ... كاد المعلمُ أن يكون رسولا
تساءل إبراهيم طوقان بحسرة .. هل يكون مبجلاً من يخالط صغار التلاميذ ؟ .
اقعدْ فديتُك ..هل يكون مبجَّلاً .... من كان للنشءِ الصغارِ خليلا
وافترض لو أن أحمد شوقي جرَّب التعليم ساعة واحدة لا غير لعاش طوال حياته شقيا تعيسا .
لو جرَّب التعليمَ شوقي ساعةً ... لقضى الحياةَ شقاوةً وخمولا
إن المدرس وبخاصة مدرس مادة اللغة العربية يعاني الكثير، إذ تكفيه معاناته مع كراسات وأوراق إجابات التلاميذ ، فرؤيتها تجلب لقلبه الغم والهم ، وتصحيحها قد تصيبه بعاهة العمى .
كم عانى من شقاوة بعض التلاميذ وبلادة بعضهم الآخر، وكم بذل من جهد في إفهامهم قاعدة نحوية بسيطة كنصب المفعول به وجر المضاف إليه ، فكرَّ لأجل تأكيدها وترسيخها في عقولهم كَمَّاً كبيراً من أبيات الشعر القديم وآيات القرآن الكريم والحديث الشريف ، ومع ذلك يٌفاجأ بعد كل ما بذله من جهد بأحدهم حين يكتب يأتي بالمفعول به والمضاف إليه مرفوعين .
لذلك لا عجب أن هذا الأستاذ التعيس يسقط ميتاً بين الصفوف في الفصل ، وهو ما يشي أن الشاعر يرى أن مهنة التعليم تعد موتاً بطيئا لمن يزاولها .
شوقي يقول وما درى بمصيبـتي
اقعدْ فديتُك ..هل يكون مبجَّلاً قُمْ للمعلمِ وَفِّهِ التبجيلا
من كان للنشءِ الصـغارِ خليلا
ويكاد يفلقني ( الأميرُ ) بقــولهِ كاد المعلمُ أن يكـون رســولا
لو جرَّب التعليمَ شوقي ســاعةً لقضى الحياةَ شقـاوةً وخـمولا
حسـْبُ المعلمِ غـمةً وكـآبــةً مرأى الدفاـترِ بـكرةً وأصـيلا
مئةٌ على مـئةٍ إذا هـي صلّـِحتْ وجد العمى نحو العيـونِ سبـيلا
ولو أن في التصليحِ نفعاً يُرتَجـى وأبيك لم أكُ بالعـيونِ بخــيلا
لـكنْ أُصـلِّحُ غـلطةً نحْـويـةً مثلاً واتخـذُ ( الكـتاب) دلـيلا
مستشهـداً بالـغُـرِّ من آيـاتـهِ أو بالحديـث مُفصّـَلاً تفصـيلا
وأغوصُ في الشعرِ القديمِ فانتقي ما لـيس مُلتـبساً ولا مـبـذولا
وأكـاد أبعـثُ سيـبويهَ من البِلى وذويه من أهلِ القــرونِ الأولى
فأرى حـماراً بعـد ذـلك كـلـهِ رفَعَ المضافَ إلـيه والـمفعولا
لا تعجبوا إنْ صـحتُ يوماً صيحةً ووقعتُ ما بين الصـفوفِ قتيلا
يا من يريـد الانـتحار وجـدتـُه إنَّ المعلـم لا يعيــش طويلا
لم يشأ إبراهيم طوقان في قصيدته أن يفكر ويبحث في علة إخفاق أكثر التلاميذ والطلاب في فهم أبسط قواعد اللغة العربية نحواً وصرفاً وبلاغة ، هل السبب يعود إلى طبيعة المادة نفسها ؟ أم في طريقة تدريسها ؟ أم في إعداد المدرس الكفء لها ؟ .
لم يفكر الشاعر في شيء من هذا ، لأنه شاعر مهمته نقل شعوره وأحاسيسه ورؤيته للمتلقي ، وليس من مهمته البحث عن الأسباب والنتائج فهذه مهمة الخبراء والباحثين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و