الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تعرف عن عاشوراء

محمود جابر

2010 / 1 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا السؤال فى أصله موجه إلى عامة المسلمين وخاصتهم ، كما انه موجه إلى كل العالم وفى القلب منهم أحراره..
والسؤال هو : ماذا تعرف عن عاشوراء؟
بالتأكيد لم يكن هذا السؤال من بنات أفكار كاتب هذه السطور ،بيد أنه استجابة للسؤال وجهته أحدى الصحفيات المصريات لي فى المحرم من هذا العام وكان السؤال كالتالي : هل يحتفل الشيعة المصريون بعاشوراء وما شكل هذا الاحتفال وأين يتم ؟.
هذا السؤال بصيغته الماضية لا يدل بأي حال من الأحوال إلا على ضعف شديد لدى مؤسساتنا الإعلامية – التي من واجبها أن تكون إحدى نوافذ المعرفة للناس- بكافة أشكالها، هي لا تعلم أن المسلمين جميعا لا يحتفلون بعاشوراء حتى الذين يقولون بحرمة الحزن فيه !!
ولكن كيف هذا من المعروف أن العامة – أهل السنة أو مدرسة الخلفاء – يصومون فى عاشوراء ، والصيام عبادة لا تؤدى لله فى أيام العيد .. ألا ترى أن كل مذاهب أهل الإسلام صح عندهم حرمة صيام يوم الفطر – عيد الفطر، وأيام التشريق الثلاث و يوم النحر وهم أتام عيد الأضحى ، كما انه حرم صيام يوم الجمعة منفردا لأنه عيد ، إذا اتفقت مذاهب الإسلام بأنه لا توافق بين العيد والصيام ، والصيام عكس البهجة والاكتحال والتزين والتوسع فى الطعام والشراب والشماتة فى مصابهم ، لان مصاب آل البيت ليس بالمصاب المذهبي بل هو مصاب النبي ،ومصاب النبي هو مصاب أمته.
وهذا الفعل – الصيام – ليس من فعل النصب والعداء لآل البيت، وربما صام العامة وفق للأحاديث التي اشتهرت لديهم ، وحتى إن كان السبب هو نجاة أو مصاب يونس ونوح وإبراهيم وموسى وكل الأنبياء فى السابق ،فهذا لا ينفى مصاب أبى عبد الله الحسين (سلام الله عليه) ونجاة الأمة لاحقا ، وربما أخفى الناس هذا الأمر قديما حتى لا تستوقفهم السلطات الغاشمة والمستبدة وتحاكمهم باعتبارهم من شيعة آل البيت، ويكون هذا الإخفاء والتكتم فى السبب نوعا من التكيف الاجتماعي الناجح الذي هو الذكاء الاجتماعي أو هو نجاح الفرد فى التكيف مع ظروف الحياة الجديدة ، ونحن نعلم مدى المعاناة التي لاقاها آل البيت وشيعتهم طوال التاريخ .
ونعلم أيضا أن الذين اظهروا الفرح بمصاب آل البيت وخاصة فى عاشوراء هم الأمويين نكاية فى آل البيت،ومن بعدهم الأيوبيين فى مصر نكاية فى استئصال الدولة الفاطمية وشعائرها المادي والمعنوي ، وما خلا هذا فلم نعلم أحدا اظهر الفرح والسرور فى هذا اليوم .
أما نحن الامامية فالمشهور عندنا هو عدم الصيام يوم عاشوراء لأنه يوم استشهاد الإمام أبى عبد الله الحسين (سلام الله عليه )،بيد أنه هناك روايات كثر صح أكثرها فى صيام هذا اليوم، وليس كل المشتهر صحيح وليس كل الصحيح مشتهر .
إذا من خلال المدخل هذا أوضحنا أن كل أهل الإسلام يقف معظما لهذا اليوم، واحد أشكال التعظيم هو الصيام، ألا ترى معي أن شهر رمضان شهرا معظما وجميعنا نعظمه بالصيام ، ونختلف من شخص إلى آخر فى باقي الطاعات ومقدارها من صلاة ودعاء وتلاوة وذكر ... بيد أن الفعل الجامع فى التعظيم هو الصوم .
وأنت ترى أن البعض يعظمه بالصيام – العامة والزبدية والاباضية ، والآخرين يعظمونه بالانقطاع عن الطعام والشراب حتى الزوال مع إتيانهم بمراسم العزاء ، والجميع يشتركون فى الحزن نعم الحزن ، فالعبادة والصيام والطاعة مقامها مقام حزنا للجوارح وفرحا فى القلوب ، ألا ترى معي أن النبي الأعظم كانت جوارحه تتألم من العبادة وتعظيم شعائر الله ، وكان دائما وأبدا فى حالة صلاته يأمر أصحابه بان يصلوا صلاة مودع ، وكان اغلب العلماء والعباد إذا اقبل على العبادة يتغير وجهه ويتلون خشية الله ، وأنهم يتوجهون فى عباداتهم برفع الأكف وإبداء الخشوع والتضرع والاضطرار ويبكون سجدا ، إذا فان مقام الصيام مقام تعظيم ومقام التعظيم لا يؤتى إلا بالحزن والخشوع ، والسؤال هل هناك صائم يلعب ويلهو ويفرح أم يتبتل ويخشع ويبكى حتى يتقبل الله منه عبادته .
وهذا هو الدرس الأول من دروس عاشوراء وهو العبادة والصيام والتبتل والخشوع والبكاء والحزن .
الدرس الثاني من دروس عاشوراء ، أو هو السؤال الاصلى فى هذا الموضوع : ماذا تعرف عن عاشوراء ؟
إن عاشوراء كان يوم مصيبة لأهل الدنيا ومصيبة للشكل المذبحة والمجزرة الدموية التي تعرض لها الحسين وأبنائه وأصحابه ، بيد أنها كانت لهم فرحا لان الشهيد أو الشهداء الذين قضوا حياتهم من اجل نصرة الحق أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من قدر ورفعة ومنزلة ، لكن ما هو السبب الذي دفع بالإمام الحسين أن يقوم بثورته أو نهضته ؟
هل خرج الإمام الحسين خروج من أحب الدنيا وطلب الملك والسلطان والدنيا ؟
أم خرج الإمام الحسين فى شيء آخر ؟
شكلا – اى بالنظر إلى قلت العدد واصطحاب النساء والأطفال – لم يخرج الإمام طالبا الدنيا ولا الملك ولا السلطان والا لما خرج بهذا الشكل ، إذا لماذا خرج الإمام الحسين وما هو هذا الشيء الآخر ؟
من المعلوم يقينا أن المسلمين جميعا واغلب المعمورة – على اعتبار أن الدولة الإسلامية التي سيطر عليها الأمويين كانت دولة إمبراطورية تسيطر على مساحة كبيرة من المعمورة – كانت واقعة تحت سلطان سلطة غاشمة مستبدة تحتقر الإنسان وتحتكره لصالح نزواتها وشهواتها وسلطانها ، فضل المسلمين شعائرهم وخافوا على أنفسهم وأهليهم وكره الناس – غير المسلمين – هذا الشكل من السلطة وما ورائها – إسلام بنى أمية – وأصبح الجميع فى حالة انتظار لقادم يحرر الإنسان من قيد القهر والاستعباد ، حتى وان بذل نفسه وأهله من اجل أن تتحرر العباد والبلاد ، وإذا كان الناس تخشى السلطة وتحاول أن تتكيف معها على اى وجه على أن لا يقع فى الهلاك ، فإن مقام التضحية هنا هو مقام الأبطال والمصلحين والأئمة الذين جعلهم الله أئمة لأنهم يهدون بأمره ...
إذا كانت اللحظة الزمنية ترشح خروج الإمام الحسين إلى ساحة التغيير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حتى يقتل العزيز الغالي الشريف سيد شباب أهل الجنة ، فيحصل للناس ما يسمى بعقدة الذنب ، لماذا لأنهم ضيعوا من بين أيديهم رجلا بهذه المواصفات المثالية إضافة إلى انه ابن النبي الذي أمرهم القرآن أن يبروه ويطيعوه ويوقروه ، بيد أنهم تركوه وحيدا شريدا غريبا عطشانا مذبوحا ولم ينصروه .
هذه الحالة سوف تتلبس الأحرار والأخيار وكل من فى صدره قلب ، ومع الوقت يجتمع حول المصيبة المصابين ، ويجتمع حول القهر المقهورين ، ويجتمع حول الظلم المظلومين ، فتكون هذه القلوب المحترقة والأنفس المتعطشة نار تحرق الأرض تحت أقدام الظالمين ....
هل عرفت الآن ماذا تعنى عاشوراء للمسلمين ، إنها نقطة النار التي تحرق الظلم والطغيان والاستبداد ، ونقطة النور التي تفتح آفاقا جديدة للوحدة ، تفتح الباب للفجر الجديد ، وتنير طريق الناس نحو غد مشرق.
إذا ماذا تعنى عاشوراء إنسانيا ؟
إذا ما صح عند كل أهل الإسلام حديث رسولنا – صلى الله عليه وآله وسلم – بلغوا عنى ولو آية ، فهل علمت ما هي الآية هنا ، الآية هنا أن رسولنا علمنا أن نكون أحرارا لا نقبل ظلم ولا الطغيان ولا الاستبداد ، وكان اكبر دليل على هذا انه علم أبنائه وأحفاده وذريته هذا المبدأ والقانون فكانوا جميعا شهداء على طريق الحرية ، فإذا كان جيفارا هو رمزا لمقاومة الإمبريالية والرأسمالية والاستكبار الغربي والامريكى الجديد ، فان الحسين آية فى التحرر من الظلم والظالمين حتى وان كان هذا الظالم ينتسب زورا وبهتانا إلى نفس الدين ونفس الكتاب ، ثار الإمام الحسين من اجل إحياء الدين الذي يؤمن بالحرية الإنسانية وبالعدل الالهى ، لقد ثار أبو عبد الله وقضى نحبه شهيدا راضيا من اجل فجر الحرية الذي يتجدد كلما طلعت الشمس ...
فهل يا ترى هل يستحق عاشوراء أن يعظم؟ ولماذا ؟ ...

والله اعلم
• محمود جابر
مدير مركز النور للدراسات الإنمائية – القاهرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تبغى الصراحه مافهمت شي
زياد _ السعودية ( 2010 / 1 / 24 - 22:08 )
احسني قرأت الوضوع من بدايته الى نهايته وماطلعت بشيء


2 - بوركت محمود بن جابر
كحلاء العماري ( 2010 / 1 / 24 - 23:03 )
لقد اجدت وكفيت ووفيت .علمتني وعرفبتني ببطل حر ابي , كثير ما نحتاج اليه
اليوم. حيث الطغاة من احفاد اؤلئك العتات من ال سعود الذين لا يفهمون سوى القتل والنهب
سلمت يداك


3 - الحق واضح
سعدي صبيح سعد ( 2010 / 1 / 25 - 00:58 )

تحية طيبة

ثورة الحسين واضحة الأهداف!!.. و أخلاق الحسين معروفة فلا شائبة عليها.. و الرسول محمد (ص) نبه عن قتله و طريقة القتل في أشهر كتب الحديث!! و سماه ب (سيد شباب أهل الجنة!)
أما يزيد فهو أيضاً معروف.. و اخلاقه و سمعته معروفة و لا يستطيع احد إخفائها!! و أهدافه معروفه .
و استشهاد الحسين واضحة حتى لغير المسلمين و القائمة طويلة و فيها غاندي محرر الهند! و كثير من أحرار العالم.
و لكن مصيبة المسلمين منحازون..!! و انهم تقليديون لا يقرأون إلا كتب صفراء أعتادوا قرأتها!! و ان قرأوا لا يفكرون بقرائتهم بل هم أنابوا الاخرين ليفكروا بدلا عنهم.
و لكن بدأت صحوتهم بطريق أهل البيت رضى الله عنهم.
مع مودتي و حرصي


4 - عاشوراء عيد الامة العراقية
وليد مهدي ( 2010 / 1 / 25 - 08:53 )
يا سيدي الغالي
عاشوراء هو نفسه عيد الاكيتو السومري الاكدي البابلي الآشوري
قد لا تجد في الانترنت مصادر تقول ذلك
لكن ..
ادرس عيد الاكيتو القديم ( وليس عيد الاكيتو الآثوري الحالي ) وسوف تجد
أن العراقيين القدماء كان يحتفلون بالزواج المقدس وبموت تموز في عشرة ايام
نعم
كانت ستة في عهد السومريين
لكنها كانت - عشرة - الاكيتو في بابل
كانت عشرة الاكيتو راس السنة البابلية التي تبدا في الاول من نيسان
صادف استشهاد الحسين في راس السنة القمرية العربية
لذلك تحول ( عيد الرثاء والخصب) البابلي من التقويم الشمسي إلى القمري
العراقيين الذين كانوا نصارى في السابق تحولوا إلى موالاة علي وهذا ثابت وموثق لدى المؤرخ علي الوردي( وباحث الاجتماع أساسا) لذا
كان من الطبيعي أن يستعمل هؤلاء الشيعة عشرة الاكيتو القديمة للاحتفال بالرثاء بمقتل الحسين ... فالعراقيون القدماء لا يميزون بين الفرح والحزن
فعرس القاسم ، هو البقية الباقية من طقوس الزواج المقدس التموزي

ودم سالما


5 - كلامك من ذهب وتكلمت على اغلى من الذهب
عراقي الوطن شيعي المذهب شيوعي الاتجاه ( 2010 / 1 / 25 - 17:21 )
تعلمت من الحسين كيف ان كون شيوعيا متحررا من الظلم والظالمين من ال اميه والبعث وماجاء وراء البعث المجرم


6 - امة نكتة
عامر الكافر بالاساطير ( 2010 / 1 / 25 - 19:39 )
الجسين محب للسلطة قتل من طرف محب للسلطة والسلام


7 - من اجل طاقة نور وفرصة حلم
محمود جابر ( 2010 / 1 / 26 - 12:29 )
ما كان هذا المقال الا طاقة نور وفرصة للحلم لكل المعذبين والمشردين والواقعين تحت سوط الطغيان والاستكبار .... وحين نقول الحسين فأنه يثير فى أذهاننا صورة لبطل مقاوم مضحى مفجر لثورة لا يمكن ان تخبو يوما ، وهذه الثورة لها العديد من الابعاد الانسانسة والجمالية ، بحيث انك ترى نفسك امام يوتوبيا متحققة على الارض من خلال بطلها الاول وباقى الابطال وفى القلب منهم العباس ( ابو الفضل) وكذلك القاسم بن الحسن الذى وصف من أعداءه كانه فلقت قمر ، بيد أنه بطل ...
الشكر الجزيل للجميلة والعزيزة كحلاء العمارى .. اقول الجميل يرى الاشياء جميلة .
والاخ المحترم سعدى صبح سعد انك معك كل الحق وليتنا نعطى لانفسنا الخق ان نكون اصحاب الحقيقة من خلال عقولنا المتحررة .
اما أخى وليد فارجو ان اكون انصفتك من نفسى ....
اما اخى العراقى الشيوعى الحسين ليس ملكا لامه او مذهب او طائفة الحسين رمزا انسانيا يفيض على كل الاحرار وارجو انت تكون منهم واظنك كذلك ..
المقلق الاول والاخير...... لا يضر السحاب نبح (.....)
والسلام

اخر الافلام

.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل


.. 134-An-Nisa




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي