الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة العقل المصري .... دولة دينية أم مجتمع مدني ؟

محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ

(Mohamed Wagdy)

2010 / 1 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما كان مناط تقدم الشعوب برقيها وارتقائها صوب الأفضل .. فإن شهادة التاريخ عن المجتمع المصري ومدى
ارتقائه وتحالفه تشهد بأنه لم تحدث فيه طفرة التقدم إلا عندما تكاتفت فيه القوى الشعبية محولة إياه لمجتمع مدني مؤمن بحرية العقيدة ولم يتخلف إلا تحت وطأة الحكم الثيوقراطي والعسكري .
والنقد بمعناه السليم : " ذكر الإيجابيات وذكر السلبيات وطرق الإصلاح " مصطلح مفقود في المجتمع الذي يقع تحت وطأة الحكم الثيوقراطي الديكتاتوري .

إن حرية العقيدة أمر غير وارد في الحكم الديني ، أما عندما نسبر غور تفاصيل المجتمع المدني نجده في كل تفاصيله مؤمنا ً بها داعيا ً لها ... إن " توماس فيرجسون " ينادي قائلا ً " نحن لا يهمنا لونك ولا يهمنا دينك . يهمنا أن تعطي هذا البلد أفضل ما عندك وسيعطيك هذا البلد أفضل ما عنده .... لأنه لا يهمني إن كنت َ تعبد إلها أو تعبد حمارا ً " .

وعند دخول الحملة الفرنسية لمصر قامت بتشكيل ما يشبه مجلس الشيوخ ، وعرفت أساس المواطنة بأنها " حادثة الميلاد " بعيدا ً عن التفسيرات الثيوقراطية للمواطنة ، وبعيدا ً عن النظر للجنس والعرق .

وتلا ذلك ما قام به محمد علي باشا من تطوير بصورة أكبر وأشمل مساويا ً بين كل المصريين بكل فئاتهم ودياناتهم ، وقام بتشكيل جيش مصري منهم لما أثبتت له التجربة أن أهل هذا البلد هم الأقدر على حمايته ، ثم قلدهم الوظائف العامة ، وأعطاهم حق التملك وأرسلهم في بعثات للخارج لا فرق في ذلك بين مسلم ومسيحي .

وقد أدى هذا الوضع لوحدة الشعب بعناصره في العصور المتتالية ، والأمثلة أكثر من أن تحصى أو أن تعد . وأبرز مثال في العصر الحديث ما شهد به اللورد كرومر حينما اشتعلت المظاهرات في وحدة وطنية لا مثيل لها فأعلن عداءه السافر للأقباط واستبدلهم بالمسيحيين السوريين ، وقال : " أقباط مصر أعداء لنا ، ويجب أن نبادلهم عداء ً بعداء " .

ولم تستطع انجلترا شق صف الشعب المصري لتماثله في طباعه وأخلاقه والعادات التي كانت شبه متحدة .. فقد كان المصريون بكل طوائفهم لهم أعياد مشتركة " على سبيل المثال عيد النيروز وشهادة التاريخ على احتفال المسيحيين والمسلمين به على حد سواء " . فلجأت إلى محاولة شق تلك الوحدة بالنعرة الطائفية فاستقطبت حسن البنا عام 1927 م ، وأعطته 500 جنيه " 300000 جنيه بسعر اليوم " فتراجعت حرية العقيدة وظهرت التفرقة الملعونة التي نعاني منها حتى الآن .

وقد تحولت الحياة السياسية من مجتمع يحوي الجميع " في عهد سعيد باشا كان الأقباط ضمن أي بعثات للخارج ، رئيس الديوان قبطي ، محافظ القليوبية والمنوفية من الأقباط " .. ثم نجد ويصا واصف .. بطرس غالي ، حتى كانت التراجعات . فنادرا ً ما تجد في مجلس الشعب قبطيا ً واحدا ً منتخبا ً ، والوظائف الحساسة تخلو منهم .. بل إن الدعوات الصريحة توالت وتداعت حتى وقف أحد قادة الإخوان عام 1997 م ليعلن أن " الأقباط يجب أن لا يدخلوا الجيش حتى لا يسهلوا مهمة الأعداء " !!!!!! .

أما موقف الدولة فحدث ولا حرج .. هو موقف المتفرج المسيطر على الأمور والمستعين بهم في أحيان أخرى والذي تخرج الأمور عن زمام يده في أحيان ثالثة . ففي عهد السادات يستعين بهم للقضاء على التيارين الناصري والشيوعي ، ولكن ما يلبث السحر أن ينقلب على الساحر فيقتل بيدهم في مشهد مهيب في عام 1981 م . فتتراجع الدولة عن الدعم بعد فوات الأوان ، وتدخل في عداء سافر معهم ، ولكن هذا تم بعد أن رسخ فكرهم في هيئات ونقابات كثيرة أدت إلى إصدار دعوات وقرارات وتوجيهات مجحفة " مصادرة كتب ، طلبات إغلاق معاهد فنية بحجة السفور والاختلاط ، أحكام قضائية بالحسبة على مفكرين وباحثين وعلماء ، أحكام بالردة ، أحكام بالتفريق بين باحث وزوجته " .

ولا ننسى أن بتر الجذور المصرية بدعوى التناقض بينها وبين العروبة أو الإسلام لا يؤدي إلا إلى إضعاف وحدة هذا الوطن وانعدام فرصة عودة الدولة المدنية الداعمة للمساواة بين الجميع . فالمصري البائس المغيب والوريث الوحيد للحضارة الفرعونية التليدة يتبرأ منها ليل نهار عندما يردد بغباء " قال يا فرعون إيه فرعنك قال ما لقيتش حد يلمني " . إلى جانب شياع فكرة كفر وحرمة كل ما يتعلق بالتاريخ الفرعوني وشركهم وإفكهم وطغيانهم .. في حين أنه لو تم التمسك بتلك الأصولية الواحدة الوحيدة التي منها خرج كل المصريين " مسلمين – مسيحيين – بهائيين – قرآنيين – شيعة " لصارت هناك قاعدة واحدة يرتكن إليها الكل ويحتكم لها الجميع في البحث عن الهوية المفروضة لشعب تاه بين ظلال العروبة وصرخات القائلين بأن مصر لم تشهد نورا ً إلا عندما جاء عمرو بن العاص بجيشه " نصف الجيش العربي من بدو سيناء الذين لم يكونوا مسلمين !!!! " داعين لمحو كل قومية مخالفة ، وقد بدأ هذا الفعل مع أول أيام الغزو العربي . فقد أرسل عمرو بن العاص للخليفة عمر بن الخطاب يسأله عن مكتبة الإسكندرية واصفا ً له ما فيها من مخطوطات وبحوث ومراجع أذهلته فسأله عن لغتها فأنبئه أنها باليونانية والفرعونية فأمره بحرق المكتبة كاملة – في دعوة صريحة لمحو أي هوية غير هوية الغازين .

ختاما ً : لا خلاص إلا بدولة مدنية يتساوى فيها الجميع أمام القانون والدستور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخلاص بتسفيه مقولات الدين قبل الدولة المدنية
أحمد التاوتي ( 2010 / 1 / 30 - 09:54 )
هناك أشياء لا يمكن احتواءها أو توظيفها او توجيهها ايجابيا.. و أبرزها الديانات السماوية عكس الديانات الوضعية. لأن - السماوية- تتاسس على ركائز من خارج الفضاء الانساني، خارج ادراكه و خارج شهوده. و هذا ما اوقع جميع محاولات النهظة في السقوط ثانية بحبائل -مكر الله- . و على هذا أما آن الاوان لمواجهة الدين صراحة لاجتثاثه مرة واحدة و بقوة؟ بدل محاولات الاحتواء أو الاصلاح
لا خلاص الا بدولة مدنية... هذه القاعدة أخي الكاتب تنطبق على المجتمعات التي سفهت تماما مقولاتها الدينية و ألزمتها حدودها في خانة أنس الاسطورة و الترفيه النفسي للمقعدين. أما نحن فامامنا نفس المجهود و الا فان الدولة المدنية بآلياتها الديمقرطية تعيدنا كل مرة الى المربع الاول
تحياتي للسيد الكاتب


2 - ما العمل
سامي المصري ( 2010 / 1 / 30 - 11:06 )
الأستاذ محمد الفاضل
أتابع كتاباتك بكل الإعجاب ، أحيي فيك الشجاعة والقيمة المعلوماتية والتاريخية العالية في كتاباتك الناضجة الحرة. عمل التوعية الفكرية هام وضروري ولكن ليس كافي. في كل يوم أسأل نفسي ماذا بمكن أن نعمل لإنقاذ مصر العظيمة من محنتها؟ فلا أجد جوابا شافيا؛


3 - تجهيل الشعوب بالاعلام الاسلامى
Zagal ( 2010 / 1 / 30 - 12:23 )
ان موقف الدوله تجاه مايفعله الاسلاميين من عدم اتخاذ اجراءات سريعه لما يبذروه بالمجتمع هو مشاركه فى جريمة تجهيل الشعب المصرى بالاعلام الاسلامى.

الدوله و السلطه تخطط لحكم اطول و بالتالى لكى لايظهر اخر على الساحه من هو بالعبقريه و يقلب الحكم .. ينبغى المحافظه على جهل الشعب ليصبح سهل الانقياد و التاثير ...

الحل فى الاعلام و التعليم ... و ليس فى الارهاب و التعتيم

اخر الافلام

.. المسلمون في الهند يؤدون صلاة عيد الأضحى


.. عواطف الأسدي: رجال الدين مرتبطون بالنظام ويستفيدون منه




.. المسلمون في النرويج يؤدون صلاة عيد الأضحى المبارك


.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟




.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع