الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمة -الأقليات- كيف نسقطها من قاموس واقعنا اليومي؟

رشا أرنست
(Rasha Ernest)

2010 / 1 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ضمن تتطور الأحداث بعد حادث نجع حمادي الذي راح ضحيته ستة أقباط في ليلة عيد الميلاد تنتشر الأخبار لتشمل تحويل المعونة الأمريكية من مواجهة أنفلونزا الخنازير لتنفيذ برامج حقوق الأقليات. وبالطبع لم يُعلن إذ كان الأقباط هم المعنيون بكلمة أقليات في هذا الشأن أم أن هناك آخرون معنيون. فكلمة أقليات أصبحت شائعة جداً. فالأقباط أقليات، البهائيون أقليات، ذوي الاحتياجات بعد أن فاق عددهم ثمان مليون شخص أقليات، اللاجئون في مصر أقليات وكذلك المثقفون، المدونون، المتعصبون، المدخنون، الإرهابيون وغيرهم. فهذا المصطلح أصبح يُُطلق على كثير من الفئات في المجتمع المصري بسبب وبدون سبب. ويشاء القدر أن أكون من المحظوظين لأنني اُعتبر ضمن كذا أقلية من كل تلك الأقليات. وأسأل كيف نكون أقليات في وطننا؟ كيف اُعتبر من الأقليات كوني قبطية أو مدونة ضمن تلك القائمة السابقة من الأقليات؟ مَن فعلياً يستحق أن يُعتبر من الأقليات؟... ألم نولد جميعاً في هذا الوطن؟ الم يَكتب التاريخ أن الأقباط أي المصريون جميعاً هم أحفاد الفراعنة؟ الم تشرب ارض هذا الوطن دماء مسيحيون اختلطت دمائهم بأشقائهم في الوطن الواحد من المسلمين؟ كيف يعتبرني وطني أقلية وأنا من تاريخ أصل هذه الأرض؟....الأسئلة كثيرة وجمعيها اطرحها من داخل قلوب شباب من حولي ولدوا وتربوا على أنهم أقلية، ولكنهم غير قادرون لا على قبول هذا الواقع ولا على تغييره. ويزداد الأمر إزعاجاً مع ما تثيره وسائل الإعلام من تناقضات كثيرة من جميع الأطراف، لذلك هم في حيرة، هل لهم حق هنا في وطنهم أم لا؟.... ولكن للأسف ليست كل الأسئلة تنتهي بأجوبة قاطعة. لأنه حتى وان نطق التاريخ وقال "هذا وطنكم ولا يقدر أحد أن ينزعكم منه" فالواقع يتحدث بلغة أخرى. لغة القمع والضغط وإهدار الحقوق وأخيراً وربما ليس آخراً لغة الدم.
هناك كثيرون يحاولون تهدئة الوضع منذ حادث نجع حمادي ويستخدمون كلمات رنانة، كحقوق الأقليات الواصلة لأصحابها كاملة، وكأنهم يتكرمون عليهم بما يفيض. وكلمات من هنا ومن هناك عن النسيج الواحد وجميعها تطفو على السطح بعيدة كل البعد عن واقع حياتنا اليومي. ولكني أحاول بصراحة أن اطرح حال بعض مما يسمونهم أقليات في وطنا العزيز. ولكي أكون أكثر صراحة فمع وجود كل ما سبق ذكره هناك أيضاً الجانب الآخر وهم الأقليات وردود أفعالهم السلبية في مواجهة هذه الأمور كالأقباط خاصة واغلب الأقليات عامة. فمعظمهم غير قادر على مواجهة أي من المواقف السلبية في حياتهم. الاستسلام أصبح نهجاً للحياة في مصر والهجرة إلى الخارج هي السبيل والأمل الوحيد للهروب من جحيم الأقلية هنا. ورغم وجود هيئات للدفاع عن حقوق الأقليات إلا أنها تعتبر ضوء الأمل الوحيد للقليل جدا، والذي وسط كمّ هائل من التفرقة بين شعب الوطن الواحد يكاد لا يظهر.
يُذكر أن البابا شنودة الثالث في عظته بالإسكندرية الأحد الماضي 24 يناير أجاب سؤال شخص بنصيحة وهي تقديم اعتذار عن مراقبته الامتحانات بجامعة الإسكندرية، لإراحة ضميره من كثرة حالات الغش التي يراها من الطلاب يوميا دون أن تكون لدية الشجاعة بتحرير محاضر غش لهم خوفا من بطشهم به. وهذا الخوف بالطبع لكونه "قبطي يعني أقلية". على جهة الآخرة وهنا في صعيد مصر بجامعة أسيوط تعرض طالب بإحدى الكليات لتحرير محضر له فور خروجه من دورة المياه بحجة أنهم وجدوا أوراق تخص المادة ملقاة على أرضية دورة المياه وهذا ما يفعله الكثير من الطلبة في ظل تعليمنا الزاخر. ورغم أن الطالب بالسنة الأولى وهو من الطلاب الذين لا يحملون الجرأة للغش، كما انه أنكر أن الأوراق تخصه، ورغم أن قانون الجامعات نص على عدم تحرير أي واقعة غش خارج لجنة الامتحان إلا أنهم اعتبروا أنها حالة غش وتحرر له محضر فوراً وهو أيضاً "قبطي يعني أقلية". في الرواية الأولى نصيحة الاعتذار عن المراقبة أو "الهروب" هي الحل الأمثل، وفي الرواية الثانية الاستسلام هو الحل. ولكن إن حدثت الروايتين أو إحداهما لشخص مسلم- بتوقع الحس المصري- ستكون ردود الأفعال مختلفة تماماً وهذه مجرد وجهة نظر. فتعريف كلمة أقلية من واقعنا المعاش تُعني للمسلم أن للأقليات مكانة وحقوق اقل، وتُعني للمسيحي انه مدعوّ للصمت أو الانكسار.
ما أود قوله انه يجب علينا أن نعقل الكلمات قبل طرحها خارجاً وإدراك كيفية استعمالها، ليست فقط كلمة أقلية وإنما كل كلمة نتفوه بها. في البدء كانت الكلمة، فهناك كلمات تريح القلب وهناك أخرى تُشعل النار. واستعير بعض الكلمات من مسرحيه الحسين ثأر الله للأستاذ عبدالرحمن الشرقاوي "أتدري ما معنى الكلمة؟ مفتاح الجنة في كلمه ودخول النار على كلمه وقضاء الله هو الكلمة. الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي. الكلمة زلزلت الظالم، الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة".
وختاماً أعزائي المصريون جميعاً، إخوتي في وطني مصر وطن الأوطان يجب علينا أن نطرح من قاموس حياتنا اليومي مصطلحات وكلمات لا فائدة منها غير بناء جسور للتفرقة بين شعب الوطن الواحد. وان نطرح عن أفكارنا كل استسلام وهروب وتناقض وان نخرج من إطار الانهزامية لنستطيع معاً مسيحيين ومسلمين أن نتخطى تلك الأحداث بدون أي تدخلات أو صراعات الخاسر الوحيد فيها هو هذا الوطن الذي يعيش في وجداننا ويجمعنا كلنا على أرضه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran