الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يملك الله أي خيار؟

بسام البغدادي

2010 / 1 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فيما لو, فيما لو أعطيتك خيارين, و اعطيتك كامل الحرية في الاختيار. ثم قلت لك بوضوح و بدون لف و دوران و سجع و نسخ و أسرار مكنونة بانك ببساطة اذا أخترت الخيار الاول فستكون حياتك أفضل أما أذا أخترت الخيار الثاني فسيؤدي خيارك هذا بك الى التهلكة. أنت حر في الاختيار هنا ببساطة, و انت من سيتحمل مسؤولية قرارك اولاً و أخيراً. لكن, فيما لو أخبرتك بان خيارك الاول سيؤدي بك الى حياة افضل (معي) أما خيارك الثاني سيجبرني على قتلك لانك لم تخترني؟ فهل اعطيتك اي فرصة اختيار حقيقي هنا؟
مثال آخر, فيما لو كان هناك شخصان غارقان في حبك حتى العظم, أحدهما قال بوضوح و صراحة ما يؤمن بهِ و يريده و ما هي مبادئه و بأنك أنت من يقرر في قرار عقلك ما تريد او ترغب و بأنه لن يلومك او يؤذيك مهما كان قرارك. أما الثاني فجاء و قال ايضاً بصراحة غاضباً متوعداً لك أذا لم تختر ما يريده هو لك و أن لم تختره و تكون شاكراً له لانه اعطاك فرصة اختياره, فسيسلخ جلدك و يكسر عظمك و يقتلك شر قتلة. ليس هذا فحسب, بل انك لو اخترت الشخص الاول أو حتى لو لم تختر أحداً, فسيقوم بقتلك انت و الشخص الاول على أية حال و ممارسة كل انواع التعذيب و التنكيل و الذل و القهر بكما. يالطيف ما الطفهُ من اختيار. مما لا شك فيه, وفي تجربة حقيقية قمت بطرح السوآل على جميع أصدقائي المؤمنين و الملحدين و اللاأدريين فان الغالبية العظمى ستختار الشخص الاول, أو لا تختار ابداً من أن تختار الشخصية المريضة الثانية.
هذا بالضبط ما يفعله الله في عقل المؤمن. يقوم الله بأعطاء الانسان خيارين لا ثالث لهما. أولاً, يجب ان تصدقني في كل ما اقوله لك و أن تعبدني و تتبع وصاياي المختلفة في كل الاديان المتناقضة, ثم تقوم بأداء حركات لا قيمة ولا معنى حقيقي لها سوى ترسيخ شعورك بالذل تجاهي و و و الخ في النهاية سيؤدي هذا بك الى جنة الخلد, ليس الآن طبعاً لكن بعدما تكون قد قضيت حياتك كلها و شقيت و تعبت و ذقت الذل و المر ثم مت بلا رجعة. ثانياً, اذا لم تختر الخيار الاول, وفعلت اي شئ ثاني, أي شئ, فسأحيك بعد موتك و سأسلخ جلدك و أحرقك في نار أبدية وقودها الناس و الحجارة و كلما نضج جلدك البسناك جلداً جديد. المؤمن بطبيعة الحال يتخيل بأن الله المرعب هذا أنعم عليه بشئ أسمه الارادة الحرة و بان البشر أحرار في اختيار طريقهم. ليس لأن المؤمن مقتنع فعلاً بان الله اعطاه اي خيار, لكنه لانه لا يعطي نفسه الحق حتى في نقاش مدى منطقية هذه الخيارات لان هذا في حد ذاته يعني الخروج عن الخيار الاول. المشكلة فقط هي اننا لسنا امام أي خيار حقيقي, حيث لا توجد خيارات حقيقية البتة هنا. تريد طماطم, خذ طماطم, تريد خيار خذ طماطم.
أولاً المؤمن لا يعرف اي سبب منطقي لوجود الله هذا, ولا يعرف أساساً لماذا سيحتاج الله الى أنبياء و رسل و كتب و رجال يتحدثون بأسمه ليل نهار في كل صغيرة و كبيرة, لكنه مقتنع جداً بوجود هذا الاله. ولا يعرف حتى سبب منطقي واحد يدعو الاله هذا الى كل هذه الحاجة المرضية لعبادتنا و سجودنا و جوعنا و اذلالنا دون كل الكائنات الاخرى. فها هي الحشرات تطير و ها هي الغربان تنعق و ها هي الحمير تنهق. فلماذا لا يكتفي الله بكل الاصوات التي تخرجها أجسامنا ليل نهار كي تكون دليلاً على نجاح مشروعهِ الكوني فينا؟ و ماهي اساساً حاجته لهذا الاحساس؟ هل كان يشك في قدرته بأنه سينجح؟ أم انه عبد المأمور و ينفذ فقط ما يطلب منه؟ أم ماذا الذي يفعله الله بالضبط, ولماذا نحن بالذات؟ هل هناك أي غاية او هدف لكل ما يقوم به و هل يستحق هذا كل هذه المعاناة و المرض و الموت الذي تتذوقه الانسانية كل يوم؟
ملايين البشر, من مختلف المشارب و الاصقاع في كل الازمان يؤمنون بهذا الاله الذي يعاني من رغبة شديدة لأثبات مهارته. المشكلة و الطامة الكبرى ليست في الأله, بل في هذه الملايين الضائعة و الجائعة و المتقاتلة و الحاقدة على بعضها البعض بسبب هذا الاله. هذا بالضبط ما تفعله الاديان بالبشر. هذا ما فعله الله و ما زال (رجالهُ) على الارض يفعلون نفس الشئ في سلسلة تحويل البشر من مختلف البلدان و الثقافات الى مجرد مكائن ناطقة مبرمجة لقول نفس الاقوال و تفعل نفس الافعال في اوقات محددة و ياحبذا بعد أيعاز معين مثل صوت قرع ألأجراس المزعج او عندما تجعجع المنارات معلنة نهاية كينونتك كأنسان يتصرف على طبيعته, الى آلة يجب ان تنفذ بعض الحركات كي يرضى عنها هذا الاله.
فاقد الشئ لا يعطيه, فهل أعطاك الله اي خيار أو منفذ أو وسيلة تليق بمقتدر مثله غير لعنة الخلود؟ هل يملك الله نفسهُ اساساً اي خيار في كل ما يفعل و يثرثر و يطلب و يكتب و يقتل و يبيد؟ هل يستطيع أن ينقذ نفسه مثلاً من لعنة خلوده الازلي؟ و الا ما هي الفكرة اساساً وراء خلقنا سوى ضجره من تلك الوحدة القاتلة التي لم يطق البقاء فيها؟ هل سيكون قادراً بأي شكل من الاشكال على أنقاذ نفسهُ و أنقاذ أيمانك بهِ من خطر هذا التساؤلات؟ نعم, أنت تقول أن الله يجربك, او يختبر أيمانك, تماماً هذا ما يدور في عقلك الآن, و انت نفسك تعلم جيداً بانها ماسوى محاولة عقلية بآئسة لأنقاذ ما تبقى من بقايا هذا الاله الحاضر الغائب دوماً و الغاضب دوماً و المتباهي بذاتهِ دوماً . فأذا كان الله يحتاج لعقلك و فلسفاته الجادة هذهِ كي يبقى موجوداً, فما هي قيمة وجودهِ أذن خارج عقلك؟ لا تقلق على أيمانك, فلو كان الله موجوداً و صادقاً معك فسوف يعود الى عقلك و يسكن فيه الى الابد, أن لم يعد, فلا تعاتبه فهو الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - واصـــــــل يا بغدادي
مروان المعزوزي ( 2010 / 1 / 26 - 18:11 )
أفكار متنورة جميلة..هذا ليس غريبا عن واحد من المترجمين لكتاب وهم الإله..أتمنى لك الاستمرار..

أما عن المحتوى..نعم أنت محق..ف (الله) لا يقدم للناس سوى خيارين..و حتى إن لم تختر طريق..فإنه سيعاقبك ب لا اختياريتك لأنها في مفهومه اختيار لا شعوري !.
(الله) حسب المؤمن قادر على إرسال الرسل و الأنبياء للتكلم مع البشر..لكن..لماذا لا يتكلم مع نفوس البشر بدون أية واسطة و بذلك نتخلص من اللغو !


2 - عرض
ناهد ( 2010 / 1 / 26 - 22:19 )
الاله هو ذلك الضباب الذي يخفي الانسان المؤمن خلفه خوفه من المستقبل ، فالله يقدم عرض للمستقبل سواء العرض كان جميل وانساني بديع مغري او عرض دموي مخيف ،الا انه يقدم مستقبل ما ويريح بعض الفكر لمن امن به ، لذلك نرى المؤمنون لا يطلقون العنان لافكارهم وخاصة فيما يتعلق بايمانهم والاههم .
مقال مميز حقا ، اتمنى لو ان المؤمنين بوجود الاله يقرؤه ويشطحون بعيدا معه في تحليل كل لالهه ، ومدى حريه الاختيار لديه .
كل الاحترام.
سلام


3 - هل لديهم عقل ؟؟
احمد ناجى ( 2010 / 1 / 26 - 23:27 )
من يقرء القران ويفهم حجم المازق الفكرى الذى يحتويه يحار كيف ان اناسا تمسكوا به واعلنوه كدستور حياة يفاخرون به ويباهون لانه انزل عليهم ويجادلون به امم الارض متناسين حجم المطب الفكرى الذى يحتويه دعنا نقلها ببساطه وبالمختصر المفيد من خلق من ؟ الستم تقولون ان الله هو الخالق من خطط ورتب بحسب القران ؟ من قرر منذ الازل شكل هذا العالم الذى نعيش؟ اليس الانسان مجرد عبد فقير ضعيف لايملك لنفسه نفعا ولا ضرا ؟ اليس امرا مضحكا ومبكيا فى ان معا ان يتم تحميله المسؤوليه كامله عن السيناريو المعد بل ونعته بالظلوم الجهول فى نصوص القران الا يدركون ان افكارهم تلك قد حولت الاله خالق كل شىء الى مجرد عابث اضاع الافا من السنين فى مختبراته الارضيه مع البشر فى اختبارات فجه لا نهايه لها ولاقيمه تذكر وقد عرف هو نتيجتها سلفا اليس فى ذلك اهانه مزدوجه توجه للاله وللبشر معا ابهذه السذاجه والسطحيه يريدون اقناعنا بان الذى بين ايدينا هو كلام الله


4 - الي احمد ناجي
ahmed ( 2010 / 1 / 27 - 09:13 )
اليست اليهوديه تقول نفس الكلام ان الله هو الخالق وانه هو الذي يامرهم بالقتل
فاليهود اقامو دولتهم في اسرائيل وهم ينادون بيهودية الدولة

اليست النصرانيه تقول ان الله خالق وانه صلب لانه لم يسامح ادم علي ذنب ليس له فيه يد


انت كنت فعلا ملحدا لماذا اقتصرت علي الاسلام


5 - مرونه
شوكت صالح ( 2010 / 1 / 27 - 20:52 )
لو ابدى الله مرونه في اختياراته بان يقول ان من اخذ بالاختيار الثانى فلا اثم عليه ولا شوي او قلي او سلق .... الخ من فنون العذاب ( لانه غني حميد ولطيف بالعباد ) لكان من الممكن ان نقول انه اعطانا خيارين
اما ( الاختيار ) بالصيغه التي الفناها شاهرا سيفه البتار لكل من زاغ عن الاختيار الاول
قد حشرنا في زاويه لا مفر منه سوى اعلان الاستسلام والانبطاح امامه

تحياتي للكاتب على هذه الطروحات والافكار النيره

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال