الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعالوا لأخبركم عن العرب : (2)

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2010 / 1 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


( لنتعلم من الرياضيات عدم تجاهل الأصفار . ) .
غابرييل لاوب


اختبرت الخوف للمرة الأولى عندما كنت في رياض الأطفال ، كنت صغيرة و بسيطة ، لا يزال النوم يداعب أجفاني عندما اكتشفت المعلمة أني لم أحضر أيا من الكتب أو الدفاتر ، و أنني اكتفيت بحقيبة تحتوي فقط على لوح كبير من الشوكولا كانت صديقة أمي قد أحضرته لنا البارحة .
كان إحساسا غريبا ، طرقات في فستاني الوردي من جهة واحدة ، و نمل يمشي في قدميّ يبدأ حفلة صاخبة مستخدما طبولا عدة .
بدأت أحرك قدميّ عساني أقتل النمل اللعين ، لكن الماء كان قد وصل مسرعا من ثيابي الداخلية إلى النمل ، مما زاد في هياجه و ارتفع صوت الطبول ...
حدث ذلك كلّه في الدقيقة ذاتها التي صرخت بها الآنسة "سمر " في وجهي :
-حمقاء ،هل تأتين هنا للعب أم للفائدة ؟!

لا أذكر مطلقا أنّي بكيت ، كان الشعور جللا لدرجة أنني لم أقو على البكاء ...قالت لي "مريم" جارتي في المقعد أنني خفت كثيرا ...
خفت ؟؟
كانت كلمة جديدة ، تعرفت عليها سنواتي الخمس ، ضممت يديّ إلى الطارق في ثيابي ، وجلست بهدوء الكبار .
للخوف صوت عال جدا ، و مخيف .
في اليوم التالي حملت كل الكتب و الدفاتر التي أملكها ، أصبحت الحقيبة ثقيلة جدا فاضطررت إلى ترك زجاجة المياه و الطعام اللذين كانت أمي قد وضعتهما في الحقيبة .
أمضيت اليوم كله جائعة و عطشانة ،في انتظار قدوم الآنسة سمر و تفتيش حقيبتي ، لكنها لم تحضر .
كان درس الخوف الأول الذي لم يبكني ،لكنه تسبب في رعب ، و جوع ، و عطش ، و حقيبة تهد الظهر لمدة عام .

أعلم الآن أن الخوف بحد ذاته لا يهلك ..تهلكنا تبعاته ...
**********

يتلاعب الخوف بأقدار ملايين العرب ، الخوف من الزوج أو (الزوجة )، من الأهل ، من التقاليد ، من الجيران ، من رب العمل ، من كتّاب التقارير ، من المخابرات ، و من الحكومة ، من الشيوخ و الفتاوى ، الخوف من الخروج عن السائد و المألوف .
يقضي الخوف من الجوع ، الذل، الفقر على أي بارقة أمل لتغيير طريق (جنب الحيط) الذي يرسمه كل عربي بطريقة أو أخرى لنفسه و للتابعين له من أفراد العائلة .
لذلك عندما يحاول هذا العربي تغيير طريقه ، فإنه يضيع و يضيّع من يتبعه .
كيف يحصل ذلك و لماذا ، هذا ما سأتابعه و عن قرب في هذه السلسلة .
**********

لن أكذب أو أتلاعب بالأحداث ، لقد أثبت لي المقال السابق أن القليل من العرب يعرفون القراءة (بالعربي).
و بما أني لست ممن يلقون( الحرف) جزافا..لذلك فقد قررت أن استخدم الأقواس كأحرف ، و ذلك لتمييز بعض الكلمات التي (يبتلعها ) البعض و هم يقرؤون ..ذاهبين بذلك بالمعنى ،و محاولين صعود الدرج بطريقة (كل ثلاث درجات معا).
ليس هناك شيء أسهل من السب ، اللعن ، االهمجيّة ، و تعقيد المواضيع ، و ليس هناك أصعب من إيجاد الحلول ، و احترام الآخر .
عندما كتبت في المرة السابقة أن المشكلة العربية ليست دينية (بحتة)، لا طائفية (بحتة) ..تلقيت عددا كبيرا من الرسائل الالكترونية التي تسب الأديان ، و كثيرا من علامات الاستفهام :كيف يا دكتورة تقولين المشكلة ليست دينية !
اكتشفت عندها أننا لن نتطور ليس فقط لأننا لا نقرأ بل لسبب أهم هو أننا لا نفهم و لا نعقل و لا نستوعب.
المشكلة ليست دينية (بحتة) : نعم و إلا لكان الحل همجيّا بامتياز . ما يعني ذلك :
أولا : يشكل التغييب العقلي القائم على سوء الوضع الاقتصادي و الثقافي السلاح الأول للحركات المتطرفة التي تعد بحياة أخرى .
ثانيا : إن محاولة القضاء على الإرهاب بإرهاب من نوع آخر هو قمة الهمجيّة .
ثالثا : أعود و أكرر إن كلمة الدين في اللغة تعني :( العادة و الشأن) : لذلك لا علاقة لأحد بعادات آخر ، و من الاستحالة بمكان تطبيق هذه الفكرة في جو من الجوع ، الفقر ، السرقة ، شح المطالعة ، و معاداة الكتاب ...
إذا هناك أسباب تجعل المشكلة ليست دينية (بحتة)..و الرجاء قراءة حرف القوس : ).
**********

اكتشفت أيضا من المقال السابق أننا نحتاج لتعريف جديد للعرب ، بما أن العديد أضافوا بأنه لم تكن هناك حضارة عربية ، بل مجموعات و أعراق و شعوب أخرى ابتلعها العرب ...
إذا لن نتطور أيضا في الإطار الزماني و المكاني - بغض النظر عن اللقب (عرب )- لأننا نتقاتل على حيازة التاريخ ، و على ملكيّة الآثار ..في حين يقدم كل من يستطيع على الهجرة إلى أمريكا (مثلا) ليتباهى بعد حصوله على الجنسيّة : أنا أمريكي .
إن قراءة كتب التاريخ لوحدها و تبنيّها أشبه بشراء قطعة من سماء كوكب المشتري ، فالتاريخ يكتبه المنتصرون ، و المنتصر لن يقبل مطلقا المساس بشخصه و سيبيّض صفحته تماما قبل نشرها .
لذلك لا يعرّف التاريخ حضارة مكان( أو )زمان ما و إذا أردنا أن نعرّفها يجب أن ننظر إلى أدباء و مفكرين و شعراء ذلك المكان( و )الزمان ، و إلى اللغة التي استخدمت فيما تركوه ، و ذلك لسببين :
أولا:اللغة دوما تتبع النهر الفكري الأضخم ، لذلك ( مثلا) حاليا الجميع يحاول الترجمة من و إلى الانكليزية ، لأن حضارة هذه الأيام أمريكية ، و لا نحتاج هنا لاستفتاء .
ثانيا :الأدباء دوما يكتبون للنخبة ..و للنخبة (في مفهومي ) تعريف آخر فالنخبة العربية(مثلا) حاليا تمثل الناس الذين يقرؤون ،يفكرون ،و يتذكرون أطفالا يقتلون ، يجوّعون .. و الأهم من هذا كله النخبة يحملون في قلوبهم( قضية) أطفال يخافون الصوت : صوت الصواريخ ، القنابل ، و صوت الخوف .

لذلك قد أقول العربي هو: الشخص الذي نطق أول كلماته باللغة العربية .
أي أن العرب تجمعهم اللغة لا الوطن المنشأ .
أما إذا أردنا أن نرجع إلى الأصول فالحروب عبر التاريخ – سواء التي قادها عرب أو روم أو فرس أو..– لم تترك عرقا صافيا ، في قول آخر الجميع على هذه الأرض نسل محسّن ( حسنته الحروب التي نقبت منذ فجر التاريخ عن النفط النسائي ، الذهبي و الحقيقي.)
**********

مازلت أخاف ، الخوف ينتقل لي من جميع البشر ، و من ممن لا لسان لهم بشكل خاص ...

أحس ب (خوف) أطفال في( غزّة) ليسوا عربا( إن أردتم )، و لا هم يعرفون( الاسلام و لا المسيحية و لا اليهودية )، هم ينتمون للإنسانية ، و يقتلون ، و يجوّعون ، و تقوم في وجوههم الجدران الفولاذية ...
لا لسان لهم : لأنّ من يقضون وقتهم في التكفير و التجهيل ينبحون بصوت عال يخفي أي أنين .

أحس بخوف طفل (عراقي )، ليس عربي (إن أردتم ) ، و لا هو يعرف (الاسلام و لا المسيحية و لا اليهودية ) ، هو ينتمي إلى أرض على الخارطة ، و يشاهد كل يوم منذ سنوات سحب الدخان .
لا لسان له : لأنّه ليس طفلا لنابغة لاجئ في أمريكا أو أوروبا ، لأنه شخص منسي الهوية التي نريد أن ننكرها .
**********

مازلت أخاف و أهلع من الأحزمة الناسفة( الفكريّة) التي تشكل الخطر المحدق بما تبقى من العرب ...
و بقناعاتي فإن تفجير مقال يحرض على الكره و الضغينة و رفض الآخر هو العدو الأكبر للإنسانية ، باعتبارنا سنموت جميعا و لن نظل لنفسر ما كتبته أقلام ( قبضت) .

يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا التمسك بالعروبة هذه
محمد حسين يونس ( 2010 / 1 / 25 - 10:04 )
يا دكتورة ..العروبة نشأت في مواجهه العثمانية.. ولأحلام ناصرية أو قومية لا يتحملها الزمن الحالي المتجة نحو فكرة العالم قريتي.. كل النزعات القومية جرت الخراب علي أهلها عندما تخيلت أنها الجنس المختار.. أؤيد نظرتك الأنسانية ورؤيتك للصراعات بالمنطقة ..ولكن لماذا لا نخفض السلاح ونزرع القمح بدلا منة لأن أرباح السلاح أكثر فائدة للحكام وأذنابهم ..العروبة فقدت وظيفتها فلنعش جيران ودعاء أفضل من أخوة متصارعيين ..وصفك للخوف قطعة فنية غاية في الجمال والحساسية لماذا لا تجربين القصة والرواية


2 - ياأختاه
jone ( 2010 / 1 / 25 - 12:46 )
في الدول الغربية يفكرون بالمادة التي يرونها ويتعاملون معها بالملموس وعندنا في الشرق ننظر الى الدنيا والاخرة بالروح والروحانيات التي لانراها ولن نراها ولاهي ترانا الى يوم ( يبعثون اذا بعثوا ) وبين القوسين حتى لايتوهم الاخوان بالاسم الدارج الان في العراق تحياتي ....


3 - هل حلت مشكلة العرب بهذا
مايسترو ( 2010 / 1 / 25 - 14:36 )
هل برأيك أنك حللت مشاكل العرب وما يتعلق بها من خلال ما طرحته هنا، ويا أنستي الكريمة، أعتقد أنه من المستحيل استخراج شيء من الأموات والعرب أو الناطقين بالعربية ماتوا منذ آلاف السنين، وتم النطق بالحكم عليهم بالاعدام منذ أن خصص ما يدعى بالله إرسال جميع أنبياءه وحصرهم في هذه المنطقة من العالم فقط، فهل لديك إجابة لماذا لم يرسل هذا الإله رسله وأنبياءه على مر التاريخ سوى إلى هذه المنطقة، وحين يكون لديك جواب شاف على هذا التساؤل يمكن تبرير دفاعك عن هذه الأمة المبتلية بالأساطير والخرافات، ولك التحية الصادقة على ما وافيتنا به اليوم رغم تنافر الأفكار معك .


4 - تصبحين اجمل
ابو شريف ( 2010 / 1 / 25 - 14:47 )
كلما ابتعدت عن تسمية نفسك بالفراشة, فدعينا نشعر بها دون ان تقوليها انت كما اشعر بها الآن . لا ادري هل انت كاتبة تتحسنين او اني قاريء يتحسن في كل مرة.


5 - محاولة مُخلصة لقراءة فكر وفلسفة الكاتبة
الحكيم البابلي ( 2010 / 1 / 25 - 16:09 )
العزيزة لمى
رغم تثميني الكبير لمواضيعك أقدم هذه الملاحظات
أولاً - موضوع اليوم يمكن تصنيفه إلى علمي ، أدبي ، فلسفي ، أكثر منه أدبي ، لذا كان أنسب لو إستعملتِ التوضيح والتصريح بدل التلميح من أجل الوصول إلى عقل المتلقي وبدون فانتازيا الرمز والمجاز
ثانياً - فتحتِ عدة ابواب لعدة مواضيع بحيث أصبح من الصعوبة بمكان حصرها ومناقشتها ومحاولة تفنيد بعضها والتي تخص قناعاتك ورأيك بالمتلقي ، وخاصة في مساحة الحوار المقننة التي يحددها الموقع ب 1000 حرف
ثالثاً - متى ما وجه الكاتب أصبع الأتهام للقارئ ، فعليه ليس فقط قراءة رد القارئ ، بل الأجابة على الرد ، وهذا من حق القارئ على الكاتب . أما نثر فلسفتك ورأيك على رؤوسنا من برجك العالي وسد نافذة النقاش ، فليس من العدالة بشيئ
رابعاً - الفقرة 3 من المقال عن معنى كلمة الدين ، برأيي ، قادتكِ إلى الدوران في حلقة مفرغة تشبه تلك التي تبحث عن جواب هل الدجاجة من البيضة أم العكس ؟
أتمنى عليكِ تخصيص مقالك القادم لنقاش الفقرة الثالثة حول معنى الدين وممارساته ونتائجه ، هذا إذا كنتِ معنية بأي تواصل فكري مع القراء ، لأنهم معنيين بذلك معكِ
تحياتي سيدتي


6 - لقاح فعال لعلاج الخوف
قارئة الحوار المتمدن ( 2010 / 1 / 25 - 19:17 )
أقبلي على مشاهدة أفلام الخوف لتنشيط عناصر مقاومة تبعات الخوف ,لقاح فني من نفس الجراثيم . من جهة أخرى نحن لا نتقاتل على حيازة التاريخ والآثار . هم يقاتلوننا , عندما تقولين أنا أميريكية فأنت تنتسبين الى الشعب الأميريكي بشرياً , أما عندما أقول أنا فرعونية آرامية آشورية فينيقية فهذا يعني أني أنتسب الى شعب وحضارة وتاريخ عمره آلاف السنين , ليس هناك في تاريخ العالم منْ مارس محو الجذور للحضارات التي أسست لحضارة الكون بدءاً من السومريين وطالع كما فعل العرب . الآشوريون في الكتاب المدرسي السوري 3 صفحات وممنوع علينا تعلم لغتنا حتى وقت قريب نحن أيضاً خائفون وخوفنا غير خوفك ولا ينفعه اللقاح الفني السابق الذكر . أخيراً , نعم لم تكن هناك حضارة عربية , كان يوجد( معطيات ثقافية ) مرشحة لتصبح حضارة قامت على أكتاف الأجنبي في عهد المأمون فقط , نابعة من الحضارات السابقة , اذ لم يؤثر عن العرب أنهم رجالات رؤيويون , انسلخنا عنها فتلقفتها أوروبا وقامت عليها , الحضارة اختراعات انجازات صناعات . شكراَ لجهودك


7 - العرب
ELIAS THE ASSYRIAN ( 2010 / 1 / 25 - 20:36 )
السيدة لمى
إن مرض الخوف والشخصية المهزوزة، هو مرض جلبه معهم العرب عندما احتلوا بلاد مابين النهرين.الملكة شميرام-سميراميس-حكمت بمفردها الأمبراطورية الأشورية. جاء العرب وقضَوا على آلاف من أمثال شميرام، وزنوبيا تدمر، ونفرتيتي وكليوباترا. مع العرب لم يذكر
التاريخ أن امرأة وصلت الى منصب مرموق.
الياس من السويد


8 - إذا كانوا جاحدين مع أبناء جلدتهم
زيد ميشو ( 2010 / 1 / 26 - 03:25 )
لاأعرف إن كانت مشكلة العرب محصورة بشبه الجزيرة العربية أم شمولية لما يسمى اليوم إجحافاً بحق الشعوب الأصيلة ( بالوطن العربي ) وهو ليس كله عربي
ومع ذلك ، ألا ترين بالقاسم المشترك الذي يجعل تلك البقعة الجغرافية لاتكترث كثيراً لأطفال فلسطين والعراق مع دخول العراق إلى الكويت ، وسوريا إلى لبنان ، والمشاكل العالقة بين مصر والسودان ، والأردنيين والفلسطينيين ، والحرب التي أوشكت بين مصر والجزائر بسبب لعبة كرق قدم
وألا يوجد في نفس الوقت عامل مشترك مع التعالي بين شعب الدولة الواحدة بعضهم على بعض
وكيف يشعروا بأطفال دولة تسحق ، وكل دولة تسمى عربية لها طريقة بإضطهاد الأقليات في بلدها
وكيف يشعروا بأطفال فلسطين والعراق إذا كان الشعب نفسه بجرع سم الحزب الواحد والقائد الواحد والملك الواحد والأمير الواحد
عزيزتي الكاتبة
هل ألمك على الآم بعض شعوبنا الشرق أوسطية يعود لكونك عربية ، أم متدينة

اخر الافلام

.. المنتخب الإنكليزي يعود من بعيد ويتأهل لربع نهائي مسابقة أمم


.. أسير محرر يتفاجأ باستشهاد 24 فردا من أسرته في غزة بعد خروجه




.. نتنياهو في مواجهة الجميع.. تحركات للمعارضة الإسرائيلية تهدف


.. أقصى اليمين في فرنسا يتصدر الجولة الأولى للانتخابات التشريعي




.. الغزواني يتصدر انتخابات موريتانيا