الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد المجتمع الكوردي - الحلقة الثانية - ثورة على السلطة الابوية

ئارام باله ته ي

2010 / 1 / 29
المجتمع المدني


نقد المجتمع الكوردي
الحلقة الثانية (ثورة على السلطة الأبوية) (لاتعلموا ابنائكم على عاداتكم فانهم مخلوقون لزمان غير زمانكم) (علي بن ابي طالب)

ان المجتمع الكوردي يعيش على تنشئة اجتماعية قائمة على السلطة الابوية منذ زمن طويل لا نعرف تاريخه بالضبط . وعلى الرغم من خطورة هذه الوضعية على البنى التحتية الفكرية للمجتمع وتاثيرها المباشر كعائق رئيسي يقع حجر عثرة في درب التطور ، فان ذلك لم يخضع للدراسة العلمية السيسيولوجية لتبيان الاثار المنبثقة منها و كشف حقيقتها . ان موضوع الاسرة مهم جدا الى درجة ان (افلاطون) شبه نظام الاسرة بنظام الدولة . و من هذا المنطلق نحن ندرك بان النظام السياسي لابد ان يكون انعكاسا لنظام الاسرة بدرجة او اخرى . و في هذا الصدد يذهب الدكتور( حليم بركات) الى ان هناك علاقة وثيقة بين النظام السياسي الاستبدادي و النظام الاجتماعي الابوي . و ما دمنا نعرف بان نظام الاسرة الكوردية هو هيمنة السلطة الابوية و غياب تقاليد الحوار والمساواة . فانها تكون مستهدفة من نقدنا .....
اني اتطلع لفتح هذه الاضبارة المنسية على الرف لاعادة تقيميها واظهار السلبيات المنبثقة منها ، ثم لنعيد الحكم على هذه السلطة .
ان عقلية السلطة الابوية تسلطية هرمية و تفرض رأيا واحدا غير قابل للنقاش والحوار و بالنتيجة فان اراء افراد الاسرة تختزل في رأي الاب (او اكبر الذكور في العائلة) وله الكلمة الفصل في كل الامور والجوانب سواء أكان على دراية كافية بها ام لا . اذن والحال هذا فان افراد الاسرة لا يعبرون عن رايهم انما عن راي الاب . وهذه الحالة الاجتماعية تؤدي مع مرور الوقت الى فرض نوع من الولاء والطاعة على افراد الاسرة لسيد الاسرة و للاسرة ككيان ، و في هذا جانب اقتصادي هام حيث ان الاب يتكفل بتوفير حاجيات الاسرة ‘ كما ان فيه جانب مما يسميه علماء الاجتماع بعبادة او تقديس الاسلاف (وهذه عادة لا زالت متجذرة في المجتمع الكوردي ، حيث تلاحظ أن الناس يحلفون بأضرحة أجدادهم) ، وهذه مسألة سايكولوجية اذ ان الحاضر السيء يؤدي الى التشبث بالماضي . ثم ان ولاء مجموع الأسر ينصب لمصلحة العشيرة ، اذ كانت العشيرة هي الكيان الانتمائي الأخير بسبب اعتقاد أفرادها ان هناك دم مشترك وأصل مشترك يجمعهم يختلفون به مع غيرهم (انظر ان ابناء العشيرة الواحدة يسمون بعضهم بابن العم) ، وهذه عادة شبيهة بما تسمى عبادة (الطوطم) لدى الشعوب البدائية . بالاضافة الى ذلك فان هناك عوامل أخرى أدت الى تكوين الولاء للعشيرة منها ماهو اقتصادي وأمني وماهو تنظيمي – قضائي لايسع المجال هنا لشرحها بالتفصيل . هذا كله من جانب .
ومن جانب اخر فان تكريس هذه الظاهرة وتقوية بنيانها قد يكون راجعا في أحد جوانبه الى العامل الديني ، حيث ان للموروث الاسلامي المحصور تفسيره في يد رجال الدين ذوي الأفكار العتيقة تأثير كبير في ترسيخ السلطة الأبوية ، اذ انهم لاينكفؤن من التأكيد على قوله تعالى (ولاتقل لهما أف ولاتنهرهما ) ويعممون الاية على مختلف جوانب الحياة دون معرفة سياقها التأريخي وملابساتها وظروفها ، ومتى تطبق ولماذا؟ وفي أي نطاق ولأي غرض . وهذا يزيد من هيمنة السلطة الأبوية وتضفي عليها طابعا شرعيا تقديسيا . ان رجال الدين لايدركون أو لايستسيغون ان النبي ابراهيم (ع) قد خرج على السلطة الأبوية وأسس الدين الحنيف ، وان الرسول محمد (ص) هو الاخر خرج على السلطة الابوية المتمثلة في عمه (ابو طالب) ليغير مجرى التأريخ ، بل القران نفسه يرجع سبب تخلف بعض المجتمعات القديمة الى عدم قدرتها على التخلص من افكارها العتيقة التي وجدوا عليها اباءهم واجدادهم ، بسم الله الرحمن الرحيم (انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مقتدون)(سورة الزخرف:23). في حين ان رجال الدين يتناسون أو يجهلون ان الشورى المذكورة في القرآن تشمل اطار الاسرة أيضآ ، بل لعلها اولى في هذا المجال من غيره من المجالات .
ان لغياب تقاليد الحوار في ظل السلطة الابوية اثار خطيرة ، حيث ان الاسرة هي النواة الاولى للمجتمع بل هو مجتمع مصغر وأي فساد فيه سينعكس على المجتمع بأسره ، اذ لابد لهذه التنشئة الاجتماعية المكرسة للسلطة الابوية أن تفرز اشخاص لايتفهمون لغة الحوار ولايستسيغون اختلاف الافكار ، انهم لامحالة سيكونون اشخاص غير ديمقراطيين لان اساس الحوار والاختلاف والديمقراطية لابد ان يكون الاسرة ، هذا في الوقت الذي لايجد فيه الافراد في المجتمع الكوردي ارضية رحبة لممارستها بل رؤوا انفسهم خاضعين للأوامر والنواهي والسير على خط معين مرسوم من قبل غيرهم ، لذلك فان من الطبيعي ان تنتقل هذه العقلية بالتدرج من الاسرة الى المدرسة فبقية المؤسسات في الدولة ، بل ان هذه العقلية تنفذ الى الاحزاب والحكومات في المجتمع الكوردي . وقد وصف احد المستشرقين (جوزيف مانيلا) المجتمعات الاسلامية بصورة عامة بانها نقلت الطاعة من مستوى الاسرة الى مستوى الامة . وهذا ما انتقده في المجتمع الكوردي ، بانه نقل الطاعة من مستوى الاسرة الى مستوى العشيرة حتى تشبع بهذه العقلية فاكتسى بطابعها على المجتمع ككل . ومن المؤسف ان تنفذ هذه العقلية حتى الى الاحزاب التي ترى نفسها تقدمية وايضآ التي تطلق على نفسها صفة الاسلامية .
اننا امام تحدي حقيقي لاعادة تشكل المجتمع على اساس حضري مدني مختلف عن طابع البداوة والعشيرة ، من خلال تغير النظام الاسري وتحويل السلطة الابوية الى تشاور وحوار وحتى تقبل اختلاف الاراء والافكار داخل الاسرة ‘ ليتم التحول نحو مجتمع ديمقراطي غير مستبد يتخلى عن تحجره وتزمته ، وليتحرر الفرد الكوردي ويوسع من دائرته الانتمائية بعد التحرر من السلطة الابوية لتنفك بعدها بطريقة سلسة سلطة العشيرة مادمنا قد رتبنا درجات الولاء من الاسرة الى العشيرة ، وبالطريقة نفسها ستتحلل هذه السلطة وهذه الدائرة الانتمائية وهذه العقلية ليتحول هذا الولاء الى الدائرة الاقصى ، دائرة (الامة ، الوطن ، الدولة) لان الوطن هو الذي يحوي الجميع ويرتبط به مصير الجميع وفيه تاريخ الجميع وجغرافية الجميع وليس الاسرة ولا العشيرة .
في النهاية اود ان اترك رسالتين ، واحدة على لسان علماني ليبرالي وهو ( د. شاكر نابلسي ) اذ يذهب الى ان التمسك بعادات وتقاليد واخلاق الاباء والاجداد واعتبارها معيار الخطأ والصواب ، كان العائق الاكبر عبر التاريخ امام دعاة الاصلاح . اما الرسالة الاخرى تتمثل في شقين ،الشق الأول ، رأي شيخ اسلامي (الشيخ محمد مهدي شمس الدين) حيث يذهب الى (ان الاسلام حاول بطرق كثيرة تحطيم الوحدة العشائرية في سبيل بناء الامة ..) ، لان (الشيخ) يعتقد ان نمو القبلية انما يكون على حساب الامة . أما الشق الأهم هو حديث نبوي بالغ الدلالة ، اذ يقول الرسول (ص) ( ان الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالاباء: مؤمن تقي ، أو فاجر شقي . أنتم بنو ادم ، وادم من تراب ) ( رواه الترمذي وأبو داود) .
ألم يتبين لنا أن التعلق بالدوائر الانتمائية الصغرى مرفوض اسلاميا وعلمانيا وواقعيا وعلميا؟. ألم يسجل التأريخ أن مجتمعنا كان متشرذما متصدعا لهذا السبب؟ . في النهاية يبقى السؤال الأهم ، هل نحن نريد الوصول بولاء المجتمع الكوردي الى دائرة (الامة) ؟ .
اني ادعوا المثقفين العلمانيين والاسلاميين على السواء الى القيام بدور فعال في هذه القضية الجوهرية . واذا خذلنا من الطرفين فان من حقنا ان نتساءل لمصلحة من يبقى الحال كما هو؟ او نقر بأننا لانملك مثقفين أصلآ ، بل يجب أن نقر بعجزنا على التغيير والتطور.



ئارام باله ته ي
ماجستير في القانون
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
عبدالمطلب ( 2010 / 1 / 29 - 20:49 )
تحية للكاتب
في البداية احييك وقد قرات لك العديد من المواضيع الجريئة ومايشد انتباهي اكثر تفكيرك العميق في كيفية طرح نقاط راقية لمجتع متمدن وحضاري اوافقك الراي لكن من الصعب تحقيق اهداف هذه الثورة النقدية في مجتمع ذكوري اي نحتاج الى العديد من الايادي والاقلام والرايات التي من الصعوبة ايجادها حاليا
اتمنى تحقيق هذه الفكرة والثورة الحضارية لكن لاانسى ان اكتب لك مقدار سعادتي بقراة الموضوع واذا كان عندنا مئة ئارام لحققنا انجازات في عدة مجالات ولبنينا الوطن على اسس راقية وسليمة وخالية من العنصرية والفساد اتمنى لك المزيد والى الامام

اخر الافلام

.. المغرب يفتح بحثاً قضائياً للتحقيق في تعرض مواطنين للاحتجاز و


.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م




.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف


.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال




.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي