الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سردية عراقية أم صناعة ذاكرة؟

عبد الجبار خضير عباس

2010 / 1 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


اثارت انتباهي ندوة في احدى الفضائيات، ثيمتها الرئيسة الاموات يحكمون الحاضر، أو الاحياء يهيمن عليهم الاموات ..كانت التساؤلات في البدء تثير الفضول ويتوقع المتلقي انه ازاء ندوة نوعية ستنحو باتجاه البحث عن الهوية.. الذات العراقية المغيبة المتشظية..كيفية خلق سردية عراقية كبرى.
الا ان اهم ما اثير فيها هو موضوعة "صناعة ذاكرة عراقية" إذ ان هناك قراءتين للحاضر وللتاريخ (ويقصد هنا صاحب الرأي) التاريخ الاسلامي.. والتاريخ السياسي الحديث أي بعد العام 1921 بوصفه يتكىء على مقولة الملك فيصل الذي يقول (في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد ، بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من أية فكرة وطنية متشعبة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة) وهنا صاحب الرأي، يشكل ذاكرته المصطنعة في فضاءين، اولهما بداية الدخول الاسلامي للعراق، وثانيهما بعد الاحتلال البريطاني، من دون الارتباط بالعمق التاريخي للعراق . في البدء لنناقش فكرة ( كيف نصنع ذاكرة عراقية)، انها اشبه بالمهمة المستحيلة، فاذا كان هذا المفهوم يشتغل في بيئة سوسيولوجية وحضارية وسياسية واقتصادية مفارقة، فهو بالضرورة غير ملائم ولامنسجم مع الواقع العراقي، اذ ان جذر المواطنة في الدولة القومية او دولة المؤسسات الديمقراطية، هو مواطن، يقابله في العراق ، جذر شيعي مسلم!، وسني مسلم!، فلا اعتقد ان مثل هذه البضاعة ستجد لها سوقا او رواجا في العراق حاليا..والمثير للدهشة هو عده مقولة الملك فيصل وكأنها نص مقدس علينا ان نسلم به ونلغي تاريخا وتضاريس حضارية ومعرفية واركولوجية، تعد من اهم الاثار التي تحكي قصة الحضارة في التاريخ وحركة الانسان ونشوئه الاول، وننسى صناعته العجلة والكتابة، وتشكل اول صور للدولة (الزقورة) والقانون ..فلا نريد هنا الخوض في ان مفردة العراق هي اقدم من تاريخ هذه المقولة. ثم هل التسمية هي التي تحدد الزمان والمكان وتحكمه ام الفعل الحضاري الذي يحدد ذلك؟، فهل كانت مثلا ايطاليا في زمن ميكافللي هي بالتسمية ذاتها الان ام كانت مجموعة دويلات او مقاطعات وجمهورية وكذلك الحال بالنسبة لالمانيا..وغيرها فهل من المعقول ان نلغي من التاريخ ان اللغة السريانية والكنيسة النسطورية كانت تمتد من بصرياثا الى شمال العراق وابعد من ذلك حتي، ثم اين توارت الحيرة او مملكة ميشان او ملحمة كلكامش واور وبابل وعشتار وتموز وأكد هل هي سرديات وتلفيقات تاريخية؟، وهل العراق مثل باقي الدول في افريقيا او جزيرة في المحيط الهادي، جاء المستعمر، فوضع لها تاريخا وصنع لها سردية وهوية ولغة.. ثم كيف تحول الملك فيصل الى عالم انثربولوجي رأسه برأس ليفي شتراوس مع (احترامنا الشديد له كملك وانسان) لكن هذه مفارقة عجيبة، فرضت علينا فرضا، واصبحت نصا يرتقي الى القداسة، بفعل انسجامه مع اطروحات الفكر العروبي غير المتحمس للعمق الحضاري وللتنوع الاثني والديني والقومي العراقي فضلا عن ان المتأسلمين هم كارهون للاصنام والاوثان!! اما الرموز التاريخية فهي شخصيات كافرة!، وهذه الرؤية تنسجم مع مقولة د.عبد الوهاب المسيري الذي يقول(أن أكبر تهديد للهوية العربية هو الدولة الصهيونية لأن مشروعها هو بعث ما يسمى "الهوية اليهودية"، وهذا يتطلب تفتيت الهوية العربية ومحوها. ومن هذا المنظور الصهيوني لابد من العودة إلى ما قبل الإسلام، حيث كانت هناك هوية آشورية وفرعونية وفينيقية، ومن هنا الدعوة للعودة إلى الحضارة الفرعونية، وإلى الحضارة الفينيقية في لبنان والحضارة الآشورية البابلية في العراق! وهذه كلها حضارات متحفية جميلة(تأمل المتحفية الجميلة) لكنها ليس لها امتداد في الحاضر..
ولذا حين كانت تحدث نهضة في مصر كان لابد وأن تدافع عن جناحها الشرقي وتوطد صلتها ببقية العالم العربي، حتى يتحدث الجميع بصوت واحد أو تتحدث مصر باسمهم. هذا ما فعله الفراعنة،(أي كان الفراعنة يتحدثون نيابة عن الجناح الشرقي!) وهذا ما فعله إبراهيم باشا في العصر الحديث، ثم جمال عبد الناصر).
وهنا اجد نفسي مضطرا الى الاشارة الى انه في عهد صدام، قامت شخصيات مهمة في النظام بتهريب اقدم توراة في العالم الى اسرائيل، كما ان اسرائيل لعبت دورا كبيرا في محاربة النهوض الحضاري في العراق وكيف انها دمرت المفاعل النووي العراقي فضلا عن دورها في تحجيم او بروز الاثار العراقية، اذ معاداتها غير خفية وما فعلوه من سرقة للاثار العراقية بعد التغيير في العام 2003 وبشكل اكاديمي ومنظم، يؤكد ان اسرائيل تعمل على محاربة وطمس الحضارة العراقية ولاسيما البابلية منها التي تذكرها بالسبي. فاذن لاغرابة حين نجد في مناهجنا المدرسية ثمة تغييب لمفهوم الانتماء والوطن، اذ ان كتبة المناهج يتماهون مع ثقافة، حولت العراق الى طرف وليس مركزا كما هو حاله في التاريخ والاستحقاق الحضاري، فلو تصفحت مثلا كتاب الجغرافية في الصف الخامس الابتدائي، فانك لاتجد أي حديث عن جغرافية العراق، فالعنوان هو جغرافية الوطن العربي، حتى حين تقرأ مثلا عن الانهار، فتجد ما كتب عن نهر النيل اكثر من الحديث عن دجلة والفرات، وامور اخرى ترى اين ومتى سيقرأ الطفل ويتعلم عن تاريخ وجغرافية الوطن ويدرك اهميته، وكذا الحال في كتاب التاريخ للسادس الادبي فما كتب هو عن التاريخ العربي وعن شمال افريقيا وبكل اسهاب، نحن هنا لسنا ضد تعلم تاريخ الوطن العربي لكن من باب اولى ان نضع مساحة واسعة للعراق اولا ومن ثم الاخرين، كما يفعل المصريون (مصر اولا) والاردنيون (الاردن اولا) وبقية الدول العربية. خلاصة القول نحن بحاجة لسردية عراقية ، تجعل الكردي والتركماني والسرياني والمندائي والازيدي والشبكي يجد صورته فيها، سردية تعيد للذات العراقية تموضعها الحقيقي كمركز، والاخرين كاطراف لا ان تجعل من العراقي، يبحث عن حلول لبيئته المائية في الصحراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السردية
كامل الدلفي ( 2010 / 1 / 31 - 11:54 )
الاستاذ عبد الجبار خضيرعباس المحترم
تحية
اشدعلى يديك في وصولك الى المغزى المبين في النص،بالرغم من المواضيع المتعددة التى انطوى عليها والتي هي بامس ما تكون الى الفرز والتوضيح لكن اشارتكم اليها يعني بداية مشوار بحثي جديد في قضية من اندر القضايا الفكرية التي تخص سكان وادي الرافدين .احييكم على جهدكم المميز وتقبلوا مني ايات الاحترام.

اخر الافلام

.. طلاب إسرائيليون يهاجمون داعمين لفلسطين بالألعاب النارية في ج


.. -قرار بايدن- يغضب إسرائيل.. مفاوضات الرهائن في خطر




.. هل الميناء العائم للمساعدات الإنسانية سيسكت جوع سكان غزة؟


.. اتحاد القبائل العربية في سيناء برئاسة العرجاني يثير جدلاً في




.. مراسل الجزيرة: استشهاد ثمانية فلسطينيين نصفهم أطفال في قصف ع