الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوبية أم عروبية: دراسة في ظاهرة العصبية السلالية

خالد إبراهيم المحجوبي

2010 / 1 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


شهدت الحضارة العربية الإسلامية ظهور ظواهر كاثرة أثرت في البنية الفكرية والاجتماعية والسياسية للحضارة وملحقاتها .
وقد كان من أهم الظاهرات التي برزت في ساحة الأمة الإسلامية ما عرف بالشعوبية ، التي قابلها ما أسميه هنا بالعروبية . وهما اللتان سأقاربهما في هذه المندوحة البحثية.
أولا : الشعوبية :
في النصف الأول من القرن الثاني الهجري شاع استعمال مصطلح الشعوبية للدلالة إلى مذهب (سياجتماعي )يقوم على انتقاص قدر الجنس العربي والإغضاء من قيمته على كل مستوى، سواء الفكري ، أو السلوكي ، أو الاجتماعي 0
وحسب عبارة الزمخشري فالشعوبية هم ((الذين يصغرون شأن العرب ، ولا يرون لهم فضلاًعلى غيرهم )) .
وقد كان ظهور هذا الاتجاه حوالى منتصف القرن الهجري الأول على أقل تقدير . ذلك ما يترجح عندي ؛ بناء على وجود إشارات إلى بعض الأعلام الموصوفين بالشعوبية منهم -مثلاً-أبوبكر أحمد بن بشير الكوفي ، الذي وصف بأنه رأسٌ في الشعوبية على حد عبارة الذهبي ، والخطيب البغدادي .
ولم يكن للشعوبية واجهة محددة تصدر عنها طروحاتها حيث كانت الشعوبية موزعة على عدد من الواجهات أهمها : الواجهة الفارسية ، ثم الواجهة الرومية ، ثم الواجهة الزنجية ، ثم الواجهة التركية .
إن كل عنصر من هاته العناصر كان يمارس الشعوبية لكن بمقادير متفاوتة اتساعاً وعمقاً. واللافت للنظر أن كتاب وعلماء العربية غيرالعرب الأولن - ممن برئ من الشعوبية - لم تكن لديهم نظرة تفضيلية أو تفريقة تميز بين كل واجهة من واجهات الشعوبية بل كانوا يرون الشعوبية طائفة واحدة ومذهبا محصورا مقصورا على بعض العصبين غير المحترمين ؛ لذلك قال ابن قتيبة((أما أشراف العجم ...وأهل الديانة فيعرفون ما لهم وما عليهم ، وإنما لهجت السفلة منهم بذم العرب )) وقد توفي ابن قتيبة سنة 276هـ.
ولكي يكون كلامي أدنى إلى الوضوح والدقة يحسن إلقاء نظرة إلى المكونات العرقية (الاثنية) التي احتواها العالم الإسلامي فكونت نسيجه السكاني(الديمغرافي ) وذلك في حقبة ظهور ثنائية (الشعوبية والعروبية ) في ذروة الحضارة الإسلامية أي في القرن الرابع الهجري . احتوى العالم الإسلامي العناصر العرقية التالية :العرب ، والروم ، والأتراك ،والزنوج .
أولاً : العرب
هم العنصر الرائد والمركزي في نسيج العالم الإسلامي فقد ((كانوا كل شيء في العهد الأموي ، وضعُف سلطانهم في العهد العباسي ))( )لا سيما بعد حكم المعتصم (227هـ) الذي استقوى بعده نفوذ الأجناس ، الأخرى وبدأ بوضوح عهد التفتت العربي منذ أوائل القرن الرابع الهجري حيث توزعت القوي العربية إلى دويلات قزمية على أكتاف قبائل معينة أهمها ( ):
1- قبيلة تغلب التي أقامت دويلة الحمدانيين في الموصل وحلب ما بين سنتي 317-394هـ
2- قبيلة كلاب التي كونت دولة المرداسين في حلب ما بين سنتي 414-472هـ
3- بنوعقيل. الّذون كونوا حكومة العقيليين في ديار بكر وبعض من الجزيرة بين سنتي 386-489هـ
4- بنو أسد . هم الّذون صنعوا دويلة المزْيَديين في الحلة بين سنتي 303-545هـ
لقد كان أنشط أدوار العرب ما شهده العهد النبوي والراشدي واستمر طوال المملكة الأموية ، أما في العهد العباسي فقد تغير الوضع كثيرا لذلك قال أدونيس: ((... فلم تعد
العصبية العربية أساسا للدولة ))( ) .
ثانيا ً الفرس :
هم أهم الأجناس غير العربية في العالم الإسلامي ، وقد صاروا عماد المملكة الإسلامية في العهد العباسي الأول ، بدءً باستعمال المهدي لخالد بن برمك على الموصل سنة 148هـ ، وظلت لهم الوزارة سبع عشرة سنة حتى نكبهم الرشيد ،وقد ساد سلطانهم إلى أن دخلها الأتراك فتقلص النفوذ الفارسي نسبياً ، إلى أن نشط من خلال عمليات اقتطاع سياسية جغرافية من طرف دويلات قوامها العرق الفارسي ، كان أهمها ( ):
1- الصفارية : حيث تم الاستيلاء على فارس ما بين 254-290هـ
2- الساسانيون : هم الذين استولوا على فارس ، وما وراء النهر مابين سنتي 261-389هـ.
3- البويهيون : وقد ملكوا فارس والعراق ، وأخضعوا الملك العباسي (الخليفة) .فقد امتلك أحمد بن بويه الديلمي بغداد سنة 334هـ من المستكفي وأذله وسمل عينيه، ثم حجر عليه ، وولَّى المطيع لله خليفة صورياً . وبحسب كلام المسعودي فإن المطيع صار ((في يده ، لا أمر له ولا نهي ، ولاخلافة تعرف ، ولا وزارة تذكر))( )
ثالثاً: الزنوج:
كان أهم أعمالهم إثارتهم لثورة الزنج التي استمرت أربع عشرة سنة ، وأربعة شهور مابين سنتي 255-270هـ حتى قهرهم الملك الموفق ، أخو المعتمد على الله ، وولي عهده ( ) وكانوا قبل ذلك أحدثوا فتنة لم تدم طويلا سنة 145هـ( ). وقد حفظ التاريخ الإسلامي أسماء بعض من أعلام هذا العرق في كثير من المجالات ، أهمهم بلال بن رباح ، والنجاشي ، وسعيد بن جبير ، ،وعطاء بن أبي رباح، وكافور الإخشيدي .
وقد ازداد وجود هذا العرق طردياً مع دخول الإسلام للساحة الإفريقية وتوغله في وسطها خاصة ، وبتمازج الأنساب .
رابعاً: الأتراك
لابد من ذكر الملك العباسي المعتصم(الخليفة) ، عند الكلام على الأتراك ، فقد تولى الحكم سنة 218هـ وقام سنة 220هـ باستقدام أعداد كبيرة من سكان بخارى وسمرقند ، وفرغانة ، وأشرد وغيرها ، حيث وصل عددهم إلى ثمانية آلاف وقيل ثمانية عشر ألفاً .
وقد كان للترك سطوة وغلبة على عدد من ملوك العباسين ، أمثال : الراضي ، والمستكفي ( )حتى بلغ من أمرهم -كما قال ابن الأثير - أنهم ((يقتلون من يريدون من الخلفاء ، ويستخلفون من أحبوا ، من غير ديانة ولا نظر للمسلمين ))( ). وقد اشتهر منهم قادة عسكريون وحكام فعليون من أمثال (بُغا) و(وصيف)و(بايكباك) في مصر، وأحمد بن طولون كذلك.
ثم صارأغلب العالم الإسلامي تحت سيطرتهم في عهد الملكة العثمانية التي قامت على أنقاض المماليك الجراكسة سنة 922هـ
خامساً : الروم
هم من أقل الأعراق أثرا في حضارة وديانة المسلمين ، كان أغلبهم من السبايا والأسارى الذين استُحضروا شراءً ، أو نهباً إلى داخل الساحة الإسلامية.
كان بين الإمبراطورية الرومانية والمملكة الإسلامية حروب متطاولة وصدامات متوالية بعد التوسع الإسلامي في شمال شبه الجزيرة ، وتقويض الملك الروماني فيها.
إذاً كان لهاته الأعراق الخمسة وجود ظاهرٌ في سواء المملكة الإسلامية في ذروة مجدها ،وسَوْرة قوتها. لكن التنوع العرقي لم يقف عند تلك الأجناس فقط ؛لأنه توسع وتنوع بولوج أعراق أخرى دخلت الساحة الإسلامية بعد التوسع الذريع للدين الإسلامي الحنيف وسط قارة آسيا شرقا وشمالاً، وقارة أفريقيا جنوبا وغرباً ، لكن هذا التنوع والتعدد لم يؤثر في صرامة القاعدة الشرعية النبوية التي أعلنها النبي محمد –عليه السلام- حين قال : ((لافضل لعربي على أعجمي )) . وكذا القاعدة الشرعية الإلاهية التي أعلنها الله نفسه حين قال {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
لقد كان لتلكم الأعراق ردة فعل أمام ما رأوه من سيادة سلطة العرب لاسيما في عهد مملكة الأمويين ؛ فجاءت ردة الفعل تلك في صورة كريهة عرفت باسم (الشعوبية) التي كانت مذهباً اجتماعيا سياسياً(سياجتماعي) قوامه العصبية العرقية التي تغذت بعقَدٍ نفسية عميقة أثارها تعصب عرقي في الجهة الأخرى التي يمثلها الجنس العربي .كل ذلك في معزل عن إرشادات الدين وهداية النصوص المقدسة.
إن نشوء الشعوبية نتيجة لما سلف ذكره ، جعل بعض أنصارها المعاصرين يرى أنها تمثل نضال الشعوب المظلومة أمام ((التسلط العربي ، والتعصب الشوفيني الذي مارسته الارستقراطية العربية)) .كما يرى أدونيس أن عهد المملكة العباسية حدث فيه أن ((زالت العنصرية العربية وما يتبعها من أعراف وتقاليد ، زالت العروبية وحلت محلها الإسلاموية؛ فلم تعد العصبية العربية أساساً للدولة )) .
الانقلاب السكاني (الديمغرافي )
مع توسع وانتشار الإسلام حدثت تطورات هامة في بنية الوجود الإسلامي سواء في واجهته البشرية السكانية ، أو قاعدته الجغرافية وقد كان من أهم تلك التطورات ذلك الانقلاب في المكونات العرقية للمسلمين. فبعد أن كان العرب مكوِّنين للأغلبة الساكنية ، والعجم مشكلين لأقليات متفرقة ، صار الأمر على الضدِّ من ذلك فأضحى الجنس العربي أقلية وسط أكثرية أعجمية ؛ حتى انصرف القرن العشرون ،والعرب يملؤون أقل من 25%من مجموع الأمة الإسلامية ، بعد أن كانوا في العقودالثلاثة الأولى للإسلام مالئين أكثر من 90% من مجموع الأمة الإسلامية ، ومع ازدياد التوسع الإسلامي جغرافيا وبشرياً ازداد التعقّد الاجتماعي واشتدّ اضطرابه ، وهذا أمر طـبَعي خاضع لسنن الاجتماع البشري .
لا ريب في أن المجتمعات أحادية العرق تكون عادة على توافق اجتماعي ، وسلامة تنظيمية لا يمكن مقارنتها بما هي عليه المجتمعات ذوات الأعراق المتداخلة ، والمتكاثرة . تلك المجتمعات المعقدة التي صار المجتمع الإسلامي أنموذجاً هاما ًلها ، وبخاصة في العهد العباسي وبعده. وليس بمُكْنتنا إنكار قيام المجتمع الإسلامي على تركيبة طبقية معيارها الأساسي : العرق والسلالة في ظل العصبية. وهذا وضع اجتماعي لم تتمكن النصوص المقدسة من إزالته برغم تركيزها العميق على إرساخ معاير عادلة، ومبادئ قويمة غير عائلة ، تنظم الوضع الطبقي وتعترف بكونه سنة حياتية .
ذلك ما نجده في نصوص من أمثال قول النبي عليه السلام :((ألا إن ربكم واحد وأباكم واحد ، ألا ، لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى)) كذلك قال : ((من بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه)) .
وإلى ذلك قال عليه السلام والصلاة : ((ليس منا من دعا إلى عصبية . وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية )) . وسئل يوماً ((من أكرم الناس ؟ قال : أتقاهم)) . وفوق كل هذا قال الله تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} .
إن مبدأ المساواة يحدد مفهوم الإنسان ((ويمثل بالتالي حجر الزاوية الذي يرتكز عليه بناء النظام الاجتماعي ، وهذا الشعور خاص بالإسلام ، إذ لم يسبق أبداً لدين ، أو لأيديولوجية أن أكداه من قبل بهذه القوة ))
وبرغم ذلك كله بقي للتمييز العرقي سطوته وللعصبية قوتها. وإذا ما نظرنا إلى طبقتي العرب والموالي ؛فلن تجهدنا رؤية مدى التمييز والتفريق الطبقي بينهما ، فالعرب هم الأعلَوْن وقتها لسببين أراهما ماثلان في :
1- كون الإسلام قام أول عهده على أكتاف العرب .
2- كون الغلبة العددية كانت للعرب في مرحلة التأسيس الأول ، قبل صيرورتهم أقلية بعد ذلك .
لاجرم أن الموالي كانوا يلحظون بجلاء الفرق والتفريق ويحاولون توطئة نفوسهم لتقبله ، بل إن كثيرا منهم آمن بعُلوية العرق العربي ، وفي هذا تفسير لكثير من الحوادث والمواقف التي سجلها التاريخ الإسلامي لمسلمين من غير العرب ، من ذلك ما حدث في معركة (دير الجماجم) حيث أراد القراء (الفقهاء ) أن يؤمرّوا عليهم أبا البختري سعيد بن فيروزالمتوفى سنة 83هـ فاعتذر قائلا : أنا رجل من الموالي ، فأمروا رجلا من العرب .كما أننا نرى في عصرنا هذا أكثر من واحد غير عربي يبدي أمانيه في أن يكون من العرق العربي .
ولم يكن في الغرابة أن ينـزعج ويضيق كثير من العرب بطبقة الموالي ، لاسيما بعد تميزها في الساحات المعرفية العلمية ، فقد ورد عن عبد الله بن يزيد بن أسلم أنه قال )) لمّا ماتت العبادلة(ابن عباس ، وابن عمرو، وابن الزبير، وابن عُمر) صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي )) .
من هنا ظهرت تصريحات تكشف مدى الاستحسار والانزعاج من هذا الواقع . من ذلك قول ابن شهاب الزهري –في حسرة- ((إنا لله ، قد صار العلم إلى الموالي )) كما قال –رحمه الله- في روح تفوح منها العنصرية : ((إذا تقاعد أبناء المهاجرين والأنصار عن تعليم العلم ؛ يغلبهم الموالي )) .
كذلك نلحظ ذاك الضيق في سؤالات عبد الملك بن مروان حين سأل الزهري ، في الخبر التالي الذي يرويه الزهري نفسه حيث ذكر أنه قدم إلى عبد الملك فقال له : من أين قدمت يازهري ؟ قلت : من مكة . قال : فمن خلفت بها يسود أهلها ؟ قلت : عطاء بن أبي رباح .قال : فمِن العرب أم من الموالي ؟ . قلت: من الموالي. قال : وبم سادهم ؟ قلت : بالديانة والرواية . قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا . قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاووس ابن كيسان. قال عبد الملك : فمن العرب أم من الموالي ؟ قلت : من الموالي . قال : وبم سادهم ؟ قلت : بما سادهم به عطاء ؟ قال عبد الملك : فمن يسود أهل مصر ؟ قال الزهري : يزيد بن أبي حبيب، من الموالي . قال: فمن يسود أهل الشام؟ قلت : مكحول . قال عبد الملك : فمن العرب أم من الموالي ؟قلت من الموالي ، عبد نوبيٌ اعتقته امرأة من هذيل . قال عبد الملك : فمن يسود أهل الجزيرة ؟قلت : ميمون بن مهران من الموالي ، قال: فمن يسود أهل خراسان ؟قلت: الضحاك بن مزاحم من الموالي .قال: فمن يسود أهل البصرة قلت الحسن بن أبي الحسن ، من الموالي . قال عبد الملك –وقد غضب – ويلك ، فمن يسود أهل الكوفة ؟ قلت إبراهيم النخعي . قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قلت : بل من العرب . فقال عبد الملك: فرّجت عني ، والله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها .
ليس يخفى في هذا الحديث هيمنة الهمِّ العرقي ، وغلبة المعيار السلالي الذي ظل طاغياً، ضافيا على المجتمع الإسلامي بكل مركباته ، وفي هذا التزام بتقليد جاهلي غير مشروع، ولعل الإنسان الجاهلي صاحب عذر في تبنيه العصبية العرقية ، لكن الإنسان المسلم ليس له من الأعذار نصيب بعدما رآى وسمع تشاريع الله ظاهرة وممارسة النبي جلية ، وكلها متعاضدة على إلغاء الروح العنصرية والمقاييس السلالية ، كل هذا لم يستنر الجاهلي به ؛ فامتلأ سلوكه ، وفكره بالروح العصبية المتكبرة فوق الأعراق الأخرى، وذلك واقع كثيرة شواهده ،فكرياً ، وسلوكياً ، على مستوى اللغة أيضاً من ذلك ما نلقاه في لغة العرب الأقحاح ، فقد كانوا يطلقون لقب : المذرَّع ، على من كانت أمه عربية وأبوه غير عربي ثم صار لقب المذرّع يعني من كانت أمه أشرف من أبيه عرقياً ، ثم صاريطلق على البغل ، ويستعمل سُبّة ، من ذلك قول أحدهم :
إن المذرع لا تغني خؤولته كالبغل يعجز عن شوط المحاضير
هنا شُبه المهجو بالبغل ؛ لأن أم البغل أشرف من أبيه وأكرم

ثانياً: العُروبية
هذا المصطلح قليل الاستعمال جدا في التراث العربي وعلى ألسنة العرب وهو عائد في اشتقاقه إلى مادة (ع ر ب) ، التي تتوزع إلى تصاريف ومعان كثيرة ، يقال : عرب الرجل ، يعرب عُرباً وعروبا ، وعروبة ، و عرابة، وعروبية . وكلمة عربي تطلق على من صرُح نسبه وصفا عرقه من العرب ؛ لذلك قال الفيروزآباذي وغيره : ((عربي ، بيِّن العروبة والعروبية)) .
وكان العربي القديم يفرح حين ينادى : ياعربي . وعلى الضد يغضب لو نادوه: ياأعرابي ؛ لأن الأعراب كانوا يتمتعون بخصال وطبائع سيئة ، غير وافرة لدى العرب الحضريين ، مع التسليم للأعراب بأنهم ذووا خصال حميدة مشهورة ، لكن سيئاتهم غلبت على حسناتهم ، جعلت العربي الحضري يغضب حين يشبه بهم ، كما ساغ أن يذمهم القرآن بقوله{الأعراب أشد كفرا ونفاقاً}وقوله {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ، ولمـّا يدخل الإيمان في قلوبكم}
وكانوا يقولون : تعرّب الرجل ، إذا انتقل للبادية وكذا عند تشبهه بالعرب وهو ليس منهم . وفضلاً عن كلمة عروبي ، عرفت اللغة ثلاث صيغ للنسبة إلى العرب وهي: عربي ، وأعرابي ، وعرباني. ويقال: عرباني اللسان، إذا تميز بفصاحته .
وتطلق ألفاظ : العرابة ،والتعريب ، والإعراب ، على ما قبُح من الكلام وكان فاحشاً( ).
لقد بدأت باكورة التمييز العنصري العرقي في العهد الراشدي ، فبرغم حرص الخلفاء الراشدين على الالتزام بهدي محمد عليه السلام في هاته القضية ، وجدت بوادر حركة تمييزية بين المسلمين العرب من جهة ، والمسلمين العجم من أخرى. من ذلك ماسجلته بعض كتب التاريخ من شكوى قدمها بعض الموالي غير العرب حين خاطبوا سيدنا علياً بن أبي طالب قائلين : ((نشكوا إليك هؤلاء العرب . إن رسول الله كان يعطينا معهم العطايا بالسوية، وزوّج سلمان ، وبلالاً ، وصهيباً . وأبوا علينا هؤلاء وقالوا : لانفعل . فذهب إليهم أمير المؤمنين علي فكلمهم فيهم . فصاح الأعاريب : أبَيْنا ذلك يا أبا الحسن .. فخرج وهو مغضب )) . ثم خاطب الموالي قائلاً ((يا معشر الموالي إن هؤلاء قد صيروكم بمنزلة اليهود والنصارى))
وفي حادثة أخرى قسم الإمام عليٌ مالاً بين امرأة عربية ،وأخرى من الموالي ،فأعطىكلاً منهما بالتساوي ، فاعترضت العربيةقائلة ((إني امرأة من العرب ، وهذه امرأة من العجم ، فقال علي -ع- والله لا أحد[من] بني إسماعيل[له حق] في هذا الفيء ، فضلاً على بني إسحاق ))( )
كما ورد أن الإمام نصحه بعض أتباعه بقولهم((أعط هذه الأموال وفضِّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم.. فقال لهم أمير المؤمنين : أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور ؟ لا والله لا أفضل ))
لقد أسهم الإمام عليٌ في عرقلة ظاهرة التمييز العنصري. هاته الظاهرة التي استتبعت ظاهرة الشعوبية التي لم تجد أمامها من الحكام والمسؤولين-بعد سيدناعلي- من هو في مثل حكمتة وعدالته ؛ فانفجرت بجلاء وصراحة في عهد المملكة العباسية بعد الضعف الظاهر في قوةالعنصر العربي ، الذي كان رائساً وصلباً طوال عهد المملكة الأموية ، فضلاً عن عهد الخلافة الراشدة .
المعيار النبوي للعروبة
في هذا السياق أسوق حديثا نبوياً هاماً هو قوله عليه الصلاةوالسلام ((ليست العربية منكم بأب ولا أم ، ولكن من تكلم العربية فهو عربي ))
جاء هذا الحديث حاملاً لمحاولة نبوية كريمة –فاشلة مع الأسف- لاحتواء ما قد ينفجر من خلافات عرقية بين العرق العربي وسواه من الأعاجم .هذا الحديث يؤكد أن العروبة لا تُكتسب عرقياً فقط ، إنما اكتسابها (ثقافي) ، حيث لا يشترط لاكتساب الوصف بالعروبة أن يكون من سلالة عربية صرفة ، بل يكفي أن يشارك العرب في لسانهم ويلهج بلغتهم الشريفة . هذا هو رأي النبي محمد عليه الصلاةوالسلام في المرجعية العربية للإنسان.
إنه رأي يفتح الباب واسعاً لاحتواء النزعات الشعوبية العنصرية ، وهو رأي يقفل الباب مكيناً أمام كل خلل وضعف تؤدي إليه العصبية العروبية والعصبية الشعوبية ، وهو رأي قفل العروبيون والشعوبيون أمامه طريق القبول ،ورموه وراءهم ظهرياً ؛ فكان نصيبه كنصيب أكثر الآراء والتوجيهات التي أجهد النبي نفسه لتقديمها لأمته التي اتخذ أكثرها نهج نبيهم مهجوراً.
مظاهر الخصومة :
لاجرم أنْ كان نشوء جدلية الشعوبية والعروبية من مظاهر التفلُّت الالتزامي من مقتضيات الدين النقي ، ودعوة كريهة للعودة على معايير الجاهلية والعصبية ، و لا غرابة أنْ كانت الخصومة بين الفريقين شديدة وذريعة ، نائية عن الموضوعية ، غاطسة في الذاتية ؛ حتى عاب كل فريق منهما الآخر في دقائق شؤونه ، وصغيرات عوائده اليومية ، كصفة اللباس ، وطرائق الكلام ، وهيئات الحركات البدنية العفوية .
كل ذلك أضحى من المقتنصَات التي توظَّف للإهانة والإزراء والسخرية . وقد ظهر بجلاء التصادم والتنابز بينهما الفريقين أوائل القرن الثالث الهجري ، مع وجود سابق لذلك لكن على هيئة غير ظاهرة على النحو الذي كانته أوائل القرن الهجري الثالث . الذي يمثل زمناً ذهبيا في التاريخ الحضاري الإسلامي ، فقد أتيح للفرق والمفكرين قدرٌ نايفٌ عالٍ من الحرية الفكرية والتعبيرية ، لو قيس بالأعصار التالية لكان الفرق واسعاً لصالح القرن الثالث الذي استحق أن يوصف بأنه ((ربيع الفكر العربي )) حسب تعبير حسين مؤنس .

التصارع بالنصوص :
اتخذ كل من العروبيين والشعوبيين سلاحين رائسين في خصومتهما ، ذانك السلاحان هما : 1-سلاح الحكم السياسي ، 2- سلاح النصوص النبوية .
وسنركز كلامنا هنا على الثاني الذي هو التصارع بالنصوص. الذي يمثل مظهرا ناهداً من مظاهر تلك الخصومة العروبية الشعوبية .
لقد ابتلي الحديث النبوي باتخاذه مطية يرتقيها كثير من ذوي الهوى حيث يكذبون ما شاؤوا ،ويدلسون ما أرادوا ،ملصقين كذبهم وتدلسيهم بذات النبي عليه الصلاة السلام ، وعلى لسانه . وهذه وسيلة دنيئة سمجة ، استثمرها بعض العروبين من جهة ، وبعض الشعوبيين من جهة أخرى ؛ لذلك امتلأت كتب الأحاديث الموضوعة بنصوص تمجد وتشرف العرب ، وتزري بقدر غيرهم من الأجناس ، كما وجدنا نصوصاً منسوبة للنبي تمجد بعض الأعراق غير العربية في ردة فعل لما وُصفت به من مناقص . وقد انشحنت تلك النصوص بدلائل وشواهد كاشفة كذبها ، وبراءة النبي عن اللهج بها .
إن كذب تلك النصوص مفتضح بشواهد أهمها:
1- التعارض مع المعيار الرئيس الذي وضعه الله تعالى للتفاضل بين البشر ، حين قال {إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ، ولم يقل زنجيّكم ، أو عربيكم ، أو فارسيكم. وكذا التعارض مع نصوص نبوية صحيحة تؤكد هذا المعيار من ذلك قول النبي عليه السلام((لافضل لعربي على أعجمي ...)) .
2- الضعف الإسنادي الذي ثبت لتلك النصوص حيث امتلأت أسانيدها بالرواة الضعفاء والمتروكين ، لا يسمح مجال بحثنا هذا لتفصيل عوارهم.
3- احتواؤها نأياً جليا عن لغة النبي وأساليبه في الكلام ، وطرائقه في التعبير.

إن مجموع تلك الروايات التي سأعرضها يتّخذ ثلاثة اتجاهات هي:1- تمجيد الجنس العربي ، بذكر حسناته ، والأمر بإكباره أمام غيره. 2- إهانة بعض الأعراق الأخرى3- إكبار شأن بعض الأعراق غير العريبة.
أولا: تمجيد العرب والأمر بإكبارهم :
ورد في هذا المجال نصوص كثيرة هي الأغزر عدداً من بين النصوص التي استوعبتها الاتجاهات الثلاثة السالف ذكرها . وقد كان أ هم وأشهر ما كُذب في هذا الموضوع ، النصوص التالية :
1- أخرج ابن قدامة المقدسي ، بسنده من حديث عبد الله بن عمر أن النبي قال: ((...من أحب العرب فبحبي أحبَّهم ، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم)) .
2- خرَّج أبن أبي بكر الزرعي بسنده من حديث ابن عباس عن رسول الله مكذوباً مرفوعاً((أَحبوا العرب لثلاث : لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي )) .
3- ورد من رواية أبي هريرة أن النبي قال ((إن الله اختار العرب...)) . وبلفظ مقارب أورده ابن حجر بصيغة((...ثم اختار من بني آدم العرب ..)) .
4- في حديث طويل تفرد به خارجة ٌبن مصعب ، نُسب للنبي أنه قال(( إن الله تعالى أوحى إليَّ ألا أخرج في سرية إلا وعن يميني رجل من العرب ، فإن لم يكن فمن الموالي ، فإن لم يكن فالناس فئام لاخير فيهم، ياسلمان ليس لك أن تنكح نساءهم ولاتأمرهم ، إنما أنتم الوزراء وهم الأئمة)) .
5- ونسب للنبي أنه قال ((...فأحبوا العرب بكل قلوبكم ))
6- ورد من رواية سيدنا علي مكذوبا عليه عن النبي عليه السلام أنه قال ((خير الناس العرب ...)) .
ثانياً :إهانة بعض الأعراق غير العربية:
وُضعت كثير من الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلوات الله عليه وسلامه ، وحمِّلت إهانات وانتقاصات لبعض الأعراق غير العربية ، في مضمار الخصومة العروبية الشعوبية . أهم تلك النصوص ما يلي:
1- كُذب على النبي أنه قال: ((دعوني من السودان إنما الأسود لبطنه وفرجه))( ).
2- وورد كذلك ((الزنجي إذا شبع زنا ، وإذا جاع سرق)) .
3- وروي : ((شر الرقيق الزنج)) .
4- وروي :((إياكم والزنج ؛ فإنه خلق مشوه)) .
5- ومن روايةابن مسعود مرفوعاً ((اتركوا الترك ما تركوكم)) .
ثالثاً : ‘كبار شأن بعض الأعراق غير العربية :
كان من أعمال الوضاعين اختلاقهم أحاديث تعلي من شان غير العرب ، وتحط من قدر العرب ، في ردة فعل أمام المختلقات التي تعلي بإفراط مقدار الجنس العربي ، وعلى المستوى الكمي وجدت أن ما في هذا الباب هو الأقل عديداً من ذلكم النصوص التالية:
1- ورد مكذوباً من رواية سيدنا ابن عباس أن النبي قال : ((اتخذوا السودان ؛ فإن فيهم ثلاثة من سادات أهل الجنة : لقمان الحكيم ، والنجاشي ، وبلال )) .
2- عن ابن عمر مرفوع ومكذوباً ورد ((من أدخل بيته حبشياً أو حبشية أدخل الله بيته بركة)) .
3- روي عن الإمام الصادق (( الشجاعة في أهل خراسان ، والباه، في أهل بربر ، والسخاء والحسد في العرب )) .
4- وعن الصادق أيضاً((لو أنزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب ، وقد نزل علىالعرب فآمنت به العجم ؛ فهذه فضيلة العجم)) .

إن من الإنصاف أن أقرر هنا أن الدين الإسلامي نشأ أولاً على أكتاف العرب ، أما الحضارة الإسلامية فقد نشأت على أكتاف الأعاجم والموالي ، وقد كان لكل من الطرفين نصيب نسبي في ما حققه الطرف الآخر . وفي كلا الصورتين نجد الإسلام هو الحاضر الأكبر والدائم ، والحاضن الأوسع و الأعظم لكل من العرب والعجم ، ومن السفه أن يزايد هذا بعروبته على الإسلام ، وأن يزايد ذاك بعجمته على الإسلام . فكل منهما تغذى وتشرف ، وتسامق ،واستعلى بالإسلام .
إن العجمي لا يجوز أن يُغفل أن فضل الحضانة الأولى والريادة كان للعرب ، والعربي لا يجوز له أن يغفل عن أن فضل الحضارة الكبرى والرقي العلمي كان مرتكزاً على نحو قاعدي أساسي على علماء الأعاجم المسلمين وهاته حقيقة ليس في المـُكْنة غمطها ،وقد أكدها كثير من العلماء ، لعل من أشهرهم ابن خلدون الذي قال ((من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية، أكثرهم العجم...وإن كان منهم العربي في نسبه ؛ فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته )) وقال أيضاً:((ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم ....أما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة...فشغلتهم الرئاسة ...عن انتحال العلم)) .
ولتوكيد هاته الحقيقة أسوق من باب التمثيل -لا الحصر – المسرد التالي الحاوي لأسماء عدد من أهم أعلام وأقطاب الحضارةالعربية الإسلامية ، ممن لم يكونوا عربا ً في أعراقهم وأصولهم ، مع التوكيد على أن العرب أيضا قدموا أسماء هامة جداً أسهمت في الرقي العلمي والحضاري ، لكن المقارنة الكمية والكيفية تجعل الغلبة لغير العرب في هذا المجال الحضاري :

الاسم أوالكنية تاريخ الوفاة
طاوس بن كيسان 106هـ
عكرمة المدني ، صاحب ابن عباس ، أصله من بربر المغرب 107هـ
وهب بن منبه ، أصله من الفرس الذين بعثهم كسرى إلى اليمن 114
نافع المدني ،من القراء السبعة، تابعي من الديلم ، مجهول النسب 117
مكحول بن مسلم ،فقيه الشام في صره ، ولد في كابل 118
عبد الله بن كثير ، من القراء السبعة، أصله من فارس ، تولى قضاء مكة 120
أبوحنيفة النعمان ، هو تميمي بالولاء 150
محمد بن إسحاق ، اشهر كتاب السيرة ، هو مولى فارسي 152
حمزة بن حبيب الزيات، من القراء العشر ، تميمي بالولاء 156
شعبة بن الحجاج ، من واسط 159
عبد العزيز بن الماجشون، أصله من أصبهان من فارس 160
الليث بن سعد ، فهمي بالولاء ، أصله من خراسان 175هـ
عبد الله بن المبارك، قال الذهبي ك ابوه تركي وأمه خوارزمية 181
أبو عبد الله البخاري ، جعفي بالولاء ، وهو من بخارى 256
أبو القاسم الجنيد ، أصله من نهاوند ، وهو من رواد التصوف الإسلامي 297
أحمد بن شعيب النسائي، اصله من خراسان 303
ابو عبد الله الحاكم النيسابوري 405
أبو عمرو الداني ، عالم القراءات المشهور، من موالي بني أمية 444
الواقدي ، من رواد كتاب التاريخ الإسلامي، هو من الموالي ــ
محمد بن سعد ، صاحب الطبقات ، ــ
الشاعر ابن الرومي علي بن العباس، ــ
محمد بن سيرين ، تابعي ، مولى أنس بن مالك ــ
ابن جنّي ، أبوه مملوك رومي ــ
الفارابي ، الفيلسوف الشهير ــ
أبو علي ابن سينا ــ
أبوحامد الغزالي 505
أبو العباس القرافي ــ
يحيى بن يحيى الليثي ــ
الحسن البصري ــ
الشيرازي، الفيلسوف الشهير ــ

عملت في ما كتبتُ على أن أكون موضوعيا غير متحيز إلى فئة ، ولا متحرفاً لظلم ، وقد يتوهم بعض من يقرأ هذا الكلام أني متحامل على العرب ، أو أني غير عربي ، لذلك أود أن أؤكد أني-بحمد الله- عربي محض خالص ، من المحاجيب الأدارسة ، الحسنيين، المتشرفين بالنسب النبوي ، غير أني فاقد لأيّ قدر من العصبية العرقية ، والعنصرة السلالية ، التي لاترتضيها التشاريع و التقاليد الإسلامية ، ولا القوانين الوضعية ،ولا الأخلاق السوية ؛لذلك جاءت حملتي على كل من العروبية والشعوبية.
والحمد لله الذي بنعمته تم الصالحات













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ