الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموروث الثقافي للأمة الإسلامية

زهير قوطرش

2010 / 1 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مع كل أسف مازال بعض المفكرين المغرضين يحاكمون الإسلام من خلال الموروث الثقافي الذي يعد بملاين المؤلفات والكتب ،والذي مازال في عصرنا هذا على ما هو عليه لا جديد فيه سوى إعادة إنتاج القديم وتلوينه بشيء من بعض العبارات أو الجمل المعاصرة مع الابتعاد عن كتاب الله فهما وتدبرا بما يتناسب والوسائل المعرفية لكل عصر ، وكانت النتيجة لذلك أن العالم الإسلامي مازال يرى بعيون الأموات ويفكر بعقولهم ويعيش في زمنهم الغابر، حتى غدا الموروث الثقافي ثقافة شعبية لها وجودها المادي في عقول العامة .وأصبحت هذه الثقافة عاملا من عوامل تخلف الأمة حضارياً ،وخاصة إذا علمنا أن هذا الموروث ترسخ من خلال الطقوس الدينية والعبادات،حتى صار في بعض الأحيان جزءاً من العبادات المقدسة ،وهنا كان لابد للعامة من تقديس السلف أصحاب هذا الموروث واعتبارهم من أولياء الله الذين أوحي إليهم ما جاءوا به، بحيث أصبح العقل المسلم يرفض أي نقد لهذا التراث أو أي نقد للمقدس" المؤلف "" التراث" ، والمشكلة الأخرى والأخطر في عالمنا الإسلامي أن الناس تعودوا أن يسمعوا ما يعرفون ، وترسخ في وعيهم أن كل جديد ولو كان فيه الصواب فهو بدعة ويجب محاربتها.وبالطبع العامة لا تعرف ولا تريد أن تعرف إلا هذا الموروث الذي استطاع رجال المؤسسات الدينية ، وأبطال الفضائيات الملتحين بسترة السلفية والوهابية المنتشرة على امتداد الكرة الارضية تسويقه وتفعيله من خلال إنذار العامة بالجزاء والعقاب في الدنيا والآخرة إن هم فكروا أو تدبروا ، أو عادوا الى كتابهم بعقلية الباحث عن الحق ..لأن الحق قيل وانتهى.....وليت الأمر قد توقف عند هذا الحد ،فكان لابد من تكريس الانقسام والتفرقة والشرذمة ، بين أبناء الأمة وذلك خدمة للأغراض السياسية والمصلحية, وخدمة لهذه الثقافة التراثية فكان لابد لكل مذهب أو طائفة من أن تقنع العامة بأنهم (أي ) الذين يمثلون هذا المذهب أو الطائفة هم فقط على حق دون الآخرين فكانت ضربة المعلم التي لا تخطئ باستحداث مفهوم الفرقة الناجية
" تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة جميعها في النار إلا واحدة"
كما يقال في العامية ضربة معلم باطلة في حق هذا الدين وكتابه العظيم ....لأنها في الواقع ولدت ثقافة نفي الأخر وتكفيره بل وقتله وتصفية أتباعه ومريديه ،وبهذا يكونوا قد حكموا عليه أنه في النار وأصبح قتله حلال لكفره ....إذن المشكلة أننا أمة تراثية العقلية ،لدرجة الإشراك التراثي برب العزة .
لكن لابد لنا من الأنصاف في القول ، ولنسأل أنفسنا هل فعلا كل التراث الإسلامي مرفوض رفضا قاطعاً.... لا أعتقد ذلك ،المتنورون يقولون نحن نرفض هذه المقولة جملة وتفصيلاً... لأن التراث شئنا ام أبينا هو تراث هذه الأمة التي ننتمي إليها،وهو تراث المسلمين ،بغض النظر وافق تعاليم الدين أم أنحرف عنها في بعض الأمور.لكننا ضد تقديس التراث وتقديس الأشخاص الذين أوجدوه تأليفا وقولاً ...وكون التراث أصبح صنما للعبادة وللشرك بالله ،رأى المتنورون ومن يدور في فلكهم ويتفقون معهم في رؤيتهم الإسلامية ،أنه علينا واجب البلاغ لهذه الأمة ،كي تستعيد دورها الرائد في الدعوة الى التوحيد الخالص الذي أساسه العدل ، وآتباع أسلوب الجهاد السلمي ومواجهة الباطل بالحق من خلال تطبيق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعتماد أسلوب العمل الدعوي القائل الرأي بالرأي ،والحب بالحب،والبرهان بالبرهان ،رافضين ثقافة الخوارج التي تعترض على الحاكم بالسلاح،داعين الى العمل والتدبر في كتاب الله وتأويل آياته بما يتطابق وروح العصر المعرفية ساعين السير في طريق الحقيقة المطلقة ،وإن كانت معرفتنا اليوم نسبية ،لكنها صاعدة نحو المطلق والحمد لله .
وقد يتساءل القارىء متى وكيف تمت ولادة هذا الموروث بشكله الذي كرس مبدأ الاستبداد ورفض التعددية الفكرية في عالمنا الإسلامي.. استطيع أن أجزم أن فكر الغزالي هو الفكر المؤسس لهذا التيار ، ولا أستطيع أن أجزم أن فكر الغزالي هذا كان عن سوء نية أبداً ،بهذا نكون قد ظلمناه ظلماً كبيراً فللرجل مؤلفات واجتهادات تناسب عصره ويمكن قراءتها اليوم بعيون ناقدة مع الاستفادة من الايجابي فيها واخذ ما يناسب عصرنا الحالي .لكن الظروف التي أحاطت بالدولة الإسلامية آنذاك من ضعف للدولة العباسية ، ودخول الشعوب المختلفة في الإسلام حاملين معهم ثقافات شعوبهم ومعتقداتهم الأصلية ، كانت العامل الأساس الذي دفع الأمام الغزالي رحمه الله إلى إحداث فكر جديد مبني على تقوية سلطة المركز بغداد،وإعطاء اجتهادات قوَى فيها السلطة ورفض سياسة التعدد وقبول المعارضة ،وأعطى للسلطان كما الله. لكن الله بعلمه ورحمته ،والسلطان بأجهزته الأمنية والقمعية، وبرر السلطة بالشوكة وليس بالبيعة. ذلك أن أي حاكم يأتي الى السلطة ولو من خلال قتل سلفه والانقلاب عليه هو حاكم شرعي ،وحتى تنقاد العامة أعلن مبدأ الحاكمية لله وأن السلطان خليفة الله ......
مع كل أسف هذا الموروث الذي جاء به في تلك الظروف التي تم ذكرها تم تقديسه واستقر منذ ألف عام كتراث مقدس ليصبح ثقافة عامة شعبية صحيحة إلى يوم الدين بنظر علماء الأمة أصحاب الفكر السلفي وغيرهم من شيوخ الحسبة، لكن الخلف حاولوا محاولات متعددة من أجل تصحيح ونقد الموروث النقلي لكنهم فشلوا في ذلك ." وطبعا وكما أقول دائما أن العتب على الذين أرادوا التنوير ،وفعلوا وانتقدوا وقدموا ما كان عليهم ان يقدموه ،وقاسوا من جراء ذلك الأمرين من السلطة السياسية حامية المؤسسة الدينية النقلية،حتى أنهم اتهموا بالزندقة والكفر.لكن مشكلتهم انهم كانوا يشكلون أصواتاً فردية غير مؤسساتية ،ولهذا بالطبع فشلوا ،لأن المشروع التنويري الفردي يسقط بموت صاحبه.
( وهنا لابد لي في هذا المقام من أن أقدم نصيحة أخوية لأخواتي ولأخوتي أصحاب مشروع اهل القرآن ،بان هذا المشروع هام لدرجة كبيرة جدا ،قد لا نلمس نتائجه اليوم ،لكنه خطى خطوات رائعة،وفتح مجالاً للبحث عن منهجية عقلانية علمية في تدبر كتاب الله ،وتقديم نتائج هذا البحث للخاصة والعامة من اجل إحداث التغير المطلوب ، وصاحب المشروع هو الدكتور أحمد منصور الذي قاسى ما قاسى هو وعائلته في سبيل مشروعه التنويري.لكن الدكتور أحمد بعد عمر طويل ،سيكون لعمره نهاية ،وسوف ينتقل الى خالقه ،لهذا لابد له إن أراد لهذا العمل الاستمرارية من أن يجعل موقع أهل القرآن موقعاً يسير باتجاه المؤسساتية ،وهذا أمر رائع أرجوا أن يدرك معانيه أهل القرآن .ويعملوا يدا واحدة على تفعيل العمل المؤسساتي .وإلا سينتهي المشروع ،بموت الدكتور بعد عمر طويل.") أعود الى الموضوع الأساس .هذا الموروث النقلي يحمل في جانبيه مشروعا تنويريا،وعلينا الانطلاق منه وذلك من خلال نقده نقداً موضوعياً ،مع مقاربات ذلك بمنهجية قرآنية مفهومة للعامة ،نحمله الى المنبر الشعبي حتى نستطيع به تغير الأنفس والعقول، لأن مقاومة القديم تبدأ من داخله ،لأنه كفعل بشري يحمل في طياته قانون الفناء والتغير من منطلق التطور الصاعد. وحتى نستطيع الدخول في أذهان شعوبنا الإسلامية يجب على هذا الفكر أن يعبر عن تطلعات الناس ،من أجل تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية التي أصبحت مطلبا شعبيا .نحن لسنا مطالبين بأن نقدم للناس مشروعا للدار الآخرة فقط ،ولكن علينا أن نبني للناس جنة على الأرض تسدوها العدالة والمساواة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2010 / 1 / 30 - 16:55 )
الأخ الكاتب المحترم ، تحية ، شكراً لعرضك ، وهي وجهة نظر تحمل العديد من الأفكار الإيجابية القابلة للحوار الإيجابي ، لكن على قاعدة المساواة الإجتماعية الكاملة بين أفراد المجتمع ذكر أو أنثى ، والمطلقة أمام القانون الوضعي . وبعد ذلك ليعتنق من يشاء ما يشاء . مع التحية لجهدك .


2 - تحية عاطرة
زينهم عبد الفتاح ( 2010 / 1 / 31 - 00:36 )
كلمة حق فى زمن أسلم نفسه للوهم الموروث يأخذ بنواصى النفس المسلمة إلى غياهيبه فتفقد هويتها كما يريدها الإسلام لنكتسب هوية أخرى يريدها المرتزقون بالدين ليحافظوا على مهنتهم من الضياع
أما بالنسبة لمصطلح -القرآنيون- فهو فخ فكرى وقع فيه الطرفان القرآنيون ومعارضوهم فالمعارضون قصدوا به إخراجهم من دائرة المتبعين لسنة النبى محمد - صلى الله عليه وسلم - ةهو خطأ فاحش لأن القرآنى لابد بالضرورة أن يكون متبعا لسنة النبى لأن القرآن يأمر أمرا حاسما بطاعة واتباع النبى والقرآنيون تقبلوه لأنه يعفيهم من الالتزام -ليس بالسنة النبوية - ولكن بالكتب التى تضم ما ادعى أصحابها أنها تنتمى للنبى والمتبع للإسلام هو مسلم وليس له لقب آخر وكل الألقاب باطلة


3 - سيمون خوري
زهير قوطرش ( 2010 / 1 / 31 - 11:54 )
شكراً على التعليق الكريم .واتفق مع كل ما ذكر.وخاصة التنويه - وبعد ذلك ليعتنق من يشاء مايشاء.


4 - الأخت زينهم عبد الفتاح
زهير قوطرش ( 2010 / 1 / 31 - 12:06 )
اشكرك على التعليق. وقد أصبت كبد الحقيقة بقولك:
كلمة حق فى زمن أسلم نفسه للوهم الموروث يأخذ بنواصى النفس المسلمة إلى غياهيبه فتفقد هويتها كما يريدها الإسلام لنكتسب هوية أخرى يريدها المرتزقون بالدين ليحافظوا على مهنتهم من الضياع.-
لكن لي تعليق بسيط على موضوع أهل القرآن. ...فأهل القرآن لم ينكروا السنة العملية للنبي(ص)
هم من أعاد لهذه السنة دورها ونقائها المستند غلى كتاب الله مع أني شخصياً أحتج على مصطلح سنة الرسول ...لأنه لا سنة إلا سنة الله التي لا تقبل لا تبديل ولا تحويل . القرآنيون أنكروا أن يكون للنبي سنة قولية توازي كتاب الله ,بل وتستطيع نسخ بعض من آياته. هذه السنة القولية التي وصفها أصحابها,بأحاديث صحيحية وضعيفة وووووووو. هل يعقل أن تكون وحياً من الله. .القرآنيون ,يطبقون ما تواتر عن نبيهم بشأن العبادات.. ولا اختلاف حولها إلا من بعض ,الثانويات. التي لا تأثير لها على العقيدة. أما ما جاء في تراث الأمة من كتب تم تقديسها ,ومؤلفين لها جاءهم الوحي بعد وفاة الرسول ...هذا ما يرفضه القرآنيون .

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال