الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية القاعدة في الجزائر - الحلقة الثالثة

أنور مالك

2010 / 1 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في سياق تحويل “القاعدة” في المنطقة المغاربية إلى بعبع على طريقة الأسلحة الكيماوية الصدامية في العراق، يذهب بروس ريدل وهو الخبير السابق في شؤون الشرق الأوسط بوكالة الاستخبارات الأمريكية إلى الجزم على أن أمريكا أمام جبهة جديدة، والقاعدة فتحت هذه الجبهة بالجزائر…

ثم يؤكد: “لقد كانوا في شمال إفريقيا من قبل، ولكن التطورات الأخيرة تعتبر بمثابة الإعلان”، هذا على عكس التصريحات الرسمية الجزائرية التي قللت من شأنها ربما لوضوح النوايا الغربية في المبالغة والترويج لها، وسبق وأن وجه عبدالقادر حجار كل اتهاماته لأمريكا بصناعة الإرهاب في العالم. وتجدر الإشارة في سياق الحديث عن صناعة الإرهاب من أن عاموس هرئيل الخبير الإسرائيلي في مجال الشؤون العسكرية والخطط الحربية قد ذهب إلى أن إسرائيل نجحت في إشعال الفتنة بالجزائر، بل أكد على عجز الكيان العبري في تقديم الدعم للقاعدة في الجزائر والشمال الإفريقي حسب ما أوردته الشروق اليومي في 06 مارس2008

تقرير آخر صدر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تحت عنوان: )الإرهاب الإسلامي في شمال غرب إفريقيا… شوكة في حلق أمريكا(، ومما هو معروف عن هذا المعهد أنه مقرّب من اللوبي الإسرائيلي المسيطر على السياسة الخارجية الأمريكية، وقد تأسس عام 1985 ومن بين أعضائه نجد وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت ومستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي أنتوني ليك، ووزير الدفاع الأسبق ليس أسبن، ووزير التجارة ستيوارت إزنستاد، ووارن كريستوفر وزير خارجية بيل كلينتون، ولورانس إيغلبرغر وهو وزير خارجية سابق، وأليكساندر هيغ وجورج شولتس وزيرا خارجية الرئيس الأسبق رونالد ريغن ومستشاره للأمن القومي روبرت ماكفارلان… وغيرهم، فضلا عن السفراء مثلا جين كيركباترك، وهو سفير أمريكا لدى الأمم المتحدة، وصموئيل لويس سفيرها لدى إسرائيل، أما المعهد فيديره روبرت ساتلوف وهو خبير في شؤون العلاقات العربية الإسرائيلية وسياسة الولايات المتحدة الخارجية.

التقرير أنجزته باحثة اسمها “إيميلي هنت” وهي مختصة في موضوع “الإرهاب في شمال إفريقيا”، وقد اشتغلت مستشارة في ملف الإرهاب بمؤسسة لندن لشؤون الدفاع، ومما يجب الإشارة إليه أن التقرير اعتبر الجزائر والمغرب مركزا لنشاط الإرهابيين، ووجه نقده للسلطة الجزائرية التي قللت من شأن “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” واعتبره الخطأ الجسيم الذي له تأثيره البالغ على مسيرة “الحرب على الإرهاب”، وطالب الولايات المتحدة باتخاذ “إجراءات ومشاريع” لوضع حد لهذا الخطر، ليشير صراحة إلى إقامة وبناء قواعد عسكرية أمريكية بالمنطقة.

كما حذّر لويس كابريولي المسؤول الأسبق في جهاز الدفاع عن الإقليم الفرنسي (DST) من الخطر القادم، وطالب بإجراءات أمنية مكثفة. أما جيل كارول وهي مراسلة صحيفة )كريستيان ساينس مونتور(، وقد احتجزت من قبل ثلاثة أشهر عام 2006 في العراق، أكدت أن المغرب – تقصد المغرب العربي – صار أرضا خصبة للإرهاب، وتخوفت من المغاربة الموجودين في العراق وقد ينقلون مهارات تقنية وقتالية عند عودتهم إلى بلدانهم…

صحيفة “واشنطن بوست” التي نقلت بعض الأحداث في المغرب، أكدت زحف القاعدة على عكس ما يدعيه بوش من القضاء عليها في معاقلها، غير أن الحروب التي شنتها أمريكا زادتها توسعا وزحفا وانتشارا.

في إطار التهويل نذكر أنه توجد آراء رشحت دولا أخرى تكون ساحة قتال وحرب للقاعدة المغاربية، فيوجد من رأى أنها ستكون ليبيا وآخرون رجحوا المملكة المغربية، ولكن آخر ما سجل هو ترشيح موريتانيا، وهذا ما ذهب إليه معهد “ألكانو” للأبحاث الإستراتيجية بإسبانيا في دراسة صدرت له في جانفي 2009.

انتحار أسامة بن لادن في الجزائر

من دون لف ولا مقدمات نجزم على قناعتنا من أنه لا توجد فعليا القاعدة في الجزائر حاليا، بل توجد جماعة كانت مهددة بالإفلاس والنهاية، أرادت أن تعيد لنفسها البريق الإعلامي فقط، الذي انطلق في ظل حرب شاملة على الإرهاب، وبالتعاون غير المباشر مع الزرقاوي بواسطة مقاتلين جزائريين التحقوا بالعراق. ويكفي ما ذكرته أمريكا في 2005 أن واحدا من أربعة انتحاريين في العراق من شمال إفريقيا، بل أن تقريرا صدر عن مركز مكافحة الإرهاب التابع للمدرسة الأمريكية للنخب العسكرية “واست بونيت” وضع الجزائر في المرتبة 5 من حيث التواجد الأجنبي في صفوف القاعدة، وتجلت مغازلة درودكال للزرقاوي من خلال التأييد المطلق في 2005 للقاعدة في بلاد الرافدين لنحر الدبلوماسيين الجزائريين بلعروسي وبلقاضي كما ذكرنا سابقا.

حتى وإن طالعتنا بيانات تحمل توقيع “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وحتى وإن سمعنا الظواهري يتحدث عنه بصوته وصورته، رغم أنه لم نسمع بن لادن يذكره قط مما يوحي لخلافات داخلية حول تبني هذا التنظيم، بل قد نرى أن مؤسسة سحاب التي تسوق لخطابات بن لادن وأشرطة تنظيمه تقوم بممارسة مقص الرقيب على خطابات المطلوب رقم واحد في العالم، فلا يعقل أن لا يتحدث عن مقتل المدنيين في الجزائر، حتى وإن وردت تلميحات فإنه ليس من عادة بن لادن أن لا يضع النقاط على حروف جدل يشتعل كالنار في الهشيم بين أنصاره أو حتى على المستوى الإعلامي الدولي. سبق وأن عاتبت القاعدة الأم بعض القنوات الإعلامية وعلى رأسها الجزيرة واتتهمها بممارسة مقص الرقيب وقد خففت حدّة النقد لاحقا بعدما تبين أن هذا المقص يمارس في الهيئة الإعلامية “سحاب” التي تنتج الأشرطة وتوزعها.

ما تسمى “القاعدة في المغرب الإسلامي” هي نفسها “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” من حيث القيادة ومن حيث المجندون ومن حيث الفكر التكفيري المغلف بالسلفية الجهادية ومن حيث الاستراتيجية القتالية، وحتى التسمية الجديدة لم تغير فيها شيئا ولا انضوت تحتها جماعات أخرى، ففي ليبيا التحقت الجماعة المقاتلة بالقاعدة الأم مباشرة وليس بقاعدة درودكال المزعومة، مما يوحي لوجود شرخ كبير بين كل الأطراف التي تصنع المشهد المسلح. وللإشارة فإن الجماعة الليبية كانت على خلاف مع “الجيا” وقد حاول أسامة بن لادن البحث في ذلك الخلاف وأرسل إلى الجزائر ثلاثة أشخاص، واحد يدعى عبدالحكيم والثاني عاصم، أما الثالث فهو عطية عبدالرحمن، هذا الأخير يعتبر من قادة التنظيم في أفغانستان وهو الذي راسل الزرقاوي في 2005 يحذره من أن القيادة في وزيرستان مستاءة جدا من تفجيرات فنادق عمان في 09نوفمير2005، كما طلب منه ضرورة أخذ المشورة قبل أي عملية يقوم بها خارج العراق.

وكذلك أنه في الجزائر نفسها توجد جماعة “حماة الدعوة السلفية” التي يتزعمها سليم الأفغاني، والتي لم تبايع درودكال، بل تقوم بمحاربته أيضا، حتى ولو كانت مهددة الآن بالانقراض بسبب الضربات الأمنية التي تلقتها الجماعة، وأيضا استسلام عناصر منها لقوات الأمن وأبرزهم ضابطها الشرعي “بوترفاس.ع” المكنى بنعيم.

أما في موريتانيا فقد ظهر في مطلع 2008 تنظيم غامض سرعان ما اختفى حضوره الإعلامي حمل اسم “كتائب الزرقاوي في المغرب العربي” هدد في فيفري الضباط المورتانيين بالتصفية، ولا علاقة له بدرودكال. أما في تونس والمغرب فقد واصلت الجماعات السلفية نشاطاتها باستقلالية.

لا يوجد ولو أمير سرية بالجماعة السلفية ليس بجزائري، كما لا يوجد قيادي آخر عرف بدوره في القاعدة الأم أو حتى من الأفغان الجزائريين السابقين، الذين أغلب من التحق منهم بالعمل المسلح كانوا في “الجيا” وتم القضاء عليهم، وأما المتبقون منهم فإما يعيشون في اليمن وتركيا وسوريا وأوروبا، أو استفادوا من الوئام المدني ثم ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ورجعوا لأوساط المجتمع بصفة عادية. ولا يوجد حاليا ضمن هذا التنظيم إلا المكنى أبو إلياس عبدالحميد القسنطيني الذي جند بأفغانستان عام 1986، وهو من قدماء تنظيم “الجيا”، حيث التحق بالعمل المسلح مطلع التسعينيات، والسبب في عدم بلوغه مراتب قيادية هو أميّته وقلة خبرته في شؤون الدين والخطابة وأيضا كبر سنه، إلى جانب عوامل جهوية أخرى، وتشير مصادر مطلعة إلى أنه لا يحسن حتى القراءة والكتابة ولا يحفظ النصوص إلا بطريقة التلقين. أما متابعون آخرون للشأن الأمني يرونه الزعيم الروحي الذي أبعد عن المراكز القيادية للحفاظ على حياته كآخر خيط يربطهم بالأفغان العرب…

مما يعني أن التغيير كان في العنوان أو التسمية أو الواجهة. وأكثر من ذلك أن المصالح الأمريكية في المنطقة المغاربية لم تستهدف أصلا ولا حتى شركات النفط في الصحراء… فقد تم مجرد التخطيط لها أو تهديدها. كما تركز العمل القتالي في الشمال الجزائري فقط كما في السابق، من ضرب مصالح الأمن والإعتداء على المدنيين العزل بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والإنتحاريين الذين هم الشيء الوحيد الذي إختلقته التسمية الجديدة على غرار ما يحدث في العراق. ولهذا نجد محاولات درودكال في موريتانيا مثلا من خلال الخطف والاعتداءات هي أحداث تستهدف دولة آمنة ومتواضعة في قواتها المسلحة، من أجل أن يعطي لنفسه البعد المغاربي كما جرى في الاعتداء على ثكنة لمغيطي 2005 وقتل سياح فرنسيين في شمال موريتانيا2007

هنا وجب الإشارة إلى نقطة مهمة، هي أن البعض يفسر التشابه في التكتيك والعمليات العسكرية عن طريق السيارات المفخخة أو الأحزمة الناسفة أو القنابل والكمائن بين “قاعدة” الجزائر وبين ما يجري في العراق هو الدليل على التنسيق التنظيمي بينهما، وهذا خطأ وتفكير خارج المنطق لأن هذه الأمور عرفتها الجزائر خلال التسعينيات الماضية ومن قبل ظهور القاعدة بصيغتها الحالية. ومن جهة أخرى أن هذه الأساليب والتكتيكات هي تخريبية تتماشى والمنطلقات الإرهابية التي تريد من خلالها القاعدة الوصول إلى أسهل الطرق وأقربها لإحداث زلزال إعلامي بإسقاط أكثر عدد من الضحايا ومن دون تكاليف باهظة.

فقاعدة درودكال إلى جانب العجز العسكري فهي تعاني عجزا لا يتماشى وأطروحات القاعدة الأم من خلال مغاربية التنظيم، وهذا طبعا سيعجل فناءها وخاصة أنها فشلت فشلا ذريعا في استقطاب كل من يحملون أطروحاتها الإيديولوجية أو يعتنقون السلفية الجهادية في الشمال الإفريقي، فأغلب العناصر المغربية أو الليبية التي كانت تنشط في “الجماعة السلفية” هي نفسها التي بقت تحت لواء “القاعدة”، فكل الذين تم القضاء عليهم التحقوا بالعمل المسلح قبل سبتمبر 2007، ولم يحدث تسجيل حالات التجنيد الجديدة إلا في أماكن قليلة وبعدد محدود، ويرتبط بأسباب اجتماعية أو حتى أفراد جرى لهم غسيل المخ عن طريق الأنترنت أو تحت تأثير ضغوطات متنوعة، وهي حالات قليلة جدا لا يمكن من خلالها استمرار التنظيم وازدياد قوته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah