الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى أكون أنا أنت؟؟

عبدالجليل الكناني

2010 / 1 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كنا شبانا صغار لا نعرف الخوف ولا ندرك معنى القيود حين نجوب الشوارع سيرا على الأقدام ونرى سهولة بالغة أن نحطم الأصنام ونسخر من عبّادها ونفكر في كل شيء ونقبل أي شيء بلا حدود لم يكن قبلها قد اعتقلنا رجال الأمن مرة ولم نضع أي احتمال لهدر دمنا لذا نتجرأ على الخوض في ما يسمى بالحرام ونبذ ما يسمى بالحلال ونوغل في الإمعان خلف الحدود وفي قرارات الأنفس كان ذلك في أواسط السبعينات قبل بدء سلسلة القتل والتعسف حينما تأملت صديقي (وحيد) الذي صار بيننا الحب أشبه بالعبادة وسألته السؤال المحير
- متى أكون أنا أنت وأنت أنا ؟ . وحين نظر إلي ، رأيت في عينيه جوابا شاردا يبحث عن معنى السؤال . فقلت له :- العلم في تطور ولو أمكن مثلا أن يضعوننا فوق منضدتين متجاورتين وبدأ أطباء مهرة بنزع أحشائنا واحدة تلو الأخرى وإبدالها ببعض هل ترى أنني سأكون أنت وانك أنا – لا ، قال لا .. لا أظن ذلك . فقلت :- لان الأحشاء محض أجهزة يمكن إبدالها وان بآلات ، غير عضوية ، تؤدي وظائفها . ولكن لو ابتدأوا بالموضع الأخطر ، بالدماغ وراحوا ينقلون منه جزءا صغيرا تلو آخر عند أي جزء سأقول أني (وحيد) وتقول أنت أنا (عبدالجليل) .

لم يجب وحيد عن سؤالي وبعد سنين أدركت انه محق في ذلك . كيف للإنسان بكل تعقيداته وأفكاره وتأريخه أن يُختصر بجزء صغير من دماغه . فأين أنا ، إذن ، منِّي ؟؟
قد يكون رفض صديقي للجواب مبعثه عدم ألمعرفه أو ربما لأنه أحسَّ بأن أيا منا لن يبقى ذاته . أو لعله لم يتخلَ بعد عن فكرة الروح التي تسيّر الجسد ولا ترتبط به ، وان ارتبط هو، أي الجسد ، بها .
ومن هنا ظهرا لسؤال المحير عن الروح . فما هي الروح وأين تسكن ؟
وذات مرة افترضت أمرا آخر . ماذا لو أن ذكرياتي كلها نقلت إلى صديقي وحيد ونقلت ذكرياته بتمامها إلي ولم يعد في رأسي سوى تأريخه وهويته وانتمائه فهل سأكون أنا هو ؟
وبتحري الأمر جيدا لا أراني كذلك فلكل قدراته الذهنية وأدواته التي يعي بها ومن خلالها العالم . ورحت أقرا عن الدماغ فوجدت اختلاف الخصائص الدقيقة من شخص لآخر فهذا لدية تطور في الفص الجبهوي المسؤول عن الأفكار المجردة ، عن التجريد والتعميم ، وهذا لدية تطور في الفص البصري أو السمعي لتتطور لديه الذائقة الفنية كما أن للدماغ ميزات أخرى عند نقل الايعازات والتأثر بالمنبهات الخارجية . ناهيك عن دور الهورمونات في التأثير بشخصية الفرد من حيث الاستثارة والاستجابة للمنبهات وليس أخيرا تأثيرات البيئة في المنظومة العصبية للفرد وما تحمله الأشياء والكلمات من إيحاءات تغذيها تجارب مسبقة تؤدى إلى تغييرات ليست نفسية فحسب إنما فسلجية أيضا . وذلك موضوع شائك بحد ذاته يحدد سمات الفرد وشخصيته وبالتالي ما يسمى بالانا .
فمتى أكون أنا هو ؟؟
لو لم أكن أنا بالأمس أنا اليوم . لكان من الممكن أن أكون شخصا آخر وحيد أو غيره . شخصا آخر . وهنا تكمن المعادلة . من منا قد بقي كما هو ؟ منذ ولادته . ومن منا يملك مقدرات الزمن غير اللحظة التي يعيش فيها وخلالها ؟؟ وهل كل الحالات التي نمر بها تعطي سماتنا الثابتة ؟
عند المرض مثلا ، عند الغضب ، عند الجوع ، عند الصحو أو النوم ؟؟ . ليست سوى ملامح منا تلك التي تبقى وليست كل الملامح . وليست الا فكرة عنا ، لدينا ، ولدى الآخرين . وليست سوى ذكريات هشة غالبها خادع . وصور غالبها وهم تُرسم بألوان باهته حين نقول كنت وكان وكنا .
ولو جانبنا ألانا لسألنا عن الروح إذن .
تلك محض اسألة لا أريد أن أكون أنا من يملي على الآخرين جوابا لها إنما أريد الجواب من الآخرين أنفسهم قبل أن أطرح اسألة أخرى ، عن الروح وغيرها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا : لماذا أقال بوتين وزير دفاعه ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. عنفت طفل من ذوي الهمم.. معلمة تثير غضب الشارع الأردني | #منص




.. تلون السماء وتهدد الاتصالات.. تأثير العاصفة الشمسية يصل بلد


.. بينَ إسرائيل والولايات المتحدة.. تقاربٌ وتضارب.. دعمٌ وتحذير




.. مهاجم مانشستر سيتي إيرلينغ هالاند يحافظ على لقب هداف الدوري